أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد سمير عبد السلام - الاندماج الأول بالعالم .. قراءة في تفاصيل ، و تفاصيل أخرى ل إبراهيم داود















المزيد.....

الاندماج الأول بالعالم .. قراءة في تفاصيل ، و تفاصيل أخرى ل إبراهيم داود


محمد سمير عبد السلام

الحوار المتمدن-العدد: 2694 - 2009 / 7 / 1 - 08:10
المحور: الادب والفن
    


في ديوانه " تفاصيل ، و تفاصيل أخرى " – الصادر عن هيئة الكتاب 2009 – يعيد إبراهيم داود إنتاج إيحاءات العناصر الكونية ، و الذكريات ، و الأحلام ، و المشاهد اليومية ، في سياق شعري يقوم على التداخل الفني المستمر بين تلك الإيحاءات ، و الوعي الجمالي بالعالم .
إن فضاء القصيدة عند إبراهيم داود يتسع داخل الذات ، و خارجها ؛ فالوعي يتشكل في المستقبل انطلاقا من صيرورة الأثر ، و جمالياته الخاصة التي لا يمكن تصور وجودها إلا من خلال بروزها الآخر في الوعي .
إن الإيحاءات المجازية للعلامة في الديوان تتفاعل بصورة موسيقية لا مركزية ؛ فهي تشبه لحنا كونيا مفتوحا ، و مكانا متسعا حلميا يتداخل فيه الوعي مع تفاصيله الصغيرة دون نهاية .
إن الذات في الديوان تتشكل من خلال علاقاتها الجمالية المعقدة بالأثر الموسيقي ، أو اليومي ، أو الانطباعات الإبداعية المختلفة حول الشخصيات ، و الأماكن ، و الأشياء .
لا يمكننا – إذا – الفصل بين الحضور ، و ما يحتمله من تشبيهات ، و تأويلات ، و تحولات جمالية لا مركزية للوعي في فضاء نصي ، و كوني متسع .
في نص " رجل " تمتزج مكونات الإبداع ، بالنهايات في علامة الرجل ؛ فهو يرسم مجالا تشبيهيا لوجوده الواقعي ، يقاوم الفراغ من داخله ، و يكتشف ثراء هذا المجال الجديد ، و يتوحد ببهجة الصور المولدة للتو عن فراغ معلق .
يقول :
" يخط شارعا موازيا لحلمه النحيف / أو يخيف قطة تمر في زحام رأسه بلا سبب / و يرتدي سذاجة الشموخ مجبرا / و يرتدي جسارة التعب / يبلل الرموش بالرجوع للفرح / و يقسم السنين بين بابه و مقعده / و يطلق الحمام في براح كأسه التي خلت / و عللت .. / غياب شمسه عن الشجر " .
إن فضاءات الشارع / الآخر ، و القطة ، و الحمام ، و الشمس تستعيد بهجة الوعي المبدع الأولى التي تقاوم التعب ، و مركزية الفراغ ، و تكراره ، بتواتر عمليات الحلول ، و التداخل بين الوعي ، و آثاره المتجددة التي تعيد تكوين الصوت في حضور يشبه القصيدة .
و في نص " الزمان البعيد " يستعيد الشاعر ذكرى الاندماج الأول بالعالم ، و الأرض قبل أن تتشكل الحدود ، و الأسماء ، و من ثم تظل حالة الانفصال في موضع السؤال ، و الاستثناء عن السياق الأول الذي صار واقعا في مستقبل القصيدة .
يقول :
" كانت بلادا .. و كانت وسيعة / و كان الذي بيننا خضرة / باتساع الصباح الذي يتقن الصحو / و كنا نصافح بالقلب أشياءنا / لتعرفنا أشياؤنا / فماذا جرى ؟ " .
هل صارت المعرفة إبداعا للتكوين ؟ أم أن الصوت يحتوي بداخله العالم ؟
إن الكون الحلمي يتصل بالهوية قبل انفصال الوعي ، و اغترابه ؛ حيث تتعاطف الأزمنة ، و الأماكن ، و الأشياء في حالة من الاتساع الذي يقاوم العدم بامتلاك الصوت الآخر البهيج في العناصر الكونية .
و في نص " جميلة " يؤول المتكلم الفتاة انطلاقا من حالتي الحزن ، و الغناء ، و قد اجتمعا في وجود ظاهري يحتمل كثيرا من المعاني الإبداعية ، و الصور المنتجة بواسطة الوعي .
يقول :
" كانت تدندن في قطار الليل / بأغنية حزينة / كانت تحدق في أناملها / و أنا أحدق في جدائلها الطويلة / كانت جميلة " .
لقد اتحد المتكلم بالوجود المجازي المؤقت للفتاة ، و كأنه يمثل حضوره هو في العالم ؛ فقد صارت الحياة مجموعة من الإيحاءات الشعرية ، و الانطباعات ، و الحالات المتغيرة التي تؤول الصوت من خلال التحول ، و الاندماج بالآخر دائما .
و في نص " غربة " يقترن المبدأ الأنثوي الإبداعي بإيحاءات المكان ، و تبدل المتكلم بين حالات التوحد ، و البهجة ، و الحزن ، و الغربة ، و تجدد الذات في سياق التأويل الشعري للمكان .
يقول :
" أرتدي وجهي و أمرق في ملامحهم جميعا .. علني ألقاك عند تقاطع العرق المبلل بالمهانة ، تلثمين نشيد أغراب تغرب عشقهم فيهم و تبتسمين للآتين من حلم تخمر في قلوب قد تذوب إذا ابتسمت " .
