أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - مهدي بندق - الإسكندرية والتهاب العصب الخامس















المزيد.....

الإسكندرية والتهاب العصب الخامس


مهدي بندق

الحوار المتمدن-العدد: 2616 - 2009 / 4 / 14 - 08:57
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


في ملتي واعتقادي أن المدينة التي بناها في مصر الإسكندر الأكبر ،لم تأخذ اسمها من اسم الإسكندر" الفاتح" ، بل من صفته كتلميذ للمعلم الأول : أرسطو ؛ ولهذا تحديدا ً ُتوجت عاصمة ثقافية للعالم في العصر الإغريقي فالروماني ، فالعصر المسيحي . فأية لوعة تعصر قلب العالم المعاصر إذ يراها اليوم وقد أصابها مرض يسميه الأطباء " trigeminal neuralgia " وترجمته : التهاب العصب الخامس ، تتبدى أعراضه وكأن ِمسمارا ً ُسخـّن على النار ثم ُوضع على مكان بين الضروس واللثة ، وجئ بمطرقة تهوي عليه لتوصله إلى عظم الجمجمة ، مخلفة ً ألما ً لا ُيتصور ولا ُيصور . يحدث هذا بغتة ً ودون إنذار! يلي ذلك فترة نوم ثقيل – بفعل الأدوية المسكنة – لتعود الضربة وقت تشاء مزلزلة ً محطمة ً، دافعة ً ربما إلى الانتحار !
منذ العام 2006 والإسكندرية تتلقي هذه الضربات الكهربائية الصاعقة في أحيائها وشوارعها الشعبية : محرم بك ، شارع 45 بالعصافرة ثم حي كرموز أخيرا ً ، تنزل المطارق الحديدية على العصب الخامس الملتهب ، ليتحول الجسد السكندري ذو التاريخ الحضاري الجميل إلى بؤرة مرض بدوي ّ وهابي ّ يهتف بعض ُ أعضائه ببعض ِ أعضائه : حتموتوا حتموتوا !!
ومن هم هؤلاء الأعضاء الهاتفون ؟ إنهم شريحة من المصريين يسمون أنفسهم مجاهدين في سبيل الله ! بينما هم جمع من الغوغاء لا تتعدى علاقتهم بالإسلام العظيم ما عرف عن حسن علي المجيد (الكيماوي) من علاقة سيكوباتية إجرامية بالعراق بلد الحضارة التاريخية العريقة . وأما الأعضاء المراد اجتثاثهم من الجسد السكندري فهم المصريون الأقباط أصلاء ُ المدينة ،والذين هم – بالطبيعة البشرية – ليسوا ملائكة بغير أخطاء ، وفي نفس الوقت هم ليسوا مخطئين مقدما ً بحكم المولد والعقيدة . طبعا ً ثمة من يخطئ منهم في فعل معين ، مثل أن يقتل أو يسرق . هنا قد ينطرح سؤال ساذج ،لأنه لا يأخذ في الاعتبار المرض الذي انتهش المدينة : فما ذنب الأقباط الذين لم يقتلوا أو يسرقوا كي ُيؤخذوا بجريرة غيرهم ؟! وسؤال آخر يدخلنا صميم موضوع اليوم : هل نسي أهلنا المسلمون الشانئون لأهلنا الأقباط الآية َ الكريمة " ولا تزر وازرة ٌ وزرَ أخرى" ؟! غير أن ما جرى برشق هذا المرض اللعين إنما يبرهن علي أن "مسلمينا " أبطال َ كرموز لم ينسوا هذه الآية وحدها ، بل والآيات جميعا ً ، ويشي كذلك بأن قيم الحضارة الإنسانية قد أوشكت على أن ُتمحي من دفتر مدينة أرسطو – مؤسس علم المنطق - محوا ً وبيلا ًًً. ولهذه الدعوى تفصيل :
دعنا نتأمل حادثة كرموز الأخيرة ، وخلاصتها أن ثلاثة أشقياء من " المسجلين خطرين " تصادف أنهم مسيحيون ، تشاجروا مع شاب مسلم فقتلوه [ لاحظ هنا أن عبارة " تصادف أنهم مسيحيون " تعني أن صفة " المسجل خطر " ليست حكرا ً على الأشقياء من المسلمين بالطبع ]
و إلى هنا والحادثة محض إجرامية مآلها القضاء العادل وإنزال العقوبة القانونية بالجناة . ذلك منطق الأمور حين يكون الجسد الاجتماعي سليما ً لا شية َ فيه ، لكن حالة العصب الخامس ما لبثت حتى تشنجت و ُسجـّرت في كرموز ، فاندفع غوغاء ُ الشر يحطمون محال ومتاجر مواطنيهم المسيحيين الفارين المرعوبين، والغوغاء يصرخون وراءهم " حتموتوا ، حتموتوا ! "
فهل اقتربت مصر – بتلك الصيحة الملعونة - من مرحلة القتل على الهوية ؟!
