أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد سمير عبد السلام - براءة الجسد ، و مخاوفه .. قراءة في كوب شاي بالحليب ل محمد جبريل















المزيد.....

براءة الجسد ، و مخاوفه .. قراءة في كوب شاي بالحليب ل محمد جبريل


محمد سمير عبد السلام

الحوار المتمدن-العدد: 2208 - 2008 / 3 / 2 - 08:32
المحور: الادب والفن
    


في نصه الروائي " كوب شاي بالحليب " الصادر عن دار البستاني بمصر 2007 – يستعيد محمد جبريل حدث الالتحام العضوي بدلالاته البيولوجية ، و التاريخية الشخصية ، و الثقافية ، و الحلمية ، و العبثية . هذا الحدث المجدد من خلال عوامل الوحدة ، و التمزق ، و العقاب ، و الفرح معا يشكل صيرورة الشخوص و مصائرهم ، و يهدد وجودهم المعين في الزمان و المكان عن طريق تضخم الحالة الجسدية و تفوقها على الوجود الفردي ، فذكرى الالتحام بكل مستوياته الدلالية في النص تحافظ على تجسد الفرد و تتجاوزه من خلال قداسة حالته الجسدية التي تجمع في نسيجها عبث الأداء ، و ميكانيكيته ، و فرح الوعي باكتشاف النزوع الإبداعي لهذا الأداء كظاهرة فريدة مصحوبة بالبراءة ، و الدهشة .
و يظل الوعي في حالة اكتشاف متكررة ، و متجددة لأشكال الالتحام ، و التفكك و كأنها تتحدى المدرك ، و تقاوم إرادته ، و عقلانيته التحليلية كمثقف . لقد بدا بنسيون شارع فهمي و كأنه جزء متوهج من الطاقة الكونية ، و الحلم المضخم بالغرائز في براءتها العنيفة ، و محوها للكينونة المحددة من خلال حدث البدء في التكوين الذي صار حالة جسدية جماعية ثم أسطورية ثقافية حلمية ، و بلغ ذروته في حضور النص الروائي من لحظة التفسخ التي تلت انهيار رابطة المثقفين في البنسيون ، و كأنه يجدد هذه الطاقة على مستوى تمثيلي متضاعف يتجاوز دلالاته التاريخية .
إن النص يستبدل البنسيون ، من خلال تحول الأخير إلى أثر كوني و نصي ، و أرضي ، فالبنسيون يكتسب التخييل الكامن في الانتشار النصي ، و كأنه بداية بريئة في سياق حب البطل سمير دسوقي / الصحفي لشرب الشاي بالحليب ، لكنها براءة ليست أحادية تختزل نفسها في سيرة سمير و علاقاته ، إنها براءة الأداء الجسدي الخالص و مخاوفه المتكررة من العقاب و التفسخ و قانون الضرورة المتحول أبدا باتجاه فرح الوعي ببراءة حدث الالتحام .
يرى فرويد أن الحياة بحد ذاتها تجمع بين كونها صراعا و حلا توفيقيا لنزوع الموت نحو تفتيت المادة الحية ، و رغبة الإيروس في توحيد العناصر المفتتة مرة أخرى ( راجع – فرويد – الأنا و الهو – ترجمة محمد عثمان نجاتي – عن دار الشروق ) .
إن تلاحق وحدات السرد و تضاعفها أمام الوعي في الرواية ، يؤكد استعادة تناقضات الحياة ، و صخبها في اتجاهي البناء و الهدم ، و التداخل المستمر بينهما حيث تختلط الرغبة في الخروج عن الضرورة ، و مشاعر الذنب ، باستعادة التكوين الجسدي خارج الحدود في صفاء كوب الشاي بالحليب ، و خصوبة الأرض التي صاحبت أساطير تموز ، و أوزوريس معا هكذا تحول التدمير البيولوجي عقب إصابة المجموعة بمرض قمل العانة و انهيار توقعاتهم السياسية ، إلى أثر نصي يوحد بينهم مرة أخرى ، و يحن للحظة الالتحام في تجددها اللاواعي ، و أدائها التمثيلي .
و تتعدد مستويات السرد في رواية كوب شاي بالحليب ، فالسارد يشير إلى مشاعر التوحد الجسدي بشكولها المختلفة ، كما يلج وعي غسان الشاب الفلسطيني الذي يميل إلى العزلة و التعين الشخصي أكثر من الشخوص الآخرين ، و يشير في مستوى سردي آخر لمناقشات المثقفين حول حدث الوحدة بين مصر و سورية و آثاره ، و في هذه المناقشات يعلو الجانب الشخصي ، و إرادة الهوية الأكثر تعارضا ، و اختلافا مع الآخر ، أما في المستوى الأول فتعلو حالة التضخم الجسدي على الكينونة و الإرادة ، و تتداخل هذه المستويات في دهشة الوعي إزاء انخراط الجسد في الحدث ، و الأداء معا بصورة تطمح لتطهير الشعور بتفرد الجسد رغم عوامل تدميره ، و ضروراته القهرية .
