أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسب الله يحيى - إعدام حلم















المزيد.....

إعدام حلم


حسب الله يحيى

الحوار المتمدن-العدد: 2587 - 2009 / 3 / 16 - 08:36
المحور: الادب والفن
    



في قلب الليل، سمع دقات خشنة على الباب .. نهض من فراشه الدافئ وضربات قلبه تخفق بقوة، ركض إلى الباب يفتحه.
كان يقف عند الباب عدد من الرجال بأزياء عسكرية ومدنية مختلفة، وسيارة قاتمة اللون، أخذوا منها كيساً أسود – أعتاد أن يجمع فيه الأوساخ – كان الكيس ثقيلاً، بحيث وجد ثلاثة أشخاص يحملونه ليرموه أمام بيته .. وقدموا له ورقة ..
خاطبه أحدهم بغلظة:
- هذه الجثة تعود لأخيك، وهذا إيصال بدفع مبلغ (25) ألف دينار ثمن الاطلاقات.
فوجئ بكل شي سريعاً يجري.. بحيث وجد نفسه في حالة ذهول وعجز عن الكلام.
قال آخر بهدوء:
- إذا لم يكن المبلغ جاهزاً .. تدبر أمره غداً، وحال دفعه .. تتسلم الجثة مع أجور النقل.
ومن فوره .. وجد نفسه يتوسل إليهم:
- المبلغ موجود .. موجود.. وركض إلى الداخل .. سألته زوجته عن طارق الباب فلم يلتفت إليها ولكنها وجدته في حالة لم يسبق أن وجدتها فيه أبدا، كان كمن لسعه عقرب أو ثعبان أو داهمته النيران .. يركض هنا وهناك، يأخذ رزمة تعود ويتجه نحو الخارج..
- تفضلوا هذه هي النقود..
وسلموه الجثة و الإيصال، وجعلوه يوقع على أوراق أخرى.. قالوا له إنها إيصال آخر باستلام الجثة، وأنه يتعهد بعدم إقامة مراسيم الدفن والفاتحة على روح أخيه، وأنه يشكر المسؤولين على إنزال القصاص العادل بأخيه، لأنه – كما يقول كتاب الشكر- آفة شريرة كان لابد من إنقاذ الناس من شرورها.
وتركوه مذهولاً، وحيداً في عتمة شتاء قاس مع الجثة .. أمام باب صدئ .. حاول أن يرفع الكيس/ الجثة .. لم يفلح، نادى زوجته. جاءته. سألته، لم يتمكن من الإجابة، لكنها استطاعت أن تفهم الأمر عندما راحت تسحب معه الكيس..
أحس انه جثة مرمية يجرها الناس جراً على ارض خشنة، تأكل شيئا فشيئا من الملابس والجسد، وتترك على الأرض خيوطا حمراء قانية.
وكتم نحيبا وصرخات فزع، وجعل للدموع جداول تمر من خلالها...
استيقظ الأولاد جميعاً، وخفتت أصواتهم التي اعتادوها كل صباح .. كان منظر الأبوين قد جعلهم جميعاً في حالات من الصمت والقليل من الهمس.
كانوا يعلمون ان لهم عم .. لم يعرف من الدنيا إلا برّها وصدقها ونبلها .. وقد اختفى من أمامهم ذات مساء، ولم تفلح كل الأسئلة وكل طرق البحث عن معرفة شيء عنه..
الآن .. عرفوا أين كان العم. الآن .. قرر زيارتهم، زيارته الأخيرة وأن يودعهم هذه المرة، حتى يغيب عنهم .. إلى الأبد.
وقبل ان تفتح الشمس عينيها، وقبل ان يغسلوا وجوههم لاستقبالها والحفاوة بها.. رفعوا كيساً.. و حطوه على مكان أثير في الغرفة، فتحوا الكيس، رأوا وجها مبتسما سمحاً، منحنياً كأنما يودعهم باحترام ومودة، وكان لإغماضه عينيه نوع من الوقار والجلال والخشوع والهدوء.
فرقوا الكيس الأسود النتن، جاءوا بشرشف أبيض .. غسلوا له وجهه وجراحه وأوراد جسده. ألقوا عليه نظرة أخيرة، انحنى الأب وقبله، انحنى أصغر الأبناء وقبله .. حس البقية بالغيرة، فقبلوه جميعاً، وقبلته ألام من قمة رأسه، وراحت تصلي له، وتئن من رهبة وحزن عميق.
جاءت عروس أحد الأبناء بعطر كانت قد اختزنته للأيام السعيدة .. وراحت تسكبه على الجسد النائم بخشوع تام.. كانت تعلم انها لحظة التجلي والقدسية الجديرة بالرجل.
و.. حملوا الجسد في الغبش، أودعوها ترابا هشاً، قادهم إليه جار شهم، وضع سيارته في خدمة جاره.. قال انه مكان، كان قد أوصى ان يدفن فيه .. وأنه مادام حياً الآن، من السهل عليه أن يختار مكاناً آخر...
