ضحى عبدالرؤوف المل
الحوار المتمدن-العدد: 2645 - 2009 / 5 / 13 - 09:25
المحور:
الادب والفن
كــان يـجلس بصمت، وضجيج الأصوات يـرتفع في الساحة، حيث
قهوة التل العليا، ينظر إلى الساعة القديمة التي تـــــذكره بساعات
أمضاها وهو يمسح الأحذية للمارة.
وأمامه المنشية، وهِي حديقة جميلة، ملونة بألوان الــــزهور المختلفة
فيها، وشجيراتها الصغيرة المنسقة كأنها حوريات ذات جـــمال فتان.
نظرت إليه من بعيد. ملامحه رغــم مرور السنين لم تتغير، خــطوط
صغيرة تشبه أشعة الشمس حـــول العيون الناعسة وأنامله الطويلة،
التي كــنت أميزه بها وهو يلاعبني طفلة وأبي يستقبلني في مَــــحله
القديم قرب بـركة الملاحة.
ابتسمت واقتربت منه: "عم أبو شلبي ما زلت حيا؟"
نظر إلي نظرة استغراب بعد أن رفع عينيه ليتأملني وضحك: "أما زلت
تتذكرين أبـا شلبي يا صغيرة؟"
ضحكت وقلت له: " ألم تنس يا صغيرة؟ تلك الكلمة التي كانت تــغضبني."
كانت أحلامه تــحظى برعاية كلماته التي طالما عشقتها وحكاياته التي
كان يرويها لي حين أراه عند أبي رحمه الله.
وقف أمامي بشموخه المعتاد وقد أحــنى الدهر ظهره، ويداه ترتجفان. قال:
"انظري، هذه أكبر شجرة هــنا في ساحة التل وهي تــحظى برعاية البلدية
ورعــاية زوارها، فهناك من يشذبها، يقلم أغصانها فتبدو يانعة فاتنة. أما أنا
فأنظر إليها ولا أستطيع الاهتمام بها، وأنا الذي طالما وقف تـــحت ظلالها.
وانظري هناك، إلى تلك الشجرة الشاحِبة الصفراء الهزيلة وإلى أوراقــــها
الذابلة وعصافيرها المذعورة. كلما اقترب منها أحد، طارت العصافير هاربة
من أغصانها."
هز رأسه، وأشار بيديه إلى ساعة متدلية من جيبه تمتم بكلمات، وأكمل:
"هي استسلمت للقدر حتى يئست من البشر الذين لا يقتربون منها ولا
يهتمون بها. وها هي كئيبة حــزينة. سأقـــتلعها يوما لأجعلها تذكاراً لي،
لأنها تذكرني بحياتي كلها التي مرّت."
مسح دمعة واستدار ومشى كأنه لا يراني أمامه.، ناديته: "عم أبو شلبي
كيف لي أن أزورك؟"
ابتسم ابتسامة سخرية وقــال: "أبعد كل هذا تسألين؟"
بقلم ضحى عبدالرؤوف المل
وردة الضحى
#ضحى_عبدالرؤوف_المل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