إن المتكلم يبدأ من نقطة حضور ثم يبحث عنها مرة أخرى ، و كأن الحضور هو التغير ، و التبدل .
هل كان التوحد انفصالا مضاعفا عن أصل غائب ؟ أم أنه أثر دائري أنثوي يقاوم الغربة من داخلها ؟
و في نص ( مقهى قايتباي ) يبرز المكان الحلمي المتسع في نسيج المقهى الواقعي ؛ ليفجره في سياق شعري ثوري مضاد لحدود المتكلم ، و ذاتيته .
إن المقهى يجسد الذوبان الطيفي في الكون الإبداعي الحلمي ؛ فالدخان يمتزج بالقصائد ، و يمثل براءة الأطياف ، و لعبها الحر .
يقول :
" تضيق قمصاننا فجأة / فنشد الرحال إليه / نحتفي بطموحنا و نقول شعرا / يرتمي بين الدخان غيابنا طفلا / فقد اشتهاء اللهو و الثوب الجديد " .
إن البراءة السلبية في القصيدة تجسد التناقض النيتشوي الذي يجمع بين البهجة ، و التدمير في تكوين واحد ؛ فعملية التبدل عند إبراهيم داود تمتزج بقلق أساسي في حضور المتكلم ، و موقعه .
و في نص " حضور " تندمج إيحاءات الذكرى ، و الأشياء ، و الانفعالات لتشكل معا حضورا فريدا للأرض ، و للصوت الكوني / الذاتي للمتكلم . إنها بهجة الغياب في الأماكن اللاواعية ، و مرح التجزؤ في بنية الصوت .
يقول :
" قد لا نرتب هذه الدنيا / و لكنا سنعرف – بعد حين / أن هذا البوص متكئ على حلم / و أن بداية النعناع كانت صوت أمي / و أن محاورات مثقف عن وهمه فلس / و أنا أحب أبي كثيرا / و أحب مشية من يعاندني " .
إن آثار الذاكرة هنا تطارد وجودا آخر قيد التشكل في المستقبل ، و كأنه الأصل ؛ فالأرض ، و الأشياء و صور الأم ، و الأب ، و المحاورات لا يمكن فصلها عن التأويلات الشعرية ، و الإيحاءات الإبداعية الطيفية ، أو التشبيهية التي تعيد بناءها في المستقبل .
و تتواتر عمليات النشوء المتجددة ؛ لتصنع فضاءات جديدة يمتزج فيها التوحد ، و الاختلاف ، و التنامي المجازي للأصل دون نهاية في " الغيوم تمر من هنا " .
يقول :
" فعانقهم و مد يدا .. / و رمى خيوط الذهن تحت ظلالهم شجرا / فنمت على أعصابهم مدن / لمت شتات الذكر في الساحة / فتوحد المجزوم و المهزوم و العارف / عزفوا ضياع القلب في الدنيا " .
البناء يتنامى داخل الذات ، و خارجها ؛ فالوعي يمتد في الآخر ، و تخرج منه الشخوص المتوحدة ، و الآلام ، و التشبيهات التي صارت فضاءات جزئية مرحة تقاوم الغربة .
و قد تمارس العلامات ، و العناصر نوعا من الإغواء ، تخرج فيه عن سياقها الأول ، و تدمر بنيتها في مرح متجدد للبدايات .
إن النشوء في هذه الحركة يصبح غاية بحد ذاته دون الالتفات إلى الماضي ، أو الأصوات المحددة ، و هنا تصير الكتابة استباقا للوجود ، أو إبداعا مستمرا يكمن في صيرورته .
يقول :
" يشتري ملكا بلا لغة و قلبا من سحاب / ينتقي جندا من الصفصاف حتى لا تفر الأرض / و تصاهر المتصوفين / فينتشي فرس / و تنعس قطة / و ينام ظل في فراغ الخلق " .
يذوب الوعي – إذا – في الأداء ، و يعاين بهجة الحضور الأول في فضاء الكتابة .
و في نص " ليالي شوبان " تصير الموسيقى مفتتحا لوجود آخر يقوم على التجدد ، و التناقض ، و اللعب السردي .
أما الصوت فقد ذاب في الصور ذوبانا كاملا ، و تفكك إلى مجموعة من العلامات المقاومة للعدم ؛ إذ تخلت تماما عن المفهوم التقليدي للحضور ، و تجلت كإيحاء طيفي ، أو بهجة طائرة ترتدي قناع الغياب ، و تؤجله دائما .
يقول :
" يجيء ضيوف و تصعد بين الضيوف فتاة ، فأجلس بين الفتاة و عمري . تدور كئوس و ألمح رأسي يجر بيوتا و ناسا على الجمر يرتجفون و يعطون وجهي مرايا .. أرقص قلبي و أرقص .. حتى يجيء صديقي و نصعد ثانية .. لنقطف ليل المقابر " .
لقد انفصل المتكلم عن تاريخه ، و اتحد بتناقضات الموت ، و الحياة ، و المرايا ، و التاريخ ، و الرقص ، و الجمر ، و المقابر ، و الزهور ، و الفاعلية ، و الخواء ؛ ليؤكد اتساع الوعي ، و تبدله من جهة ، و النزعة التوليدية الإبداعية المفجرة للصور ، و العلامات كمنظور للوجود من جهة أخرى ؛ فموسيقى شوبان كانت مولدة لأطياف ، و أكوان ، و أصوات متنوعة ، و متناقضة في آن .
إن كتابة إبراهيم داود تبدأ من رصد العلامة الفريدة في الواقع ، و التاريخ ثم ، تكشف عن عمليات استبدال أصلية تقع في المتكلم ، و سياقه الثقافي ، و ذاكرته كطاقات إبداعية لا تنتهي .
محمد سمير عبد السلام – مصر



