أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - مهدي سعد - حول العلاقات المسيحية- الدرزية














المزيد.....

حول العلاقات المسيحية- الدرزية


مهدي سعد

الحوار المتمدن-العدد: 2694 - 2009 / 7 / 1 - 08:19
المحور: المجتمع المدني
    


أثارت أحداث شفاعمرو الأخيرة موجة من ردود الفعل المنددة والمستنكرة والداعية إلى إعادة اللحمة وتعزيز أواصر العيش المشترك بين أبناء الشعب الواحد. إلا أن رجال دين لا يتمتعون بحس المسؤولية أطلقوا تصريحات نارية مقززة تصب في خانة تهييج الغرائز الطائفية والمذهبية. غني عن القول إن رسالة رجل الدين الأساسية هي نشر بذور المحبة والتسامح في المجتمع، إلا أن رجال الدين هؤلاء اختاروا سلوك الطريق المعاكس الذي يسكب الزيت على النار ويساهم في تفاقم الأزمة بدلا من العمل على إخماد لهيبها.

أسوق هذه المقدمة لأطرح مقاربة مغايرة لتاريخ العلاقات المسيحية- الدرزية من شأنها أن تؤسس لواقع جديد من الشراكة الإنسانية بين أبناء الطائفتين. لست في وارد الشروع بسرد تاريخ هذه العلاقات، لكني سأمر على أحداث مُصَمِمَة كان لها الدور البارز في إرساء أسس التسامح والتعايش التي ميزت الجزء الأكبر من تاريخ العلاقة بين الطائفتين. لا أنكر أن أحداثًا مأساوية وحروبًا أهلية شابت العلاقة بين الطرفين، فقد شهد التاريخ صراعات مدمرة بينهما أدت إلى خراب هائل وأضرت بشكل عميق بنسيج العلاقات المسيحية- الدرزية، كان أبرزها في الأعوام 1840 و1860 و"حرب الجبل" في عام 1983. إلا أن الحاضر والمستقبل لا يبنيان على أحقاد تاريخية ظننا أننا تجاوزناها وباتت من ورائنا، بل يرتكزان على العناصر المشرقة والجوانب الإنسانية التي ميزت تاريخ الآباء والأجداد. من أجل بناء المستقبل الجميل نحن بحاجة إلى ترك الشوائب التي اعترت قسمًا من تاريخنا جانبًا والتركيز على القواسم المشتركة التي تجمعنا على الانتماء الوطني والإنساني الواحد.

رافقت نشوء العقيدة التوحيدية الدرزية مطلع القرن الحادي عشر للميلاد موجة من الخلافات المذهبية التي عصفت بالعالم الإسلامي نتيجة الاجتهادات الفقهية المتضاربة في فهم النص القرآني. وجاءت الأفكار الثورية التي أطلقتها العقيدة الدرزية لتثير زوبعة في العالم الإسلامي أدت إلى سخط "الإسلام التقليدي" على أتباع المذهب الجديد الذي ولد من رحم مصر الفاطمية والعقيدة الشيعية- الإسماعيلية. هذه الحالة وضعت الدروز في مأزق حرج وسط بيئة معادية لمذهبهم وعقيدتهم، فلجئوا إلى الانعزال في قرى نائية توفر لهم العيش الهادئ والحرية في ممارسة شعائرهم الدينية. إلا أنه مع مرور الزمن وجد الدروز أنفسهم يقطنون في قرى مختلطة واشتركوا في العيش مع إخوان لهم من طوائف أخرى كانت أبرزها الطوائف المسيحية بسبب الراحة والطمأنينة التي وجدوها في العيش مع المسيحيين بعيدًا عن الجدالات المذهبية والعقائدية بين الفرق الإسلامية المختلفة، وهذا ما يفسر حقيقة كون غالبية القرى المختلطة التي يقطن فيها الدروز هي قرى درزية- مسيحية.

ومن الأمثلة البارزة لمتانة العيش المشترك بين الدروز والمسيحيين الخطوة الإنسانية النبيلة التي أقدم عليها الأمير السيد جمال الدين عبد الله التنوخي، المرجع الروحي الكبير للطائفة الدرزية، حين أوصى لجيرانه المسيحيين من عائلة سركيس بقسم من أملاكه حصلوا عليها بعد وفاته. أضف إلى ذلك تسامح الأمير فخر الدين المعني الثاني مع المسيحيين والذي اعتبر "حامي المسيحيين في الشرق"، وفي فترة حكمه قام الدروز بتقديم الأراضي للمسيحيين ليبنوا عليها كنائسهم وأديرتهم. وكذلك فعل المعلم كمال جنبلاط حين وزع أرزاقه وأراضيه على الفقراء والمعوزين دون تفريق في الدين والمذهب، وكان للمسيحيين نصيب وافر من الأراضي والأرزاق التي وزعها.

