أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - مهدى بندق - كيف تصبح مصر دولة ثقافة ؟















المزيد.....

كيف تصبح مصر دولة ثقافة ؟


مهدى بندق

الحوار المتمدن-العدد: 2239 - 2008 / 4 / 2 - 10:48
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


ارتبط تعبير العملاء بظهور الدولة القومية الحديثة بعد توقيع معاهدة وستفاليا1648 للإشارة إلى المتعاملين مع الدول الأجنبية بغير موافقة من دولتهم .كان يقف على رأس أولئك المتعاملين :الأدباء والموسيقيون والفنانون التشكيليون ، فضلا ً عن التجار ورجال المال. وهؤلاء وأمثالهم ما كان لأحد أن يسميهم جواسيس ؛ فالجاسوس شخص يعمل في الظلام متخفيا ً ، مقدما ً خدماته لأعداء بلاده نظير جعل معلوم ، ومن ثم فإن عقوبة الإعدام هي ما كانت تنتظره حال انكشاف أمره . أما الصنف الأول فكان الاستهجان لا أكثر، نصيبه على أسوأ الإحتمالات ، وفي أحسنها ربما تفاخرت الدولة ، ولو بعد حين، بالنابغين من أبنائها المتعاملين مع غيرها، على غير رضاها، بنتاج المكاسب الأدبية النهائية لهذا التعامل ، وفي هذا السياق يُذكر اسما الأديبين الروسيين باسترناك صاحب دكتور زيفاجو، وسولجنستين مؤلف أرخبيل الجولاج وعنبر السرطان ، لا سيما بعد حصولهما الواحد تلو الآخر على جائزة نوبل العالمية في الأدب.
في كلمة ذات مغزى صرح الفنان فاروق حسنى وزير الثقافة، والمرشح لمنصب مدير عام اليونسكو : إن مصر دولة ثقافة بأكثر مما هي محض دولة زراعية أو صناعية أو تجارية .. وهو ما يعنى أن مصر قد شبت عن طوق الدولة الإقليمية ذات المصالح المحدودة ،لتصبح مناطا ً لإنتاج وإعادة إنتاج تراث العالم الثقافى ،حيث يقبع في مخزونه ريادتها للثورة الأولى : إكتشاف الزراعة Culture ، محققة بها الإستقرار ، ومشيدة بها أولى الحضارات الإنسانية ، ومتطلعة بها إلى فجر الضمير أن ينبلج.
بيد أن مصر المعاصرة ، يلزمها لكى تؤدى دورها كدولة منتجة للثقافة ، بهذا المفهوم الأوسع ، أن تتخلى عن ميراث عصور كانت فيها أشبه بالجارية لدى الغير ، تقبل ما يغرسه فيها الأسياد الماضويون من أيديولوجيات ( لزوم استمتاعهم بها ) وما يفرضونه عليها من شروط تحقق مصالحهم لا مصالحها ،إذ يحيطونها " بأوليائهم" ، (ولا نقول بعملائهم) وبعضهم من أهلها يزينون لها الخضوع ، أو يلوحون أمام وجهها بعصيّ الإرهاب عاجلا ً ، أو ينذرونها بأوخم العواقب آجلاً إن هي جرؤت على إعلان محبتها لمباهج الحياة ، أو شاءت اللحاق بركب التقدم ومواكب التحضر!
غير أن هذا الإنعتاق الثقافى المأمول مرتبط ، لا ريب ، بإقدام الدولة على فتح فضاءات الحرية أمام كل الناس ، باختلاف مشاربهم وعقائدهم ومذاهبهم ، لكى يعبروا عن آمالهم وتطلعاتهم دون خوف من قمع سلطوى أو حتى مجتمعى.. فالذات الإنسانية ( والتي هى أساس كل التنظيمات بما فيها الدولة ) لا يمكنها أن تحيا ، فضلا عن أن تتفتح وتنتج وتصحح ، إلا بالممارسة . وحسبها أن تلتزم بالدستور والقانون ، فهى من أصدرهما من خلال المشاركة الشعبية، وهى من بإمكانها تغييرهما بالطرق المشروعة ( = الديمقراطية ) بعيدا ً عن التوجهات الشمولية ، دينية ً كانت أم علمانية ، وحسبها أيضا ًأن تأبى التسليم بنظريات فلسفية تنظر للحياة وللأحياء كأنظمة مسبقة تحكمها حتمية مثالية أو مادية ، الفرد فيها جزء من كيان عضوى هو المجتمع ، حتى وإن كانت قيمُه جامدة ًوتقاليدُه متحجرة ً، وأزماته مستعصية ًعلى الحلول .
