أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مهدى بندق - تفكيك الثقافة العربية بين المفكرين والمؤرخين الجدد 2















المزيد.....

تفكيك الثقافة العربية بين المفكرين والمؤرخين الجدد 2


مهدى بندق

الحوار المتمدن-العدد: 2427 - 2008 / 10 / 7 - 07:14
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


يرى المؤرخ التقليدي Historicist أن التاريخ الجدير بالتسجيل إنما هو حسبُ تاريخ قيام الممالك ونشأة الدول ، ثم الحروب بينها انتصارات وهزائم ، فالمؤامرات والدسائس بين النخب الحاكمة ...الخ أما مصائر الناس العاديين فمسألة لا يصح أن ُ يلتفت إليها ! وبهذه الرؤية التي تنزع عن غالبية البشر صفة الفاعلية ،فإن المؤرخ هذا حين يقدم أوراق اعتماده في بلاط علم التاريخ بوصفه سفيرا ً " للعظمة " ٍٍٍSuperiority ؛ لا يجد من يستقبله غير تلك الإمبراطورة البشعة الملقبة بـ "الحتمية " ! وكيف لا ، وقد سبقته أيديولوجيته [ بالأحرى وعيه الزائف ] متضايفة إلى الأحداث التي يرويها ، زاعما ً أن فهم تلك الأحداث غير وارد إلا برؤيته هذه. ويترتب على تلك الرؤية المؤدلجة ،أن تكون الحالة الراهنة نتاجا محتوما ً لماض تم تشكيله ، وأن يكون المستقبل متضمنا ً ، لا محالة فيما هو قائم فعلا ً ، وهكذا يبدو التاريخ البشري وكأنه كتاب " قديم " ُسجلت على صفحاته ما جرى ويجرى منذ "البداية وحتى النهاية " [ والعبارة الأخيرة عنوان كتاب المؤرخ الإسلامي: ابن كثير ] وما دام الأمر كذلك فلابد من وجود عين" كلية " ترصد بحيث ترى التاريخ ماثلا تاما ً في لحظة سرمدية متعالية على زمان البشر الفانين.
وتلك رؤية للحق متسقة ، يقبلها السواد الأعظم لما " توزعه " من تعاز للبائسين لكنها في نفس الوقت كانت تثير مشكلة أمام الحالمين بعالم أفضل ، حيث برهنت حوادث كثيرة أن مثل هذا العالم لا يتحقق بدون نضال يستلزم وجود إرادة حرة ، تعي أن مصير المرء ُملك للمرء دون سواه . ولقد حاول العرب المسلمون الأوائل حل هذه المشكلة عمليا ً ،عن طريق الفتوحات التي أقامت لهم إمبراطورية كبرى ، وجلبت لهم ثروات طائلة ، لكن المشكلة في مجملها – برغم مناظرات المعتزلة والأشاعرة - ظلت قائمة ً ، على الأقل بالنسبة لسكان البلدان المفتوحة ممن حرموا من ثمار إنتاجهم ، فصار شأنهم شأن عبيد الإمبراطوريات في الغرب القديم ، والأقنان في عصر إقطاعه .
للخروج من هذا المأزق ، اقترحت بعض الفلسفات الثورية في الغرب ، استبعاد فكرة الكائن العلوي ّ العليم بكل شئ ، والمدبر لكل أمر ، في حين قالت المعتزلة عندنا بتعطيل صفة العلم عند هذا الكائن [ تنزيها ً له عن شبهة الظلم ] لتخلص للإنسان إرادته ، وتثبت له صفة الحرية ، فتصح بذلك مسئوليته عن أفعاله يوم يكون الحساب.
بيد أن مبدأ " السببية " المعترف به من الجميع ، كان حريّا ً بأن يعيد هؤلاء وأولئك إلى رمال الحيرة المتحركة . كيف ؟ ذلك أنه ما دام الحاضر معلولا ً بعلة هي أسبق منه بالضرورة ، فلا مندوحة من القول بأن الماضي إنما يحكم الحاضر ، وأن المستقبل محكوم بحاضر الأحداث ، لكون هذا الحاضر سببا ً لما سوف يجئ ،إذن فليرفع المناضلون رايات التسليم صاغرة ً أمام الحتمية عدوة الحرية الإنسانية .
فما هو مبدأ " السببية " هذا ؟ إنه كبير وزراء الحتمية، عنصر مميز من عناصر النظرية الكوزمولوجية التي سادت العالم الفيزيائي منذ طاليس وحتى نيوتن ، منعكسة ً على الفلسفة من أرسطو إلي كانط [ باستثناء دافيد هيوم ] سوى أن القرن العشرين وضعه موضع المساءلة ، بما كشفت عنه الفيزياء الحديثة من أحداث لا أسباب لها تجرى في العالم ما دون الذري ، الأمر الذي حرض الفلسفة على إنزال " النظرية " الشاملة العليمة بكل شئ عن عرشها ، بل ووصمها بـ "الإمبريالية الفكرية " التي تمارس الأذى على أتباعها ، كما كان يفعل " بروكروست " الحداد الإغريقي القديم الذي صنع سريرا ً لأعوانه، فمن وجده أطول من السرير مط جسمه ، ومن وجده أقصر حز رأسه أو بتر قدميه .
... ... ... ...
