أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مؤيد عبد الستار - ذكريات من تلك الايام المجيدة















المزيد.....

ذكريات من تلك الايام المجيدة


مؤيد عبد الستار

الحوار المتمدن-العدد: 2707 - 2009 / 7 / 14 - 04:44
المحور: الادب والفن
    


كان الصيف حارا وكنت أقضي عطلة المدارس في بيت جدي لابي الذي قرر الانتقال من مدينة الكوت حيث كنا نعيش الى مدينة الكوفة كي يقضي بقية حياته مطمئنا قرب مرقد امام المتقين ، فانتقلت جدتي معه تلبية لرغبته العارمة في ان يثوي آخر المطاف في وادي السلام.

تميزت الحياة الاجتماعية في خمسينات القرن الماضي بطابعها البسيط وهيمنة التقاليد على سكان المدينة الذين كانوا يعملون في الزراعة وفلاحة البساتين والحرف اليدوية البسيطة ويقدمون الخدمات لسيل الزوار الذين يفدون الى المدينة ، فشاهدت المواكب الحسينية الكبيرة هناك وهالني منظر التطبير الذي يمارسه المئات من الرجال والاولاد صباح يوم العاشر من محرم وهم يستعرضون بدمائهم في مسيرات حاشدة امام مسجد مسلم بن عقيل في الكوفة .

نهضنا صباح يوم الرابع عشر من تموز اثر سماعنا جلبة في الحي، وعلمنا من جارنا المعلم مسلم جعفر شبع ان ثورة قد حصلت ببغداد ، وما ان حل المساء الا وكنا نسمع من جدي ومن الناس ان ثورة قام بها الجيش وقضت على الحكم الملكي ، وبعد ايام قليلة حصلنا على صور لقادة الثورة وكانت صورهم في الزي العسكري لا تقدم لنا فكرة عن الثورة وانما ما نسمعه من الناس والراديو من اخبار واشاعات حول مقتل الملك وفرار نوري السعيد.

بعد أيام من قيام الثورة ،لا اذكر بالضبط تاريخ اليوم ، خرج الناس مساء عن بكرة ابيهم من بيوتهم يركضون نحو مسجد مسلم ابن عقيل وركضنا معهم انا واخي ، قالوا ان عبد السلام محمد عارف سيهبط بطائرة قرب مسجد الكوفة .

تدافع الناس من البوابة الكبيرة للمسجد ، ولسوء الحظ ان البعض تعثر على سلالم المسجد فنقلوا الى المستشفى وقالوا ان هناك من مات تحت الارجل ، الا اننا دخلنا المسجد من البوابة الاخرى الجانبية التي لم تكن مزدحمة .

هبطت طائرة هليكوبتر داخل المسجد فاثارت الغبار والفزع ولم نستطع مشاهدة عبد السلام عن قرب بسبب الازدحام فالقى كلمة لم نسمع منها شيئا ، لان الطائرة شغلتنا اكثر من اي شئ اخر . وثار لغط بين الناس حول حرمة المسجد وخطأ هبوط الطائرة في ساحته .

ظلت اخبار الثورة تاتي الى المدينة بشكل اشاعات حتى عدنا الى مدينة الكوت قبل افتتاح المدارس ، وهناك ايضا زار المدينة عبد السلام وهبط في طائرة هليكوبتر ، قالوا انه مرسل من قبل الزعيم عبد الكريم قاسم ليزور لواء الكوت ، فتجمعنا قرب المتصرفية ، كما اذكر ، وشاهدنا مجموعة من الضباط قالوا ان عبد السلام بينهم فالقى كلمة ضاعت وسط الضجيج والهوسات والصياح وحرارة الشمس والتراب وكثرة الناس المجتمعين ، ثم سمعنا البعض يبحث عن نجوم فقدت من كتف عبد السلام بسبب التدافع حوله ، قالوا انها من ذهب ، ثم فيما بعد سمعنا ان عبد السلام ليس قائد الثورة وانما الزعيم عبد الكريم قاسم هو الزعيم ، واستهان الكبار بعبد السلام وانه لا يعرف كيف يخطب في الناس ولم نكن ندرك حقيقة الامر .

