أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد سمير عبد السلام - مرح الغياب .. قراءة في كزهر اللوز أو أبعد ل .. محمود درويش















المزيد.....

مرح الغياب .. قراءة في كزهر اللوز أو أبعد ل .. محمود درويش


محمد سمير عبد السلام

الحوار المتمدن-العدد: 2383 - 2008 / 8 / 24 - 07:13
المحور: الادب والفن
    


للغياب حياة خاصة في كتابات محمود درويش ، فهو منبع إبداعي للصور ، و الحكايات ، و الصوت الداخلي للذات ، إنه يبعث آثار الأنا ، و المكان ، و الوعي بالعالم في مشهد كوني متجدد لا نهاية له .
الغياب عند درويش مرح لا يهتم بالنهايات ؛ لأنه يناهضها ، فدائما ما يترك مساحة فارغة للنشوء المتجدد للصور المبدعة ، و كأنه يذكرنا بزيف فكرة النهاية الحاسمة ، و من ثم فإن صوت درويش سيظل ممتدا في مرح الغياب ، و علاماته النصية – التاريخية ، و أطيافه الفاعلة داخل القصيدة ، و خارجها ؛ تلك الأطياف التي تحمل أثر درويش ، و إدراكه المبدع لقوة الغياب ، و احتفالياته الموسيقية ، و التصويرية ، و الكونية المتنوعة ، و المتداخلة ، و المضادة للحدود .
إن المتكلم في ديوان محمود درويش " كزهر اللوز أو أبعد " يكتشف الطاقة الإبداعية الكامنة في مدلول الغياب ، و هي ثراؤه اللانهائي بالصور ، و التكوينات المختلطة المتحررة من القيود ، و الحدود ، و من ثم كان الغياب فضاء حرا للصور و الأماكن ، و الأخيلة ؛ فهي تمارس فيه تحققها الذاتي / الجمالي ، ثم نراه يمارس نوعا من الذوبان في هذا الوهج الذي تولد للتو عن الغياب ، و قد تحققت حياته الجديدة بما فيها من صخب ، و لذة ، و وهج .
في نص " أحب الخريف ، و ظل المعاني " يتجسد دال الخريف في منطقة غائمة ملتبسة ، يبدأ منها الإبداع في تشكيل عوالمه الفريدة انطلاقا من زوال الحدود ، و التصنيفات .
الخريف هنا مبدأ لإدراك العالم ، و الانحياز لحركيته الإنتاجية الخفية ؛ ففيه الكتابة ، و الحياة ، و الموت ، و إعادة تسمية الأشياء .
الخريف قوة النشوء الكامنة في الغياب ، و قد كشف درويش عن تداعياته ، و مساحاته الفارغة الثرية بالأخيلة .
يقول :
" أحب الخريف و ظل المعاني / و يعجبني في الخريف غموض خفيف شفيف المناديل / كالشعر غب ولادته إذ يزغلله / وهج الليل أو عتمة الضوء / يحبو و لا يجد الاسم للشيء " .
الخريف هنا رؤية للوجود ، توشك أن تبدأ في إعادة كتابته دون أسماء ، أو تكوينات حاسمة ، إنه لذة البدايات الأخرى في سياق الغياب ، و النهايات المتوهجة بحياة جديدة .
إن القصيدة تضع أسئلة الوجود ، و الحياة في الخريف الذي يتحدى النهايات في مدلوله الخاص ؛ و من ثم يكتسب الليل وهجا ، و الضوء عتمة و يظل الغياب معلقا لا يكتمل أبدا ؛ لأنه منتج لحياة خفية ملتبسة بالحضور .
و الموت مثل الخريف ، أو هو تأويل له ملتبس بفرح الحياة ، و ديناميكيتها السردية ، فالجانب السردي عند محمود درويش يؤكد فاعلية الغياب من جهة ، كما يعيد تمثيل الموت كحياة متجددة تقاوم مدلول المحو من جهة ثانية .
يقول :
" في مثل هذا الخريف تقاطع موكب عرس لنا مع إحدى الجارات / فاحتفل الحي بالميت ، و الميت بالحي " .
المكان يذوب في أطياف المشهد المجازية ، و الأسطورية ، فالبشر إيحاءات مجردة ينتجها الجانب الإبداعي في المكان ، و هكذا يقبض درويش على الإيحاءات المتجددة ، و على ما تخلفه من فراغ نرى فيه الحياة ، و الموت في حالتي صخب ، و فرح .
و قد تمتزج الذات اللاواعية التي نراها في كتابات فرويد ، و كارل يونج بالأسطورة ، و حلم اليقظة ، مما يعزز من فكرة الاتساع ، و الذوبان في قوة الغياب الكونية التي تشبه الخريف أيضا .
يقول :
" يعجبني أن أرى ملكا ينحني لاستعادة لؤلؤة التاج من سمك في البحيرة " .
هل هي استعادة للذات الأسطورية الكامنة في اللاوعي الجمعي ؟ أم أنه ذوبان في المادة الكونية ذات الإيحاءات الأنثوية المؤجلة ؟
الخريف انتظار للحياة .
هل كان درويش يقع في تلك الهدنة ؟ في انتظار حياة مرحة يولدها الغياب ؟
الخريف فراغ للأخيلة الصاخبة القادمة ، الحاملة لكل أطياف الحكايات ، و الأشعار ، و المعارك ، و الأساطير ، إنه انتظار للحياة يستشرفها وراء الغياب ، و القصيدة ، و الحياة نفسها .
