أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كمال الجزولي - العُلَمَاءُ وسِجَالُ التَّكْفير















المزيد.....

العُلَمَاءُ وسِجَالُ التَّكْفير


كمال الجزولي

الحوار المتمدن-العدد: 557 - 2003 / 8 / 8 - 04:14
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



لم تكن قد خبت ، بعدُ ، نار الشقاق التى أشعلتها النخبة الاسلاموية الحاكمة فى السودان حول مفهوم (العاصمة القومية) الوارد فى (إعلان القاهرة) بتوقيع المهدى والميرغنى وقرنق أواخر مايو الماضى ، وبلغت بها ، أو كادت ، حدود (التكفير) ، حين اندلعت نار أخرى أكثف لهباً وأشد ضراوة ، هذه المرة على أيدى (كوادر) قيادية فى أقسام مختلفة من حركة الاسلام السياسى ، أكثرهم مجهول الهوية ، وبعضهم يطلق عليه إعلام الحركة لقب (عالم) ،وبعضهم الآخر يشغل مواقع سياسية نافذة فى أجهزة الدولة ، نشطوا جميعهم ، فجأة ، خلال الشهرين المنصرمين ، فى إصدار (الفتاوى) التى (تكفر) ، بالجملة ، و(تهدر دماء) شرائح من مثقفى الجماعة المستعربة المسلمة فى البلاد تسميهم (معتنقي الديمقراطية والاشتراكية والموالين للنصاري) ، لا لذنب اغترفوه سوى أنهم لا يرون ما ترى الحركة ونظامها فكرياً وسياسياً! بل و(تكفر) تنظيماً بأكمله فى مجال العمل الطلابى (الجبهة الديموقراطية!)

كما تخصص الجوائز لمن يأتى برأس أىِّ من (المستهدفين) من المفكرين والأكاديميين والكتاب والشعراء والصحفيين والمحامين والقضاة والمعارضين السياسيين بواقع مليون دينار للرأس (أقل من أربعة آلاف دولار!)

ولو لم تكن هذه (الجردة التأديبية) قد جاءت من فوق مناخ العنف المتصاعد منذ مطالع عقد التسعينات من القرن المنصرم ، مما نتج عنه اغتيال الفنان خوجلي عثمان وإصابة زميله الفنان عبد القادر سالم ، بل وحصد أرواح المصلين فى مساجد العاصمة وبعض المدن الأخرى ، لأمكن اعتبارها محض (فرقعات) لا قيمة لها. أما والشواهد طازجة ، فإن من سوء التدبير الاستخفاف باحتمالاتها المفجعة ، فثمة دائماً مجرمون على استعداد للقتل (من أجل حفنة دولارات)، ومجانين يتصورون أنهم يتقربون إلى الله زلفى بإزهاق الأرواح! ولعل ذلك بالتحديد هو ما حدا بقرابة الخمسمائة مفكر وأديب وفنان وصحفى وغيرهم للتوقيع على مذكرة فى هذا المعنى إلى رأس الدولة بتاريخ 21/7/2003 يُطالبون فيها السلطة باتخاذ الاجراءات الكفيلة ، لا بتأهيل الخرطوم كى تصبح عاصمة للثقافة العربية بعد أقل من عامين فى ما هو مقرر ، بل بضمان سلامتهم وحماية أرواحهم ، لا أكثر ولا أقل!!

شدَّد رأس الدولة ، خلال حديثه فى اليوم التالى مباشرة إلى وفد من (هيئة علماء السودان) ، على ضرورة "التوسط فى الطرح ، والابتعاد عن التطرف ، وأن من يعتقدون أن الدولة لا تحقق الأمن مخطئون" (الرأى العام ، 23/7/2003). هذه البادرة ، وبصرف النظر عن صحة التقدير الذى قد يعتبرها غير كافية بمجرَّدها لمواجهة تهديد بهذا الحجم ، أكدت ، على الأقل ، أن جمر القلق من عاقبة الأمر يومض أيضاً ، بقدر أو بآخر ، على الضفة الأخرى. ولكن ، هل تكفى لإخماده كل التعبيرات المغرقة فى الغموض والمغالطات التاريخية مما صدر حتى الآن من أولئك المعنيين بتوجيه رأس الدولة ، المستظلين بمظلة السلطة؟!

