أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - كمال الجزولى - حَقْلُ الأَلغَامْ!















المزيد.....

حَقْلُ الأَلغَامْ!


كمال الجزولى

الحوار المتمدن-العدد: 798 - 2004 / 4 / 8 - 11:01
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


(1)
(1/1) كنت خارج السودان عندما جرى اعتقال د. حسن الترابى لأول مرة قبل ثلاث سنوات (فبراير 2001م) ، فى إثر تصاعد ذلك الخلاف اللبيك الذى لا يكاد الكثيرون يعرفون له رأساً من قعر بينه وبين من يُفترض أنهم عترته وحركته وذوو قرباه. ولدى عودتى بعد أيام من ذلك زارنى أستاذى وصديقى على محمود حسنين المحامى والمناضل والقيادى البارز بالحزب الاتحادى الديموقراطى. ولأننا كنا اعتدنا منذ سنوات طويلة على العمل سوياً ، ضمن فريق متجانس من المحامين بقيادته ، كمتطوِّعين للدفاع عن أى متهم فى أية قضية سياسية ، بصرف النظر عن دينه أو فكره أو جنسه أو لونه أو انتمائه الاثنى أو السياسى لا نبتغى من وراء ذلك جزاءً ولا شكورا ، فقد أخطرنى بأنه قد كلف للتو برئاسة هيئة دفاع فى طور التشكل عن د. الترابى. أحسست فى تلك اللحظة ، بطبيعة الحال ، أنه ما كان يتوقع سوى حماستى التلقائية للمشاركة كالعادة ، وكان الحق معه! لكننى مع ذلك ألفيت نفسى واجماً! واكتفيت ، بعد برهة من الصمت الرصاصىِّ ، ببضع كلمات أبديت من خلالها دعمى المعنوى له ولزملائنا الآخرين فى الهيئة ، راجياً لهم التوفيق والسداد من صميم قلبى ، وما كنت أجامل أو أكذب!
(1/2) تلك كانت المرة الأولى التى أجد نفسى فيها متردِّداً فى قبول التطوُّع للدفاع عن متهم فى قضية سياسية منذ التحقت بهذه المهنة الشريفة قبل ربع قرن. وساعتها فقط أدركت كم هى شاقة أيضاً! فعلى الرغم من أنها لا تلزم من يمارسها بمشاطرة من يشارك فى الترافع عنه آراءه أو معتقداته إلا أننى وجدتنى ، لحظتها ، متنازعاً بين نَغَر الضمير المهنى وبين نَغَر الضمير المهنى! سوى أننى غلبت أخيراً عن يقين ، وما أزال ، الجانب المهنى القائم فى كون روح المحاماة وقانونها وميثاق أخلاقياتها يحولون جميعاً دون أن أتولى أو أشارك فى الترافع عن الرجل (بنصف فؤاد!) ، وربما كان سينظر هو نفسه إلى الأمر بنصف فؤاد أيضاً أو حتى أقل ، دون أن يخطئ التقدير! هذا علاوة على ثقتى حينها فى أنه كان سيجد دون شك ، وقد وجد بالفعل ، من هم أرفع علماً واقتداراً للوقوف إلى جانبه ، ويكفى أن علياً قد تصدَّى بقدراته المشهودة لقيادة تلك الهيئة الموقرة فى أدائها المهنى النبيل. وقد تابع الرأى العام ، داخل وخارج المهنة والبلاد ، تلك المذكرات الرفيعة التى تضوع علماً وفكراً وفقهاً ، والتى كانت توجهها الهيئة إلى الأجهزة العدلية المختلفة ، وتتداولها الصحافة طوال سنوات اعتقال د. الترابى ، حتى تجاوز نفعها شخصه فأسهمت ضمن إسهامات شتى ، بما أثارت من جدل واهتمام ، فى تحويل بعض (الأيقونات) الدارجة فى الأذهان إلى حُجة بهيَّة ومنطق متماسك ، ورسَّخت قدراً معتبراً من المعرفة والثقافة فى الوعى الاجتماعى بقضايا الحريات العامة والحقوق الأساسية.
(1/3) والآن ها هو د. الترابى ، وبعد أن أطلق سراحه أواخر 2003م ، يعتقل مجدداً مع نهاية مارس 2004م ، على رأس نفر من قيادات حزبه (المؤتمر الشعبى) بتهم قد تصل عقوبتها ، حال ثبوتها ، إلى الاعدام ، ومن بينها "التحضير وتحديد ساعة الصفر لعمل تخريبى استهدف ضرب المنشآت الوطنية والاستراتيجية المتمثلة فى مصفاة الجيلى وتفجير محطة كهرباء قرِّى ودك القيادة العامة لقوات الشعب المسلحة ومجمع الصناعات الثقيلة بمدينة جياد باستخدام سلاح الطيران إضافة لإعداد قوائم اغتيال واعتقال لعدد من الرموز المهمة فى الدولة" (الأضواء ، 2/4/04). ويقينى أن الرجل وقومه سيكونون هذه المرة أيضاً محل عناية هيئة محترمة مدجَّجَة بالدراية والدربة والاخلاص. بل ولئن كانوا ، فى رأينا السياسى ، مطلوبين للمساءلة أصلاً عن أشياء مغايرة ، بمنطق مغاير ، وفى ظرف مغاير ، فإن ذلك ينبغى أن يجرى أيضاً بأسلوب مغاير ، حيث يُفترض أن يكونوا حينذاك محل نفس هذه العناية، بل وأزيد. أم ترانا سنفسد على الوطن أمره بغريزة (الانتقام) البدائية المتوحشة؟!

