|
|
النوم تحت أجفان هند رستم ...!
نعيم عبد مهلهل
الحوار المتمدن-العدد: 2696 - 2009 / 7 / 3 - 09:37
المحور:
الادب والفن
وضع الله زمن الصبا ليكون واحداً من أمكنة دهشة السيرة الذاتية والسرية لكل إنسان ، ففيه تنمو الأحلام والأمنيات كما الطحالب في قاع البحر ، فالصبي الذي له جفنين ، في واحد تكون هناك أم تراقب نموه كما يراقب العصفور زغب ريش صغاره في الصباح الماطر ، وفي الجفن الثاني هناك واحدة هي وليدة الرغبة والتمني وشطح الشعور بالرجولة المبكرة ، ومثلما أجفان الصبي ،تكون أجفان الصبية أيضا ، أم ، وأمير تتمناه وتهواه في كتمان سر الرغبة التي طفحت مع أنوثتها المبكرة ... الذين يركبون الآن أعتاب الثلاثين من أعمارهم عاشوا واحدا من اكثر قرون الأرض جنوناً وخصباً وسريالية وشهوة ومفارقات . لقد كان القرن العشرين ، القرن الماسي لكل ما مضى وسيأتي ، فهل يصدق أحدكم ، أن القرون القادمة ستنتج لنا مارلين مورنو أخرى ، وسلفادور دالي آخر ، وفيروز أخرى ،وحنجرة مثل تلك التي حملتها الأسطورية أم كلثوم أو راوياً مدهشا مثل الذي فعله غابريل ماركيز ، وجنرالا مثل موسليني الذي يقول : لاأشهى من جسد وطني غيور معلق على مقصلة بالمقلوب. ولن تنجب العصور القادمات مراهقة مثل مراهقة أبناء القرن العشرين ،تلك التي عشقت عيون برجيت باردو وزبيدة ثروة وحوراء كربلاء لتجعلها في لب الخاطرة ، ومرات كنا نمزج هذه المشاعر كلها بحنان من يمزج رعشته السرية بوسادة الليل الفقير ويضعها تحت قبعة جيفارا ، أملاً بمستقبل جميل يرفع فيه ثقل العوز والأسى عن عيون آبائنا الذين كان معظمهم شهاداتهم قبعات الجندية أو مساطر العمل أو حقول الفلاحين .. في ذلك السرمد الخيالي لصباي ، لم يجرني إلى هوس الحلم وطيشه سوى وجه هند رستم وجسدها الذي له بريق ثلوج القارة القطبية لما حواه من بياض شهي عندما يختلط بسمرة الجنوب الفقير تنفجر ينابيع اللهفة والشوق والثورة والتحدي وكتابة الشعر وسب العنب الأسود وعشق زنازين السياسة المنفلتة من العقال الماركسي . كانت هند رستم بالنسبة لجيل كامل ، دلمون التي كان يأوي أليها السومريون كلما أحسوا بفارق العيش بين جوعهم والخرفان المشوية في موائد الأغنياء والملوك ، وكانت نظرتها الساحرة وقبلاتها المغسولة بأحمر شفاه عجيب وهي تطبعها على شفتي فارسها ( شكري سرحان ، عبد الحليم حافظ ، رشدي اباظة ، احمد رمزي ، يوسف شاهين ، عمر الشريف ) تثير فينا الفزع والخوف واللذة ، والتشكي ، لماذا كل هؤلاء ينهلون من عسل الله ،ونحن ليس لنا سوى دبس نخيلنا وأرغفة الشعير والبناطيل المثقوبة من الخلف...؟ ورغم فرسانها الكثر كنا نعشقها ، ونصنع من دلالها مدنا نؤسطر فيها أمنياتنا الوطنية والذكورية والروحية ، واحدهم كان يذهب قبل ثلاث ساعات من موعد عرض أفلامها ،فقط ليمتع عينيه بجسدها المطبوع على المناشيت ،وبعد ذلك يقول :عندما تنطفئ الأضواء في قاعة العرض ، ويطل وجهها الساحر ، لي معها حكاية تفوق بعنف العشق ألف مرة عنف المودة التي كانت بين روميو وجوليت . أنا نفسي كنت أرى إن النوم تحت أجفان هند رستم لخمسة دقائق يساوي عندي ألف مرة درجة الخمسين التي أنالها في درس الرياضيات ، فقد كانت هذه الفرعونية التي ترتدي ماس النعومة وزرقة البحر وحلاوة عسل بيوت النحل في كل ارض دمياط وحلوان وصعيد مصر والنوبة ، تمثل بالنسبة لي انفلاتاً عن كل أسى الفقر الذي كان يلف بيوتنا الطينية ، والتي كانت تنفث سعال الآباء والأمهات في سدول ليل رطب وطويل ، وكنت من الذين يعتقدون لو أن آبائنا ركنوا إلى أجفان هند رستم مثلما نركن نحن سيزول عنهم كل سعال ومرض. هذه المرأة التي كانت الغفوة تحت أجفانها تمثل لذة نعاس لرجل آتى من حرب طراودة ليقيم له كوخاً لكتابة القصيدة وتأليف الموسيقى ، مثلت لتلك الأجيال اشتياق الرغبة الواعية وسعة في صناعة المشهد الثقافي والحضاري لذلك الزمن ، حتى إن الرأي العام كان يُسيطرُ عليه من خلال سحر الجسد المتمايل لهند رستم والتي داوم فيها تلفزيون مصر بعد نكسة حزيران