أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - داود السلمان - الغربة في شعر محمد عودة














المزيد.....

الغربة في شعر محمد عودة


داود السلمان

الحوار المتمدن-العدد: 2652 - 2009 / 5 / 20 - 04:25
المحور: الادب والفن
    



لعل الاغتراب و الاحساس بالفجيعة، وتشظي الحياة كان الطابع الاساسي، والديناميكية التي كان الشاعر محمد عودة يبني عليها اهرامات قصائده الشفافة، ذات الايقاع الحزين، والالم الداخلي الذي يشعر به الشاعر دون سواه،
هذا، فضلاً عن شظف العيش، ومرارة الحياة، ونقص الحاجة، والشعور بالخيبة طوال السنوات التي عاشها الشاعر، وان كانت هذه السنوات قصيرة، اوكما يطلق بعضهم تعبير” عمر الزهور “ لان الزهور عادة لا تعمر طويلاً، كذلك شاعرنا لم يعمر طويلاً، فقد مات ولم يكمل عقده الرابع بعد وبقيت”الغربة “ تلازمه حتى كان يذكرها في معظم قصائده، ولا تكاد تفارق شفته الذابلة حتى وهو يتصارع مع” ايادي “ الموت التي صرعته وانتصرت عليه، يقول الشاعر:
لان مغرور ما تتراهم اوياي
وما يكدر غرورك احتوائي
امامي بلا سبب حطيت عثرات
تريد امن الارض تعلن فنائي
ردت تلجم اجروحي ابلا محطات
وتطعني ابضميري او كبريائي
وانا ابيتي تناشدني العصافير
وتسمع ونتي ونوحي وغنائي
وهذه المقطوعة، فضلاً عن لغتها العالية ومفرداتها الشفافة، فهي صورة لواقع حال تعكس جزءا من معاناة الشاعر واحساسه بالالم و المأساة الجميلة والجرح المفرط، والكبرياء المتواضع،واللوعة بعمق الحيف، وجرح الانسانية بالصميم، ذلك ما عبر عنه هذا الشاعر الجنوبي الذي تفوح من قصائده رائحة”الشلب“ العنبر وطيبة اهل الجنوب المفرطة، وصورة الهور الزاهي، المشبع برائحة”الكطان“ و”البني“ و”الطابك “ و”السياح “ والشاي المهيل، وبساطة العيش.
ويقول في قصيدة بعنوان”رسالة الى مغترب “:
صدك غفله رحت من دون حتى اوداع
بس ظليت بينه اتودع ابصبرك
يل وجهك حديقة من الورد والطيب
دمعات العيون اطيح واتشكرك
بيت المنطقة معزل بعد ممشاك
متكلي الاحباب اشلون متخسرك
وكان الشاعر محمد عودة يرثي نفسه بهذه الابيات، ويعبر عن مدى الحزن وشدة الأسى، وعمق المأساة، وتكالب الزمن، وتوحش القدر، وصعوبة العيش، وتدهور الحياة، وغربة الروح
ويسترسل الشاعر في قصيدته الى ان يقول:
انا ابودي اسولف كل وصف بيك
بس يعجز لساني وما يجي بكدرك
اتمنه اصير ويه الطيور اجناح
وسافرلك قصيدة والهج بصدرك
وطويلك ورق واعتبره طيارات
ما تملك جواز وظلت اتنطرك
وهكذا يعبر الشاعر عن البعد والغربة، والهجر اللا مقصود، والهوة السحيقة من الحزن الجميل، والاسى المر، والحيرة الساكنة، والوهج المطفأ، والحنين المتلاطم الامواج، الذي كان يكمن في مخيلة الشاعر و يسكن فؤاده المجروح، وجسمه الذاوي، الذي قد مخره المرض، وعشش فيه الى حد الفجيعة وقد عبر عن ذلك ايضاً عندما قال:
نام ياورده غفت فوكَـ الرصيف
نام واحلم بلكي حلمك يستجاب
الذنب موذنبك لان بعدك زغير
بس زمانك لبسك هاي الثياب
الى ان يقول:
حافي مشاك الزمان أعلى الجروح
أوين ما تمشي مصيرك للذئاب
هذا الاحساس الغريب الذي كان يراود الشاعر قد جسم عنده صورة واضحة المعالم من التشظي والغربة، وعدم الاستقرار، والمصير المجهول الذي عبر عنه بـ”مصيرك للذئاب “ والذئاب شيمتها الغدر،وطبعها الخيانة وانتهاز الفرص، والوثوب الى قمة التعالي، والنظر للآخر بالدونية.
وقد رحل الشاعر محمد عودة مع تلك المأساة التي طالما تحدث عنها في جل قصائده، ليترك محبيه واصدقاءه، بمن فيهم صاحب هذه السطور، يعيشون على اطلال ذكراه وركام قصائده النهرية.
رحل محمد من دون وداع تاركاً زوجته الشابة الحزينة وولده الوحيد”مصطفى “ الذي لم يتجاوز عمره ثلاث
سنوات.
محمد عودة من مواليد ميسان 1968، تلك المحافظة التي انحدر منها كثير من الشعراء والمبدعين، واستقر في بغداد - مدينة الصدر هذه المدينة التي انجبت كبار الشعراء امثال غني محسن، محمد الغريب، حمزة الحلفي، سمير صبيح، وغير هؤلاء الذين كانوا وما زالوا شلالاً من العطاء المتدفق.
وكلهم اصدقاء الشاعر محمد عودة و شركاء مأساته.
رحل”محمد “ الانسان بعد صراع مرير مع المرض الذي لم يمهله الا اربعة اشهر حتى مات بذلك الداء الخبيث”اللوكيميا“ فلم تبق الا قصائده خالدة في قلوب محبيه حيث ترك ديوانين هما” انفلونزا “ و” دموع عاشوراء “ وقد نام قرير العين مخلفاً قصائده التي ما زالت شاخصة امام اصدقائه ومحبيه.