في هذا المناخ العلمي الجديد كان طبيعيا ً أن يظهر على ساحة الدراسات التاريخية تلك الظاهرة المسماة بـ " المؤرخين الجدد " ، والحق أن هذا التعبير نتاج لحركة نقدية راديكالية تبناها عدد من الأكاديميين العاملين في حقل علم الاجتماع الجديد ، فكان من أبرزهم الأساتذة : بيني موريس ، وإيلان وإيفي شلايم بابيه ،.. دأبوا منذ ثمانينات القرن الماضي على نقد الممارسات العدوانية للمؤسسة العسكرية الحاكمة في إسرائيل ، داعين إلى نبذ الإستراتيجية التوسعية للدولة ، عاكفين على " تفكيك " Dismantling الأساطير الدينية المؤسِسة للأيديولوجية الصهيونية . في الوقت ذاته ، وربما قبل ذلك [ تحديدا ً عقب كارثة حزيران 1967 ] انطلقت هنا حركة نقدية جذرية موازية في ميدان الدراسات التاريخية ، ولكن دون أن تسمي نفسها ، نذكر من أعلامها تمثيلا ً لا حصراً : جواد علي ، جلال صادق العظم ،أدونيس ، غالي شكري ، سمير أمين ، عبد الله العروي ، محمد عابد الجابري ، وغيرهم ممن مهدوا بكتاباتهم للانعتاق من سجن النظرية القديمة ذات الهيمنة ، وللتحرر من منهجية السلف التاريخي ، مسلحين بالشجاعة الفكرية ، ومحرضين العقل العربي على ممارسة النقد الذاتي ، الذي بدونه فلا أمل في أي مستقبل .
على أن من يمكن تسميتهم حقا ً بالمؤرخين العرب الجدد هم أولئك الذين فطنوا إلي ضرورة تفكيك الثقافة العربية الموروثة ، بغرض استبعاد كافة العناصر غير العقلانية فيها : دمج الدين بالدولة ، والتعلق بأيديولوجية القومية ذات الرسالة التاريخية، والقبول السلبي بفكرة الزعيم المخلـّص[ بتشديد اللام ] واعتبار ماضي الأمة مرجعية مقدسة ، والتسليم بالحتمية الدينية أو التاريخية ، فضلا عما درجت عليه تلك الثقافة من تجاهل لدور الناس العاديين ، بالرغم من كونهم الصنّاع الحقيقيين لكل خيرات المجتمع ، بما فيها متطلبات الإنتاج الذهني نفسه من ورق ، وأحبار ، وأقلام ، وألوان ، ومكاتب ومبان ...الخ بادراك منهم – المؤرخين الجدد أعني – أن ثقافة تقوم على استلاب وتغييب صناعها لابد أن تنهار ما برحت متشبثة بخصائصها المعيبة.
في هذا السياق تتألق أسماء معينة مثل د. محمود إسماعيل صاحب المؤلفات الغزيرة: الحركات السرية في الإسلام ، والمهمشون في التاريخ الإسلامي ، وفرق الشيعة، والأغالبة، والخوارج ، علاوة على كتابه العمدة " سوسيولوجيا الفكر الإسلامي " منتهجا ً نهج المادية التاريخية بوضوح لا غش فيه . كذلك يبرز اسم د. عبد الهادي عبد الرحمن الذي أخذ على عاتقه[ في كتابه : جذور القوة الإسلامية ] تخليص جانب من السيرة النبوية من الخرافات التي روج لها مؤرخو السلاطين لأسباب محض سياسية ، معيدا ً بذلك صورة النبي إلى طبيعتها البشرية ، وكأنه بهذا " التفكيك " يذكرنا بقول أبي بكر الصديق : من كان منكم يعبد محمدا ً ، فإن محمدا ً قد مات ، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت .
ثالث المؤرخين العرب الجدد – في تقديرنا – هو المفكر السوري جورج طرابيشي ، فلقد كرس هذا المثقف الحداثي جهده لنقض الوهم القائل أن الأمة الإسلامية أمة واحدة ذات نسيج مغاير لبقية البشر ، فقارئ كتبه – وبالأخص كتاب " هرطقات " – ليشعر بالفزع من هول الأحداث التاريخية [ الموثقة بصرامة علمية لا ُتكذب ] التي شطرت المسلمين إلي طائفتين كلاهما تتربص بالأخرى ذبحا ً وتقتيلا ً بل وتكفرها فعليا ! وما ذلك إلا بسبب قيام هذه الثقافة على فكرة اليقين المطلق ، فما دمت أنا على حق لا يقبل الشك فلا بد أن يكون معتقد ُ غيري باطلا ً بطلانا ً كاملا ً ، ومن ثم لابد من نفيه وإزاحته ولو بالقتل . ذلك هو سر عجزنا في التعامل مع الآخرين المختلفين عنا في العقيدة ، مما يرتب لهم بعض العذر في اعتبارنا - نحن المسلمين- إرهابيين بالفعل ، أو بالأقل إرهابيين بالإمكان .
وأما رابع رموز هذا الاتجاه فهو الكاتب الأديب، عاشق التاريخ المصري: صلاح عيسي ، ذلك الذي رأى بحسه الوطني الصادق أن تفكيك ثقافتنا العربية إنما يبدأ بحمل الناس العاديين إلى مقدمة مسرح التاريخ ، ومن هنا جاء اختياره لهم كأبطال للأحداث في كل مؤلفاته التاريخية : الثورة العرابية ، حكايات من مصر ، رجال مرج دابق ، مثقفون وعسكر ، الكارثة التي تهددنا ، حكايات من دفتر الوطن ، رجال ريا وسكينة ،...الخ ، وهو في هذا غير مسبوق حتى بالمقريزي – الذي ارتداه عيسى قناعا ً بعض الوقت – وآية ذلك أن مؤرخنا المعاصر لم يسمح لأية أيديولوجية [ ولو كانت الماركسية ذاتها ] أن تعكر على صفاء رؤيته " اليسارية" المنتمية للشعب المصري وحده ، دون التفات إلى اختلافات أفراده بسبب الدين أو العقيدة أو الجنس[ السببية هنا معطلة ] ومن ثم فسيرى قارئ صلاح عيسى المصريين بما هم عليه فعلا ً: وداعة وشراسة ، حقارة ونبل ، طيبة قلب وسوء طوية .. باختصار سيرى القارئ شعبا ً حقيقيا ً، يتنفس أفراده نسيم الحياة ،ويتلظى بقيظها اللاهب مثله في ذلك مثل كل شعوب الأرض. والعبارة السابقة لا غرو تشير إلي ما تستهدف حركة ُ المؤرخين الجدد تأسيسه لعالم إنساني موحد بحكم وحدة البيولوجيا ، إدراكا ً منها أن أية ثقافة تعارض البيولوجيا لا شك مآلها التلاشي والانقراض .



