أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - مهدي بندق - حرب غزة : ثقافة الإبادة الجماعية ضد ثقافة الإنتحار الجماعي















المزيد.....

حرب غزة : ثقافة الإبادة الجماعية ضد ثقافة الإنتحار الجماعي


مهدي بندق

الحوار المتمدن-العدد: 2526 - 2009 / 1 / 14 - 05:28
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


قال رجل أخرق في حضرة الإمام الشافعي : أنا لا أبالي مدحني الناس أم ذموني . فما كان من الإمام إلا أن بادره بالقول الحاسم : إسترحت من حيث تعب الكرام ُ.
ربما تكون ثقافتنا العربية قد نسيت مقولة الإمام هذه ، في غمرة زهوها بعصر الإنتصارات العسكرية ، بينما أثبتت في سجل مفاهيمها عبر العصور التالية مقولة الرجل الأخرق : لا أبالي مدحني الناس أم ذموني ! وعليه فقد راحت ثقافتنا المعاصرة تعيد إستحلاب هذا الهراء حتي في عصر الهزائم العسكرية والانكسارات السياسية ، دون التفات إلى ما يحتاجه المرء من تضامن وتعاطف الآخر المختلف لكي يتجاوز محنته .. وإلا فبماذا نفسر هذا الصلف الإعلامي الجاهل بـ ( أو المتجاهل لـ ) حقائق الصراع على الأرض بين دولة الإجرام المدججة حتى أسنانها بأشد أنواع السلاح فتكا ً ، بما فيها السلاح النووي
( إسرائيل ) وبين أناس عزل ( شعب غزة ) لا يقدم لهم قادتهم " الحماسيون " غير الدعوة للانتحار الجماعي مقابل الشعار الفظ : لتعش غزة ولو هلك الغزاويون جميعا ً. وهو شعار يصرح – واضحا ً - بأن الهدف هو إقامة دولة دينية ، تجبر النصارى واليهود على سداد الجزية ، فإذا استهجن الآخرون ( العالم المتحضر ) هذا الهدف المناقض لميثاق حقوق
رد القادة منهم : نحن لا نبالي مدحنا الناس أم ذمونا !
في عام 1996 أصدر المفكر الأمريكي الراحل صمويل هنتنجتون كتابه الشهير " صراع الحضارات وإعادة صنع نظام العالم " وخلاصته أن الحروب القادمة سوف تكون صداما ً بين ثقافات لا تحتمل الواحدة منها وجود الأخرى ، ومن الأمثلة الدالة على ذلك الصدامُ المحتوم بين الغرب " الديمقراطي " والإسلام " الفاشي " وهي فكرة ليس هذا مقام بحثها ، إنما نحن هنا نكتفي باستعارة المنحى العام لمقولته التي تركز على مبدأ اعتماد الدول في صراعاتها السياسية والعسكرية على ثقافة شعوبها ، وبالذات تلك التي تنظر بشك ومقت إلى غيرها من الشعوب باعتبار الأخيرة تجسيدا ً للباطل عقائد وأديانا ً وسلوكا ً.
في هذا السياق يمكننا أن نفهم فكر سيد قطب وأتباعه ممثلي الإسلام السياسي، الذين يقسّمون العالم إلي دار سلام يعيش فيها المسلمون ومعهم أهل الذمة ( شرط سداد الجزية ) ودار للحرب هي باقي العالم الذي سوف يجبر مع الوقت على الإنصياع للإسلام . وبالتوازي يمكننا أيضا ً أن نتفهم نظرية " الأمن الإسرائيلي " القائمة على ثقافة الآباء المؤسسين للدولة ، وبالأخص الفيلسوف الصهيوني جابوتنسكي ، وهي ثقافة– بغض النظر عن فسادها الأخلاقي – واقعية بحكم حيازتها على القوة ، تدرك أن من المحال على أصحاب الأرض ( الكارهين لليهود تاريخيا ً !! ) أن يتنازلوا عن وطنهم طواعية ، وعليه فلابد من إجبارهم بكل السبل المدمرة لكي يسلموا للأقوي بما يريد! والتاريخ هنا يقدم أمثلة عديدة على ذلك حيث أباد الغزاة الأوربيون 40 مليونا ً من البشر في أمريكا وقت اكتشافها ، وجرى حشر ما تبقى من الهنود الحمر في " محميات طبيعية " كحيوانات يخشى عليها حسبُ من الانقراض ! فلم لا يجرى مثل هذا على الفلسطينيين؟
هكذا يعاد إنتاج استراتيجية " الأمن الإسرائيلي" المستمدة من ثقافة التفوق العنصري ، بما أسماه القادة العسكريون " تكتيك الضاحية " وقوامه : الرد بأقصي قدر من التدمير – دون أدنى اعتبار للرأي العام العالمي – على أية ضاحية تنطلق منها رصاصة في اتجاه جيش الدفاع ، وليمت الآلاف من النساء والأطفال ، مسئولية ذلك تقع على من أطلق الرصاصة ! وبهذا المنطق سيعلم الجميع أن أمن إسرائيل مقدم على كل داع أخلاقي أو شعور إنساني . وهو المطلوب إثباته .