و تكثر لحظات التبئير الداخلى على شخصية البطل الصحفي سمير دسوقي ، ثم تتنوع على الشخوص الآخرين مثل غسان و حسام خياطي و غيرهما . و لكن الارتكاز على العوالم الداخلية في عمل محمد جبريل لا يعني المعرفة الموازية لما يعرفه الشخص ، إنه يعاين حالة الالتباس الداخلي ، و إمكانيات الخروج عن الحدود الشخصية المعرفية ، و الجسدية ، و كأنه يسخر من اكتمال هذا العالم الداخلي ، فيرصده في لحظات جزئية ، تميل إلى الآخر أو الظواهر الكونية في تجسدها غير المحدد .
و يلتبس المعنى الثقافي لآلية الممارسات الجنسية هنا بين قوانين الضرورة القهرية في وعي النساء ، و محاولة التفوق عليها من خلال الحدث القهري نفسه حين يتحول إلى حالة غريزية تحمل معنى الالتئام خارج الفاعل المركزي ، أو تاريخ المرأة معا ، فقد اعتاد سمير سماع الحكايات المتعلقة بالظروف القاسية من النساء المترددات على البنسيون ، مثل الأبوين المنفصلين ، و الشاب الغادر الذي يجري بعدما يختطف الثمرة ، و عجز الأم عن الإعالة ، و اختفاء الزوج ، أو الضرب ، و الاستياء من الممارسات الشاذة .
إننا أمام سياقات ، و أبنية آلية تعد الجسد سلفا لهذا الحدث ، و لكنها تخفي تداخلها مع الرغبة العنيفة في الوحدة النفسية ، و البيولوجية ، و الخروج الثقافي من حالة القهر ، و كأن المرأة تمردت داخل الآلية ، و سقطت في قوة ملتبسة تعارض الضرورة من خلالها و هي قوة الالتئام التي تدمر التمرد الشخصي ، فيذكر السارد عن جزرة أنه كان يقدم على الممارسة في أي مكان في الحجرات ، و الصالة ، و الطرقة ، و كان اهتياج جسده يأتيه في لحظات لا يتوقعها ، فيأخذ عنابر / الخادمة في حجرات البنسيون ، و يقول له وردي : ماذا تركت للقطط ، و الكلاب ، أما جلال ضيف فيأتي ببائعة فجل ، و كرات ، و يقول إنه وجد في رائحتها شيئا مثيرا . و قد اكتشف سمير أن ماريا التي ظن أنها أحبته بعد فقده عذريته ، هي من نزلاء البنسيون ، و يراها مع جزرة .
إن زوال حدس التعين في الحب عند سمير ، يوقع انشقاقا بينه ، و بين كوب الشاي بالحليب الذي ارتبط به ، و يدخل لعبة الالتئام الجماعية مع مجموعة المثقفين حتى تتضخم قوة الجسد خارج اللذة ، و الهوية الجماعية ، و تقترب من معنى الانفصام ، أو الموت حين يصاب النزلاء بمرض قمل العانة . تلك التي بدت في أحلام سمير جسما كبيرا شائها له آلاف الأعين ، و الأفواه ، و الأرجل و يطير به في الغرفة ، أو يهم بابتلاعه ، أو يلتهمه في صمت .
مثل هذه الأخيلة تصل ذروة التضخم الجسدي ، بالتفكك ، و الانهيار للمادة الحية ، في أخيلة سمير ، و زملائه ، و من ثم تزول رابطتهم ، و مناقشاتهم السياسية ، و كذلك موقعهم التمثيلي المتحول في الوجود ، و هو بنسيون شارع فهمي الذي يصير أثرا تاريخيا ، و مجازيا في وقت واحد عندما يفتقد عصام الزهاوي دعوة سمير على كوب الشاي بالحليب . فالكوب يحمل براءة المكان ، و علامات التفسخ ، و العقاب ، و الموت ، التاريخ و أخيلة الحشرة ، و اللذة ، تحقيق الذات ، و الانخراط في قوة الجسد معا .
و على خلاف الجسد ، جاءت مناقشات الشخصيات الفكرية ، و السياسية حادة ، لكنها تختلط أيضا بالغياب ، و قوة الانفعال ؛ فجزرة يتميز بالجدية ، و ينتقد عدم اتحاد مصر و السودان ، و عزام يرى أن الوحدة كانت وسيلة و ليست هدفا للتخلص من مسلسل الانقلابات ، و حسام خياطي ضد التقسيمات السياسية مثل اليمين ، و اليسار ، و التخلف ، و التقدم ، و البعث و القوميين ، و عقب نهاية الوحدة رأى حمد رشيد أن السبب اختلاف النظامين ، و تحدث عزام عن البترول و المؤامرات ، و الإعداد ثم تركوا البنسيون ، و تفرقوا .
إن الرغبة في تأويل الحدث تختلط بتأكيد الاختلاف ، و الانعزال الكلي أحيانا عن الآخر ، و لذة انتشار الكلام و اختلاطه في لعبة الاختلاف و التداخل التكويني . و قد بدا هذا من خلال اتحاد الشخصيات في المكان ، و تعارض أفكارهم ، و ضيق غسان بمناقشاتهم التي لا تنتهي ، و كأنها رغبة ضمنية في وحدة متخيلة ، أو تجسد شخصي يناهض القوة الغريزية من خلال الحلم بتسمية واحدة لهذه القوة الأعلى دون الوصول إليها ، فجاء المستوى السردي للمناقشات مكملا للأول ؛ تختلط فيه مشاعر التحقق ، بالانفعال المتدفق ، و رغبة التوحد بحدث التفكك ، و أحلام الخصوبة المتعالية ، بعقدة الذنب ، و الموت ، و من ثم الحنين لبراءة تكوين متجدد للجسد بكل مستوياته الدلالية المحتملة .

