|
صفحة جديدة في العلاقات الأرمنية التركية
مسعود محمد
الحوار المتمدن-العدد: 2635 - 2009 / 5 / 3 - 09:18
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أعلنت وزارة الخارجية التركية أن تركيا وأرمينيا اتفقتا على خارطة طريق لتطبيع العلاقات بين البلدين. لا توجد علاقات دبلوماسية بين تركيا وأرمينيا، وأغلقت الحدود بين البلدين منذ عام 1993. وقد طرحت تركيا عددا من الشروط لتحسين العلاقات الثنائية، وبالتحديد تخلي أرمينيا عن مطلب الاعتراف الدولي بإبادة الأرمن في العهد العثماني. وتعلن يريفان عن الاستعداد لإقامة علاقات دبلوماسية مع تركيا دون شروط مسبقة. وأجرى ممثلو تركيا وأرمينيا على مدى سنتين مفاوضات في سويسرا، ترمي إلى تطبيع العلاقات الثنائية توجت في 6 سبتمبر لهذا العام بزياره لعبد الله جول الرئيس التركي الى يرفان تلبية لدعوة سيرج ساركسيان الرئيس الأرميني لمشاهدة مباراة كرة القدم بين المنتخبين الارميني والتركي في اطار مباريات المجموعة للكأس الاوربي. ان الاتفاق يعد بمثابة هدية للرئيس الأميركي باراك أوباما الذي وعد أنقرة بتأجيل الاعتراف بما يسمى مذابح الأرمن، إلا بعد تطبيع العلاقات بين البلدين. وكان أوباما دعا خلال زيارة لتركيا بوقت سابق هذا الشهر الطرفين على إحراز تقدم بالمفاوضات. لكنه قال إنه لم يغير رأيه بشأن ما يسمى مذابح الأرمن التي وعد أرمينيا الاعتراف بها .
في الوقت الذي تشهد فيه العلاقات التركية – الأرمنية المزيد من التحسن بما جعل أزمة خط أنقرة – يورفان على وشك الانفراج، فإن العلاقات التركية – الأذربيجانية بدأت تشهد تصعيداً باتجاه التوتر المتزايد على خط أنقرة – باكو: ما هي خلفيات هذه التطورات المتزامنة؟ وما هي دلالاتها؟ خلال الحرب الباردة كانت أنقرة تقف إلى جانب واشنطن في صراعها ضد موسكو، وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي وانفصال جمهورياته ظهرت في القوقاز ثلاثة دول جديدة هي: • أذربيجان: تجاور تركيا من الشمال الشرقي. • أرمينيا: تجاور تركيا من الشرق. • جورجيا: تجاور تركيا من الشمال. عانت جورجيا من الخلافات الداخلية بسبب أزمة الأقليات الموجودة في مناطق أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية وأجاريا، وذلك على النحو الذي أشعل حرباً أهلية ضارية داخل جورجيا انتهت باتفاق سلام تضمن منح الأقليات الثلاثة حكماً ذاتياً لأقاليمها ضمن السيادة الجورجية. أما بالنسبة لأذربيجان وأرمينيا فلم تعانيا من الصراعات الداخلية وإنما تعرضتا لخلاف إقليمي بسبب: • وجود إقليم ناغورنو – كارباخ الذي تقطنه أغلبية أرمنية مسيحية ضمن أراضي أذربيجان. • وجود إقليم تاختشيفان الذي تقطنه أغلبية أذربيجانية مسلمة سنية ضمن أرمينيا. تطالب أرمينيا بحق السيادة على إقليم ناغورنو – كرباخ، وتطالب أذربيجان بحق السيادة على إقليم تاختشيفان، وعلى خلفية التوتر اندلعت الحرب الأرمنية – الأذربيجانية، وقد اختارت الولايات المتحدة الوقوف إلى جانب أذربيجان في مواجهة أرمينيا التي وجدت مساندة روسيا ولاحقاً قامت الجمهورية الإسلامية الإيرانية بمساعدة أرمينيا في حربها ضد أذربيجان. وقفت تركيا في البداية إلى جانب أذربيجان وأدى ذلك إلى توتير العلاقات التركية – الأرمنية إضافة إلى إضعاف العلاقات الأرمنية – الأمريكية والعلاقات