ذلك هو شأن إسرائيل – جريمة القرنين العشرين والحادي والعشرين – ولسنا هنا في موضع لومها ، فالعدو لا يلام وإنما يحارب .. ولكن السؤال الجدير بالالتفات هو : بماذا وكيف يحارب ؟ حينئذ تأتي الإجابة كالنكتة غير المضحكة : بصواريخ القسام التي " تزعج" جدا ً سكان مدينة سيديروت ! وتحارب بدعوة سوريا لاجتماع قمة بمن حضر ، بينما تتبرأ الجميلة من إطلاق صاروخين من الجولان المحتلة منذ واحد وأربعين عاما ! وتحارب أيضا ً بحزب الله الذي أنكر بكل شمم مسئوليته عن انطلاق صاروخ من الجنوب اللبناني ! وبإيران التي رفض آية الله خامئني التصريح لبعض الشباب الإيراني بالسفر متطوعا ً إلى غزة ! وأخيرا ًً بـ " قطر "التي تمنح قناتها الفضائية أعلى الميكروفونات لجنرالات الحناجر المنتصرين لغزة ، بينما تأبى حكومتها حتى إغلاق المكتب التجاري الإسرائيلي على أرضها !
ومن الجلي أن مجرد مناقشة فاعلية هذه الأسلحة العربية والإيرانية " الإسلامية " ، وقدرتها على إنزال الهزيمة بالعدو الإسرائيلي إنما تغدو محض إهانة للكتابة ، فضلا عن احتمال استدعاء الكاتب للتحقيق معه أمام محكمة " العقل " الدولية .
الأجدر إذن أن ُيطور السؤال إلي صيغة أكثر احتراما ً ، وربما أكثر نفعا ً : ترى ما الذي أوصلنا – نحن العرب والمسلمين – لهذه الحالة من الغيبوبة ؟ الإجابة : الأيديولوجيا . كيف ؟ دعنا نتأمل مغزى الأمثولة التالية .. عاد رجل إلي بيته حاملا ً كيسا ً ورقيا ً ، قائلا ً لزوجته : إشتريت لك تفاحا ً لبنانيا ً أحمر الخدين . لكن الزوجة ما لبثت حتى صاحت في وجهه : أتعبث بي يا رجل ؟ أي تفاح تقصد ؟! ليس بالكيس غير نبق تافه لا يكاد ُيرى . أصر الرجل على أنه جلب لأسرته تفاحا ً معتبرا ً ، وأصرت الزوجة على النبق . وفجأة ً لاحظت المرأة أن زوجها يضع منظارا ًغريبا ً على عينيه ، فطلبت تجربة المنظار ، وما أن وضعته على عينيها حتى رأت النبق وقد صار تفاحا ً ، خلعت المنظار فعاد التفاح نبقا ً .. سألت المرأة ُ : من أين لك بهذا المنظار يا بعلي ؟ فقال البعل ُ : أهدانيه الفاكهي فوق البيعة.
المنظار إذن هو مسبب الوعي الزائف ، فهو بما فيه من خاصية سحرية Fetish يمكنه أن يغطرش على حقيقة الواقع ، مستبدلا بها وهما ً يرتاح له المرء .. وتلك إحدي وظائف الأيديولوجيا ، وكم من المعتقدات عاشت وعمرت– مثل ثبات الأرض ودوران الشمس حولها - ليس لأنها صحيحة ، ولكن لأن الناس كانوا مرتاحين إليها لأسباب تجارية محدودة ، ودينية محددة . غير أن العلم ( نقيض الأيديولوجيا ) ليس تابعا ً للأغراض النفعية أو للعقائد الجمعية ، ولهذا تراه قاطعا ً كالسيف ، مضيئا ً كشمس الضحي . وفي حالتنا – نحن العرب والمسلمين – فإن العلم لا يسايرنا حين نزعم أننا خيرالأمم ، بل يطاردنا بحقيقة أننا تخلفنا عن مسيرة الحضارة الإنسانية تخلفا ً مرعبا ً ، فكريا ً وسياسيا ً واقتصاديا ً وتقنيا ً بل وعقليا ً أيضا ً ، ودعنا نضرب مثلا على هذا التخلف العقلي ، فبالرغم من أننا أصبحنا أضعف من أن نحقق النصر على عدونا (إسرائيل إبنة أمريكا المدللة ) في ميادين القتال ، لسبب بسيط هو أننا نريد هزيمتهم بسلاح لم نصنعه بل نستورده من راعي العدو ، أقول بالرغم من هذا الدليل الذي لا يدحض ؛ فإن الكثيرين منا لا يريدون تصديق أنه من غير المنطقي أن يزودك راعي عدوك بسلاح يمكنك أن تغالب به فتاته المدللة وتغلبها ، ومن ثم تراهم ينادون ليل نهار بحرب السيوف التي هي: فن ٌ نحن العرب َ بدعناه ، كما كانت تجأر أغنية عام 1948 الشهيرة.
فهل يعني هذا أن نتوقف عن المقاومة ؟! أن نسلم للعدو بما يريد ؟! لا غرو أن من يقول بهذا
خائن للأرض السليبة ، وللعرض المستباح ، وللدماء الزكية المسفوكة لقرن من الزمان ، ذلك أن جرائم إسرائيل ستظل ماثلة أمام الأعين ، غائرة خناجرها في القلوب ، ما ظلت هذه الجرائم الجرائم جزءً لا يتجزأ من نظام عالمي إمبراطوري مستغل ٍ لفقراء العالم ومستضعفيه ، ولسوف يبقى هذا النظام الجائر قائما ً ، إلى أن تكشف شعوب الأرض سره الخفي ّ ، فتنهض لملاقاته على أرض الحضارة الإنسانية ، حيث تكون الرفعة للشعوب الأكثر تعليما ً ، والأرقى فكرا ً وفنا ً ، والأعظم إنتاجا ً في الزراعة والصناعة والبرمجيات والاتصالات ، والأقدر على نزع فتائل الضغينة والإحن بمقاربات الوحدة الوطنية ، جنبا ً إلى جنب توطيد العلاقات مع كل القوى الشريفة في العالم المعاصر بغض النظر عن عقائدها ودياناتها ولغاتها ...إلخ
ومن الواضح أن شيئا ً من هذا لا يمكن له أن يتحقق قبل استعادة مقولة الإمام الشافعي( نتعب تعب الكرام إقناعا ً لغيرنا بعدالة قضيتنا) وكذلك قبل خلع نظارة " النبق" المضللة ، كي يستبين المرء طبيعة الواقع كما هو ، دون أي تزويق نتيجته المحتومة تزييف ُ الوعي ، الذي لا يريد العدو لنا سواه لكي يظل هو منتصرا ً .



