احمد سعد
الحوار المتمدن-العدد: 810 - 2004 / 4 / 20 - 07:30
المحور:
القضية الفلسطينية
إن قيام طائرات حكومة الاحتلال الاسرائيلية الامريكية الصنع بارتكاب جريمة الحرب الجديدة، بتصفية قائد حركة المقاومة الاسلامية "حماس" الجديد، الدكتور عبد العزيز الرنتيسي واثنين من مرافقيه وابنه وجرح العشرات من المدنيين الفلسطينيين، وبعد أقل من شهر من اغتيال الزعيم الروحي لحركة "حماس"، الشيخ أحمد ياسين، ينطوي على مدلولات غاية في الخطورة تعكس الابعاد السياسية الحقيقية للتحالف الاستراتيجي العدواني الامريكي - الاسرائيلي، بين ادارة عولمة الارهاب المنظم والجرائم الامريكية برئاسة جورج دبليو بوش وحكومة الاحتلال والدماء والمجازر الشارونية اليمينية.
لقد جاءت جريمة اغتيال الرنتيسي البشعة بعد يومين فقط من عودة جنرال الاستيطان والمجازر، اريئيل شارون، من لقائه المسؤولين الامريكيين، بوش وتشيني ورامسفيلد ورايس وباول، في واشنطن. عاد شارون وفي جعبته ليس فقط "وعد بلفور" جديد من بوش، مكتوب الضمانات الذي يتضمن تعهدات وضمانات امريكية تصادر الثوابت الاساسية للحق الوطني الفلسطيني المشروع - تصادر حق العودة للاجئين الفلسطينيين وحق السيادة الاقليمية، السياسية الفلسطينية على اكثر من نصف مساحة أرضهم المحتلة وتقديمها بمستوطناتها جائزة للمحتل الكولونيالي الاسرائيلي واغتيال حق اقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، ليس بهذا لوحده عاد شارون، بل كذلك بتطوير التحالف الاستراتيجي الامريكي - الاسرائيلي القائم على ساحة الممارسة بانتهاج سياسة منسقة بين الطرفين تخدم استراتيجية عولمة ارهاب الدولة المنظم الامريكي والاسرائيلي بهدف الهيمنة شرق أوسطيًا وكونيًا وخدمة المصالح الامبريالية والكولونيالية الامريكية والاسرائيلية. فبرأينا ان لقاء بوش - شارون تمخض عنه أيضًا الاتفاق على ممارسة نهج اغتيالات شخصيات وطنية بارزة على نمط التصفيات المتبع بين عصابات المافيا والاجرام والعالم السفلي، كجزء عضوي من استراتيجية عولمة ارهاب الدولة المنظم وكمركب اساسي من السياسة الارهابية وبهدف تحقيق مكاسب سياسية واستراتيجية واقتصادية.
صحيح أن تاريخ الاحتلال الاسرائيلي الاسود حافل بجرائم الاغتيالات الارهابية لقادة فلسطينيين، ولكن الجديد في الأمر أن التصفيات أصبحت مركبًا استراتيجيًا في اطار السياسة الارهابية المتفق عليها والمنتهجة امريكيًا واسرائيليًا تحت يافطة "الحرب الكونية ضد الارهاب" المزعومة، فادارة بوش - رامسفيلد - رايس - باول باركت وأشعلت الضوء الاخضر لحكومة الكوارث الشارونية اليمينية لاغتيال الرنتيسي ومواصلة اغتيال قادة فلسطينيين اسماؤهم مطروحة على جدول التصفية الشاروني من منطلق ليس فقط دعم الارهاب العدواني الاسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني وقياداته الوطنية، بل كذلك لاستثمار النمط الدموي التصفوي الاسرائيلي كسابقة تلوح بها قبضة التهديد الارهابي الامريكي ضد قيادات وطنية في العراق وغيره ممن يعارضون ويقاومون الوجود الاحتلالي الامريكي.
