أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسب الله يحيى - الدرس السادس عشر في التربية الشيوعية















المزيد.....

الدرس السادس عشر في التربية الشيوعية


حسب الله يحيى

الحوار المتمدن-العدد: 2699 - 2009 / 7 / 6 - 06:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كان أخي وعد الله يحيى النجار ؛ يعرف جيداً أن عائلتنا تعاني من فاقة مزمنة ، وأننا بالكاد نسد رمقنا اليومي .. فكيف إذا كان الحال مع سجين سياسي يفترض أن نقدم له في كل مواجهة وجبة من الطعام ، بحيث يتلاءم وطبيعة نقل الطعام الى سجين يفتقر طعامه اليومي في السجن الى النوعية الجيدة والطعام الذي يحبه ويتوق الى تناوله ؟
كان وعد الله .. يعرف جيداً اننا نقتر على انفسنا حتى ننقل اليه الطعام وهو في السجن كأفضل مايمكننا اعداده وتقديمه .
كانت امي بالكاد توفر روث بقرة البيت الوحيدة لتشعل ناراً تعده لطعام الغد .. مثلما تعده كذلك لتنورها الطيني .. وتبدأ عملها فجراً وقبل يوم من المواجهة ..
كنا نشم رائحة الطعام فيسيل لعابنا بدون ان نقول شيئاً أو حتى أن نمني أنفسنا بتذوق ذاك الطعام اللذيذ الذي كانت أمي تطبخه بطريقة يثير الشهية .. وفي العادة كان يحدد في أحد الاكلات الثلاث : الباجة ، كبة الموصل ، خبز العروق المملوء باللحم المثروم .. وهي الاكلات التي كان يحبها أخي ويباهي السجناء باعداد أمي لها ..
ولكنه مع الايام وبعد أن طال أمد سجنه .. صار يلح علينا أنه ممنوع من تناول الوجبات الكثيرة الدسم وبخاصة الاكلات الثلاث التي يتوق لها وينتظر جلبها اليه ..
كنا نعرف أن صحته العامة جيدة ، وليس هناك طبيب يمكن أن يوجه النصيحة الى سجين ويدلله ويختار له الطعام المناسب .. لكن وعد الله ما كان يريد إحراجنا ، لا أن يكسر بخاطر أبي ولا ان يؤكد له فقره ومعاناته وأمكاناته ومشقته من اجل توفير هذا الطعام أثناء المواجهة في حين يحرم نفسه والعائلة بكاملها منه ..
ولما فشلت جميع حجج ودعوات أخي في ثني أبي عن أحضار أفضل مايمكن من الطعام الجيد الذي يرغبه ؛ راح وعد الله يبحث عن سبيل يساعد فيه أبي على محنته المعيشية .. وأخذ يزودنا في كل مواجهة بلوحات ملونة منسوجة من زجاج النمنم ، أو جوارب صوفية او ألياف للاستحمام أو حلي مصنوعة من النمنم ، او حقائب صغيرة منسوجة بخيوط ملونة مطرزة بالنمنم ، او أحذية منسوجة او عرقجين للرأس للكبار بلون أبيض وللصغار بألوان عدة .. ويطلب الينا بيعها خارج السجن .. او يعطينا نقوداً مدعياً أنها من مبيعات مثل هذه الحاجات للسجناء ، طالباً منا شراء خيوط ونمنم .. حتى يواصل العمل داخل السجن .
كنا نعرف أن وعد الله ما كان يتقن مهنة الحياكة والتطريز أبداً ، وما كان به ميل الى إشغال وقته في هذا النوع من العمل .. وإنما كان وقته داخل السجن - على طوله - وخارج السجن -على قصره - مملوء جله في قراءة الكتب ، وهذا هو شاغله الاساس .
سأله والدي :
- وعد الله أبني .. من قال لك انني احتاج الى عملك وانت سجين .. هل يعقل هذا ، وهل يمكن لسجين ان يساعد أهله على الحياة وهم خارج السجن وهو داخل السجن ؟
إعتذر وعد الله بخجل وقال لأبي مخففاً من الاحراج الذي أوقع نفسه فيه وأوقع أبي في محوره:
- ياب .. والله ، في السجن الوقت طويل ويصعب عليّ ان أظل بلا عمل .. عملي أقضي وقتي به..
يؤكد أبي :
- إبني .. الرزق موجود ، والحياة ماشية .. لاتشغل بالك .
ويضطر وعد الله للتصريح :
- حسيب ما زال صغيراً ، وانا إبنك الكبير ، ومهنتي مساعدة عائلتي على إحتمال أذاهم بسببي،ومشاركتكم في الاحتمال على هذه الحياة البالغة الصعوبة .. ومثلي يجب أن يعمل حتى في أصعب الظروف المحيطة به ..
لاينبغي على الانسان العيش عالة على غيره ..
- إبني وعد الله .. نحن لسنا الغير ، نحن أهلك .
أكد وعد الله :
- وإن كنتم اهلي .. وعندما إخترت دربي ، لاينبغي ان أحملكم عبء هذا الاختيار ، ولاينبغي ان أثقل عليكم وانغص عليكم الحياة .. لابد لي من اعانتكم مادمتم تشاركوني السجن وانتم خارجه،فان الامر يقتضي ان أشارككم مشقة الحياة وانا داخل السجن .. لاينبغي للمرء ان ينصرف للعكس في وقت يملك القدرة على العمل .. والعمل موجود والمرء له القدرة على ابتكار العمل الذي يناسب ظرفه وقدرته .
رأيت وعد الله ينظرني بشكل خفي .. وإكتشفت نظرته فأبتسمت وقلت :
- وعد الله .. إطمئن إنني اساعد أبي في عمله .. إنني بت قصاباً مثله ويمكنني التمييز بين اللحوم وجودتها ونوعها ..
ضحك وعد الله بإشراق .. وسرتني ضحكته ، وسرّت أمي التي إحتضنت اخي بلهفة وفي عينيها دموع حارة .. كأنما كانت تنتظر اللحظة المناسبة لتقبله حتى قبل إنتهاء مدة المواجهة وكأنما كانت تعد تلك القبلات بمثابة كسب مضاف الى بدء المواجهة التي تكون في العادة مغمورة بالقبلات .
وراح أخي يتحدث عن مهنته الجديدة في محاولة منه لأن ينسينا جهده داخل صورة بهيجة لعمل مفتون به .
كنت انا الصغير أحس بهذا .. فكيف لايحس به أبي الخبير بدراسة كل زبون يمر في السوق ، وأمي التي تعرف بفطرتها ما بداخل الآخرين من دون أن تتكلم أو تبوح بما يجري في بالها ..
كنا نعرف جيداً .. كم يجهد اخي نفسه في العمل وهو السجين الذي يعاني من ضغوط نفسية حادة نتيجة للقضبان والاقفال الصدئة والجدران النتنة والايام الثقيلة والغد المجهول .. حتى يوفر للعائلة مبلغاً مادياً وإن كان ضئيلاً ، لكنه جهد ومشاركة ودعم لحالة نمر جميعاً بها وننوء تحت ضغوطها الصعبة ..
كنت أتنبه الى أن وعد الله يعمد الى إعطائي انا بالذات درساً في العمل .. وكيفية إستثمار الوقت وفي المساعدة حتى في أصعب الظروف ، وكيف يجعل وحدة العائلة قائمة ، وان وجوده بيننا قائم ومستمر وفاعل وهو يعاني من ضغوط السجن وعقدة الانتظار التي ينوء تحت ثقلها مثلما نجد أنفسنا وقد عجزنا حتى عن إحتمال ثقل هذا الانتظار وقد حولناه الى طقس عادي من طقوسنا في زيارة السجن كل إسبوعين .. وأمامنا ان نعد انفسنا لهذه ( المناسبة السعيدة ) التي تحولت من ثقل يرهق العائلة نفسياً ومادياً الى لقاء حميم وعمل يغنينا على البقاء مدة اطول نستعين بها على تقديم إضافات جديدة للطعام كالفواكه والحلويات .. وكان وعد الله يجد نفسه في حرج جديد ورغبة ملحة في العمل بشكل مضاعف حتى يجعل العائلة في حلٍ من ثقل المواجهة وضغوط الحياة .
كان وعد الله يحقق حضوره بيننا في كل لحظة ، عبر عمله المنتج وشغفه أن يكون عنصراً منتجاً ، لا عاطلاً ، يثقل بمبدأيته ومواقفه السياسية على أن يكبد العائلة المزيد من الاذى ..
هكذا كان يرى وجوده ، وهكذا كنا نتبين المبايء الشيوعية التي ينتمي اليها وهي تدفعه للعمل والاستعانة على الصعب بالجهد والعمل والأمل ..







