أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - كمال الجزولي - مَتاعِبُ التُّرَابِى















المزيد.....

مَتاعِبُ التُّرَابِى


كمال الجزولي

الحوار المتمدن-العدد: 772 - 2004 / 3 / 13 - 11:41
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


بعد غياب دام عدة أشهر فى عطلة كنت أحتاجها بشدة ، أستأذنكم كى أعود مجدَّداً للاطلال من هذه النافذة ، وفى رأس مفكرتى المشكلة التى ثارت أواخر فبراير المنصرم داخل اجتماع هيئة شورى حزب المؤتمر الشعبى (د. حسن الترابى) حول حقوق غير المسلمين فى البلاد ، بما في ذلك شرب الخمر وبيعها (البيان 29/2/04) ، وذلك ضغثاً على إبالة المتاعب الفقهوفكريَّة/ السياسيَّة التى لا يبدو أنها إلى زوال قريب بين نظامى (القيم) و(المفاهيم) لدى هذا المفكر البارز لحركة الاسلام السياسى فى السودان والمنطقة ، والذى نستشعر ، قبل كل شئ ، واجباً أخلاقياً وسياسياً مبدئياً فى تهنئته هنا على نيله ، قبل فترة ، قراراً بإطلاق سراحه، بعد اعتقال إدارىٍّ متطاول أهدر حقه فى أن يقدَّم لمحاكمة عادلة يواجه من خلالها تهماً محددة ، بما يمكنه من الدفاع عن نفسه أمام قاضيه الطبيعى.
الشاهد أن انقساماً عميقاً قد وقع ، حسب المصدر ، حول مقترح تقدم به د. بشير آدم رحمة ، أحد أقرب معاونى د. الترابى (يعنى بعلمه وموافقته) ، بأن يُكفل "للمسلمين حيثما كانوا في الوطن حقَّ الاحتكام لقوانين تعبر عن دينهم ، ولغير المسلمين كذلك الاحتكام إِلى قوانين تمثل دينهم ، ولا تفرض بالغلبةِ على قلةٍ أحكامٌ من دين غير دينهم" ، أو ما يُسمى (بالتطبيق الشخصى). ساعتها انخرط البعض فى هتاف داو مطالباً بحذف المقترح ، كونه يحوِّل الخرطوم ، برأيهم ، إلى عاصمة علمانية تملؤها الخمارات! بينما هتف البعض الآخر مطالباً بالتمسك به كمسألة مبدئية. لجأ د. الترابي لاحتواء هذا التباين برفع المصحف (!) وشرح الآيات التى تشهد بأن "القرآن دعا الرسول الكريم إلى الحكم بالقسط بين أهل الكتاب ، وأنه غير مأمور بإخضاعهم للاسلام إن هم أعرضوا عنه". كلام جميل ، ولكنه متأخر جداً للأسف! فمتاعب الرجل الفقهوفكريَّة/السياسيَّة المتفاقمة برزت ، هذه المرة ، ليس من قلب هتاف تقليدىِّ متشاكس بين مؤيديه ، من جهة ، ومؤيدى البشير ، من الجهة الأخرى ، كما جرت العادة منذ (مذكرة العشرة ، ديسمبر 1998م) و(قرارات رمضان ، ديسمبر 1999م) ، بل من قلب هتاف متعاكس وغير مسبوق ، انفجر وسط مؤيِّديه أنفسهم ، حيث اجترأ عليه داخل القاعة نفر من غمارهم ، كالسيدة منى محمد والسيد محمد السيد (!) مثلما اجترأ عليه خارجها بعض أخلص خلصائه ، كالسيد يس الامام الذى انطلق يصرِّح للصحف بأن "آراء الترابى الفقهيَّة لا تمثل المؤتمر الشعبى" (ألوان ، 5/3/04). سوى أن هؤلاء وأولئك أجمعهم ترعرعوا ، جيلاً بعد جيل ، على منهجه هو ذاته القائم فى الاجترار العقيم ، وإن كان بصلف مشهود ، لمنظومة متكاملة من (قيم) التديُّن السلطوىِّ الخاص ، عِوضاً عن انتاج منظومة دقيقة ومنسجمة (لمفاهيم) خطاب مستقيم ومنضبط تفتقر إليه حركته بإلحاح فى حقول الفقه والفكر والسياسة. ولعل هذا هو ، بالضبط ، ما نعاه على حركات الاسلام السياسى فى المنطقة بأسرها بعض المستنيرين من مفكريها بقولهم إن جُلَّ ما تنشره "يتناول نظام القيم .. ولكن ما نحتاجه الآن وبشكل مُلِح هو تحديداً نظام للمفاهيم .. فبدون التحديد العلمى الموضوعى للمفاهيم لا يمكن بلورة النظرية الاسلامية المتكاملة" (ع. فهد النفيسى ، 1989م) ، كما فسَّره مفكرون آخرون باحتياجها الدائم "للتحصن بالإلهى والمقدس لمواجهة أى نقد .. من خارجها" (حيدر أبراهيم ، 1999م).
وإلى ذلك لا يستطيع المرء إغفال وجه دراماتيكىٍّ نادر لتمظهُر متاعب الرجل ، هذه المرة ، فى إضافته لذيل بيانه ، والمصحف فى يمينه ، أنه لا يخشى أن تقول الصحافة غداً إنه أباح الخمر (!) كونه ، على حدِّ تعبير صحيفته ، لم يقل ذلك ، بل أوضح أن غير المسلمين في شئون الأسرة والميراث والزي أحرار فى أن يتحاكموا لمعتقداتهم (!) لكن الحيرة سرعان ما تتملك المرء حين يذكر أن (الخمر) ليست من شئون (الأسرة) أو (الميراث) أو (الزى) ، كما وأن أحداً لا يكاد يذكر آخر مرة احتاج فيها الرجل لمثل هذه المخارج الخلفية حتى بإزاء خصومه الذين يقعدون له كلَّ مرصد ، دَعْ أن يحتاجها الآن وسط خاصة أتباعه الذين يُفترض أنهم مشبَّعون حتى أسنانهم بقوَّة كارزمته ، وجسامة تضحيته ، وخالص محبته ، علاوة على ما يحتقبون من غبن بإزاء مَن يرون أنه اصطنع لهم ، ذات مساء ، عروشاً فوق المجرَّات ، فانقلبوا ، أول الفجر ، ينكرونه قبل صياح الديك مرَّتين!
