أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - داود السلمان - التسامح في القرآن 1/3















المزيد.....


التسامح في القرآن 1/3


داود السلمان

الحوار المتمدن-العدد: 2663 - 2009 / 5 / 31 - 05:29
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


التسامح في القرآن 1/3
مقدمة

حاولنا في هذا البحث المتواضع ،استخراج مفهوم (التسامح )من القران الكريم ، وقلنا بأن كتاب الله العزيز ،قد ذكر جملة من الآيات البينات التي اشارت أشارة واضحة الى مفهوم التسامح وشرحنا تلك الآيات شرحا دلاليا تطابقيا من حيث المضمون والانسيابية ،والفلسفة القرآنية،وجئنا بنماذج كثيرة من تلك الآيات وكيف استدلينا بها على مفهوم انساني يعد من اهم المفاهيم التي اعطت الانسان العيش بكرامة وحرية دائمة ،إلا وهو(التسامح )،إذ أن قيمة التسامح لا يستطيع سبر غورها احد ،الا من محض الانسانية محضا ، وادرك اسراها التي اودعها الله فيها .فهو يتسامح ويغض الطرف عن كثير من الامور والقضايا ،لا من باب الضعف والتنازل عن حقوقه ، كلا ،بل من باب المداراة والمحاباة واللطف ،وترك زمام الامور بيد صاحب الشأن ،ليفكر قليلا بما ابداه المقابل وافاض في صميم هذا الإطار ،وفك نزاع قد يحصل وينتهي بنتيجة لايحمد عقباها.
وقد بينا بأن للتسامح انصار ،كما أن له خصوم واعداء يدورون به الدوائر لتفكيك بنيته وماهيته ،كونه لا يصب في خانة مفاهيمها ،ولا في خضم ايديولوجيتها ،وزحمة افكارها وعقليتها الضيقة .
وذكرنا إن هناك اربعة انواع من التسامح ،وهي التي يدور من حولها اطار البحث ،وقد سلسلنا تلك النقاط ،وسلطنا عليها الضوء وقلنا بأنهن من اهم انواع التسامح ويجب اخذهن بعين الاعتبار ،ولا يضعن سدى او يذهبن ادراج الرياح.
ولا ندعي بأننا قد احطنا علما بهذا البحث،واشبعناه تنقيبا ،لأن موضوع التسامح كبير ومتشعب وله ابعاد إنسانية واخلاقية وكذلك نفسية . ونحن حاولنا قدر المستطاع إيضاح هذا المبدأ (التسامح)على وفق ما فهمنا من الآيات الكريمة،والتي صبت في هذا الاطار ،ليكون القارىء الكريم على احاطة تامة بالقضية .



