أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله تركماني - الماركسيون العرب والمسألة القومية العربية (5)















المزيد.....


الماركسيون العرب والمسألة القومية العربية (5)


عبدالله تركماني

الحوار المتمدن-العدد: 2609 - 2009 / 4 / 7 - 11:05
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


(3) - سمير أمين
يعتبر كتاب سمير أمين " الأمة العربية: القومية والصراع الطبقي " مرجعا هاما للتعرف على رؤيته القومية، خاصة في ميدان البحث الاقتصادي والاجتماعي، إذ أنه أعاد فهم وتفسير تاريخ المجتمع العربي عبر مراحله وأقاليمه، باستقلالية عن القوالب الأيديولوجية المسيطرة. وتعتبر أطروحته حول نقض " المقولة الإقطاعية "من أهم الأطروحات التي تفسّر أساس سوء فهم الكثيرين لحقيقة تاريخ المجتمع العربي في معظم جوانبه. فهو يقول " تفيد (الأطروحة) الأولى أنّ العالم العربي الما قبل (هكذا) استعماري لم يكن عالما إقطاعيا. ولكنه كان مكوّنا من كوكبة من التشكيلات الاجتماعية المتمفصلة حول نمط إنتاج خراجي ذي نموذج غني في مصر، وفقير نسبيا في المناطق الأخرى، ما عدا بعض الاستثناءات في الزمان والمكان كما في العراق القرن الثامن حتى القرن العاشر، وذلك بسبب ضعف تطور القوى المنتجة في الزراعة في هذه المناطق الجافة أو شبه الجافة ".
وفي موضع آخر يقول " الصورة الشائعة في عالم عربي زراعي إقطاعي ليس فقط لدى الكثير من الأجانب ولكن أيضا لدى الماركسيين العرب ما هي إلا نقطة مشتركة بينهم ليس لها أي أساس علمي ... فليس هناك أية إمكانية لمقارنته بأوروبا القرون الوسطى الإقطاعية التي كانت أساسا فلاحية ". بينما اعتمد العالم العربي أساسا، بالمقابل، على التجارة وفوائضها، وكانت مناطقه الزراعية الريفية " فقيرة جدا بحيث تعجز عن تقديم الفائض الضروري لتشييد حضارة لامعة ".
ويكتسب هذا التصحيح التاريخي ـ الاقتصادي ـ الاجتماعي أهميته السياسية عندما يشير الكاتب إلى المغزى السياسي لهذه المراجعة العلمية " إنّ رد العالم العربي إلى عالم إقطاعي مماثل لعالم أوروبا القرون الوسطى هو مصدر الأخطاء الكبرى على الصعيد السياسي، كما على صعيد تحليل الظاهرة القومية في هذا الجزء من العالم ".
كما تعتبر نظرية أمين حول " التطور اللامتكافئ " رؤية أخرى للتطور التاريخي، خاصة عندما ساهمت في التعرف على التاريخ الاقتصادي ـ الاجتماعي للعالم العربي، وكانت مؤشرا على تحوّل نوعي في الفكر الماركسي، الذي حاول أن يقرأ، بواسطة أدوات التحليل الماركسي، تاريخ البلدان الأخرى غير الأوروبية. لقد بنى أمين نظريته على مفهوم الاستقطاب بين المركز الإمبريالي والأطراف التابعة، فالمركز والأطراف وجهان لعملة واحدة، كما أنّ التطور والتأخر وجهان لنفس العملة.
كما تميزت كتابات سمير أمين بنقده لـ " التمركز الأوروبي "، وإعطائه للخصوصية مكانة مميزة، ولعل هذه المكانة هي التي أخضعت الرؤية الماركسية للتعديل، حين أدت قراءة تاريخ المجتمعات غير الأوروبية إلى فهم آخر لمسألة التطور، وإلى كشف الأبعاد الحقيقية لأيديولوجيا التحديث الأوروبية التمركز، المهيمنة. إذ أنّ أيديولوجيا التحديث، التي تجعل من الغرب أنموذجا للاحتذاء، تغيّب المشكلة الرئيسية، وهي أنّ هذه الحياة المترفة تقوم على الاستغلال المتوحش لشعوب أخرى، فالتمركز الأوروبي يمثل بالتحديد ميلا إلى إيقاف التاريخ عند الحد الذي بلغه العالم المعاصر من خلال التوسع الرأسمالي، كما يقول سمير أمين.
