أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مهدى بندق - نظام الحكم الدينى يعذب حتى المتدينين















المزيد.....

نظام الحكم الدينى يعذب حتى المتدينين


مهدى بندق

الحوار المتمدن-العدد: 2149 - 2008 / 1 / 3 - 11:35
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


ثلاثة وسبعون عاماً مضت منذ أن غادرت الحروب إلى غير رجعة بلاداً درجت ثقافتنا الموروثة على تسميتها بدار الحرب. الآن ينعم الناس فى أوروبا وأمريكا واستراليا واليابان وغيرها بالسلام.. وهاهم اليوم يستقبلون العام الجديد بالاحتفالات, والأضواء والوجوه المستبشرة, وابتسامات الرضا وقبلات المحبة, متفائلين بإشراقات المعرفة الانسانية , وثمار التنمية البشرية , ونتائج الأبحاث العلمية فى ميادين الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا والاقتصاد والطب والفنون ...الخ وفى هذا المضمار تراهم يتوثبون لتصحيح أخطاء السياسات , وتقليم أظافر من يخرج عن الجادة منهم حاكماً كان أو محكوماً . ومن عجبٍ أن هؤلاء "الأغراب" تصفهم ثقافتنا العربية الإسلامية بالضالين , بل إن بعض المتطرفين منا يسمونهم الكفار! فهل ترى يعابثنا شيطان ماكر , بأن يقدم لنا هؤلاء "الضالين الكفار" فى هذه الصورة الزاهية , بينما هم يعمهون فى الظلمات دون أن نلاحظ؟! وإذ كان ذلك كذلك فلماذا نستبعد قيام ذلك الشيطان بتزوير رؤيتنا لأنفسنا , حيث يوهمنا بأننا نحن العائشـين فى دار السلام – لسنا ممن يقتلون بعضهم البعض , مقسماً بأننا فى عراقنا ولبناننا وفلسطيننا قائمون كالبنيان المرصوص تضامناً ووحدة ً ,وحتىوإن بدا الأمر عكس ذلك أمام عيوننا ، فلابد أن يكون العيبُ في
عيوننا لا في وجودنا ذاته !
بيد أننا نعلم علم اليقين أن مثل هذا الافتراض محض هذيان , فالرصاصة التى تخترق الجمجمة , والقنبلة التى تمزق اللحم وتهشم العظم ليستا من صنع كائن ميتافيزيقى, ولا هما مجرد تصور , بل واقع كثيف صلد لا يُكَذّب . علينا إذن إن أردنا مع واقعنا تعاطياً أن نستبعد فكرة الشيطان الماكر , مثلما استبعدها من قبل الفيلسوف ديكارت رائد الشك المنهجى, وعلينا كذلك أن نبادر بالإقرار بأن مصيرنا رهن بما نفعله نحن بأنفسنا , وعلينا أيضاً أن نتقبل الدواء المر المسمى بالديمقراطية , تلك التى تضع على كاهل كل فرد فينا مسئوليته عن مصيره , ومصير شعبه تبعاً لقواعد بشرية خالصة , أولها أن الشعب , وليس غيره , هو من يضع التشريعات "المتغيرة" بتغير الأحوال , دون ركون إلى ثبات مفترض. وثانيها : أن لمواطنىَ نفس الحقوق التى لى كاملة دون تمييز لأى سبب من الأسباب , وثالثهما أن مؤسسة الحكم تداولية ٌ بطبيعتها, يمارس السلطةَ فيها الحزبُ الذي يحتاز ثقة أغلبية الناخبين, ويتخلى عنها طواعية إذا سحبوا منه تلك الثقة. وفي كل الأحوال فالأغلبية ثمة تعبير سياسي وليس توصيفًا دينيًا. فالمرء لا يغير دينه كل آونة دون مشاكل, لكنه يستطيع تبديل موقفه السياسي وقت يشاء لا يلومه على ذلك لائم ٌ.وبقدر مايتطلب الدين ثبات العقيدة ، بقدر ما تحتاج السياسة ُللتعديل ،وللعدول عن التعديل ، وللعدول عن العدول .
يترتب على هذا الفهم أن تكون الديمقراطية, بهذه الخصائص, هي ما يفرق بيننا نحن العرب, وبين المجتمعات الغربية (وليس مجرد تسمية بلادنا بديار السلام وبلادهم بديار الحرب هو مايفرق) ولعل إبناء تلك المجتمعات قد رضعوا معنى هذه الديمقراطية مع لبن الأمهات ، أما نحن فما زلنا عاجزين حتى الآن, ولأسباب تاريخية و إقتصادية وثقافية- عن التعامل معها كفلسفة جديدة (نحن نمقت الجديد من حيث كونه ضلالة ، وكل ضلالة فى النار) فهي بالنسبة لنا حلٌ "مستورد" ذو طعم غير مألوف، لا الحكام يستسيغونه ولا المحكومون قادرون على سداد ثمنه, وإن أعلن الجميع عن استعدادهم لتجربته من باب الإستجابة للضغوط الخارجية !. فأما الحكام فقد رأوا أن الانتخابات – وحدها – هي الديمقراطية, فهي غطاء رأس معقول ، يمكن تحمل تكلفته " إداريا ً ". وأما المحكومون فقد توهموا أن غطاء الرأس هذا كافِ لملء البطون، واستعادة أمجاد الماضي الذهبي.. مادمنا ننتخب بأنفسنا المستبد العادل،, الذي سيهزم لنا ديار الحرب, ويأتينا – مثل السيد البدوى - بأسرانا معززين مكرمين!
الفلسطينيون والخيار الحمساوي:

تنطبق بامتياز النظرية ُ السابق عرضها على تنظيم حماس وعلي الجماهير الفلسطينية التي صوتت لصالحه في 25/1/2006 فقد اعتمد هذا التنظيم على الغضب الجماهيري المتصاعد جراء المماطلة الإسرائيلية والأميريكية في تنفيذ استحقاقات اتفاقيات أوسلو. ومع استمرار تدهور الوضع السياسي العام، والفساد المتزايد داخل السلطة الفلسطينية ؛ أخذ اليأس بتلابيب تلك الجماهير إلى درجة أن غم عليها أن العيش في العالم المعاصر( بكل تعقيداته ، ونسبية معاييره) لاغرو يختلف نوعياً عن بساطة العيش في عوالم التاريخ الماضي بشروطها الواضحة نسبيًا.. حيث كان العدل والظلم ، الصواب والخطأ، القريب والغريب ، العدو والصديق ُ تحدد جميعاً بأحكام شبه مطلقة. ومن هنا فقد وجدت هذه الجماهير نفسها مسوقة للسير وراء تنظيم راديكاليّ ذو بعد واحد يرفع شعارات دينية في جوهرها, لا تكتفي بمقاومة المحتل لحد تحرير أرض الوطن، بل تذهب إلى طلب محاربة هذا العدو (= اليهود) وحلفائه ( = النصارى) في كل مكان، بموجب أيديولوجية أرسى دعائمها سيد قطب واحتضنها نظريًا الأخوان المسلمون، وقام بتنفيذها دموياً تنظيم القاعدة.
ومن هنا فلقد أصرت حماس على عدم الاعتراف باتفاقيات أوسلو, حتى بعد أن شكلت حكومة وحدة وطنية بالاشتراك مع فتح المعترفة بإسرائيل! فكان طبيعيًا أن يقودها هذا الموقف الأيديولوجي – المستقيم في حد ذاته - إلى الانقلاب على السلطة الوطنية بعد أشهر قلائل من اتفاق مكة الهش . لاسيما بعد أن استبانت أنها- وهي المنتخبة من الداخل الشعبي- لا يمكنها الحصول على الشرعية من الخارج جراء رفضها للقرارات الدولية ذات الصلة، ومن ثم فقد بات واضحاً أمامها أن أية انتخابات قادمة لا ريب ستزيحها عن مجالس الحكم.
الانقلاب الحمساوي إذن كان تعبيرًا عن نبذ المنظمة لمبدأ أصيل في الديمقراطية.. هو مبدأ القبول بتداول السلطة، وقبل ذلك كان الإصرار على وضع المطالب الدينية في تصادم مع قرارات الشرعية الدولية، بما ينم عن عدم الإيمان بحق الشعب في التشريع لنفسه، وبحقه في تغيير ما شرعه حسبما تشير عليه به مصالحه المتغيرةُ في الزمان . أضف إلى هذا وذاك الغطرشة المتعمدة على مبدأ المواطنة .. حيث ينص ميثاق حماس على أن "الأخوة" أعضاء منظمة التحرير قوم ضالون, وواجب حماس أن تهديهم – بالمعنى الديني- سواء السبيل، أما إذا لم يهتدوا فالحرب ثم الحرب، وقد جرى تطيبق هذا الفهم المرعب أيام الانقلاب وما بعدها من إعدام "الفتحاويين" بإلقائهم من أسطح العمارات، أو بسحلهم في الشوارع، أوبصيدهم برصاصات القناصة.

السلطة الدينية تعذيب للمتدينين:

منذ صدور وعد بلفور عام 1917 والشعب الفلسطيني يجابه الحركة الصهيونية التي فرضها عليه الاستعمار البريطاني مجابهة الحمل للذئاب. وبتأسيس دولة اسرائيل صار على هذا الشعب البائس أن يناضل بالأيدي العارية لانتزاع حقه في إقامة دولته المستقلة على أساس قرار الأمم المتحدة رقم 181 الصادر عام 1947، وحتى الآن مازال هذا الهدف قيدَ البحث. بيد أن النضال المستمر أسفر – مع ذلك - عن اعتراف دولي بالمسألة الفلسطينية قضية ً سياسية ً .. لها ممثل شرعي وحيد هو منظمة التحرير الفلسطينية, وبواقع اتفاقيات أوسلو 1993 صار للشعب الفلسطيني سلطة وطنية تمارس صلاحيات الحكم الذاتي في الضفة الغربية وقطاع غزة . من ناحية اسرائيل فلقد رأت – لأسباب استراتيجية- أن تنسحب من قطاع غزة , تاركة إياه – بخبث مدروس - ليكون مسرحا ً للصراع بين سلطة شرعية (منظمة التحرير ) تسعى لإقامة دولة مدنية عصرية وبين تنظيم (حماس) يتطلع إلى خلافة إسلامية تضم العرب وسائر مسلمي الأرض من خلال حروب مستمرة تُشن على اليهود والنصارى في العالم أجمع! وهكذا جاء انقلاب حماس ليحول غزة إلى إمارة إسلامية ..نموذجًا مصغرًا للدولة الدينية العالمية القادمة. فكان رد الفعل على هذا المشروع حصارًا دوليًا وإقليميًا حول الإمارة الوليدة, ليتضاعف بذلك حجم معاناة شعبها الفلسطيني بما لا يقاس.
في هذا السياق تعبر مأساة حجاج غزة ، العالقين الآن في البحر وفي المواني المختلفة، عن استحالة مد يد العون لهم كضحايا لهذه الحكومة (المنتخبة بالشكل الديمقراطي!!) ذات المرجعية الإسلامية! فاتفاقية المعابر الحدودية الموقعة في 15/11/2005 بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية ومبعوث الرباعية لا تسمح لمصر بإدخال فلسطيني واحد من معبر رفح في غير حضور ممثل الإتحاد الأوربي.. ومن حيث أن الأخير منسحب منذ وقوع الانقلاب الحمساوي فلا أمل لهؤلاء الحجاج في العودة لبيوتهم، اللهم إلا إذا اتخذوا سبيل معبر كرم شاليم جنوب شرق محور فيلادليفيا .. المعبر الذي تسيطر عليه كلية ً إسرائيل، وهذا ما ترفضه حماس تحرزا ً من وقوع كوادرها بأموالهم المجلوبة لدواعي النضال (ضد فتح؟!) في أيدي الاسرائيلين..
والنتيجة هي استمرار تعذيب ما يزيد على ألفي حاج مسلم لا لذنب إلا لكونهم خاضعين لحكم ُيلغي الاستحقاقات الوطنية لحساب أيديولوجية دينية، من شأنها تعذيب حتى المتدينين.

فهل يفيق مؤيدو الانقلاب – وقد ذهبت السكرةُ وجاءت الفكرةُ – على حقيقة أن الديمقراطية ليست مجرد فوز في الانتخابات وإنما هي ممارسة واقعية محليا ً ودوليا ، و.. بشروط محض دنيويةً؟





#مهدى_بندق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجديد في كتاب المصطلحات الدرامية لمحمد عنانى
- الفرصة التاريخية لأقباط مصر
- لبنان إمارة فارسية فهل تصبح دول الخليج ولايات أمريكية؟!
- قصيدة : مقام الفراق
- بيروت : طائر الفينيق الذى يحترق لينهض
- تعليق ثقافى على الحكم بسجن مواطنة قبطية
- الحوار المتمدن : استجابة رائدة لتحديات العصر
- الشاعر العربى يبحر نحو المستقبل - قراءة فى شعر خالد البرادعى ...
- المشروع الحداثى لجابر عصفور إلى أين
- وماذا بعد أن تسقط أمريكا ؟
- القصيدة في نشوء آخر .. قراءةفي شطح الغياب لمهدى بندق
- هل تقوم الحرب بين سوريا وإسرائيل ؟
- قصيدة : الخروج
- قصيدة : جاء دوري
- رشدى
- حوارات مهدى بندق 7 - مع د.وحيد عبد المجيد
- كرمة الإدانة
- قصيدة- ظل الملك
- سوسيولوجيا المسرح الشعري في مصر الحمل الكاذب والحمل المجهض
- الدكتور وحيد عبد المجي دمفهوم الليبرالية مختلف عليه وقد استخ ...


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف موقع اسرائيلي حيوي ...
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف قاعدة -عوفدا- الجو ...
- معرض روسي مصري في دار الإفتاء المصرية
- -مستمرون في عملياتنا-.. -المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن ...
- تونس: إلغاء الاحتفال السنوي لليهود في جربة بسبب الحرب في غزة ...
- اليهود الإيرانيون في إسرائيل.. مشاعر مختلطة وسط التوتر
- تونس تلغي الاحتفال السنوي لليهود لهذا العام
- تونس: إلغاء الاحتفالات اليهودية بجزيرة جربة بسبب الحرب على غ ...
- المسلمون.. الغائب الأكبر في الانتخابات الهندية
- نزل قناة mbc3 الجديدة 2024 على النايل سات وعرب سات واستمتع ب ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مهدى بندق - نظام الحكم الدينى يعذب حتى المتدينين