تــوطئــة

لقد كان ومازال مبدأ التسامح ،يشغل حيزا واسعا في فكر المثقفين والمفكرين والمعنيين ،قديما وحديثا ،وعلى مدار حقبة طويلة من التأريخ.وهو اليوم حديث القاصي والداني ،لما له من اهمية كبرى،في ديمومة الحياة والتواصل مع معطياتها ،ولاسيما وان الإنسانية أخذت على عاتقها بث التفاؤل منسجمة وحيادية ،تجاه الفرد والنظر اليه كانسان له حق العيش على هذه البقعة من الأرض ،وان لا يعتدى على كرامته .
فقد طرحت كثير من الدراسات والبحوث ،من قبل الكتاب والباحثين ،تناولت وجهات نظر كثيرة ،أكدت فيها حرصها على ترسيخ مبدأ التسامح ،ودعت الى اعتناق هذا المبدأ ومن ثم بثه في المجتمعات المختلفة ،كي تعيش في سلام ووئام دائمين ،وان تنبذ العنف والتفرقة،وما يدعو إلى الاحتراب والاقتتال ،وما يشجع على الشحناء البغضاء والكراهية ،والتي دوما ما تفضي الى خوض معارك طاحنة تخلف مزيدا من الضحايا الأبرياء ،حيث يكون هؤلاء الابرياء وقودا سريع الاشتعال .
ولا ريب ،أن الغرب كانوا سباقين في هذا المضمار ،فقد تبنى كثير من فلاسفتهم ومفكريهم مبدأ التسامح ،واكدوا عليه من خلال بحوثهم ودراساتهم .ولعل ابرز من تبنى التسامح واكد على اعتناقه، هو الفيلسوف الانكليزي( جون لوك) ،فقد كتب رسالة في هذا الخصوص اطلق عليها اسم (رسالة في التسامح ) ثم تبعه ،بعد ذلك كثير من الفلاسفة والمفكرين ،وسار قسم كبير على نهج خطاهم .اما التسامح الذي دعا اليه( لوك) ،فهو التسامح الديني في المسيحية ،واشار الى أن التعدد في الدين أمر طبيعي ،وان لكل إنسان السلطة العليا المطلقة في الحكم لنفسه في أمور الدين .لكن الشيء المهم الذي أكده لوك في رسالته قوله :ينبغي على الحاكم الا يتسامح مع الملحدين لأنه لا أمان لمن لا يؤمن بالله ،وأنه موجود وطاعته واجبه .
وبالمقابل ،فأن في العالم العربي لا زالت هناك كثير من الأصوات ،تدعوا الى التسامح وبث هذه البذرة المسماة بالتسامح ،في أقصى بقاع الأرض لكي يعم السلام وتزدهر الحياة ،ويعيش الجميع في وئام مستمر ،حتى تدور عجلة الحياة كما ينبغي .
لكن اليوم ،وللأسف الشديد،قد شوهت كثير من معالم الإسلام،من قبل الاسلامويون والذين تبنوا افكار ابن لادن والظواهري،حيث راحوا يفسرون الدين على هواهم ،فيكفرون المسلمين ،من خلال فتاوى ما انزل الله بها من سلطان .وقد نتج عن ذلك عمليات إرهابية كثيرة،ولا تزال قائمة من تفجير وقتل واختطاف.


الفصل الأول



منهجية التسامح

القرآن الكريم، بما انه كتاب هداية وإرشاد وموعظة، فقد أراد للإنسان العيش الكريم، والحياة الهانئة المطمئنة، وحثه كذلك إلى السمو والارتقاء، وجعله أن يعيش حياة خالية من النكد، وان يسير بما ينسجم وخلقه، حيث إن الله تعالى فضله على جميع مخلوقاته، إذ جعله سويّ ممشوق القوام، وأودع فيه عقلاً هو بمنزلة الميزان الذي يزن به جميع الأشياء، ويميز الحق من الباطل، والصحيح من الخطأ، والعدل من الظلم، لذلك أمر الإنسان ذو العقل، لأن صاحب العقل، هو من يعي الكلام ويفهم سر الخطاب، وطلب منه أن يتخذ العقل معياراً، بما إن العقل ينصاع للحق وخضع للكمال، فقد مال إلى النهج الصحيح والطريق السوي، ولا يتحقق ذلك إلا بتمسك الإنسان بالخلق الرفيع، ونبذ كل ما هو بعيد عن الفلسفة الإنسانية كالعنف والاحتراب، وإشاعة ثقافة الموت، وهدر كرامة الإنسان حيث يفضي إلى انقراضه وإنهاء وجوده، وهذا مخالف لإرادة الله.
القرآن الكريم فيه مطاليب كثيرة، وفلسفات متنوعة، وقضايا متعددة، وأمور ظاهرة وأخرى باطنة، وكلها تصب في خدمة الإنسان وتسير لصالحه. والمطلوب من الإنسان أن يفكر ويتأمل، ويبحث وينقب، وقد وردت أحاديث كثيرة عن سيد المرسلين (ص) بأن التفكر أفضل من العبادة.
ومن جملة ما طرح القرآن الكريم، (التسامح) الذي يعني التجاوز والابتعاد عن كافة أشكال العنف وقتل النفس تحت أي ذريعة، حيث أن القتل من اكبر الكبائر، وان قاتل النفس المحترمة لا يشم رائحة الجنة، فضلاً عن انه سيلاقي العقاب والعذاب من قبل مليك مقتدر يوم الجزاء.
وفي هذا البحث حاولنا تسليط الضوء على الآيات التي دعت إلى تسامح، ونبذ الاحتراب والاقتتال، وزرع الفتنة بين صفوف المسلمين لغرض تشتتهم وتمزيق صفوفهم وفك أواصرهم. وهو ما شاهدناه ونشاهده يومياً على مسرح الحياة، على يد أناس يدعون الانتماء إلى الإسلام، وهم حقيقة لا تربطهم أي صلة بمبادئ الإسلام ونهجه القويم، وما قولهم إلا زوراً وبهتاناً وباطل ما كانوا يدّعون. حيث إن المسلم من سلم الناس من يده ولسانه، كما ورد في الحديث الشريف.