كانت مدينة الكوت اواخر الخمسينات مسرحا لاحداث سياسية هامة جعلتنا ندرك بعض الاشياء عن قرب ، وكانت تظاهرات عام 1956 التي عمت المدينة واضراب السوق الكبير بسبب العدوان الثلاثي على مصر واعتقال عدد من الشباب والطلاب والسياسيين واضراب سجن الكوت من الاحداث الكبيرة في المدينة ، واذكر هتاف بعض الناس ضد نوري السعيد وصالح جبر ، كما كانت احداث مدينة الحي القريبة من مدينة الكوت وتناقل اخبار اعدام عطا الدباس ورفيقه علي من الاحداث السياسية الكبيرة التي هزت المدينة .

كان الفقر والتخلف من المظاهر البارزة في المدينة ، ورغم كوننا اسرة ميسورة الحال الا ان الكثير من اقاربنا ومعارفنا كانوا يعيشون في فقر مدقع ، كان بعض اقاربنا واشهرهم ابو سلام يتعرضون للسجن والاعتقال بسبب نشاطهم السياسي ، وكان لسجن الكوت الشهير وهرب السجناء منه والاضراب الذي حدث فيه ورمي السجناء بالرصاص من الاحداث التي فتحت عيوننا على صراع مع الحكومة ، فكان اخي الصغير الذي لايتجاوز عمره خمس سنوات يصعد على سور البيت ويهتف بصوت عال ضد نوري السعيد وصالح جبر فكان يثير القلق خوف آذان الشرطة السرية ، واذكر مرة اجتمعنا في بيت جدي لامي في الكوت وكان خالنا ابو سلام قد غادر سجن نقرة السلمان حديثا واجتمعنا للقائه فحدثنا عن الشيوعية والحكومة ، واذكر جيدا ان جدتي ذهبت وهي تحمل سطل ماء لتستطلع الشارع بحجة رمي الماء خوفا من ان يسترق السمع رحيم السري – كما قالت - الذي كان يسكن قريبا منا في محلة سيد حسين ، وهي محلة مشهورة في الكوت معظم قاطنيها من الكرد الفيليين .

اثارت ثورة الرابع عشر من تموز الحماس في نفوسنا ، فتشكلت فرق المقاومة الشعبية ، وكنا نسير مع اقاربنا ليلا ونحن نحمل العصي لنحرس محطة البانزين الوحيدة في المدينة و القريبة من بيتنا في الساحة التي سميت ساحة 14 تموز كما اذكر ، واصبحت التظاهرات شائعة وكانت جموع الفلاحين وسكان الريف واهل المدينة ينتظمون في مسيرات كبيرة يهزجون فرحا بالثورة ويهتفون بشعارات ضد الاستعمار والرجعية، واذكر احدى الهوسات الفلاحية : شلون انام على الذل والذل ما ينًام عليه . وشعار سبع ملايين تريد حزب الشيوعي بالحكم ، وشعار عاش الزعيم عبد الكريم ... حزب الشيوعي بالحكم مطلب عظيم .
اصبحت التظاهرات امرا مبالغا فيه الى درجة ان احد المعلمين انتقل الى مدرستنا وكان معمما ، يرتدي عمامة بيضاء ، يدرسنا الدين ، كان قاسيا جدا ، لايعرف غير الضرب ، ينهال علينا ضربا لابسط الاخطاء ، فخرجنا في تظاهرة ، كنا ندور في ساحة المدرسة ونهتف : يسقط ابو عمامة ، لانه كان جديدا ولا نعرف اسمه ، فاضطرت ادارة المدرسة الى نقله ولم نره بعد ذلك .
كما اذكر ان بيوت بعض الاقطاعيين كانت مطلة على نهر دجلة الذي يشق مدينة الكوت ، فشاهدتها مهجورة بعد ثورة تموز ، هربوا وظلت بيوتهم مغلقة لايسكنها احد ، كان الصغار يضربون شبابيكها العليا بالحجارة فتهشم بعض الزجاج ، قالوا انهم هربوا الى بيروت ، ولم اشاهد احدا دخلها او نهبها او صادرت الحكومة شيئا منها .

ذاعت شهرة الزعيم عبد الكريم قاسم بين الناس ، واشتهر الحزب الشيوعي بمساندته للثورة ، فاصبح الزعيم رمزا كبيرا يريد الناس منه تحقيق كل شئ ، اذكر اصطفاف الناس مساء ينظرون الى القمر بحثا عن وجه الزعيم ، قالوا ان وجهه مرسوم على القمر.