ليستبعد المتفائلون هذا الاحتمال المخيف ، إنما دعنا نحصر أنفسنا اليوم في السؤال الحال : هل كانت صيحة " حتموتوا حتموتوا " لتطال أهل الحي المسلمين لو كان الجناة ُ مكتوبا ً في بطاقات هويتهم " الشكلية " أن الديانة : مسلم ؟!
سؤال لا يحتاج إلى جواب ، لكنه ينقل القضية برمتها من حالة الغضب للجريمة في حد ذاتها، إلى حالة يكون فيها الغضب موجها ً إلى ديانة الجناة . وديانة الجناة هنا ( إذا كان لأمثالهم دين ) هي المسيحية التي يعترف بها الإسلام ، و التي يوصي نبيه الكريم بأهلها إلى درجة قوله إن من آذى أحدا ً منهم فقد آذى لنبي نفسه . ويترتب على هذا ضرورة أن ُيسأل المطالبون بإبادة مواطنيهم الأبرياء عن المسوغ الشرعي أو العقلي لمطلبهم . "الأقباط فاحشو الثراء يا أخ " تسأله : فأين الأقباط العمال وصغار الموظفين وصغار الفلاحين وجلهم فقراء ؟ وأين أصحاب الملايين والمليارات المسلمون من هذه الحجة الإجرامية ؟ وما دخل الثروة بالتلمظ على قتل أصحابها ، خاصة ً حين يكون أصحابها علي دين غير دين المتلمظين للقتل ؟ وأليست هذه الحجة هي ما استخدمتها النازية لتحريض شعب ألمانيا على إبادة مواطنيهم اليهود ؟ و النتيجة ؟ خراب ودمار ألمانيا كلها. ترى هل تدبر سفهاؤنا المطالبون بموت مواطنيهم الأقباط َ النتيجة المحتومة لمطلبهم الشاذ المروع ؟ خراب مصر واحتلال أراضيها وقتل وتشريد الملايين من أهلها الأبرياء. لقد سمعت بأذني من يقول باستخفاف شيطاني : وماذا لو تخلصنا من بضعة ملايين لا يؤمنون بالإسلام ؟ ألا تخلص بهذا بلادنا لدين واحد فتتمكن من تطبيق الشريعة الإسلامية دون معارضة ؟ ذلك بالضبط ما قاله حسن الكيماوي ،تبريرا ً لما فعله بشعبه في حلايب العراق "تعداد العراق خمسة وعشرين مليون، خله يرجع خمسة ملايين إيش صار؟ ترجع الأمة تنتصر و ترجع مثل زمن الرسالة، حيا الله الموت ". انتهى كلامه ، كما انتهى هو على حبل المشنقة ، وفي مزبلة التاريخ بجوار كل من جعلتهم ثقافتهم المنحطة يعادون ويقتلون من لا يسايرهم الحافر علي الحافر .
المسألة إذا ً ثقافية لا غش فيها، لا تصلح معها الحلول ُ الأمنية ، أو التجاهل "الحكيم "! ، وكما أن العصب الخامس علاجه الناجع الجراحة ، فعلاج هذه الثقافة الوافدة من الصحراء هو الاستئصال الثقافي ، حتى يعود إلى العقل المصري وعيه بوضعه التاريخي الذي عبر عنه أستاذ النقد المفكر د. عبد المنعم تليمة بقوله :
إن ما نسميها بالثقافة العربية الإسلامية، لم تبدأ بالدعوة الإسلامية، وإنما بدأت بعمق تاريخي يرجع إلى الازدهار العظيم في تاريخ البشرية في وادي النيل ووادي الرافدين، فهي ليست ثقافة دينية فحسب وإنما هي وريثة لكل الحضارات العريقة. واذكر هنا قول معلمي طه حسين " إن المصريين في عصر الموسوعات جعلوا هذه الثقافة وعاء حافظا لكل موروث بشري ". وأنا أقول إن الثقافة الحديثة ابتداء من النهضة الأوربية في القرن ال15 تأسست على هذه الموروثات.ومن هنا فالعرب المحدثون ليسوا العرب العاربة أو المستعربة ولا البائدة ولا الذين خرجوا من شبه الجزيرة العربية يحملون الإسلام فقط، وإنما هم شعوب أسست مع غيرها حضارات إنسانية مرموقة "
بهذه الكلمات القليلة – لكنْ الدالة دلالة القانون المجتمعي الناجز– يرصد عبد المنعم تليمة للمصريين ميراثهم المثاقف مع الأمم عبر العصور ، فكيف يعقل أن يهدر مصريو الحاضر هذا الميراث فجأة ً ، ليقتربوا في بضعة عقود من منحدر الفاشية ؟ الفاشية التي جرفت العراق إلى الهاوية بحبل أفكار " القفة " حسن علي الكيماوي ، تابع علي جناح الصدامي ؟! وهل يعقل ألا تفزع الدولة والأحزاب السياسية والمجتمع المدني والمثقفون مسرعين للتعاطي مع هذا الخطر الداهم ؟!