فلسفة القرآن في التسامح
لقد أشار القرآن الكريم إشارة واضحة إلى التسامح، من خلال آيات كثيرة طرحها، وأمر الناس أن يتمسكوا بها .
القرآن وان لم يكن قد ذكر عبارة ((التسامح)) نصاً، إلا أن هناك آيات كثيرة أشارت بالمضمون إلى ذلك مثل: الصفح، العفو، التجاوز، والهجر الجميل...الخ، فأن كل هذه المعاني وسواها، تدل دلالة واضحة على التسامح، والسير على مبدأ العفو والصفح، والترغيب واخذ المحبة والتآخي، وعدم إشاعة النعرات الجاهلية التي دائماًَ ما تفضي إلى الاقتتال والاحتراب، وزرع الفتنة وإشاعة ثقافة الموت في المجتمع.
القرآن الكريم أراد أن يربي الإنسان تربية أخلاقية صحيحة، لذلك فقد نهى عن الغضب والتكبر والغرور وتصعر الخد، والسير على الأرض بمرح، لأن ذلك لا يليق بالإنسان، وان مبادئ الإسلام لا تحبذ ذلك، ومتى ما التزم الإنسان بهذه المبادئ والقيم النبيلة فسوف يصير إنسانا سويّ، محبوب بين الناس ويودون معاشرته ومصاحبته في السفر والحضر. لذلك فإن الإمام علي (ع) كان يقول: ((ينبغي للمسلم أن يتجنب مؤاخاة ثلاث: الماجن الفاجر، والأحمق، والكذاب)).
لان هؤلاء المعنيون غير ملتزمين بمبادئ الإسلام ودستوره الواضح، فضلا عن نبذ المجتمع لهم وطردهم شر طرده، كونه لا يرجى منهم خيرا ولا يمكن إصلاحهم، بأي حال من الأحوال.
وكانت فلسفة القرآن ونهجه السامي هي تربية الإنسان تربية صحيحة، تقوم على مبادئ المحبة والسمو والعلو إلى درجة الإنسانية، والبعد عن الابتذال والنفور، وعدم خلق نوع من التشرذم التي دائما ما تفضي إلى خلق الفوضى والبلبلة، وجعل الحياة عبارة عن رتابة قاتلة ومستنقع من الصدود والتناحر، وجعلها مملة تدعو إلى السأم والضجر.
التسامح، إذن حل ناجع، فضلا عن كونه يليق بالفلسفة القرآنية، ومبادئ الإسلام التي دعا إليها، وطلب من الناس جميعا التمسك بها، وكان القرآن الكريم له نوعين من الخطاب، احدهما عام والثاني خاص، فالعام دائما ما يبدأ بقول: (أيها الناس)، أما الخاص فيبدأ بقول: (يا أيها الذين امنوا).