والحق أن متاعب د. الترابى مع حقوق المسلمين نفسها قديمة ، دع حقوق غير المسلمين ، وبالأخص ما تعلق منها بالخمر شرباً وتجارة. فلقد سبق له ، قبلَ ما يربو على ربع القرن ، وتحديداً خلال الفترة التى أعقبت مصالحة حركته لنظام مايو الشمولى عام 1977م ، أن ترأس (اللجنة الفنيَّة لمراجعة القوانين كى تتسق مع الشريعة الاسلامية) ، التى اعتمدت الرأى القائل بأن شرب الخمر ليس جريمة (حديَّة). وقد ورد فى المذكرة التفسيريَّة لمشروع القانون الصادر عن لجنته تلك "أن عقوبة الجلد لم ترد فى أصول الشريعة مقدَّرة بحيث تقوم حداً ، فلا نصَّ فى القرآن الكريم ، ولم يضطرد عدد واحد فى ضرب الرسول (ص) ، ولا انعقد الاجماع على حدٍّ معيَّن ، ومن ثمَّ كان التقدير أن فى الأمر سِعَة ، وأن العقوبة تعذيرٌ ، وهذا هو رأى ابن تيميه وابن القيِّم" (م. سليم العوَّا ، 1983م). وقد عُهد فى الرجل ، منذ ذلك الوقت الباكر ، ميله للأخذ بمبدأ (التطبيق الجغرافى) لا (الشخصى) ، حذر أن يُفتنَ مسلمو الجنوب فى دينهم ، فتمسى الشريعة مُهيِّجاً لردَّتهم (!) بل وميله للتدرُّج فى التطبيق حتى فى الشمال تخفيفاً من غلواء غلاة المتشدِّدين. ولعل ذلك وغيره هو ما حدا بمتخصص بريطانى فى السياسة السودانية لأن يسميه "الفابيانى" حيناً ، و"البراغماتى" حيناً آخر ، من باب المدح لا الذم (بيتر ودوارد ، 1990م). على أنه ، عندما باغته النميرى فى سبتمبر 1983م ، بإصدار (شريعته) التى اعتبرت الخمر (حدَّاً) ، سارع د. الترابى لتأييدها ، ناسياً أو متناسياً (فقهه) الذى لم يكن مداده قد جفَّ بعد! وحتى لو سلمنا جدلاً بأن الأمر قد قضى من وراء ظهره ، "حسداً من عند النميرى" ـ كما فى تفسيره الشهير ـ كيلا يقال إن له فضلاً فيه ، فإنه ما لبث أن عاد ، حتى بعد أن تهيَّأ له ثقل معتبر فى التشريع ، فاعتبر الخمر (حدَّاً) ، بالتجاهل لفقهه القديم دون تغيير فى المكان أو الزمان: مرة وهو شريك فى (حكومة الوفاق) عام 1988م ، حيث لم يثق الجنوبيون فى وعده لهم باستثناء الجنوب ، فأصروا على استثناء (العاصمة القوميَّة)! ومرة أخرى ، وهو مشرِّع لا معقب عليه ، فى القانون الجنائى لعام 1991م ، والذى ما يزال محل نقد ورفض أغلب القوى الشمالية والجنوبيَّة على السواء!
(فابيانية) د. الترابى ، أو (براغماتيته) ، المحكومة غالباً بما فى واقع السودان من فرادة التعدُّد والتنوُّع ، ليس نادراً ما تصطدم لديه ، من الجانب الآخر ، باحتياجه الذاتى النابح بإلحاح للاستمرار فى تغذية تيارات الغلو يستقوى بها فى ابتزاز الأحزاب التقليديَّة ، بحكم نزوعه الذى لا يقبل القسمة على اثنين نحو (التمكين) المطلق فى السياسة ، من جهة ، وبحكم إدراكه لضآلة شأن حركته بدون هذا الابتزاز والمزايدة ، من الجهة الأخرى. على أن للغلو أيضاً مقتضياته التى لا تقبل المساومة. وهكذا ، فما أكثر ما صدرت عن الرجل أقوال وأفعال تعبِّر عن ضيقه بهذا الواقع المعقد الذى زادته تعقيداً عليه مناهجه الملتبسة ، فى حين لا يبدو أن ثمة سبيلاً أمامه ، بإزاء مستحقات الغلو ، إلى نظر فقهوفكرىٍّ أرقى يكافئ هذا الواقع ، فيصرَّح ، مثلاً ، لبعض الصحفيين فى آواخر الثمانينات متذمِّراً: "قدرنا .. أن نبتلى ببلد مركب معقد البناء يكاد يمثل كل الشعوب الأفريقية بلغاتها وسحناتها وأعراقها وأعرافها" (م/الصياد ، ع/مايو 1988م) ، ثم لا يلبث أن يسارع ، بعد أقلِّ من عام ، لحسم قضية السلطة بالانقلاب العسكرى ، زاجاً بحركته كلها فى مأزقها المأساوىِّ الراهن ، كى يعود ، الأسبوع الماضى فقط ، ليبدى (توبته) من الانقلابات العسكرية (الشرق الأوسط 3/3/04) ، وذلك بعد أن كان قد انشق عن حركته فى طورها (الأكبر) أواخر سبعينات القرن المنصرم ، ثم انشق عنها فى طورها (الأوسط) أواخر تسعيناته ، ثم ها هى فى طورها (الأصغر) تتهيَّأ لنفض يدها عنه ، فى مشهد شكسبيرىٍّ فريد!
متاعب د. الترابى مع (فقه الخمر) ليست سوى قطرة من بحر ارتباكاته الفقهوفكريَّة/السياسيَّة مع السودان كله ، بما فى ذلك حركته نفسها ، ديناً ودنيا!