على دولة الثقافة إذن أن تدرك ( وتقبل بـ ) متغيرات العصر ، وفي مقدمتها انفتاح الكوكب على كل بقعة فيه ، مما يشي بميلاد إنسان العالم ، عابر القوميات واللغات والأيديولوجيات والحدود الإنسان الذى لم يعد يقبل بالعيش في " جرة " وإنما يتوق بكل ذرة في كيانه لكي يخرج إلى " برة " وبالطبع ليس شرطا ً أن تكون " برة " هذه أمريكا أو أوروبا .. وإنما هى تعبير مجازى قاصد إلى تأكيد مبدأ الحرية ، فقد تتحقق الحرية للفلاح في حقله وقريته ، إذا ما قر عنده أنه يعمل ويحصد ثمار عمله في حضن أمه الطبيعة ، تحميه من جور الولاة ، ويحميها من شرور مدمرى البيئة .
نموذج الفلاح المشار إيه آنفا ً موجود في بلدان كثيرة ، فهل يجوز أن يوصم بالعمالة فلاحنا المصرى ، إن هو انضم إليه ، مشاركا ً في مؤتمراته ، وضاغطا ً على حكومته لتحقيق مطالبه ومطالب أخوته فلاحي العالم ؟!
لقد غربت شمس عصر كانت فيه كلمة " العميل " تثير اشمئزاز الثوريين ممن يعملون في تنظيمات سرية بقصد الإطاحة بأنظمة الحكم المستبدة ، وكان العميل هو ذلك الشخص الخائن الذى ينضم إلى التنظيم ليكشف أسراره ، ويبلغ الشرطة بما جمع من معلومات . اليوم وفي ظل التعددية الحزبية ، وإقرار الدولة بحق منظمات المجتمع المدنى في التعاطي مع الشأن العام ، وتنامى الحركات النقابية والعمالية ، ومع اقتراب انهاء العمل بقانون الطوارئ ؛ فلا ريب أن مثل هذه التنظيمات السرية أضحت غير ذات موضوع . . ولا شك أن الأمر غير ذلك بالنسبة للتنظيمات الإرهابية ، ولكن تلك قصة أخرى .
ومن المدهش حقا ً أن تعبير العملاء نراه ينتقل اليوم من ساحة الأفراد إلى ساحة الدول بل وإلى حركات المقاومة ، ويتم تبادل الاتهامات بالعمالة بين بعضها البعض دون التفات إلى أحقية كل طرف في التحالف ( حسب رؤيته ومصالحه وأيضا ً أيديولوجيته ) مع من يختار، بغض النظر عن خطأ هذا الخيار أو صوابه .
فليكن لهؤلاء قواميسهم ومفرداتهم ، ولنعد إلى همنا الأول وأملنا الأخير : مصر ، بدولتها التي صنفها الوزير فاروق تحت عنوان دولة الثقافة( مقابل دولة النقاب والحجاب و....الخ ) ، ثم مصر بنخبها اللامعة الذكية ، في محاولة لفض الإشتباك بين الدولة ومواطنيها من ناحية ، وبين النخب المشتبكين بالحكومة ، وأيضا ًببعضهم البعض طوال الوقت من ناحية أخرى .
فأما الدولة ، فلا مندوحة أمامها من أن تحذف من معجمها هذه اللفظة الشائنة ، فلا تصف بها أحدا ًمن المعارضة السياسية تحت أى ظرف ، بقصد التحريض على كراهيته أو الحط بكرامته الوطنية.. فالآن ، ومع انفتاح السوق العالمي اقتصاديا ً ، والبدء فى تأسيس نظام عالمى سياسي مختلف يقوم على مبدأ ضرورة تنازل الدولة القومية عن بعض من سياد تها لصالح استتباب الأمن الدولي ، فلقد صار مألوفا ً أن نرى أفراداً - وجماعات- يتوجهون الى المجتمع الدولي مباشرة بالقفز علي حدود الدولة التي ينتمون اليها ،سواء بالنشاط الاقتصادى ( تجارة – استشارات - توظيف ... الخ ) أو بالعمل السياسىً: علي سبيل المثال فى حالة انتهاك حكوماتهم لمبادىء حقوق الإنسان . والمشكلة هنا تكمن في تحديد المعايير ضبطاً للمصطلح من الناحيتين السياسية والقانونية للتفرقة بين من يسعي للإضرار بالمصالح الوطنية لحساب مصلحته الخاصة ، وبين من يتعامل مع آليات العصر وأدواته المتاحة لصالح نفسه ولصالح وطنه ولصالح البشرية في المقام الأشمل .
وأما النخب ، خاصة بعض كوادر المعارضة ، فالأمل معقود على أن تنهض إلى واجبها الأسمى ، ألا وهو تثقيف الجماهير ، وحشدها في اتجاه مصالحها الحقيقية ، جنبا إلى جنب ممارستها لنقد ذاتى لا غش فيه..ومثاله ، في سياقنا هذا ، أن تعيد النظر طواعية ً في أساليبها المتمحورة حول ضرورة إهانة خصومها ( وعلى رأسهم بالطبع الحكومة ) وأقول " طواعية " قبل أن تضطر إلى ذلك حين يصدر قانون مكافحة الإرهاب ، مع تحفظاتنا على محاولة الزج بإجراء عقابى ّ بهذا المعنى ضمن بنوده ، حيث تكفى مواد قانون العقوبات الحالى للتعامل مع متعمدى إهانة الناس، حكاما ً كانوا أو محكومين . ذلك أنه قد آن الأوان لمصر أن تكون دولة ثقافة لا دولة إهانات.