محمد سمير عبد السلام – مصر



#محمد_سمير_عبد_السلام (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ظلال تتجاوز صمت الأشياء .. قراءة في سوف تحيا من بعدي لبسام ح ...
- خوف الكتابة
- التكوين الحدسي للمكان .. قراءة في قصص دوريس ليسنج
- ما بعد الحداثة في ديوان شطح الغياب للشاعر مهدى بندق
- القصيدة في نشوء آخر .. قراءة في شطح الغياب لمهدي بندق
- تجاوز ما بعد الحداثية ، أو التفاعل المفتوح بين المحلي و العا ...
- الزمن الآخر للظل .. قراءة في مهمل لعلاء عبد الهادي
- أحلام الجسد البهيجة .. قراءة في مأوى الروح لمحمد عبد السلام ...
- إعادة إبداع الإنسانية
- عبث ما بعد الحرب ... قراءة في رواية بلا دماء
- طيف الأنوثة المستعادة .. قراءة في هيكل الزهر ل فاطمة ناعوت
- دالي .. حلم النص و أسطورة الفوتوغرافيا
- جماليات الاختفاء عند مكسويل كوتزي
- لذة الكشف في رواية نوافذ النوافذ ل..جمال الغيطاني
- الحكي كإبداع للوعي .. قراءة في ما لا نراه ل محمد جبريل
- معرفة كونفوشيوس
- توهج النهايات عند صمويل بيكيت
- المحظور و التمثيلي و العوالم الافتراضية .. عن الأنوثة في قصص ...
- العمل ، و إبداع العالم
- الغياب في فضاء المحاكاة .. قراءة في فكر جان بودريار


المزيد.....




- -الملفوظات-.. وثيقة دعوية وتاريخية تستكشف منهجية جماعة التبل ...
- -أقوى من أي هجوم أو كفاح مسلح-.. ساويرس يعلق على فيلم -لا أر ...
- -مندوب الليل-... فيلم سعودي يكشف الوجه الخفي للرياض
- الموت يفجع الفنانة اللبنانية كارول سماحة بوفاة زوجها
- وفاة المنتج المصري وليد مصطفى زوج الفنانة اللبنانية كارول سم ...
- الشاعرة ومغنية السوبرانوالرائعة :دسهيرادريس ضيفة صالون النجو ...
- في عيد التلفزيون العراقي... ذاكرة وطن تُبَثّ بالصوت والصورة
- شارك في -ربيع قرطبة وملوك الطوائف-، ماذا نعرف عن الفنان المغ ...
- اللغة الروسية في متناول العرب
- فلسطين تتصدر ترشيحات جوائز النقاد للأفلام العربية في دورتها ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد سمير عبد السلام - براءة الجسد ، و مخاوفه .. قراءة في كوب شاي بالحليب ل محمد جبريل