فهمي الكتوت
الحوار المتمدن-العدد: 2636 - 2009 / 5 / 4 - 09:59
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
الأردن - الغضب الشعبي الذي انفجر صباح يوم الثلاثاء الثامن عشر من نيسان 89 لم يكن حدثا معزولا عن مقدماته الموضوعية, كما لم يكن حدثا مفاجئا من حيث المبدأ, انما المفاجأة كانت بعمق واتساع التحركات الشعبية التي امتدت الى مختلف المدن والقرى احتجاجا على الإجراءات الحكومية برفع أسعار المحروقات وتحميل الفئات الشعبية آثار ونتائج الأزمة الاقتصادية, فالاحتجاج الذي عبّر عنه عدد محدود من السائقين على ارتفاع أسعار المحروقات في مدينة معان كان الشرارة التي ألهبت مشاعر الجماهير وفجرت طاقاتها الكامنة سرعان ما تحولت الى حركة جماهيرية واسعة نتيجة لحالة الغليان التي تعيشها البلاد, فشكلت هبة نيسان منعطفا تاريخيا, وفتحت آفاقا واسعة لإجراء مراجعة شاملة لمختلف السياسات التي كانت سائدة, فقد جاءت هبة نيسان تعبيرا صادقا عن إرادة الجماهير برفض الخنوع لنتائج الأزمة الاقتصادية التي ادت الى انهيار سعر صرف الدينار امام العملات الاجنبية, نتيجة اختفاء احتياطي البلاد من الذهب والعملات الأجنبية, وتباطؤ معدلات النمو الاقتصادي, وإغراق البلاد بالمديونية, واتساع دائرة الفقر والبطالة, وارتفاع أسعار مختلف السلع والمواد الأساسية نتيجة انخفاض القيمة الشرائية للدينار بعد فقدانه معظم قيمته, وتراجع متوسط حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي, نتيجة فشل السياسات الاقتصادية والفساد المالي والإداري.
الظروف والاوضاع الاقتصادية سالفة الذكر كانت سببا كافيا للغضب الشعبي وتحولت الاحتجاجات المحلية في مدينة معان الى هبة شعبية عارمة طالت مختلف المدن والقرى في أنحاء البلاد, انخرطت فيها القوى الشعبية والاجتماعية والسياسية وكان للنقابات المهنية والمجالس المحلية في بعض المدن دور هام بالإضافة الى بعض الحركات السياسية وبشكل خاص الحزب الشيوعي الذي كان له حضور ملموس في تحركات الكرك والسلط وعمان وبعض الفعاليات في اربد ومادبا, ونجحت هذه القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني والفئات الشعبية في بلورة مطالب رئيسية تمحورت حول النقاط التالية: 1- الغاء الاتفاق مع صندوق النقد الدولي الذي تضمن تحميل الشعب نتائج الأزمة الاقتصادية 2- إلغاء الزيادة الجديدة على رفع أسعار المحروقات وباقي المواد الغذائية الأساسية ووقف اية زيادات في المستقبل 3- إلغاء الأحكام العرفية وإشاعة الحريات العامة ووقف الاضطهاد والقمع 4- عودة الحياة النيابية للبلاد وإجراء انتخابات حرة ونزيهة 5- رفع أجور العاملين في القطاعين العام والخاص بما يتناسب مع الانخفاض في القيمة الشرائية للدينار 6- تشكيل لجان في كافة البلاد للدفاع عن لقمة عيش المواطنين والتصدي لحالات الغلاء 7- الدعوة لعقد مؤتمر وطني واسع لمعالجة قضايا البلاد الاقتصادية والاجتماعية وايجاد الحلول الوطنية لها.
كيف تعاملت الحكومة مع المطالب الشعبية آنذاك? رفضت المطالب الشعبية وقامت بحملة اعتقالات واسعة طالت مئات المعتقلين في مختلف المحافظات وكان لمحافظات الجنوب نصيب الأسد من المعتقلين كما كان لأعضاء وأصدقاء الحزب الشيوعي والقوى السياسية بالإضافة الى عدد من الشخصيات السياسية, استمر الاعتقال حوالي ثلاثة أشهر, كانت كافية لصاحب القرار تحديد خياراته في مواجهة الأزمة, هل بمواصلة نهج الإرهاب والاعتقال والأحكام العرفية واستمرار السياسات الاقتصادية التي أثبتت فشلها, ام بإجراء مراجعة شاملة لهذه السياسات, لم تكن الخيارات إرادية بل محكومة بمجموعة من العوامل والظروف, أهمها مدى استعداد الحلفاء بتقديم دعم مالي كبير لإخراج البلاد من حالة الانهيار الاقتصادي التي وصلت إليه, واضح ان هذا الخيار لم يكتب له النجاح لإخفاق الحكومة بالحصول على أية مساعدات استثنائية لتحقيق ذلك, فانصب التوجه الرسمي نحو المصالحة الداخلية, فأطلق صراح المعتقلين وأعلن عن موعد إجراء انتخابات نيابية كمقدمة موضوعية لبداية مرحلة جديدة.