الأرمنية – الإسرائيلية، وأسفرت الحرب الأرمنية – الأذربيجانية عن النتائج الآتية: • احتلال أرمينيا لكامل إقليم ناغورنو – كرباخ إضافة إلى 24% من أراضي أذربيجان. • قيام أرمينيا بعمليات تطهير عرقي واسعة النطاق أدت إلى إخراج جميع السكان الأذربيجانيين من إقليم تاختشيفان وتحولهم إلى لاجئين داخل الأراضي الأذربيجانية. • قيام صيغة توازن قوى جديدة في المنطقة ترتب عليها وجود تحالفين : الأول يضم تركيا – أذربيجان – جورجيا، ( أي المحور الأميركي ) والثاني يضم روسيا – أرمينيا – إيران. تأسيساً على ذلك دفعت واشنطن باتجاه ما يلي: • تعزيز الروابط السياسية والاقتصادية مع أذربيجان. • استخدام القرارات الدولية لردع أرمينيا من مواصلة الحرب ضد أذربيجان. • ربط شبكة المصالح الأذربيجانية – التركية – الجورجية ضمن شبكة المصالح الأمريكية في القوقاز، وكان من أبرز نتائج ذلك بناء خط أنابيب نفط باكو (أذربيجان) – تبليسي (جورجيا) – جيهان (تركيا). وتخشى أذربيجان وهي مصدر للنفط والغاز بالنسبة للدول الغربية ان تفقد ثقلها في مواجهة أرمينيا في النزاع إذا ما أعادت تركيا فتح حدودها مع أرمينيا، ولأن أرمينيا لا تطل على أي سواحل وحدودها مع أذربيجان مغلقة، اكتسبت الحدود التركية أهمية كبيرة في المسارات التجارية إلى الغرب ، على هذه الخلفية التزمت تركيا عدم التطبيع مع أرمينيا قبل اعادة اقليم ناجورني كاراباخ الى أذربيجان بينما المطروح الآن تطبيع العلاقات فيما بين أرمينيا و تركيا و من ثم البحث بكل المواضيع العالقة بما فيها اقليم كاراباخ و من هنا يأتي الغضب الأذري . * ما هي تداعيات الموقف الأذربيجاني؟ تزامن الموقف الأذربيجاني ضد تركيا مع جملة من التطورات وكان من أبرزها: • توقيع أذربيجان لاتفاقية نفطية مع روسيا تتعلق بمسارات تمديد خط "نيكو" لنقل النفط والغاز من مناطق آسيا الوسطى وبحر قزوين إلى بلدان الاتحاد الأوروبي. • دخول كازاخستان على خط الوساطة من أجل حل أزمة الملف النووي الإيراني. • موافقة تركمانستان وأوزبكستان وكازاخستان وروسيا على تمرير إمدادات قوات الناتو والقوات الأمريكية الموجودة في أفغانستان. فقد كان من المتوقع: • أن يستمر التحالف الأذربيجاني الجورجي التركي المدعوم أمريكياً لجهة السيطرة على خطوط أنابيب وموانئ النفط والغاز القادمة من آسيا الوسطى ومناطق بحر قزوين. • أن يستمر التحالف الأرمني – الروسي المدعوم من دول آسيا الوسطى وتحديداً كازاخستان وكيرغيزستان وطاجيكستان إضافة إلى إيران بما يؤدي نهائياً إلى حسم مواقف تركمانستان وأوزبكستان من أجل نقل إمدادات نفط آسيا الوسطى وبحر قزوين عبر روسيا ثم عبر بيلاروسيا إلى بلدان الاتحاد الأوروبي وفي الوقت نفسه وضع أذربيجان أمام أحد خيارين إما الانضمام إلى روسيا وحلفائها أو السير مع ركب حلفاء واشنطن الذي يضم جورجيا وتركيا وفي النهاية عدم الحصول على النفط والغاز الذي توجد معظم مصادره في آسيا الوسطى. تشير التوقعات إلى أن تحرك أذربيجان باتجاه روسيا وتوقيع الاتفاقية الأذربيجانية – الروسية سيترتب عليه إضعاف موقف تركيا التي إن كسبت أرمينيا إلى جانبها فإنها لن تضمن أن يتخلى الأرمن عن تصعيد ملف المذبحة الأرمنية . على ما يبدو فإن النقلات الجديدة في رقعة الشطرنج الأوراسية أحدثت قدراً كبيراً من الارتباك والترقب المشوب