وخسارتنا القدس وسيناء والجولان وعافية زعيمنا عبد الناصر والمشير عبد الحكيم عامر ،كان لا يبث في سهراته الحزينة سوى أفلام هند رستم ، فقد كان دلعها ولذة الكلام بين شفتيها والغيوم المبحرة بتمايل موسيقي في كل تفاصيل جسدها تشعرنا بنسيان شيء من حزن إننا فقدنا كل فلسطين وبعضا من عروبتنا المتغطرسة في العبارة التالية : ذات يوم سنرمي اليهود في البحر ونعيدهم إلى شتات أوربا واسيا وأفريقيا . وفي الحقيقة صرنا نحن الشتات ،وإسرائيل اليوم واحدة من أقوى دول الشرق الأوسط وأكثرها تقدماً. ذهب زمن هند رستم ، غاب جمالها وسحرها المجنون في معطف الزمن الذي لم يرحم حتى البطل الأسطوري جلجامش ، سكنت التجاعيد وجهها مثلما تسكن العناكب البيوت المنسية ،واعتزلت ولم تعد تقف أمام المرآة كما كانت تفعل لتغري نفسها بطرب جسدها وضوءه المغري . إنها دورة الحياة وهند رستم بعضٌ منها ، لكن رغبة النوم التي سكنتني لأنام خمسة دقائق تحت أجفانها بقيت استثناء من هذه الدورة . كبرت هي وكبرت أنا ،ولكنني كلما أشاهد واحداً من أفلامها القديمة تعود بي الرغبة ويزداد فيََ الشوق إلى زمن لم يعرف كثيرا مدافع الجبهات والمقابر الجماعية والسيارات المفخخة وعوانس المليشيات. زمن اجمل مافيه ، انك تستطيع أن تتمنى وتغفوا تحت أجفان من تعشق من غير رقيب ، وتقي كاذب يمارس كل الفحشاء ، وعندما يصل الأمر إلى أحلامك يقول لك :اتق الله ، وتذكر منكر ونكير ...!
زولنكن/ 2 يوليو 2009
#نعيم_عبد_مهلهل (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قصيدة إلى الشهيد مايكل جاكسون ...
-
طنجة ..والقصائد وعيون البحر والنساء
-
معزوفات تحت أجفان المطر
-
خواطر طارق بن زياد في طنجة
-
قصص قصيرة لجدتي الخطيرة ...
-
المرأة ، الرجل ( المسافة بينهما )...!
-
طنجة ...وصناعة فردوس متخيل كقصيدة
-
رائحة المكان الأول ...
-
وردة الكاريبي بموسيقى معسكر التاجي()
-
الروحاني الذاهب إلى عينيك
-
داخل الوردة... خارج الشكل
-
قصائد إلى نساء الهنود الخضر ..
-
قصيدة حب إلى شيخ المندائيين...
-
طنجة وغرباؤها ، جان جينيه وبول بوولز أنموذجان
-
صوفية المكان السومري ..
-
دع الوردة تنبت بين شفتيك...
-
شيء عن مدينة العمارة العراقية...
-
الماركسي الطيب ، ( هل أصبح أسطورة الأولين )..!
-
رائعة كافافيس : ( جسد ذكوري بعطر النعناع ) ...
-
السياب ورؤيا البلاد ..
المزيد.....
-
جريدة “أكتوبر” الصادرة باللغة الكردية والتابعة للحزب الشيوعي
...
-
سجال القيم والتقاليد في الدورة الثامنة لمهرجان الكويت الدولي
...
-
اليونسكو تُصدر موافقة مبدئية على إدراج المطبخ الإيطالي في ال
...
-
بين غوريلا راقصة وطائر منحوس..صور طريفة من جوائز التصوير الك
...
-
فوز الكاتب البريطاني المجري ديفيد سالوي بجائزة بوكر عن روايت
...
-
مدير السياحة والآثار بغزة: الاحتلال دمر جميع المعالم التاريخ
...
-
الفئران تأكل الحديد إصدار جديد لجميل السلحوت
-
مهرجان الفيلم بمراكش يكشف عن أفلام دورته
-
ماذا نعرف عن -الديموقراطية التمثيلية- التي أسقطها ممداني؟
-
-الخارجية- ترحب باعتماد اليونسكو 4 قرارات لصالح فلسطين: انتص
...
المزيد.....
-
الذين باركوا القتل رواية
...
/ رانية مرجية
-
المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون
...
/ د. محمود محمد حمزة
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية
/ د. أمل درويش
-
مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز.
...
/ السيد حافظ
-
إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
المرجان في سلة خوص كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
بيبي أمّ الجواريب الطويلة
/ استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
-
قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي
/ كارين بوي
-
ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا
/ د. خالد زغريت
-
الممالك السبع
/ محمد عبد المرضي منصور
المزيد.....
|