في هذا السياق يغدو مطلوبا ً وبشدة أن يدعو المجلس الأعلى الثقافة إلي مؤتمر عام يشارك فيه إلي جانب المثقفين أساتذة ُ الجامعات والأزهرُ الشريف والكنيسة ُ الوطنية المصرية ،ووزارات الداخلية والأوقاف والتربية والتعليم ومسئولو الإعلام المرئي و المكتوب ، واتحاد الكتاب لوضع ميثاق عمل ثقافي قومي مهمته تفعيل نص المادة الأولى من الدستور ، ذلك النص الفارق الذي يقر مبدأ المواطنة كأساس لانتماء الجماعة المصرية لدولتهم ولوطنهم ، وهو النص الذي يتجاوز تعبير الراعي والرعايا ، وتعبير عنصري الأمة مسلمين وأقباطا ً، صاعدا ً بالجماعة المصرية جميعا ً إلى علياء الدولة المدنية الحديثة في ممارساتها السياسية الديمقراطية المتألقة صحة ً وعافية .
ساعتها لن يعكر على الإسكندرية أو غيرها من مدن المحروسة أية ُ أوجاع مصدرها التهاب العصب الخامس بعدواه القادمة من البيداء.



#مهدي_بندق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من عصاها تهرب الحواسب الكونية
- قصيدة : نسخة وذراها الخروج عن النص ِ
- لماذا لا يطلب الأخوان السلطة في مصر
- كتاب البلطة والسنبلة - إطلالة على تحولات المصريين
- غرام الأسياد بين الكفيل والأجير
- النصر الحمساوي بلغة الخبراء العسكريين
- حرب غزة : ثقافة الإبادة الجماعية ضد ثقافة الإنتحار الجماعي
- إلى أين يذهب أهل غزة ؟
- رومولوس العربي يبيع غزة
- قصيدة : القادمون للهلاك
- إسرائيل تعلن الحرب الثقافية على اليونسكو
- الحوار المتمدن يصحح الممارسة اللغوية المعاصرة
- حوار مع الشاعر المفكر مهدي بندق - أجراه وائل السمري
- التفكيك ضرورة حياتية للعالم العربي
- قراءة يسارية في أزمة الرأسمالية العالمية
- سقوط امبراطورية اليانكي
- التعديلات الدستورية القادمة في مصر
- تفكيك الثقافة العربية بين المفكرين والمؤرخين الجدد 2
- تفكيك الثقافة العربية بين المفكرين والمؤرخين الجدد 1/2
- هيا بنا نتفلسف x هيا بنا نغيّر العالم


المزيد.....




- ما هي صفقة الصواريخ التي أرسلتها أمريكا لأوكرانيا سرا بعد أش ...
- الرئيس الموريتاني يترشح لولاية رئاسية ثانية وأخيرة -تلبية لن ...
- واشنطن تستأنف مساعداتها العسكرية لأوكرانيا بعد شهور من التوق ...
- شهداء بقصف إسرائيلي 3 منازل في رفح واحتدام المعارك وسط غزة
- إعلام إسرائيلي: مجلسا الحرب والكابينت يناقشان اليوم بنود صفق ...
- روسيا تعلن عن اتفاق مع أوكرانيا لتبادل أطفال
- قائد الجيش الأمريكي في أوروبا: مناورات -الناتو- موجهة عمليا ...
- أوكرانيا منطقة منزوعة السلاح.. مستشار سابق في البنتاغون يتوق ...
- الولايات المتحدة تنفي إصابة أي سفن جراء هجوم الحوثيين في خلي ...
- موقع عبري: سجن عسكري إسرائيلي أرسل صورا للقبة الحديدية ومواق ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - مهدي بندق - الإسكندرية والتهاب العصب الخامس