لقد عبَّر الأمين العام للهيئة البروفيسير محمد عثمان صالح ، فى نفس اللقاء ، عن أن هيئته تتوسط فى طرحها الدينى وتعارض كل تطرف (المصدر). وأكد وزير الارشاد والأوقاف ، فى خطبة الجمعة ، أن "هيئة العلماء .. تعلم عدم جواز تكفير المسلم مهما كانت الأسباب ، و .. أن تكفير المسلم جريمة دينية لا ينبغى قبولها" ، أما الهيئة نفسها فقد ذهبت إلى أبعد من ذلك ، فى البيان الختامى لمؤتمرها الثانى ، حيث أكدت أن علماء السودان مشهود لهم بأنهم "أبعد الناس عن مجازفة التكفير واتهام النيَّات" (الحياة ، 27/7/2003).

ومع ذلك فإن المرء لا يستطيع أن يمنع ذاكرته من استعادة مواقف لا تسند ، للأسف ، هذه الدفوع الموغلة فى الاطلاق ، ومن أمثلتها:

(1)  أنه ، وبمناسبة الحديث الذى نسبته بعض المصادر للأستاذ على عثمان طه ، نائب د. الترابى فى الأمانة العامة للجبهة الاسلامية القومية سابقاً ، ونائب رئيس الجمهورية حالياً ، من تصريح أدلى به خلال مخاطبته لطلاب جامعة الخرطوم ، مساء 15/2/2000م ، ومفاده أن "الحكومة لا تمانع فى الحوار حول مسألة فصل الدين عن الدولة إذا كانت هذه القضية تهدد وحدة السودان" ، وقد نفته رئاسة الجمهورية لاحقاً ببيانها الصادر بتاريخ 19/2/2000م ، فإن د. الترابى قد سارع ، رغم ذلك ، إلى تأكيد الواقعة ، وكان يشغل وقتها منصب الأمين العام للحزب الحاكم ، معتبراً الحديث "كفراً ببعض الكتاب وإيماناً ببعضه" ، بل "ليس فيه عقل أصلاً"! (الصحافة ، 21/2/2000م).

(2)  ثم عندما أبرم حزب الترابى ، بعد إخراجه من السلطة ، مذكرة التفاهم الشهيرة مع حركة قرنق بجنيف فى 19/2/2001م، والتى أدانت النهج الانقلابى الشمولى ، وانتهاكات حقوق الانسان ، وعدم الاعتراف بواقع التعدد السودانى ، ونادت بإلغاء القوانين المقيدة للحريات ، وإطلاق سراح المعتقلين ، والتوصل لاتفاق سلام عادل ، ووحدة طوعية ، وديموقراطية تضمن التداول السلمى للسلطة ، وتمنع التمييز بين المواطنين على أساس الدين أو الثقافة أو العرق أو النوع أو الاقليم .. الخ ، سارعت الأمانة العامة (لهيئة علماء السودان) إلى إصدار بيان بتاريخ 22/2/2001م أدانت فيه المذكرة ، واعتبرتها "فتنة وبغياً ومهدداً للشريعة".

وخلصت ، على لسان البروفيسير نفسه ، إلى وجوب توجيه "النصح والاستتابة" للترابى "حتى يثوب إلى أمر الله وأمر السلطان عما اكتسبه من إثم" ، ودعت "لأخذ الباغين مأخذ الجد ، ومعاملتهم بالحزم والحسم ، حيث لا عدوان إلا على الظالمين" (الصحافة ، 23/2/2001م).

(3)  وفى ذات السياق ، وصف المجلس الأعلى للحج والدعوة والأوقاف ، على لسان رئيسه الشيخ محمد ابراهيم محمد ، د.حسن الترابى "بالخروج عن الملة و .. موالاة الكفار" ،ودعا الدولة "لاتخاذ إجراءات قوية لردع الخارجين" (المصدر نفسه).