لقد أدى " التمركز الأوروبي " في الفكر إلى إسقاط تعسفي للتجربة الأوروبية على المجتمعات الأخرى، فمثلا " ... كما أنّ ظاهرة القومية قد ظهرت في التاريخ الأوروبي بموازاة تكوين السوق المندمجة وإقامة السلطة المركزية لتديرها، فقد اعتبر أيضا أنّ القومية في الأطراف لابد أن تكون هي الأخرى ظاهرة حديثة أنتجتها الرأسمالية ".
لقد عالج سمير أمين جوانب عديدة من المسألة القومية بشكل عام، والعربية بشكل خاص، من وجهة نظر ماركسية، ومن أهمها: الأمة، والقومية العربية، والوحدة العربية.
(1) - ماركسية سمير أمين
حيث رأى أنّ التحليل الملموس للدور التخريبي للتوسع الرأسمالي يجب أن يستند إلى الماركسية كمنهج، كمجموعة مبادئ، وليس كمجموعة نتائج. وانتقد الفهم الماركسي الدوغمائي " الاقتصادوي " لأنه تبريري وتجريدي، لا يستند إلى الواقع الملموس الذي يكشف الدور التخريبي لهذا التوسع في قارات آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، وتبريري لأنه يضفي على التوسع الرأسمالي حكم قيمة إيجابيا، وعندها ما على ضحايا هذا التوسع إلا الانتظار، بل الانضواء تحت راية الإمبريالية.
ومن جهة أخرى فقد لفت الأنظار إلى أوجه القصور في الماركسية نفسها، وبالأخص فيما يتعلق بنقاط الضعف في تحليل المادية التاريخية " أنتمي إلى هؤلاء الذين يرون فعلا أنّ المادية التاريخية عمل غير مكتمل ينبغي تطويرها، وبالتالي من الذين يشكون من التجمد الذي حوّل الماركسية الدارجة إلى دوغمائية منقوصة ". كما بيّن أنّ الماركسية " الموجودة حقيقة " لم تتخلص بعد ـ تماما ـ من التشويه الأوروبي التمركز، وأنّ التيارات السائدة في التفسير الماركسي تشارك غيرها من المذاهب في علم الاجتماع في هذه السمة العامة للثقافة الغربية. ويستنتج من هذه الملاحظة " أنّ بناء نظرية مادية تاريخية تتسم بطابع عالمي حقيقي يتجاوز حدود التمركز الأوروبي، ويخاطب فعلا الإنسانية بكليتها لا يزال مهمة لم تُستكمل بعد ".
إنّ الوقائع العينية بالنسبة إلى سمير أمين لا تتحدد بالبعدين الرئيسيين الذين توقف أمامهما ومعهما التحليل الماركسي الاقتصادي، وهما: البعد الاقتصادي والبعد الاجتماعي، بل إنه أضاف إليهما البعد الثقافي، معتبرا أنّ هذا البعد وإن كان لا يمتلك أولوية التحديد إلا أنه يتمتع بأهمية متساوية مع البعدين الآخرين. فالبعد الثقافي في نظره، هو المجال الذي تتحرك فيه الخصوصيات المحلية. وقد لاحظ أنّ هذا البعد " هو الأقل تقدما في المعرفة العلمية، لدرجة أنه لا يزال محفوفا بالأسرار الخفية، ويترتب على ذلك أنّ النظريات المقترحة في مجال الثقافة، حتى تلك الملاحظات عن الأديان ... لا تعدو كونها تأملات تقوم على الحدس وتدور في فلك التشويه الثقافوي ". وهكذا يتبين أنه يرفض النظريات التي تقوم على فرضية ثابتة تتعدى مراحل التطور التاريخي، فالخصوصية بالنسبة إليه هي خصوصية تاريخية، تتطور باستمرار وتخضع لكل الإضافات والتعديلات التي يخضع لها تاريخ المجتمعات البشرية.