#مهدى_بندق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تفكيك الثقافة العربية بين المفكرين والمؤرخين الجدد 1/2
- هيا بنا نتفلسف x هيا بنا نغيّر العالم
- ثقافة الإرهاب الفكريّ : الجذور والثمار
- كتاب البلطة والسنبلة - نقد النقد
- مستقبل مصر ليس وراءها في الصحراء ، بل أمامها صوب البحر
- كيف يعرقل المثقف التقليدى مسيرة الديمقراطية
- هل هو محتوم أن ينجح النموذج الأيرلندي ويخفق لبنان العربي؟
- بيروت : طائر الفينيق أسطورة العصر
- ماذا أحجم حزب الله عن إعلان الجمهورية الإسلامية في لبنان؟
- الفاشيون قادمون إلي لبنان وغيره
- هل الفلسطينيون قادرون علي تجاوز عبثية الحياة ؟
- النقد الذاتي وسيلة المصريين لتخطي محنتهم التاريخية
- اليسار العربى في مفترق طرق
- كيف تصبح مصر دولة ثقافة ؟
- إعدام الراهب سافونا رولا : شفرة دافنشى الحقيقية
- عرض لكتاب - يساريون في عصر اليمين-
- اضمحلال أمريكا وعلم المستقبليات
- حوارات مهدى بندق -9 - مع المفكر الفلسطينى الراحل هشام شرابى
- إعلان إسرائيل دولة يهودية استدراج للمسلمين إلى الحرب
- هل الإنسان مسير أم مخير؟!


المزيد.....




- إزالة واتساب وثريدز من متجر التطبيقات في الصين.. وأبل توضح ل ...
- -التصعيد الإسرائيلي الإيراني يُظهر أن البلدين لا يقرآن بعضهم ...
- أسطول الحرية يستعد لاختراق الحصار الإسرائيلي على غزة
- ما مصير الحج السنوي لكنيس الغريبة في تونس في ظل حرب غزة؟
- -حزب الله- يكشف تفاصيل جديدة حول العملية المزدوجة في عرب الع ...
- زاخاروفا: عسكرة الاتحاد الأوروبي ستضعف موقعه في عالم متعدد ا ...
- تفكيك شبكة إجرامية ومصادرة كميات من المخدرات غرب الجزائر
- ماكرون يؤكد سعيه -لتجنب التصعيد بين لبنان واسرائيل-
- زيلينسكي يلوم أعضاء حلف -الناتو- ويوجز تذمره بخمس نقاط
- -بلومبيرغ-: برلين تقدم شكوى بعد تسريب تقرير الخلاف بين رئيس ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مهدى بندق - تفكيك الثقافة العربية بين المفكرين والمؤرخين الجدد 2