اتخذ المقهى مكاناً للهروب من المعزين .. ممن علموا برحيل أخيه في حادث مؤسف.
كان لا يعرف كيف وصل الخبر إليهم، وحتى يجنبهم شر الأسئلة، وحتى لا يحسب العزاء الذي يقدمونه إليه بمثابة تعاطف مع الرحيل والراحل، التحق بمقهى الحي.. وهو الذي لم يكن يقصده إلا في أوقات نادرة.
كان عدد من الحضور يجلسون إلى جانبه، يحيوه، ويأنسون إلي أحاديثه في شؤون الحياة وحكمتها..
ومرة .. وشمس آذار تبدو دافئة، حييّة في صباح هادئ.. همس في أذنه صديق.. قال:
أمس رأيت حلماً.. حلماً غريباً، لا عد لي بمثله أبداً.
تلفت نحو كل الجهات. لم يكن هناك أحد. اطمئن.. ومضى يتحدث:
أمس أيقظني حلم.. حلم وجدت فيه وقد تحولت إلى إمبراطور للبلاد.. وكنت رئيس وزرائي ومستشاري، وكان في حكومتنا وزراء نثق بهم ونعتمد على كفاءتهم.
كانوا/ العميد أحمد مرعي وزيراً للدفاع، علي الصابر وزيراً للمالية، قائد سعيد وزيراً للنفط، باهر النعمان وزيراً للخارجية، طلال بهاء وزيرا للثقافة و الإعلام..
وراح يعدد أسماء كل وزير وموقعه الوزاري .. وطلب في النهاية تفسير الحلم!
ضحك الرجل منه، قال له أن ومعدته كانت مثقلة بالطعام.
أجاب الرجل الحالم: إمبراطور .. هل يمكن لإمبراطور أن ينام ليلته جائعاً.
- يبدو أنك صدقت أحلامك، وجعلتها واقعاً
ضحكا معا، كانت ضحكتهما عميقة وحزينة.
في عمق الليل سمع دقات جديدة على الباب .. دقات عنيفة أقوى بكثير من تلك الأوقات التي سمعها عند استلامه جثة أخيه.
فتح الباب .. وهو في حالة قلق وخوف وحذر.
وبلا مقدمات، جرته يد قاسية أوقفت حركة الأوردة والشرايين معاً .. ودفعته إلى سيارة داكنة اللون، شبيهة بتلك السيارة التي حملت الجثة.
حاول أن يتكلم، ان يتوسلهم ارتداء ملابسه، إعلام أهله بالأمر..
حبسوا أنفاسه ووضعوا يديه في أصفاد غليظة، وأغمضوا له عينيه بمنديل قذر .. تبرع أحدهم لإنجاز هذه المهمة.
لم يسمع سوى حركة محرك السيارة ودوي رأسه وأعصابه.
ووجد نفسه في غرفة قميئة نتنة مع صاحبه الحالم.. وارتسمت أسئلة على وجهيهما، أدركا أن تهمتهما واحدة .. وان أحلامها القتيلة واحدة أيضا.
بعد قليل .. انضم إليهما ثالث ورابع .. وعاشر، رحبوا ببعضهم، فلم يكونوا قد التقوا منذ زمن .. سألوا بعضهم البعض الآخر .. عن أسباب جمعهم هنا، ولم يتمكن أحدهم من الإجابة .. إلا انه وحده كان يعرف السبب، وكان يخشى الحديث عنه لئلا يصبح حقيقة، لئلا يكون جناية وشهادة إثبات، وإقرار بما حصل..
وجعلوا يتساءلون، وتتسع أسئلتهم وشكوكهم، وراح الانتظار يأكل في نفوسهم، حتى وجدوا أرواحهم .. هائمة في قلق وخوف ..
عند الظهر والشمس في قلب السماء .. بهيجة ، عذبة،دافئة .. نادوا على الرجل الحالم .. فصار البقية في حالة توتر واستنفار وترقب. نادوا علي البقية دفعة واحدة.
سأل الضابط، حامل التاج والنجوم الذهبية:
- حدثنا عن حلمك يا سيد..
- حلم أي حلم!
- الحلم الذي تحدثت به في المقهى..
- ها .. إنه مجرد حلم، لقد نسيته.
- ومتى نسمي الإمبراطور، يوم توليه منصب الإمبراطور، إنه يوم لا يمكن نسيانه؟
- سيدي، انه حلم مرّ، وليس حقيقة!
- وهل كنت تريده أن يصبح حقيقة..؟
- لا .. لا، أدام الله لنا الإمبراطور.
- إذا كنت تريد بقاء الإمبراطور، وتدعو له بطول العمر..؛ اذا لماذا فكرت بإشعال منصبه و لماذا عمدت إلى تشكيل وزارة من أصدقائك؟
- انهم ليسوا أصدقائي جميعاً، هناك أشخاص لم اعرف وجوههم، ولكنني كنت اعرف جيداً كفاءاتهم.
- نعم.. هكذا. هذا جيد الآن بدأت تعترف. تريد وزارة كفوءة .. وهذا يعني ان تشكيل الوزارة القائمة لا يتمتع بالكفاءة؟