بالحذر وكثرة الاحتمالات المتعاكسة ، ويبدو أن الولايات المتحدة الأميركية لا تزال تحتاج إلى أنقرة وتريد أن تكون إلى جانبها في ملفاتها المتراكمة في الشرق الأوسط وفي ترشيح عضويتها في الحلف الأطلسي. في كل الأحوال، إنّ القضيتين الأرمنية والكردية وكذلك القضايا الأخرى، ستشغل بال الأتراك والأميركيين كثيرا، ومثل هذه القضايا ستكون محل استقطابات في سياسات البلدين وفي دائرة علاقتهما العتيدة على تركياالاعتراف بارتكاب الإبادة الجماعية بحق الأرمن والأكراد والعرب والسريان، حيث الهروب من الاعتراف بهذه الجرائم لن ينقلها إلى بر الأمان، والجهود الحثيثة من البرلمانات الأوروبية لانتزاع هذا الاعتراف مع ملحقاته ليس تربّصاً بتركيا بقدر ما هو حالة سياسية مدنية سادت وطغت على الخطاب السياسي الاوروبي الانساني في نهاية القرن العشرين وبدايات القرن الجاري، وهي بالتالي لا تمثل عقبة أمام انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي بل قد تفتح لها أبواب الانضمام الى الاتحاد.
#مسعود_محمد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حزب العمال الكردستاني الى أين
-
الشيوعي و الانتخابات النيابية اللبنانية
-
الأشرفيه البدايه
-
اليوم الجديد لدى الكرد
-
باكستان في ميزتن مصالح أميركا
-
الدور الذي يمكن أن تلعبه اخوان سوريا
-
اصلاح أم خلافة مام جلال
-
لغة قطع الأيادي
-
من يستدرج حزب الله ؟
-
لو كنت أعلم
-
خمسون عاما على الثورة الكوبية
-
2008 نهايات ساخنه
-
علم واحد بلد واحد
-
من شكرا الى عذرا
-
هل تصدق نبوءة كارل ماركس حول حتمية سقوط الرأسمالية ؟
-
عذرا شيخ بشير
-
يا أهالي بيروت لا تطلقو النار نحن خارجون
-
مسلسل باب الحارة الطرابلسي
-
ماذا وراء اعتراف موسكو باستقلال أبخازيا و أوسيتيا؟
-
هل بدأت حملة التنظيفات بالجملة؟
المزيد.....
-
بكلمات -نابية-.. ترامب ينتقد إسرائيل وإيران بشكل لاذع أمام ا
...
-
قمة حلف الأطلسي: نحو زيادة تاريخية في ميزانية الإنفاق الدفاع
...
-
من هو نورمان فوستر الذي سيتولى تصميم نصب تذكاري للملكة إليزا
...
-
قطر تستدعي سفير طهران بعد الهجوم الإيراني على قاعدة العديد
-
قبل ساعات من الهدنة.. إسرائيل تشن غارات عنيفة على أهداف في ط
...
-
ما هي جماعة -سرايا أنصار السنة- التي تبنت تفجير كنيسة مار إل
...
-
إسرائيل تقول إنها -امتنعت- عن ضرب إيران بعد مباحثات مع ترامب
...
-
ميرتس يأمل في التوصل إلى اتفاق في النزاع الجمركي مع واشنطن
-
بعد إعلان وقف إطلاق النار.. ما الجديد في إسرائيل؟
-
اجتماع حاسم لحلف الناتو.. الدول الأعضاء تتجه نحو زيادة نفقات
...
المزيد.....
-
كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف
/ اكرم طربوش
-
كذبة الناسخ والمنسوخ
/ اكرم طربوش
-
الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر
...
/ عبدو اللهبي
-
في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك
/ عبد الرحمان النوضة
-
الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول
/ رسلان جادالله عامر
-
أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب
...
/ بشير الحامدي
-
الحرب الأهليةحرب على الدولة
/ محمد علي مقلد
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
/ عبد الرحمان النوضة
المزيد.....
|