#كمال_الجزولي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إتفاق الميرغنى ـ طه حول تكريس إقتصاد السوق الحر ورفع يد الدو ...
- إيقاف (الصحافة) أجهض مبدأ قوميتها وأضر بقضية السلام
- أَيَصِيرُ الشَّعِيرُ قَمْحاً؟
- أَرْنَبٌ .. وقُمْرِيَّتانْ؟!
- العُلَمَاءُ وسِجَالُ التَّكْفير
- الإطَاحِيَّة !
- مزاجُ الجماهير!
- عَاصِمَةُ مَنْ؟!
- زِيارَةُ السَّاعاتِ الثَّلاث!
- المَصْيَدَة!
- عِبْرَةُ ما جَرَى!
- خُطَّةُ عَبدِ الجَبَّار!
- دارْفُورْ: وصْفَةُ البصِيْرةْ أُمْ حَمَدْ


المزيد.....




- وزير الخارجية المصري يدعو إسرائيل وحماس إلى قبول -الاقتراح ا ...
- -حزب الله- استهدفنا مبان يتموضع بها ‏جنود الجيش الإسرائيلي ف ...
- تحليل: -جيل محروم- .. الشباب العربي بعيون باحثين ألمان
- -حزب الله- يشن -هجوما ناريا مركزا- ‏على قاعدة إسرائيلية ومرا ...
- أمير الكويت يزور مصر لأول مرة بعد توليه مقاليد السلطة
- أنقرة تدعم الهولندي مارك روته ليصبح الأمين العام المقبل للنا ...
- -بيلد-: الصعوبات البيروقراطية تحول دون تحديث ترسانة الجيش ال ...
- حكومة غزة: قنابل وقذائف ألقتها إسرائيل على القطاع تقدر بأكثر ...
- الشرطة الفرنسية تفض مخيما طلابيا بالقوة في باحة جامعة السورب ...
- بوريل يكشف الموعد المحتمل لاعتراف عدة دول في الاتحاد بالدولة ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - كمال الجزولي - مَتاعِبُ التُّرَابِى