الخريف عند درويش حياة ما بعد الحياة ، الصوت المؤجل للقصيدة ، و المعركة .
يقول عنه :
" يعجبني أنه هدنة بين جيشين ينتظران / المباراة ما بين شاعرتين تحبان فصل الخريف / و تختلفان على وجه الاستعارة / و يعجبني في الخريف التواطؤ بين الرؤى و العبارة " .
تتراوح الدوال بين التحقق ، و الانتظار ، و الانقسام ، و كأن ثمة ما هو قادم من عتمة الغياب ، و جمالياته التي لا يمكن القبض عليها رغم حضورها الاستعاري المتكرر في النص .
و يتوحد المتكلم بالطيف ليحقق حياة ما بعد الغياب في نص " مقهى ، و أنت مع الجريدة " ؛ فقد تحول إلى وعي مرح طليق خارج الحدود ، و القيود الجسدية الظاهرة ، و لكنه يملك جسدا قيد التشكل ، و النشوء المستمر الذي يشبه الحياة ، و يتحداها .. يشبه الحياة ، و يتجاوزها .. يشبه الحياة في ولادة جديدة خارج العالم بكل ما فيه من قوى ، و صراعات .. هل استشرف درويش هذه الحياة ؟ هل حققها الآن ؟
يقول :
" و من خلف الزجاج ترى المشاة المسرعين / و لا ترى / إحدى صفات الغيب تلك ترى ، و لا ترى .. فاصنع بنفسك ما تشاء / اخلع قميصك أو حذاءك إن أردت / فأنت منسي و حر في خيالك / ليس لاسمك أو لوجهك ها هنا عمل ضروري / تكون كما تكون " .
لقد اندمج الصوت الشخصي ، بالصوت الكوني اللاشخصي ، فالوعي يعاين التحول ، و الكينونة الجديدة ، في ولاداتها الأخرى ، و سياقاتها المنتظرة خارج الحدود القديمة رغم أنها تحمل الصوت القديم نفسه ، و قد تخلى عن قيوده لأجل الحرية .
و تظل حالة السكون التي تشبه النرفانا مسيطرة على المتكلم ؛ فهي شرط الذوبان في شعر ما بعد الموت ، و ما بعد الحالة الإنسانية .
يقول :
" مقهى ، و أنت مع الجريدة جالس / في الركن منسيا / فلا أحد يهين مزاجك الصافي / و لا أحد يفكر باغتيالك / كم أنت منسي و حر في خيالك " .
هل هي لذة الوعي حين يلتحم بالمشهد في حالة غياب ؟ أم أنها قصيدة المشهد التي تحرفه في سياق حر يشبه براءة الامتلاك الأولى للعالم ؟
إن الفراغ عند محمود درويش فضاء لاختلاط الانفعالات ، و الصور ، بحالات التجسد المؤقتة التي تسمح لنفسها بالظهور ، و العودة في أشكال جديدة . يبدو هذا واضحا في نص " فراغ فسيح " .
يقول :
" أفق مهمل كالحكايا الكبيرة / أرض مجعدة الوجه / صيف كثير التثاؤب كالكلب في ظل زيتونة يابس / عرق في الحجارة / شمس عمودية / لا حياة و لا موت حول المكان " .
إنه يعلق المكان في تجسدات مؤقتة ، ليؤكد أن المكان يتجدد حين تعانق المادة أخيلة القصيدة ، هل هو المكان ؟ أم أنه قصيدة المكان التي هي مستقبل المكان ، و أصله الغائب ؟
تسير القصيدة في هذا الاتجاه الذي تجف فيه الحدود ، و المطلقات ، و الحكايات الكبيرة ، بينما يبرز الإبداع في المشهد كصورة رمادية تعلق المكان ، و تحدثه مرة أخرى في نصيته الأولى .
و يجرد درويش الأخيلة الأنثوية من أي حدود ، أو تعريفات ، في نص " الجميلات هن الجميلات " ؛ فهو يستعيد التناقضات الأنثوية الممزوجة بالوحشية ، و السكون في آن من اللاوعي .
المرأة في هذه القصيدة تزدوج بانطباعات المتكلم ، و أخيلته التي تجمع الصفات ، و الأطياف المتضادة . إنها تؤول أخيلة الأنوثة دون أن تحاول القبض عليها ، أو تحديدها .
إن الإجابات المجازية التي يقدمها النص عن الجميلات ، تمزجهن بإيحاءات ذاتية ، و كونية ، و أسطورية ، مثل تجدد الحياة في الربيع ، و الإلهام الإبداعي ، و اليأس المضيء ، و القوة التي تشبه الذكورة ، و الأغاني ، و المرح ثم القتل .
يقول :
" الجميلات هن الجميلات / نقش الكمنجات في الخاصرة / الجميلات هن الضعيفات / عرش طفيف بلا ذاكرة / الجميلات هن القويات / يأس يضيء و لا يحترق .. الجميلات هن الكبيرات / مانجو مقشر و نبيذ معتق / .. الجميلات كل الجميلات أنت / إذا ما اجتمعن ليخترن لي أنبل القاتلات " .
هل كانت المرأة معبرا للغياب عند درويش ؟
هل كانت مشبعة بسياق الأحلام ، و الإيحاءات التي بحث عنها وراء الذات ، و المكان ؟
لقد انفرطت دوال الأنوثة في القصيدة ، و تركت لنا هذا الفراغ المرح الصاخب الذي يؤكد حب محمود درويش للحياة الكامنة في الغياب .
محمد سمير عبد السلام – مصر