في الرابع والعشرين من نيسان استقالت حكومة الرفاعي بعد فشلها في احتواء الأزمة الاقتصادية والسياسية، مخلفة وراءها أزمة اقتصادية حادة لم يسبق لها مثيل في تاريخ البلاد، بعد ان هوى الدينار إلى اقل من الثلث، وانهارت القيمة الفعلية للأجور واندفعت موجات الغلاء المتلاحقة ، وأغرقت البلاد بالمديونية فقفزت المديونية من 1331 مليون دينار عام87 وفقا للنشرة الإحصائية الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة رقم(40) إلى 6404 مليون دينار عام 89 بزيادة قدرها أكثر من خمس مليارات خلال عامين فقط ، رافق ذلك تبخر معظم احتياطي البلاد من الذهب والعملات الأجنبية، وتوصلت الحكومة إلى تفاهمات مع صندوق النقد الدولي تضمنت إلغاء الدعم عن السلع الرئيسية بما في ذلك القمح المحلي والمستورد، ووقف الدعم على مدخلات الزراعة ، وإلغاء مراقبة وزارة التموين لأسعار جميع السلع ، وإلغاء احتكار وزارة التموين لاستيراد السلع الأساسية ، وعدم رفع الأجور مطلقا وعدم التوظيف الا في حالات الضرورة القصوى ، والسماح بتخفيض قيمة الدينار مرة أخرى اذا برزت مبررات لذلك، وفرض ضريبة مبيعات بين 10%- 20% حسب نوع السلع ، واقتصار دفع التقاعد والضمان الاجتماعي على من يبلغ سن التقاعد ، وتقليص عجز الموازنة، وبالتدقيق بتوصيات صندوق النقد الدولي نلاحظ ان كافة هذه التوجيهات أصبحت نافذة باستثناء التوصية الأخيرة والمتعلقة بتقليص عجز الموازنة، فهي ليست من نتائج الأزمة فحسب بل ومن أسبابها، وعلى الرغم من التكاليف الباهظة لتطبيقات شروط صندوق النقد الدولي على الفئات الشعبية ، الا ان الاقتصاد الأردني لم يتعافى من الأزمة بل على العكس من ذلك تفاقمت بشكل ملحوظ، فقد بلغت المديونية في نهاية العام الماضي8430 مليون دينار، ومن المتوقع ان يصل عجز الموازنة إلى 1100 مليون دينار هذا العام بعد المساعدات.
غني عن القول ان هبة نيسان كانت الرد الطبيعي على السياسات التي أدت إلى انفجار الأزمة الاقتصادية والتنكر للحريات العامة وحرية الرأي والتعبير وحرية التنظيم النقابي والسياسي ، وسياسة القهر والاعتقال والحرمان من العمل والسفر وفرض القوانين الاستثنائية والأحكام العرفية، وغياب الشفافية وتفشي مظاهر الرشوة والفساد والسطو على المال العام، فيمكن اختزال المطالب الشعبية بكلمتين من اجل الخبز والحرية، لقد دافعت الجماهير الشعبية عن حقها في الحياة الكريمة مقدمة أغلى التضحيات فسالت الدماء الزكية على ثرى الوطن، وتحملت عذابات السجون لتدشين مرحلة جديدة في تاريخ البلاد، بهدف إجراء تحولات عميقة تسهم في تصويب الأوضاع السياسية والاقتصادية.
إقالة حكومة الرفاعي وإجراء انتخابات نيابية في خريف عام 89 لم تحدثا تطورات جوهرية في البلاد، فهل أجهضت هبة نيسان وجرى الالتفاف على مطالب الحركة الشعبية ؟ وهل تجسد ذلك في حل مجلس النواب الحادي عشر قبل انتهاء دورته وإصدار قانون انتخاب الصوت الواحد، بعد تحقيق بعض التقدم في مجال الحريات العامة وحقوق الإنسان وإلغاء الإحكام العرفية وإصدار قانون لترخيص الأحزاب السياسية. اما بعد لماذا تقهقر التوجه الإصلاحي، هل كانت قضية الإصلاح إجراء تكتيكي لامتصاص حالة الغضب الشعبي، وهل الإصلاح يشكل خطرا على السياسات العامة للدولة او على النظام السياسي، الا يكفي صدور الميثاق الوطني بمشاركة أقطاب المعارضة من كافة الاتجاهات السياسية والفكرية في البلاد من اليساريين والقوميين والإسلاميين، للتدليل على حسن النوايا والتوجه نحو الوسائل الدستورية لمعالجة القضايا الخلافية ، الا ينفي ذلك أية مزاعم عن أخطار سياسية من قبل الأحزاب الدستورية المرخصة على نظام الحكم ، لا احد ينكر حجم الخلاف بين الموقف الرسمي وموقف المعارضة حول العلاقة مع العدو الصهيوني، ومع ذلك هل يستحق الموقف الرسمي من هذه القضية التضحية بالإصلاحات السياسية التي تشكل المدخل الحقيقي لتطور البلاد سياسيا واقتصاديا وتوفير مناخا ملائما لمعالجة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، وحماية البلاد من اية أخطار تواجهها، وهل ما زالت هناك أوهام بوجود حلول سياسية بالأفق مع الكيان الصهيوني التي تتعزز فيه النزعات العنصرية المتطرفة ؟ حتى وان كانت الاجابه نعم ، لنترك هامش للاختلاف بين المولاة والمعارضة ، ويفترض ان خلافا كهذا لا يكون سببا في تجميد الإصلاحات السياسية والاقتصادية، مع التأكيد على ان القضايا الخلافية لا تنحصر بما ذكر، مع القناعة الراسخة بان مؤسسة ديمقراطية حقيقية قادرة على استيعاب الرأي الأخر بوسائل ديمقراطية وتجنيب البلاد تكرار ما حدث قبل عقدين من الزمن.
#فهمي_الكتوت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