كان عالم جديد يتشكل في المدينة ، فدبت حركة متواصلة تميزت ببوادر الاعمار والعمل على تجديد كل شئ ، بدء ً من الكتب المدرسية الى تغيير رجالات الحكومة ، فغالبا ما نرى موظفا جديدا يتسلم منصبا من موظف سابق دون احتجاج يذكر .

اهم ما لمسنا من تغيير في حياة الناس هو خروج المرأة الى التظاهرات وشيوع الحديث عن الحرية ، فكانت كلمة الحرية تصبغ بلونها الساحر جميع الاشياء حتى ان البعض تمادى في تطبيقها لدرجة انها اصبحت مقرونة بالفوضى ، وتوجس كبار السن والتقليديين خوفا من ظهور المرأة بقوة في الحياة الاجتماعية ،ونزع البرقع والبوشي وشيوع قص الشعر على المودة ، وراحوا يهاجمون الثورة التي تريد مساواة المرأة بالرجل ، ولكن عجلة ثورة تموز كانت قوية فداست على حطام الحياة الساكنة وتمرد الشباب على التقاليد البالية ، وانتشرت الصحف التي تدعو الى الانعتاق والتحرر ، وازدحمت دور السينما لمشاهدة الافلام الجديدة وكان اول فيلم شاهدته هو فيلم الفاتح العظيم ، ومن ثم فيلم الام قصة مكسيم غوركي الذي الهب حماس المشاهدين فخرجنا من السينما الصيفي على شاطئ النهر بتظاهرة عارمة .
وفي المقابل ناصب القوميون العرب الثورة والتجديد العداء ، وحشدوا ابناء الاقطاع والمتضررين من الثورة وشجعوهم على ممارسة العنف ، فحدث اول اصطدام في المدرسة الثانوية بين الطلاب المؤيدين للثورة والمعارضين ، فاصيب العديد من الشباب ونقلوا الى المستشفى، وكانت تلك اولى بوادر الصراع العنيف على السلطة ، وبدلا من ان يتخذ الصراع مسارا سلميا ساهمت مصر في تاجيج الصراع الدموي وساندته بالمال والسلاح وصراخ احمد سعيد من اذاعة صوت العرب ، فانشغل الناس في العنف الذي دمر اسس السلام الاجتماعي بين المواطنين ودارت دورته فيما بعد ليشمل جميع القوى والاحزاب السياسية .
وكان لعودة القائد التاريخي للشعب الكردي مصطفى البرزاني من الاتحاد السوفيتي اثره في اذكاء روح الحماس لدى الكرد الفيليين في مدينة الكوت فتعلمنا مفاهيم جديدة ، وشعارات اشهرها على صخرة الاتحاد العربي الكردي تتحطم مؤامرات الاستعمار والرجعية.
ووزعت صور الراحل البرزاني ببزته العسكرية برتبة جنرال بين الكرد الفيليين وابناء المدينة فكان مدعاة فخر للجميع .



#مؤيد_عبد_الستار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مايكل جاكسن فنان عظيم ورحيله خسارة كبيرة
- على سواحل الفايكنغ
- اوباما في الشرق الاوسط ... ماذا نريد من امريكا
- رحلة من سومر الى جنة عدن .... عبر بلاد الكرد الفيليين
- رحيل الاحتلال .... متى وكيف !!!
- اوباما لايران : عيد شما مبارك
- الانتخابات واثرها في سايكولوجية المواطن العراقي
- الانتخابات : فوز المواطن العراقي
- احتجاج التخلف ... الحذاء شعار المفلسين
- الاتفاقية العراقية الامريكية نار تحت الرماد
- اوباما .... التغيير الجديد
- الاتفاقية العراقية الامريكية : آن الاوان للمالكي أن يغادر حز ...
- الاتفاقية العراقية الامريكية و شر القتال
- تفجيرات بغداد وكركوك محاولة بائسة لاثارة الفتنة
- فتنة مجلس النواب : نحو علاقات بناءة بين القوى السياسية الوطن ...
- مشروع استثمار الكفاءات الاكاديمية العراقية
- الاتفاقية الامريكية العراقية العادلة
- الكورد الفيليون ابناء الرافدين هل تتبرع بهم الحكومة الى ايرا ...
- الحميراء في رضاع الكبير: صراع النساء مع سلطة الفقهاء
- كلارا بروني زوجة ساركوزي الفاتنة


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مؤيد عبد الستار - ذكريات من تلك الايام المجيدة