#محمد_سمير_عبد_السلام (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السينما .. فن الأشباح
- الأخيلة المجردة للجسد .. قراءة في الطريق إلى روما ل شريفة ال ...
- عن الفوتوغرافيا
- الرغبة في تخييل العالم .. قراءة في قارورة صمغ ل فاطمة ناعوت
- القوة الخلاقة للرعب و التمرد في كتابة هنري ميلر
- سحر توفيق تستعيد الرجل بلغة أنثوية
- هارولد بلوم .. و إعادة إنتاج الأثر الشعري
- تجدد الثقافة الشعبية
- تعدد الدلالات و الأصوات .. قراءة في اخلص لبحرك لمسعود شومان
- السياق الجمالي للعقاب .. قراءة في أقلب الإسكندرية على أجنابه ...
- الآلية .. و العمل الإبداعي
- إعادة اكتشاف روح الأشياء .. قراءة في بريق لا يحتمل لسمر نور
- الصيرورة الإبداعية للزمن .. قراءة في فوق الحياة قليلا ل .. س ...
- الشخصية في تحول .. قراءة في عمرة الدار ل .. هويدا صالح
- العابرون ، و تبدل حالات الوعي
- وعي طيفي مثل وهج الموت .. قراءة في عادات سيئة ل جمانة حداد
- براءة الجسد ، و مخاوفه .. قراءة في كوب شاي بالحليب ل محمد جب ...
- ظلال تتجاوز صمت الأشياء .. قراءة في سوف تحيا من بعدي لبسام ح ...
- خوف الكتابة
- التكوين الحدسي للمكان .. قراءة في قصص دوريس ليسنج


المزيد.....




- كيف تُغيّرنا الكلمات؟ علم اللغة البيئي ورحلة البحث عن لغة تن ...
- ما مصير السجادة الحمراء بعد انتهاء مهرجان كان السينمائي؟
- وفاة الممثلة الإيطالية ليا ماساري عن 91 عاما
- البروفيسور عبد الغفور الهدوي: الاستشراق ينساب في صمت عبر الخ ...
- الموت يغيب الفنان المصري عماد محرم
- -محاذاة الغريم-... كتاب جديد في أدب الرحلات لعبد الرحمن الما ...
- -أصيلة 46- في دورة صيفية مخصصة للجداريات والورشات التكوينية ...
- -نَفَسُ الله-.. هشاشة الذات بين غواية النسيان واحتراق الذاكر ...
- جبل كورك في كردستان العراق.. من خطر الألغام إلى رفاهية المنت ...
- لماذا يفضل صناع السينما بناء مدن بدلا من التصوير في الشارع؟ ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد سمير عبد السلام - مرح الغياب .. قراءة في كزهر اللوز أو أبعد ل .. محمود درويش