وإن أتيت على ذكر فضل الدروز على المسيحيين فلا بد من الإتيان على ذكر فضل المسيحيين على الدروز. وفي هذا السياق يمكننا الإشارة إلى مساهمة البعثات التبشيرية الإنجيلية التي أنشئت في المناطق الدرزية اللبنانية في تعليم أبناء الطائفة وتخريج نخبة من المثقفين الدروز الذين أدوا دورًا أساسيًا في النهضة العربية في لبنان بمختلف الحقول. وكذلك كان للراهبات المسيحيات الفاضلات الدور الكبير في علاج المرضى الدروز الذين كانوا يقصدونهن، وكن يقدمن العلاج اللازم والدواء المناسب بأثمان زهيدة. ويجب ألا ننسى أن مزار سيدنا أبي عربية، الولي الكبير عند الطائفة الدرزية، لا يزال حتى اليوم في عهدة عائلة مسيحية شفاعمرية.

أعتقد أن هذا التاريخ الزاخر بعلاقات التآخي والمحبة يجب أن يشكل لنا دافعًا نحو إكمال مسيرة العيش المشترك التي عبدها لنا أسلافنا عبر مئات السنين. يتحتم علينا المحافظة على هذا الإرث الإنساني العظيم وعدم تضييعه لأن فيه من العناصر الثمينة التي لا تقدر بثمن. حبذا لو يدرك القياديون والمسئولون في هذه المدينة الحبيبة قيمة هذا التراث ليعملوا على ترسيخه وتذويته في نفوس الجيل الجديد الذي يعاني من جفاء وتباعد يميزان علاقته مع الآخر.






#مهدي_سعد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن المسألة الطائفية مرة أخرى!
- في نقد اليسار الدرزي!
- نبني يسارًا جديدًا مع الجبهة
- الليبرمانية تشكل خطرًا على الديمقراطية الإسرائيلية!
- حمد عمار وخيانة الذات!
- ثقافة الحذاء!!
- نحو نهضة شفاعمرية حقيقية
- قائمة - دروز شفاعمرو- تستغل الدين لأهدافها السياسية !!
- الوحدة من أجل حشر قائمة -المستقبل- في الزاوية!
- لا مكان للمشاريع الأصولية الإسلامية في شفاعمرو!
- قائمة -مستقبلية- بمفعول رجعي !!
- ماذا بعد -إسقاط عرسان- ؟!
- الإسلام الأصولي والتدين الغوغائي!!
- عن -الديمقراطية الشعبوية-!
- حول مسيرة إحياء ذكرى شهداء مجزرة شفاعمرو
- نحو إلغاء التجنيد الإجباري!
- نقد أساليب الدفاع عن أراضي الكرمل
- -صرخة العسفاويات- يجب أن تتحول إلى -صرخة الدرزيات-
- تحية للطائفة الدرزية أم جريمة بحقها ؟!
- السنيورة مرة أخرى!


المزيد.....




- قطر تؤكد اهتمامها بمبادرة استخدام حق الفيتو لأهميتها في تجسي ...
- الكويت ترحب بنتائج تقرير أداء الأونروا في دعم جهود الإغاثة ل ...
- كيان الاحتلال يستعد لسيناريو صدور مذكرات اعتقال بحق قادته
- سويسرا تؤجّل اتّخاذ قرار حول تمويل الأونروا
- السودان: خلاف ضريبي يُبقي مواد إغاثة أممية ضرورية عالقة في م ...
- احتجاجات أمام سجن محلي في تكساس للإفراج عن طلبة تظاهروا دعما ...
- بالصور..اعتقال عشرات الطلاب في تكساس بسبب مشاركتهم في مظاهرا ...
- تأييدًا لغزة.. طلاب وأساتذة يتظاهرون في جامعة سيدني
- شبح المجاعة لا يغيب.. غزيون يشتكون شح السلع وغلاءها
- الحكم على مغنٍ إيراني بالإعدام على خلفية احتجاجات مهسا


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - مهدي سعد - حول العلاقات المسيحية- الدرزية