- لم أقصد هذا .. إنني ..
وتوجه إليه:
- ها تريد استعادة أمجاد من سبقك .. أخوك لازال هاجسك، أنت تعمل بالهاجس نفسه الذي عمل به .. أخوك . اشرح طبيعة الخطة.
- ليست هناك خطة يا سيدي، ولا دور لي فيها، انه مجرد حلم .. حلم أصغيت لصاحبه.
- ولماذا لم تخبر رجال الأمن به؟
- حلم عابر .. لا يمكن ان اشغل به جهاز الأمن .. المنشغل بأمن وسلامة البلاد، وليس الإصغاء الى أحلام الناس.
- ها .. أنت تتمادى، تعطينا درساً في طبيعة عملنا .. يا سيد .. قد تكون الأحلام أخطر بكثير من الواقع .. الواقع يمكننا السيطرة عليه بسهولة .. لأننا نراه، الأحلام وحدها هي مشكلتنا، وهي الصعوبة الوحيدة التي نواجهها ونحاول السيطرة عليها .. أنها ترانا بعيون مكبرة، ونحن لا نراها .. وهنا يكمن خطرها ... أحلامكم مصدر الخطر.
- سيدي .. حتى أصحاب الأحلام أنفسهم، ليس بمقدورهم السيطرة عليها.
- هذه مشكلتهم .. إن عدم قدرتهم ، ناتج عن ضعف إرادتهم ..أما نحن، فنتمتع بإرادة قوية، ويمكننا حسم كل الأمور لصالحننا .. ها، ألا تريد أن تعترف وبالتفصيل؟
- عن اي شيء اعترف يا سيدي؟
- عن الحلم .. أين كنتم تجتمعون، من كان يشارككم أحلامكم، ما هي عناوين البقية..؟
- سيدي .. الأخ حدثني بحلمه وضحكنا منه .. من حلمه ووزرائه.
- ولكنك كنت رئيسا للوزراء، لماذا اختارك دون سواك، ولماذا اخترتم هؤلاء الوزراء دون سواهم..؟
- سيدي .. إمبراطور حالم، الحلم سيد النوم.
- ها .. إنه سيد عليك لاعلينا. قل لي عناوين البقية .. بقية وزرائك.
- سيدي .. انا اعرف بعض هؤلاء معرفة بسيطة، وهناك من لا اعرفهم أصلاً، هناك أموات ومرضى ومسافرون غادروا البلاد منذ زمن.
- و .. تقول انك لا تعرفهم .. كيف عرفت انهم موتى و مرضى ومسافرون..
- .. أ .. الست من هذا البلد، أليس من حقي معرفة أبناء بلدي؟
- ها.. من حقك، لك كل الحق .. وانتم ..؟
التفت إلى الوزراء .. سألهم عن نواياهم وما يهدفون إليه في برنامج عمل كل واحد منهم.
ظل الوزراء في حالة ذهول، لا يصدقون كل ما يجري أمامهم، وما اذا كان يعنيهم!
ولما عجزت المحكمة العليا عن الحصول على أجوبة كان من الممكن ان تبريء المتهمين من التهم الموجهة إليهم فقد اعتمدت الشريط الصوتي دليلاً جرمياً ثبوتياً وأصدرت أحكامها بأسم الشعب وعدالة الإمبراطور .. بإعدام الحالم و صاحبه، والحكم على جميع الوزراء بالأشغال الشاقة المؤبدة لمدة (2.) عاماً .. وتسري هذه الأحكام على جميع المتهمين الواردة أسماؤهم سواء كانوا من المرضى او الهاربين من وجه العدالة .. أما الأموات منهم، فقد قررت المحكمة إزالة الشواهد عن قبورهم وحذف أسمائهم من كافة السجلات الرسمية .. حتى يظلوا في حالة مجهولة.



#حسب_الله_يحيى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الزعيم يختار الخراف الرشيقة
- الموجة تعشق البحر
- البراعة في احتمال الأذى
- سادة الانتخابات
- الأفاق الاجتماعية للكورد
- بيان في المسرح التجريبي
- في جامعة بغداد :الدراسات العليا بين الجد والمزاج
- غابرييل غارسيا ماركيز: الواقع وأبعاده
- كبار الكتاب كيف يكتبون؟
- الغربة العراقية في ثلاث روايات لمحمود سعيد
- كونديرا خارج الاسوار.. الطفل المنبوذ ..بطيئاً
- ميلان كونديرا: ثلاثية حول الرواية
- خذ ما تريد..وأعطني (حرية) التوقيع على ما تريد! قراءة في نص ا ...
- من هو : جومسكي؟
- مع الروائي العراقي مهدي عيسى الصقر في روايته: رياح شرقية ريا ...
- العراق..من يغلب من؟
- ماريو فارغاس يوسا:(الحرية الموغلة)


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسب الله يحيى - إعدام حلم