#حسب_الله_يحيى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدرس الحادي عشر في التربية الشيوعية
- الدرس الثاني عشر في التربية الشيوعية
- الدرس العاشر في التربية الشيوعية
- الدرس الخامس في التربية الشيوعية
- الدرس السادس في التربية الشيوعية
- الدرس السابع في التربية الشيوعية
- الدرس الثامن في التربية الشيوعية
- الشهيد وعد الله النجار .. علمني كيف يحب بعقله!
- الدرس الرابع في التربية الشيوعية
- الدرس الثالث في التربية الشيوعية
- الدرس الثاني في التربية الشيوعية
- النقد في منظورين : الجفاء والوفاء
- الدرس الاول في التربية الشيوعية
- للكوارث في العراق الراهن..تسلسل خاص.
- الاعلام العراقي في شبكة
- نهار المدى .. شارع وحياة
- في ثقافة المصالحة والتسامح
- إعدام حلم
- الزعيم يختار الخراف الرشيقة
- الموجة تعشق البحر


المزيد.....




- وحدة أوكرانية تستخدم المسيرات بدلا من الأسلحة الثقيلة
- القضاء البريطاني يدين مغربيا قتل بريطانيا بزعم -الثأر- لأطفا ...
- وزير إسرائيلي يصف مقترحا مصريا بأنه استسلام كامل من جانب إسر ...
- -نيويورك تايمز-: الولايات المتحدة تسحب العشرات من قواتها الخ ...
- السعودية.. سقوط فتيات مشاركات في سباق الهجن بالعلا عن الجمال ...
- ستولتنبرغ يدعو إلى الاعتراف بأن دول -الناتو- لم تقدم المساعد ...
- مسؤول أمريكي: واشنطن لا تتوقع هجوما أوكرانيا واسعا
- الكويت..قرار بحبس الإعلامية الشهيرة حليمة بولند سنتين وغرامة ...
- واشنطن: المساعدات العسكرية ستصل أوكرانيا خلال أيام
- مليون متابع -يُدخلون تيك توكر- عربياً إلى السجن (فيديو)


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسب الله يحيى - الدرس السادس عشر في التربية الشيوعية