فاغتيال الرنتيسي جاء في وقت تحاصر فيه قوات الاحتلال الامريكي مدينة النجف الاشرف في العراق وفي وقت يهدد فيه قادة الاحتلال الانجلو امريكي بتصفية الزعيم مقتدى الصدر اذا لم يرضخ وقواته ويستسلم للغزاة المحتلين. ولا نستبعد أن تلجأ ادارة عولمة ارهاب الدولة المنظم الامريكية بتهديد أي قائد وطني او حتى رئيس دولة بنمط التصفية الاسرائيلي اذا لم يرضخ لمشيئة واملاءات امريكا ويسجد في بيت الطاعة الامريكي. وعمليا فان تحالف الشر الاستراتيجي الامريكي - الاسرائيلي يمارس شريعة الغاب، قانون الغاب، كبديل للقانون الدولي وللشرعية الدولية في العلاقات الدولية، وهذا ما تجسده الضمانات الامريكية لشارون وسياسة التصفية والاغتيالات الارهابية.
ينشد المجرمون الارهابيون في حكومة الكوارث الشارونية اليمينية من وراء جريمتهم الدموية تحقيق عدة أهداف تخدم في نهاية المطاف المخطط الاحتلالي الاستيطاني. فتصفية المحتل للرنتيسي في وقت يعلن فيه عن خطة فك الارتباط من طرف واحد لا يقود الا الى زرع اليأس في نفوس الشعب الفلسطيني والاحباط واضعاف قناعته باحتمال التسوية السياسية وبالخِيار السلمي للصراع الدامي. كما ان العنف الاسرائيلي لا يولد سوى العنف الفلسطيني واستدراج اعمال مغامرة يكون ضحاياها من المدنيين الفلسطينيين - كما هو حاصل اليوم، ومن المدنيين الاسرائيليين، دائرة دم لا مخرج منها، قد تؤدي الى خلط الاوراق بين المحتل الجلاد والمجرم وبين ضحيته الفلسطينية، خلط اوراق قد يشوه حقيقة الكفاح الوطني الشرعي الفلسطيني من اجل التحرر والاستقلال الوطني.
لقد أراد شارون من وراء اغتيال الرنتيسي السمسرة بالدم الفلسطيني في مواجهة المعارضين داخل حزبه لخطة فك الارتباط من طرف واحد وتجسيد ما تم الاتفاق عليه مع جورج بوش، انه قبل وبعد فك الارتباط سيواصل المحتل الاسرائيلي سياسة تصفية قيادات فلسطينية واجتياح قواته للقطاع بحجة "ملاحقة ارهابيين" او لخدمة "متطلبات امنية" اسرائيلية.
ومع اغتيال الرنتيسي انطلق عواء بعض ذئاب اليمين مهددين بان تصفية الرنتيسي رسالة واضحة المعالم الى الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وان ايدي المجرمين الارهابيين قد تطاله.
ان مهمة الساعة بالنسبة لجميع انصار السلام العادل وحق الشعوب في السيادة والحرية والاستقلال الوطني الضغط وعلى مختلف الصعد لتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني وقياداته الوطنية ولضمان امن الشعب الفلسطيني من بطش وجرائم المحتل الهمجية. كما ان مهمة جميع انصار الحقوق الشرعية للشعوب تصعيد الكفاح لافشال ودفن المخطط التآمري الاسرائيلي - الامريكي ومناصرة الحق الفلسطيني المشروع بالحرية والاستقلال الوطني.
ومما لا شك فيه ان تصعيد العدوان الاسرائيلي ومخططات التصفية للحقوق الوطنية الفلسطينية يستدعيان اولا وقبل كل شيء تعزيز لحمة الوحدة الوطنية الفلسطينية الكفاحية بين مختلف الوان الطيف الفلسطيني، وحدة ممهورة ببرنامج متفق عليه يحتضن ثوابت الحقوق الوطنية الفلسطينية غير القابلة للتصرف ويرتفع الى مستوى مواجهة وافشال التحديات المصيرية المطروحة والمرتقبة. فبهذه الوحدة يمكن هزيمة جنرال اليأس وتجنيد قوى وهيئات واوساط واسعة عالميًا لنصرة الحق الفلسطيني المشروع، فامس وامس الاول انطلقت بيانات الادانة لجريمة المحتل باغتياله للرنتيسي من مختلف العواصم، من آسيا واوروبا ومن العالمين العربي والاسلامي.