ومن مساهماته النقدية للأحزاب الشيوعية في العالم العربي أنه انتقد أوهامها " التنموية " في إطار المشروع " البورجوازي الوطني "، الذي كان يرمي إلى تكملة الاستقلال السياسي بالتحديث المجتمعي والتصنيع الاقتصادي. فمع إقراره بإنجاز هذا المشروع إنجازات ملحوظة في مجالات التقدم الاجتماعي (انتشار التعليم وفرص للترقي الاجتماعي لأبناء الطبقات الشعبية، وتوسيع قاعدة الفئات الوسطى، وفي بعض الأحيان تحسين أوضاع فئات من الطبقات الشعبية لا سيما من جراء الإصلاح الزراعي وإعطاء حقوق للعمال في القطاع العام)، فإنه انتقد أوهام الشيوعيين حول احتمال " اللحاق " بالمجتمعات الأكثر تقدما. ومما قاله في ذلك " شارك اليسار الماركسي في تغذية هذه الأوهام بشكل عام، فتحول تدريجيا إلى الذيل الجذري للحركة، ولنظم الحكم الوطنية المعنية، بل وافق على النظريات المقدمة من قبل هذه النظم ومن حليفها السوفياتي القائلة بأنّ المشروع اشتراكي الطابع ... فاليسار تنازل تدريجيا عن موقفه التقليدي كممثل للطبقات الشعبية والمدافع عن مصالحها إزاء الحكم، ليصبح جناحا من النظام نفسه، يكتفي بالمطالبة بمزيد من الإنجازات في الاتجاه نفسه.
أرى علاقة وثيقة بين قصور اليسار في نقده للمشروع السوفياتي من جانب، وقصوره الموازي في نقده للمشروع " البورجوازي الوطني " في بلداننا العربية، فمصدر الخطأ هو هو في الحالتين، أي طابع اليسار الذي لم يتجاوز حدود النظرة البورجوازية الوطنية ".
(2) - الأمة والقومية والوحدة العربية
يتعرض سمير أمين للأمة باعتبارها ظاهرة اجتماعية في أكثر من كتاب من كتبه، مما يجعلنا قادرين على تتبع مفهومه لهذه الظاهرة، وقد نستطيع القول بأنه يقدم نظرية في نشوء الأمم، ومقوّماتها، وتطورها، ونهايتها. ويبدأ في تعرضه لظاهرة الأمة من التمييز بين الجماعة الإثنية والأمة " الجماعة الإثنية تفترض الوحدة اللغوية والثقافية للمجتمع المحلي، واتساق الرقعة الجغرافية، وأيضا ـ وفوق كل ذلك ـ الوعي بالاتساق الثقافي حتى ولو لم يكن كاملا، لوجود لهجات أو مذاهب دينية مختلفة بين المقاطعات وبعضها البعض". بينما الأمة عنده ظاهرة تاريخية واجتماعية " يمكن أن تبرز في كل مراحل التاريخ الإنساني، وهي ليست بالضرورة مرتبطة بنمط الإنتاج الرأسمالي. والتشكل القومي ليس فقط رهين توفر الشروط الأساسية المعروفة، وهي اتساق الرقعة الجغرافية واستخدام لغة واحدة والعيش ضمن ثقافة واحدة. ولكن أيضا رهين وجود طبقة اجتماعية تسيطر على جهاز الدولة المركزي وتؤمن وحدة الحياة الاقتصادية للمجتمع. وهذه الطبقة ليست بالضرورة الطبقة البورجوازية. وظاهرة القومية بالنسبة إلى سمير أمين ظاهرة قابلة للارتكاس (Resersible) يمكن أن تنمو وتتعزز، كما يمكن أن تذوي وتتمزق إلى مجموعات إثنية (Ethniques). وهذه المجموعات الإثنية يمكن أن تتشكل في قومية وأكثر إذا ما أتاحت الظروف التاريخية مرة أخرى لطبقة اجتماعية أخرى أن تنجز التوحيد القومي ".