(2)
(2/1) لقد أسند د. مصطفى عثمان وزير الخارجية هذه الاعتقالات إلى قانون الطوارئ (الصحافة ، 31/3/04) ، وهو قانون يخلق ، بطبيعته ، حالة قابلة للتمدُّد وليس للانكماش ، ما لم تواجه بمعارضة منهجية صارمة. وفى ظل هذه الحالة لم يُسمح للصحافة بتداول هذا الشأن إلا بعد أن فرغت كل صحف وإذاعات وقنوات العالم الفضائية من مضغه كيفما اتفق ، مما دفع شيخ الصحفيين الأستاذ محجوب محمد صالح لانتقاد هذا الترتيب بشدة ، إذ "ما عاد أى بلد فى العالم جزيرة معزولة، ولا يمكن إخفاء الحقيقة .. فهى ستتسرب وستصل" (الأيام ، 31/3/04). ولكن يبدو أن للدكتور أبراهيم أحمد عمر ، الأمين العام لحزب المؤتمر الوطنى الحاكم ، رأياً آخر. فالمعلومات متاحة ".. إلا إذا رأى صاحب قرار فى موضوع ما أن يؤجل كلامه لفترة ما للاستفادة من أشياء معينة!" (المصدر نفسه). وأخشى أن (المحاكمة الاعلامية) المنصوبة لهم حالياً على صفحات الجرائد وأجهزة الاعلام هى من جنس تلك (الأشياء المعينة)! بل لقد أصابت الرعدة ، يقيناً ، كلَّ من طالع بيان الحزب الحكم ، معقل خصومة ذوى قربى الترابى الأشد مضاضة ، والذى يَعِدُ فيه هو ، لا الحكومة ، بتقديم اعترافات المتهمين إلى الرأى العام ، لا إلى القضاء المستقل (الأضواء ، 2/4/04).
(2/2) وحشة الزنازين الكئيبة التى كثيراً ما أجبرت على ملازمتها ، منذ أيام جعفر نميرى ، علمتنى ، أبلغ من أى درس نظرى فى فقه العدالة ، ألا أصدِّق السلطة أبداً حين أراها عاكفة ، باسم القانون والنظام ، على تدبيج التهم الجنائية ضد خصومها السياسيين عبر أجهزة الصحافة والراديو والتلفزيون! وقد أحزننى كثيراً مشهد بعض الأغرار يتلهون بمشاعر (الشماتة) المتخلفة على د. الترابى وجماعته فى بعض ثرثرات الشبكة الاليكترونيَّة العالميَّة ، تماماً كما يتلهى صبية قرويون فى حقل من الألغام عقب حرب لا يعرفون لهم فيها ناقة ولا جمل! مخيف جداً أن يتشظى مفهوم (الحرية) هكذا فى وعى جيل ندَّخره لمستقبل المشروع النهضوى/الحلم ، فتمسى هذه (الحريَّة) على حال إن كانت لنا وتصبح على حال آخر إن كانت لسوانا ، تصحيفاً معلولاً لنداء الشهيد محمود محمد طه! بل مخيف جداً ما يستتبع ذلك من خلط مريع بين (القانون) حين يكون أداة (انتقام) سلطانية تتنزل على رءوس الناس دونما اعتبار لإرادتهم ، وبين (العدالة) التى هى فى جوهرها نزوع أصيل للفطرة الإنسانية السليمة ، إن افتقرنا إليه افتقرنا لبوصلتنا الأساسية التى هى شرط وجودناً أصلاً! فهل كتب علينا أن نسلخ أعماراً أخرى بأكملها فى غياهب السجون والمعتقلات ، وصقيع المهاجر والمنافى ، وقطع الأرزاق .. بل وقطع الأعناق فى أقبية التعذيب ، وساحات الاعدام، وطقوس الطمر الليلى فى المقابر الجماعية المجهولة قبل أن ندرك شيئاً من هذه المعانى البسيطة؟!
(2/3) الموقف المبدئى يستوجب المطالبة بأن يُقدَّم د. الترابى وجماعته إلى محاكمة علنية عادلة وناجزة أمام قاضيهم الطبيعى ، أو أن يطلق سراحهم فوراً دون أىِّ قيد أو شرط. وحتى ذلك الحين ينبغى إيقاف المحاكمة الاعلامية المنصوبة لهم على صفحات الجرائد وأجهزة الاعلام. وعلى الصحفيين والكتاب والسياسيين الضالعين فى هذا الأمر ، أو الذين يجدون فيه إغواءً (خاصاً) فما تنفكُّ نفوسهم تحدثهم به ، أن يُرجعوا البصر كرَّتين ليدركوا ، بصرف النظر عن المواقف التى يتخذونها من النظام تأييداً أو معارضة ، أن مشاعر (الشماتة) و(التشفى) و(الانتقام) بدائيَّة جداً ، بل ومخجلة إلى حدِّ الفجيعة! وأنها ، علاوة على كونها مرذولة لجهة الأخلاق ، تعتبر أيضاً لجهة السياسة من جنس السهام التى سوف ترتدُّ حتماً إلى الأعناق ، طال الزمن أم قصُر! وأىَّ (زغللة) فى العيون اليوم ستتحوَّل ، بالقطع ، إلى عمى تام فى الغد ، فمن ذا الذى يبتغى مردوداً كهذا؟!