#مهدى_بندق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إعدام الراهب سافونا رولا : شفرة دافنشى الحقيقية
- عرض لكتاب - يساريون في عصر اليمين-
- اضمحلال أمريكا وعلم المستقبليات
- حوارات مهدى بندق -9 - مع المفكر الفلسطينى الراحل هشام شرابى
- إعلان إسرائيل دولة يهودية استدراج للمسلمين إلى الحرب
- هل الإنسان مسير أم مخير؟!
- نظام الحكم الدينى يعذب حتى المتدينين
- الجديد في كتاب المصطلحات الدرامية لمحمد عنانى
- الفرصة التاريخية لأقباط مصر
- لبنان إمارة فارسية فهل تصبح دول الخليج ولايات أمريكية؟!
- قصيدة : مقام الفراق
- بيروت : طائر الفينيق الذى يحترق لينهض
- تعليق ثقافى على الحكم بسجن مواطنة قبطية
- الحوار المتمدن : استجابة رائدة لتحديات العصر
- الشاعر العربى يبحر نحو المستقبل - قراءة فى شعر خالد البرادعى ...
- المشروع الحداثى لجابر عصفور إلى أين
- وماذا بعد أن تسقط أمريكا ؟
- القصيدة في نشوء آخر .. قراءةفي شطح الغياب لمهدى بندق
- هل تقوم الحرب بين سوريا وإسرائيل ؟
- قصيدة : الخروج


المزيد.....




- لوحة كانت مفقودة للرسام غوستاف كليمت تُباع بـ32 مليون دولار ...
- حب بين الغيوم.. طيار يتقدم للزواج من مضيفة طيران أمام الركاب ...
- جهاز كشف الكذب وإجابة -ولي عهد السعودية-.. رد أحد أشهر لاعبي ...
- السعودية.. فيديو ادعاء فتاة تعرضها لتهديد وضرب في الرياض يثي ...
- قيادي في حماس يوضح لـCNN موقف الحركة بشأن -نزع السلاح مقابل ...
- -يسرقون بيوت الله-.. غضب في السعودية بعد اكتشاف اختلاسات في ...
- -تايمز أوف إسرائيل-: تل أبيب مستعدة لتغيير مطلبها للإفراج عن ...
- الحرب الإسرائيلية على غزة في يومها الـ203.. تحذيرات عربية ود ...
- -بلومبيرغ-: السعودية تستعد لاستضافة اجتماع لمناقشة مستقبل غز ...
- هل تشيخ المجتمعات وتصبح عرضة للانهيار بمرور الوقت؟


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - مهدى بندق - كيف تصبح مصر دولة ثقافة ؟