أما الدور الذي يضفيه سمير أمين على الدولة وجهازها المركزي، باعتبارها أحد مقوّمات الأمة، بل المقوّم الذي يمكن على أساسه التفريق بين الأمة والجماعة الإثنية. والمقتطفات ـ السابق ذكرها ـ توضح أنه يرى أنّ سقوط الدولة المركزية التي توحّد الجماعة الإثنية في كيان سياسي واحد يعني نهاية الأمة والعودة إلى مرحلة الجماعة الإثنية، حيث يتراجع المجتمع إلى تجمعات لأقوام من جماعات إثنية قريبة من بعضها البعض بدرجة أو أخرى. وتلك المجموعات قد تصل إلى تكوين أمة في مرحلة تاريخية تالية، أو تتوزع إلى مجموعة من الأمم، وقد يتمكن بعضها من الوصول إلى مرحلة الأمة، ولا يتمكن البعض الآخر من ذلك.
الواقع أنّ هذا الخط من التفكير يطرح قضيتين مترابطتين: الأولى، هي الدولة باعتبارها أحد مقوّمات الأمة. والثانية، هي إمكانية التحول في الاتجاهين بين أشكال صلات الناس الجماعية التاريخية كالعشيرة، والقبيلة، والأمة، والأسرة.
إنّ الصياغات التي يقدمها سمير أمين تشير إلى أنّ الدولة شرط لنشوء الأمة واستمرارها، أي أنّ الدولة ليست فقط تعبيرا عن نضج العملية القومية، بل أنها أحد مقوّمات الأمة.
وننتقل الآن إلى وحدة الحياة الاقتصادية كأحد مقوّمات الأمة، وهو مقوّم تعرض له سمير أمين كما تعرض له ستالين، وكلاهما تعرض له بشكل مختلف. أما بالنسبة لسمير أمين، فإنّ نظريته ـ في هذا الخصوص ـ تتميز بأنها أكثر شمولا، إذ يربط نشوء الأمة بأي نظام أو نمط إنتاج يقتضي توحيد حياة الوحدات السياسية أو المقاطعات التي تتشكل منها الجماعة الإثنية في حياة اقتصادية واحدة، ولا يشترط أن يكون هذا التوحيد قائما ـ فقط ـ على أساس السوق الرأسمالية وسيادة الإنتاج السلعي. وهو بذلك يستطيع أن يفسر ظواهر اجتماعية لا تستطيع نظرية ستالين أن تفسرها أو تستوعبها. وبتعبير آخر يمكن القول بأنّ نظرية ستالين ـ في هذا الخصوص ـ محددة وضيقة، في حين أنّ نظرية سمير أمين ممتدة. وسنعرض لبعض المقتطفات من كتابات سمير أمين لتوضيح أفكاره:
" كل التكوينات الاجتماعية، المعروفة في التاريخ، لا تشكل بالضرورة أمة وإنما فقط تلك التشكيلات التي تقوم على نمط إنتاج يقتضي مركزة السلطة السياسية هي التي يمكنها أن تصل إلى ذلك ... التكوينات الاجتماعية في كل من مصر والصين القديمة، حيث كانت المركزية ضرورية لإنجاز المشاريع الكبرى أمكنها أن تشكل أمما ... والتكوينات التي تقوم على تجارة متقدمة كثيرا ما ولدت أمما كما في حالة اليونان القديمة (رغم عدم وجود سلطة مركزية) أو حالة العالم العربي ... إنّ نمط الانتاج الرأسمالي يحقق مستوى من التلاحم القومي أعلى مما كان موجودا في التكوينات ما قبل الرأسمالية .. ويرجع ذلك إلى أنّ تمركز القوة الاقتصادية، في هذا النمط ، قد فاق كل ما سبقه، نتيجة خلق سوق داخلية للعمل ورأس المال والسلع ".
ثم نأتي إلى مقولة هامة من المقولات التي يقدمها سمير أمين في إطار مفهومه للأمة، إذ يرى أنّ الأمة كظاهرة اجتماعية قابلة للارتكاس، والمعيار الذي يقدمه هو الدولة المركزية. إنّ القول بأنّ الأمة ظاهرة قابلة للارتكاس، واعتبار الدولة هي العامل الحاسم في ظهور الأمة واختفائها، قول يصعب قبوله، إذا اعتبرنا الأمة ظاهرة اجتماعية تتكون تاريخيا، وليست ظاهرة سياسية مما يخضعها لتقلبات السياسة اليومية، وإلى الأحكام الذاتية في تقييم الدولة والطبقة، وهو ما وقع فيه سمير أمين نفسه. إنّ علينا أن نميّز بين الأمة، وبين الدولة القومية. فالسعي لتحقيق التطابق بين الاثنتين ظاهرة حديثة نسبيا، وهو ما يسمى المبدأ القومي، في حين أنّ كلا من الأمة والدولة ظواهر أكثر قدما في التاريخ.