#مهدي_بندق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إلى أين يذهب أهل غزة ؟
- رومولوس العربي يبيع غزة
- قصيدة : القادمون للهلاك
- إسرائيل تعلن الحرب الثقافية على اليونسكو
- الحوار المتمدن يصحح الممارسة اللغوية المعاصرة
- حوار مع الشاعر المفكر مهدي بندق - أجراه وائل السمري
- التفكيك ضرورة حياتية للعالم العربي
- قراءة يسارية في أزمة الرأسمالية العالمية
- سقوط امبراطورية اليانكي
- التعديلات الدستورية القادمة في مصر
- تفكيك الثقافة العربية بين المفكرين والمؤرخين الجدد 2
- تفكيك الثقافة العربية بين المفكرين والمؤرخين الجدد 1/2
- هيا بنا نتفلسف x هيا بنا نغيّر العالم
- ثقافة الإرهاب الفكريّ : الجذور والثمار
- كتاب البلطة والسنبلة - نقد النقد
- مستقبل مصر ليس وراءها في الصحراء ، بل أمامها صوب البحر
- كيف يعرقل المثقف التقليدى مسيرة الديمقراطية
- هل هو محتوم أن ينجح النموذج الأيرلندي ويخفق لبنان العربي؟
- بيروت : طائر الفينيق أسطورة العصر
- ماذا أحجم حزب الله عن إعلان الجمهورية الإسلامية في لبنان؟


المزيد.....




- استهداف أصفهان تحديدا -رسالة محسوبة- إلى إيران.. توضيح من جن ...
- هي الأضخم في العالم... بدء الاقتراع في الانتخابات العامة في ...
- بولندا تطلق مقاتلاتها بسبب -نشاط الطيران الروسي بعيد المدى- ...
- بريطانيا.. إدانة مسلح أطلق النار في شارع مزدحم (فيديو)
- على خلفية التصعيد في المنطقة.. اتصال هاتفي بين وزيري خارجية ...
- -رأسنا مرفوع-.. نائبة في الكنيست تلمح إلى هجوم إسرائيل على إ ...
- هواوي تكشف عن أفضل هواتفها الذكية (فيديو)
- مواد دقيقة في البيئة المحيطة يمكن أن تتسلل إلى أدمغتنا وأعضا ...
- خبراء: الذكاء الاصطناعي يسرع عمليات البحث عن الهجمات السيبرا ...
- علماء الوراثة الروس يثبتون العلاقة الجينية بين شعوب القوقاز ...


المزيد.....

- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي
- عالم داعش خفايا واسرار / ياسر جاسم قاسم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - مهدي بندق - حرب غزة : ثقافة الإبادة الجماعية ضد ثقافة الإنتحار الجماعي