#كمال_الجزولى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القَوْسُ المُوَشَّى
- مَتاعِبُ التُّرَابِى
- إتفاق الميرغنى ـ طه حول تكريس إقتصاد السوق الحر ورفع يد الدو ...
- إيقاف (الصحافة) أجهض مبدأ قوميتها وأضر بقضية السلام
- أَيَصِيرُ الشَّعِيرُ قَمْحاً؟
- أَرْنَبٌ .. وقُمْرِيَّتانْ؟!
- العُلَمَاءُ وسِجَالُ التَّكْفير
- الإطَاحِيَّة !
- مزاجُ الجماهير!
- عَاصِمَةُ مَنْ؟!
- زِيارَةُ السَّاعاتِ الثَّلاث!
- المَصْيَدَة!
- عِبْرَةُ ما جَرَى!
- خُطَّةُ عَبدِ الجَبَّار!
- دارْفُورْ: وصْفَةُ البصِيْرةْ أُمْ حَمَدْ


المزيد.....




- إيلون ماسك ونجيب ساويرس يُعلقان على حديث وزير خارجية الإمارا ...
- قرقاش يمتدح -رؤية السعودية 2030- ويوجه -تحية للمملكة قيادة و ...
- السعودية.. انحراف طائرة عن مسارها أثناء الهبوط في الرياض وال ...
- 200 مليون مسلم في الهند، -أقلية غير مرئية- في عهد بهاراتيا ج ...
- شاهد: طقوس أحد الشعانين للروم الأرثودكس في القدس
- الحرب على غزة| قصف إسرائيلي مستمر وبلينكن يصل السعودية ضمن ج ...
- باكستان.. مسلحون يختطفون قاضيا بارزا ومسؤول أمني يكشف التفاص ...
- كلاب المستوطنين تهاجم جنودا إسرائيليين في الخليل
- بلينكن يصل إلى السعودية للاجتماع مع وزراء خارجية دول مجلس ال ...
- ما علاقة الحطام الغارق قبالة سواحل الأردن بالطائرة الماليزية ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - كمال الجزولى - حَقْلُ الأَلغَامْ!