آيات التسامح :
إن الآيات القرآنية التي دلت على التسامح، والتجاوز عن السيئة، وعدم إجبار الناس على اعتناق الإسلام بالقوة، كثيرة ومتعددة ولا يمكن حصرها بهذا
البحث، منها قوله تعالى: (إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولاهم يحزنون). البقرة/62.
فالآية، كما هو واضح قد اشترطت الأيمان، سواء من اليهود والنصارى أو سواهم، أي امنوا بالله، وهو الاعتراف بوجوده سبحانه، والخضوع لعبوديته، وعدم جعل شريك له، وكذلك بأن يقروا ويذعنوا ويعترفوا باليوم الآخر، الذي هو يوم الجزاء أو يوم الفصل. وهناك أيضا شرطا ثالثاً، وربما هو المهم في هذا السياق أو الفلسفة القرآنية، هذا الشرط هو (العمل الصالح) حيث أكدت الآية الكريمة على أهمية العمل الصالح، وقالت إن الأجر عند الله، إذ انه سبحانه هو الذي يجازي العبد، يوم الجزاء، أو اليوم الآخر.
وأنت يا رسول الله، لا عليك إلا البلاغ، يعني أن تبلغ رسالتك إلى الناس كافة، وان الله سبحانه هو الذي يتكفل بعد ذلك الأمر.
وهذا هو قمة التسامح، وعدم الحث على العنف واستعمال القوة والسيف في تبليغ الرسالة، في دعوة الناس إلى دخول الإسلام، وهذا دليل ما بعده دليل وحجة بالغة على من يدعي بأن الإسلام قام بالسيف، وهو رد كذلك على السلفيين والتكفيريين، ومن تبنى فكرة العنف والإرهاب والاعتداء على الناس من الأجانب وسواهم، وحتى على المسلمين أنفسهم، كما يجري اليوم.
قال صاحب تفسير الميزان : ((.. إن المراد بالذين آمنوا في صدر الآية هم المتصفون بالأيمان ظاهراً المتسمون بهذا الاسم فيكون محل المعنى إن الأسماء والتسمي بها مثل المؤمنون والنصارى واليهود والصابئين...).(1).
وان اشتراط الإسلام هو نطق الشهادتين، أما الأمور الأخرى فيحكم عليها باطناً، وان المسلم بالشهادتين يحقن دمه وماله، وأجره على الله.
وأما قوله تعالى (..وقولوا للناس حسناً وأقيموا الصلاة واتوا الزكاة..). البقرة/83.
فقد قال الطباطبائي: ((والمعنى قولوا للناس قولاً حسناً، وهو كناية عن حسن المعاشرة مع الناس، كافرهم، ومؤمنهم..)).(2).
إذن، هي دعوة صادقة بان يقول المعنيون في هذه الآية الكريمة، (حسناً) أي قول الرفق واللين، والمداراة والتجاوز، وعدم قول الكلام الذي يثير استعمال العنف والقوة، ويدعو إلى الاقتتال ونشر الفتنة وإشاعة الفوضى بين صفوف الناس عامة مؤمنهم وكافرهم.
فأنّا لمثيري الشغب والعنف والإرهاب، أنّا لهم هذه الدعوة الكاذبة والكلام الباطل الذي ما انزل الله به من سلطان ؟، فما هو الا تقوّل على الله ورسوله ومن ثم الزيغ عن جادة الحق، والانحراف عن الصواب، بما يخدم أعداء الإسلام وابتعاد الناس عن نهجه القويم.
فيا ايها الرسول او المبلغ، او يامن تخصك هذه الآية ، لا تلتفت الى هؤلاء الشواذ المنحرفين الذين لايرعوون، والمطلوب منك (الإعراض) أي الابتعاد وعدم الالتفات الى مايقولون ، فهم طلاب باطل لايؤمنون بالحق ولا يلتمسون طريقه.
وقد ايد هذا الكلام قوله عزّ من قائل:{فاعرض عنهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا}.النساء/81.
ومفهوم الآية، أن الذين لايقرون بكلام البارئ، ويتأولونه حسب ميولهم واهوائهم، لايهمك امرهم ودعواهم، لان ذلك ليس من شأنك، فسامحهم واتركهم ولايهمك امرهم من قريب ولا من بعيد، انما شأنك الابلاغ والانذار، وانما المطلوب منك التوكل على الله سبحانه، وان تلمس لهؤلاء العذر إذ الله هو المحاسب ، أن اراد عفى وان اراد حاسب وعاقب.