#محمد_سمير_عبد_السلام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سرد في نسيج الحجر .. تأملات في طبعات الأيدي القديمة
- امتداد التجارب النسائية .. قراءة في نساء طروادة ل يوريبيدس
- سياق شعري يشبه الحياة .. قراءة في تجربة فاطمة ناعوت
- تأملات جمالية في الأنا الأعلى
- تجاوز الذات التاريخية .. قراءة في أحب نورا .. أكره نورهان ل ...
- العولمة ، و الاختلاف
- شهوة الكتابة ، و نشوة الغياب .. قراءة في الرغام ل علاء عبد ا ...
- الأنا ، و إيحاءات الأشياء الصغيرة .. قراءة في اسمي ليس صعبا ...
- التأويل الإبداعي ، و دراسة التاريخ .. قراءة في دروس التاريخ ...
- الانتشار الإبداعي ، و التناقض في قضايا النوع
- تجدد الحياة في صمت النهايات .. قراءة في مواسم للحنين ل محمد ...
- صراع ضد الحتميات السائدة .. قراءة في نقطة النور ل بهاء طاهر
- دراسة الهوية الثقافية تتميز بالتعقيد ، و التداخل
- وهج البدايات النصية .. قراءة في حجر يطفو على الماء ل رفعت سل ...
- انطباعات حسية تقاوم العدم .. قراءة في نصوص منى وفيق
- الصوت في نشوء متكرر .. قراءة في إلى النهار الماضي ل .. رفعت ...
- مرح الغياب .. قراءة في كزهر اللوز أو أبعد ل .. محمود درويش
- السينما .. فن الأشباح
- الأخيلة المجردة للجسد .. قراءة في الطريق إلى روما ل شريفة ال ...
- عن الفوتوغرافيا


المزيد.....




- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم ...
- تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
- فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى ...
- بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين ...
- ترامب يثير جدلا بطلب غير عادى في قضية الممثلة الإباحية
- فنان مصري مشهور ينفعل على شخص في عزاء شيرين سيف النصر
- أفلام فلسطينية ومصرية ولبنانية تنافس في -نصف شهر المخرجين- ب ...
- -يونيسكو-ضيفة شرف المعرض  الدولي للنشر والكتاب بالرباط


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد سمير عبد السلام - الاندماج الأول بالعالم .. قراءة في تفاصيل ، و تفاصيل أخرى ل إبراهيم داود