وفيما يتعلق بتطبيق سمير أمين لمفهومه عن الأمة على الأمة العربية يلاحظ أنّ كتاباته تؤكد وجود أمة عربية ولكن على أساس المفهوم الذي يقدمه، فإنّ هذه الأمة لم تتواجد إلا في فترة معينة من التاريخ. ففي كتابه " الأمة العربية " يقول " لقد ظهرت إلى الوجود أمة عربية ... عندما فقد العالم العربي وجوده كأمة وتحول خلال القرنين الثالث عشر والرابع عشر إلى تراكم من الشعوب، أكدت مصر مرة أخرى وجودها كأمة مستقلة ... العالم العربي كان يشكل أمة في فترات قصيرة من تاريخه .. بالنسبة للتكوينات الاجتماعية، لمرحلة ما قبل عصر الاستعمار، فإنّ الأقطار العربية لم تكن تكوّن ككل وحدة متسقة .. عندما عُرِّبَتْ مصر حافظ المصريون على شعور قوي بالتميّز، لم يطلقوا أبدا على أنفسهم أنهم " عرب "، وهي كلمة ظلت بالنسبة لهم مساوية لكلمة " بربري "، إنهم دائما " مصريون ". لقد حافظت مصر على أصالتها، ليس على المستوى اللغوي، ولكن على المستوى الثقافي والقيمي، وهي في مصر القيم الفلاحية ".
إنّ المقتطفات السابقة توضح عدم الاتساق في تطبيق المفهوم، خاصة بالنسبة لدور الدولة والطبقة، فضلا عن الاتساق الإثني، أو توضح أنّ المفهوم المطروح لا يستوعب التجربة التاريخية.
أما بالنسبة للقومية فهي " واقع تاريخي له وجود حقيقي وفعال وتعبيرات صارخة تتجلى في جميع مستويات الحياة الاجتماعية واليومية للشعوب ".
وفيما يتعلق بالوحدة العربية، فقد رأى سمير أمين أنها " كانت النتاج التاريخي للاندماج السلعي العربي وأنّ الطبقة الاجتماعية التي تكفلت بهذا التوحيد هي طبقة التجار المحاربين. وقد عمّق الاندماج في صلب النظام الإمبريالي التفتت القومي الذي بدأ قبل ذلك التاريخ نتيجة لتدهور تلك العلاقات التجارية. وفي الوقت ذاته حَمَّلَت الهيمنة الإمبريالية الشعور الوحدوي العربي مضمونا جديدا يتمثل أساسا في نضال الشعوب العربية ضد نفس العدو. ونحن نعتقد أنّ لا واحدة من الطبقات العربية المهيمنة في العصر الإمبريالي (البورجوازية الكمبرادورية والملاكون الكبار للأرض ثم بورجوازية الدولة) قادر على إنجاز الوحدة العربية. وتمر هذه الوحدة ـ التي هي قبل كل شيء وحدة الشعوب ضد الإمبريالية (البروليتاريا والفلاحون الفقراء وشرائح البورجوازيين الصغار والمثقفون الذين لم يقع إفسادهم) ـ عبر الإقرار بالاختلاف ".
وإذا كانت الاتجاهات اليمينية في حركات التحرر الوطني تميل إلى التحمس للنظريات الضبابية حول القومية، فإنّ القوميين العرب " واقفون على يسار الحركة بلا شك إذا أخذنا بالمعيار السياسي. فالبرجوازيات المحلية التي تكونت في الأطر القطرية لم تتطلع إلى الوحدة العربية كعنصر ضروري من أجل إنجاز تحرير شامل وحقيقي. وإذا كانت هذه البورجوازيات قد انخرطت في إطار التوسع الرأسمالي العالمي الذي يسيطر الاستعمار عليه، فقد رضيت بوضع كومبرادوري في هذا الإطار. وظهر القوميون كحركة رفض لهذا التسليم ودفع مشروع الوحدة على صعيد (الوطن العربي) وهي دعوة تقدمية. ولكن إذا نظرنا إلى المفهوم الذي قدموه من أجل إضفاء مشروعية على الوحدة العربية لاتضحت ضبابية خطابهم. فبدلا من اعتبار مشروع الوحدة على أنه مشروع مستقبلي تفرضه تحديات العصر، نظر القوميون إلى (العروبة) على أنها تكاد تكون ظاهرة (طبيعية) ـ فالعروبة تسيل في العروق كالدم ! ـ هذا المفهوم البيولوجي للعروبة مماثل تماما للمفهوم الألماني العرقي لـ " الجرمنة ". فهو مفهوم يميني لا يمت بصلة إلى المفهوم الديمقراطي للأمة كناتج إرادة مشتركة رشيدة وحرة (العقد الاجتماعي) ...