وواجبك أن تحثهم على الإيمان والاعتراف بك يامحمد بانك رسول من الله قد حباك وخصك بالرسالة السماوية حتى تبلغها للناس كافة. وان مخالفيك يجب أن يعترفوا بوجود الله تعالى في قرارة انفسهم بإيمان راسخ وعقيدة لا تشوبها شائبة، عن طريق المعجزة وسواها من علامات النبوة التي خصك الله بها. فالحق أن تنذرهم وتخيفهم ، وان تستعمل معهم مبدأ الترغيب والترهيب. {فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم}. البقرة/193.
وهذه غاية التسامح وترك الماضي، ولاسيما بعد ان ينتهوا ، من عدم التعرض للمسلمين بأذى ولاقتال ، او اعتراض في شأن من الشؤون.
وان التسامح والسماح مهمان في المحبة والتعايش السلمي بين الشعوب والامم، في اعمار الارض ومن عليها ، وان عدم التسامح ـ مما لاشك فيه ـ بأنه يفضي الى الحروب ، وقتل الاخ اخيه في الإنسانية ان لم يكن اخيه في الدين او المذهب ، او اعتناق فكر معين . فأن الإنسان مخير بالانتماء الى الفكر الذي يميل اليه او الذي يجده مطابقاً مع ميوله واهوائه.
وفي نفي الاكراه الذي يفضي الى النفور وعدم الإذعان الى الحق، وارتقاء سبيله، قال تعالى: {لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى}. البقرة/256.
وهذا المبدأ من اعظم المبادئ الواضحة التي دلت، بشكل جلي و واضح، على التسامح ونبد العنف، وعدم استعمال القوة مع الآخر، في اجباره على اعتناق الإسلام ، او ايمانه بفكرة من اللافكار، او قضية من القضايا العقائدية او الفلسفية.
قال في الميزان: ((لا اكراه في الدين، نفي الدين الاجباري، لما ان الدين وهو سلسلة من المعارف العلمية التي تتبعها اخرى عملية يجمعها انها اعتقادات، والاعتقاد والايمان من الامور القلبية التي لايحكم فيها الاكراه والاجبار، فإن الاكراه انما يؤثر في الاعمال الظاهرية والحركات البدنية المادية، واما الاعتقاد القلبي فله علل واسباب اخرى قلبية من سنخ الاعتقاد والادراك، ومن المحال ان ينتج الجهل علماً، او تولد المقدمات الغير علمية تصديقاً علمياً..))(3). الميزان جزء الاول ص343.
وان مقتضى الدين الاسلامي وشريعته المقدسة، اكدت على الاقرار والاعتراف وكذلك الاذعان، بما يقوله المكلف بلسانه ، أي اننا ، وبعد ان نعلم الشخص الذي دخل الاسلام ونطق الشهادتين، بأنه مسلم له ما للمسلم وعليه ما على المسلم، اما انه يكفر في قلبه او لا يؤدي ما عليه من فروض كالصلاة اليومية، وصوم شهر رمضان وحج بيت الله أن استطاع اليه سبيلاً ، فأن معاملته هنا، ظاهرياً بان مسلم صحيح العقيدة، وحسابه على الله تعالى. وهذه هي حقيقة الدين الإسلامي، وطريقه اللاحب، لانه خاتم الاديان وقد قالت الآية: {ان الدين عند الله الاسلام}. وقال تعالى: {وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد} آل عمران/20.
مبدأ آخر من مبادئ التسامح، ودستور مقدس وهذا يحثنا على مخاطبة الآخر واستعمال معه الرفق واللين، والخطاب للنبي بان يدع القوم بعدما اعلمهم وانذرهم، وان يتركهم وشأنهم ، لكون واجبه الابلاغ والانذار ليس الا. لا أن يحاربهم او يقاتلهم في سبيل تقبل الامر الواقع، او الواجب المفروض، وان يترك الامر للجهة العليا، وهو الله ليحاسبهم بعد ذلك او يعفو عنهم ، لا نعلم لأن ذلك من الغيب والغيب لا يعلمه الا علام الغيوب، فهو يعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور.
وان واجبك ايها الرسول، ليس اجبار الناس على اتخاذ الايمان، والاقرار بوجود الاله والاعتراف بك نبياً بقوة السيف، لان ذلك قد يبعدهم عن جادة الحق الذي خصك الله به ، واراد منك ابلاغه للعالمين.