#داود_السلمان (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المجتمع المدني وعلاقته بالدولة
- الحرية الثقافية
- الفساد الإداري واقع ملموس
- القطار السريع
- مسلسل الارهاب
- ظاهرة بيع الادوية
- الفساد الاداري.. جذوره وطرق معالجته
- ولادة الطائفية
- فلسفة الحوار وحاجتنا اليها
- كيف واجه الإنسان الفقر
- من مبادئ الديمقراطية
- الاعلام والفضائيات
- الاشاعة
- العلامة حسين محفوظ شخصية أدبية علمية فكرية
- العلمانية بين خصومها وانصارها
- فلسفة الحوار
- الحرية والمساواة في فكرالكواكبي
- عيد الحكومة
- العولمة ومستقبل الانسان
- العراق في ظل ايديولوجيا الحزب الواحد


المزيد.....




- دواين جونسون بشكل جديد كليًا في فيلم -The Smashing Machine-. ...
- -سماء بلا أرض-.. حكاية إنسانية تفتتح مسابقة -نظرة ما- في مهر ...
- البابا فرنسيس سيظهر في فيلم وثائقي لمخرج أمريكي شهير (صورة) ...
- تكريم ضحايا مهرجان نوفا الموسيقى في يوم الذكرى الإسرائيلي
- المقابلة الأخيرة للبابا فرنسيس في فيلم وثائقي لمارتن سكورسيز ...
- طفل يُتلف لوحة فنية تُقدر قيمتها بخمسين مليون يورو في متحف ه ...
- بوتين يمنح عازف كمان وقائد أوركسترا روسيا مشهورا لقب -بطل ال ...
- كيلوغ: توقيع اتفاقية المعادن بين واشنطن وكييف تأخر بسبب ترجم ...
- عرض موسيقي مفاجئ من مانو شاو وسط انقطاع الكهرباء في برشلونة ...
- مسقط.. أكثر من 70 ألف زائر بيوم واحد للمعرض الدولي للكتاب


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - داود السلمان - الغربة في شعر محمد عودة