ومن الأهمية بمكان الاستفادة من بعض التناقضات القائمة في الموقف من قضية الصراع وسبل حله بين الادارة الامريكية والاتحاد الاوروبي. ففي اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي الذي عقد امس الاول، السبت، فقي ايرلندا، وبالرغم من "مباركة - خطة فك الارتباط الشارونية، الا انهم اعلنوا عن التمسك بخطة خارطة الطريق، واهمية عقد اجتماع للكوارتيت (الاتحاد الاوروبي وروسيا والولايات المتحدة والامم المتحدة) المسؤول عن خطة الطريق في مطلع ايار القادم للبحث حول سبل تنفيذها. والأهم من كل ذلك ان وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي رفضوا مكتوب ضمانات بوش لحليفه شارون، خاصة فيما يتعلق ببقاء كتل الاستيطان تحت سيادة المحتل، والتأكيد بأن رسم الحدود بين الطرفين يمكن تحديدها فقط من خلال تفاوض الطرفين وليس بشكل انفرادي من قبل الطرف الاسرائيلي لوحده. وكذلك بالنسبة لقضية اللاجئين فقد أكد وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي انه يجب ايجاد "حل عادل وجدي وواقعي".
مما لا شك فيه انه اذا جرى بلورة موقف عربي موحد يتوحد اليوم لفظيًا في رفض ما تم الاتفاق عليه بين بوش وشارون، ويدين لفظًا جريمة تصفية الدكتور الرنتيسي - يساند الحق الفلسطيني حقًا ويهز الرسن ولو قليلا لتحالف العدوان الاسرائيلي - الامريكي، اذا جرى بلورة مثل هذا الموقف يستطيع المساهمة بشكل جدي في تطوير موقف الاتحاد الاوروبي ليؤلفا معا ومع الصمود الفلسطيني مكبس ضغط جدي على الادارة الامريكية وحكومة اسرائيل يكون بوسعه لجم وافشال مخططاتهما العدوانية ضد الشعب الفلسطيني ودفع العجلة باتجاه الخِيار السياسي واستئناف المفاوضات السياسية بهدف التوصل الى تسوية عادلة نسبيًا.
ما يثير الغضب انه في داخل اسرائيل صوت العدالة والسلام مكتوم ومخصيّ تقريبًا. فاذا استثنينا الحزب الشيوعي والجبهة والاحزاب العربية وبعض التنظيمات السلامية "يوجد حد" و"كتلة السلام" و"تعايش" و"ائتلاف النساء من اجل السلام" وغيرها فان الاحزاب الصهيونية من يمينها الى يسارها اما تبارك وتؤيد جرائم الحرب التي ترتكبها حكومة شارون اليمينية او تتواطأ بالسكوت وبالتأييد الضمني والعلني لبعض جرائمه.
فحزب "العمل" ورئيسه شمعون بيرس يستعدان لدخول حظيرة الائتلاف برئاسة شارون. وشمعون بيرس يزحف على بطنه لدخول الائتلاف، وامس اطلق رصاصته بهذا الاتجاه، فلارضاء قوى اليمين والاستيطان والمجازر اعلن بيرس تأييده لجريمة تصفية عبد العزيز الرنتيسي البشعة. الوحيد من الاحزاب الصهيونية الذي دان وعارض هذه التصفية هو يوسي بيلين وحذر من مغبتها وتأثيرها المدمر على استئناف العملية السياسية.
ان شارون لا يقود بسياسته المغامرة المدعومة امريكيًا الا الى الكوارث المأساوية، سياسة لن تكون نتائجها سوى مزيد من الدماء المتدفقة من شرايين الصراع، سياسة لن تؤدي ابدًا الى الامن والاستقرار، فلا أمن ولا استقرار الا بزوال الاحتلال ودنسه الاستيطاني وانجاز الحق الفلسطيني المشروع بالتحرر والاستقلال الوطني.
#احمد_سعد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