لا شك أنّ المضمون الرجعي لطابع مفهوم القومية المعني هنا قد أدى إلى نتائج سلبية في الممارسة. فبدلا من اعتبار ضرورة إنجاز الوحدة من خلال نضال ديمقراطي ـ وهو شرط اقتناع الشعب بإيجابية المشروع ـ شجعت ضبابية مفهوم العروبة وهم احتمال إنجاز الوحدة بـ " القوة " وإعطاء مشروعية لاستخدام العنف.
كما أنّ غياب الديمقراطية في المشروع القومي العربي، حسب سمير أمين، كان أحد الأسباب في ضعف فعالية المشروع التنموي العربي من الناحية الاقتصادية، والتباس الهدف من الناحية الاجتماعية، إذ أنه شجع توسع الفئات الوسطى في مرحلة مدّه أكثر منه خدم فعلا الطبقات الشعبية في حل مشاكلها، وقد قال " لم يتناول المشروع القومي العربي إشكالية بعده القومي تناولا ديمقراطيا، بل اكتفى بقناعة سطحية ألا وهي أنّ القومية العربية معطاة وأمر مسلم به، فلها وجود فعلي مسبق في المجتمع، وذلك بدلا من اعتبار المشروع القومي مشروعا مستقبليا يتطلب إنجازه سلامة خيارات خطوط العمل وفعاليتها في جميع المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية ".
كما يأخذ على المشروع أنه قد تبلور، في مرحلته الأولى، كمشروع قطري خاص بكل قطر عربي على حدة، فلم " يتحول إلى مشروع قومي وحدوي للوطن العربي إلا متأخرا، ولو أنّ الدعوة الأيديولوجية القومية سبقت هذا التحول بعقود في منطقة الهلال الخصيب. لا شك أنّ الوحدة ـ لو تحققت ـ كانت قد ضمنت لمشروع التحديث نفسا جديدا. ولكنّ الوحدة لم يفتح سبيل ناجح لها ولو على نطاق إقليمي في الهلال الخصيب أو في المنطقة المغاربية ".
وفي محاولة منه لتفسير هذا العجز ذكر أنّ الدعوة الوحدوية " قامت على احتمال إمكان (تحرير ـ فتح) الأقطار العربية، انطلاقا من (إقليم ـ قاعدة) سبق تحريرها من النزعة القطرية وبقيادة (زعيم كاريزمي) ... كما أنّ القوى المهيمنة عالميا قد بذلت أقصى جهودها لإفشال المشروع التحديثي قطريا كان، أو عندما اتجه اتجاها قوميا ... والسبب الحقيقي لهذه المعاداة هو خوف الغرب من أن يصير الوطن العربي ـ الذي يحتل منطقة شاسعة واقعة على جنوب أوروبا مباشرة، والغني بالثروة النفطية ـ مشاركا ذا بال في المنظومة العالمية. فوظف الاستعمار إسرائيل كحربة رمح للاجتياح العسكري المتواصل ضد البلدان العربية حتى تخلص من نزعاتها التحررية ".