فإذا انصاعوا لكلامك واعترفوا بنبوتك، وشهدوا بان لا اله الا الله، وانك رسول الله، وهو المطلوب ، اما غير ذلك فالاية الكريمة الاتية صريحة اذ يقول: {فاعرض عنهم وقل لهم في انفسهم قولاً بليغاً}. النساء/ 13.والاعتراض هو ترك المقابل او الاخر وشانه وعدم الالتفات اله والانصياع الى كلامه وتوجهاته وملاحظاته وآراءه الاخرى التي يبيها هنا وهناك وان تجعل بينك وبينه حاجز صلدا من لابتعاد والانشغال بامور اخرى خير واحسن سبيل في الاحتكاك او الاتصال بذلك الشخص الذي لا تربطك رابطة او ايديولوجيا او حتى عقائدية . حيث ان الفرق شاسعا . وقد عمل ذلك محمد بن عبد الله (ص) مع الله اعداءه واشد خصومه , وهو عمه ابا لهب الذي نزل به نصا وقد ذمه الله تعالى, ومع ذلك فان الرسول الاعظم (ص)استعمل معه الرفق واللين ولم يتعرض له بأي اذى، بل دعاه وشانه حيث علم بان لا فائدة منه حتى ظل متماديا في غيه واستمر في العصيان ومحاربة الرسول واصحابه الى آخر رمق من حياته ومات على الكفر0(وما ارسلنا من رسول الا ليطاع باذن الله ولو انهم اذ ظلموا انفسهم جاؤوك فاستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما).النساء /64.
ولقد دلت الآية على معنيين اثنين , الاول إن اي رسول هو مطاع باذن الله وان الله تبارك وتعالى قد علم بان الانسان الذي توجد في قلبه الطاعة والاستعداد التام لتصديق الرسول والمبعوث , والايمان به بانه مبعوث من قبل الله تعالى , فسوف يهديه الى التصديق بالرسول والايمان بما ياتي به من خير واصلاح للامة المبعوث فيها لغرض الهداية والارشاد .الثاني وهو الاهم , والخطاب للرسول الاعظم محمد (ص) وقد اكدت هذه الفقرة على التسامح والتجاوز عن السيئة والجحود ومعصيةالرسول وعدم اتباع ما جاء به من الحق , حيث اكدت على انهم بهذا الفعل قد ظلموا انفسهم بعدم الانصياع لأوامر الله تعالى في نيل الخير والبركات لكنهم مع ذلك اذا جاؤوا نادمين منكسرين مقدمين ذنوبهم ويطلبون التوبة والمغفرة فسوف يتوب الله عليهم ويقبل عذرهم ويعطيهم الثواب الذي اعد للمؤمنين في الدنيا و الآخرة لكن ذلك مرهون بشرط ان يستغفر لهم الرسول ويدعو الله تعالى أن يعفو عنهم أن كانوا صادقين فيما يدعون وهذا مبدأ عظيم من مبادئ التسامح التي اكدعليها القرآن الكريم وحجة بالغة في الحث على التآخي والتحابب ونبذ كل ما يشوب المجتمع السلمي من شوائب راسبة.




هوامش الفصل الاول
(1)الطباطبائي،محمد حسين ،الميزان في تفسير القران، ط بيروت 1974



#داود_السلمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التسامح في القرآن 2/3
- التسامح في القرآن3/3
- فايروس البطالة
- صدام والوليد بن يزيد
- الغربة في شعر محمد عودة
- المجتمع المدني وعلاقته بالدولة
- الحرية الثقافية
- الفساد الإداري واقع ملموس
- القطار السريع
- مسلسل الارهاب
- ظاهرة بيع الادوية
- الفساد الاداري.. جذوره وطرق معالجته
- ولادة الطائفية
- فلسفة الحوار وحاجتنا اليها
- كيف واجه الإنسان الفقر
- من مبادئ الديمقراطية
- الاعلام والفضائيات
- الاشاعة
- العلامة حسين محفوظ شخصية أدبية علمية فكرية
- العلمانية بين خصومها وانصارها


المزيد.....




- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...
- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...
- ما جدية واشنطن في معاقبة كتيبة -نيتسح يهودا- الإسرائيلية؟
- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - داود السلمان - التسامح في القرآن 1/3