واعتبر أمين أنّ النظم البورجوازية الوطنية " الشعبوية " هي المسؤولة عن الكارثة التي تلت انهيارها، فهي التي " ضربت اليسار وكسرت القواعد الشعبية التي كان هذا اليسار قد سبق أن بناها في ظروف صعبة، فهي التي ألغت الديمقراطية ـ مهما كانت محدودة ـ وخاصة في النقاش حول مستقبل الثقافة وعلاقة الدولة والدين وجميع أبعاد المعضلة الشاقة في هذه المجالات. فألغت الناصرية في مصر الفكر البورجوازي، كما ألغت التعبير الحر لنقده من اليسار، وبذلك هيأت العودة إلى الفكر السلفي المسؤول عن تخلفنا التاريخي. بعبارة أخرى يجب أن نقول بصراحة أنّ للناصرية جوانب سلبية، ومنها أولا أنها ألغت تسييس الجمهور وحلت محله أسلوب الشعارات ".
وهكذا فقد اعتبر سمير أمين أنّ المشروع القومي التحرري قد انتهى منذ بداية السبعينيات، فحرب أكتوبر /تشرين الأول 1973 كانت آخر محاولة من التيار الجذري للبورجوازية العربية، لإعادة التوازن لمصلحته، في إطار علاقة اللاتكافؤ بين المركز والأطراف. كما أنّ " النصر " الذي تحقق في هذه الحرب قد انتهى إلى أحضان " كامب ديفيد ". ومن جهة أخرى، فقد ساعد هذا الانتصار على تشكيل نظام اجتماعي عربي جديد شكّل النفط أهم ملمح من ملامحه الرئيسية.
ولم يكتفِ سمير أمين بنقد التيارين القومي والماركسي بل انتقد النموذج السلفي الذي " يؤدي إلى تدمير الذات دون اقتراح أفق للتطور ". وذلك لأنّ التاريخ، بالنسبة إليه، لا نهاية له، والتطور والتغيير لا يقعان عند حد معين، والمعركة بين القوى الاجتماعية المحافظة التي تميل إلى إيقاف التطور بحجة عدم الاستسلام وبين القوى التي تدفع إلى الأمام، هي معركة دائمة تتطلب إحاطة كلية بالأبعاد المختلفة لعملية التطور، وكشف الآلية الاستلابية التي يرتبها الاقتداء بالنموذج دون إخضاعه للتناقض الذي يرسيه الاستقطاب داخل النظام الرأسمالي.



#عبدالله_تركماني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الماركسيون العرب والمسألة القومية العربية (4)
- الماركسيون العرب والمسألة القومية العربية (3)
- أسئلة ما بعد - انتصار - حماس
- الماركسيون العرب والمسألة القومية العربية (2)
- الماركسيون العرب والمسألة القومية العربية (1)
- أي سلام مع حكومة نتنياهو ؟
- موسم المصالحات العربية
- المفكرون الماركسيون والمسألة القومية (6)
- زمن المحاكمات الدولية
- آفاق التحول الديمقراطي في العالم العربي
- المفكرون الماركسيون والمسألة القومية (5)
- القيروان عاصمة للثقافة الإسلامية
- المفكرون الماركسيون والمسألة القومية (4)
- المفكرون الماركسيون والمسألة القومية (3)
- المفكرون الماركسيون والمسألة القومية (2)
- توجهات السياسة الخارجية التركية
- المفكرون الماركسيون والمسألة القومية (1)
- الاتحاد المغاربي .. إلى أين ؟
- الأسس النظرية لأهم قضايا المسألة القومية (4)
- الأسس النظرية لأهم قضايا المسألة القومية (3)


المزيد.....




- فيديو: أهالي الرهائن الإسرائيليين يتهمون نتنياهو بتقويض الات ...
- صادق خان يفوز بفترة ثالثة قياسية كعمدة للندن
- جيرونا يهدي الريال لقب الدوري الإسباني برباعية أمام برشلونة ...
- النيابة المصرية تكشف عن هوية أبو حمزة تاجر الأعضاء البشرية ب ...
- الطوائف الشرقية تحتفل بسبت النور
- محلل سابق في CIA يتوقع انتهاء العملية العسكرية بسيطرة روسيا ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن تصفية أيمن زعرب أحد قادة -لواء رفح- جن ...
- قيادي بارز في حماس: الحركة لن تسلم ردها للوسطاء هذه الليلة
- تواصل المظاهرات عبر العالم تنديدا بالعدوان الإسرائيلي على غز ...
- حزب الله يقصف 4 مواقع للاحتلال وغارات إسرائيلية على جنوب لبن ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله تركماني - الماركسيون العرب والمسألة القومية العربية (5)