(4)  وعندما اتخذ حزب الترابى ، بعد ذلك بشهور ، موقفاً مؤيداً (لطالبان) خلال حرب أمريكا على أفغانستان ، أصدرت (جماعة من العلماء) بياناً ، وقعه عنهم محمد عبد الكريم وسليمان أبو نارو وعبد الحى يوسف وآخرون ، هاجموا فيه موقف د. الترابى وحزبه المؤيد (لطالبان)، حيث برَّأ البيان (دعاة الاسلام) من ذلك الموقف ، ومن الترابى وحزبه الذين "لا يتخذون دين الله وشرعه دليلاً ، أو يبغونه عوجاً ويريدون أن يتخذوا بين الكفر والاسلام سبيلاً" ، ودعوا للتبرؤ مما عدُّوه ، صراحة ، هرطقة وإلحاداً من الترابى ، ونصحوا بعدم الاغترار به: "الحذر الحذر من اتباع كل ناعق ، والميل نحو كل مارق ، فإنما يهدم الاسلام جدال المنافق بالكتاب .. والحق أبلج لا يتبعه إلا مهتد مفلح ، كما الباطل لجلج لا ينصره إلا ضال مخسر ، واعتزال المسلم للباطل خير من تكثير سواده ، والبراءة من أهله فى الدنيا أحرى من الملاعنة فى يوم معاده .. فالنجاء النجاء لمن أراد الله والدار الآخرة ".

(5)  أما إذا عدنا مع التاريخ إلى الوراء فإن الشواهد لا حصر لها على عدم دقة الحكم الذى أطلقه بيان الهيئة الختامى لمؤتمرها المار ذكره بأن "علماء السودان مشهود لهم بأنهم أبعد الناس عن مجازفة التكفير واتهام النيَّات". فلقد كفر (العلماء) المهدى أواخر القرن التاسع عشر لثورته على الاستعمار التركى حتى وصفهم بأنهم (علماء السوء). وكفروا بعض أمراء المهدية الذين بدرت منهم معارضات لحكم الخليفة عبد الله التعايشى فأراد التخلص منهم. ثم عادوا وكفروا الشيخ على ود عبد الكريم وغيره من (فقراء) الخلاوى بطلب من الادارة البريطانية التى خشيت من قدرتهم عى تهييج الجماهير ضدها مطالع القرن العشرين. وكفروا الأستاذ محمود محمد طه عندما ناوأ النميرى عام 1985م فأراد التخلص منه. بل وتحفظ الذاكرة التاريخية بيان (علماء السودان) الذى أصدروه إبان معركة (الجزيرة أبا) عام 1970م بين نظام (مايو) اليسارى آنذاك ، من جهة ، وبين تحالف (الأنصار) و(الأخوان المسلمين) وغيرهم ، من الجهة الأخرى ، يصفون فيه تلك الأحداث ".. بالفتنة المتدثرة بثوب الاسلام ، و..إن مبادئ مايو لا تخرج عن مبادئ الاسلام التى تقوم على العدل والاحسان ومحاربة الظلم والفساد ، لذلك فإن الوقوف بجانبها واجب دينى قبل أن يكون واجباً وطنياً ، والخروج عليها خروج على أمر الله ، ومخالفة صريحة لأهداف ومبادئ الاسلام"! (الأيام ، 3/4/1970م).

فهل تكفى ، بعد كل هذا ، فى باب التعامل مع (مذكرة المثقفين) ، محض تطمينات لفظية تصدر عن (علماء السودان) بأنهم إنما يتوسطون فى طرحهم الدينى ، وأنهم يعارضون كل تطرف ، وأنهم يعلمون بعدم جواز تكفير المسلم مهما كانت الأسباب ، وأنهم يعلمون أن تكفير المسلم جريمة دينية لا ينبغى قبولها ، وأنهم مشهود لهم بأنهم "أبعد الناس عن مجازفة التكفير واتهام النيَّات"؟!
 

 



#كمال_الجزولي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإطَاحِيَّة !
- مزاجُ الجماهير!
- عَاصِمَةُ مَنْ؟!
- زِيارَةُ السَّاعاتِ الثَّلاث!
- المَصْيَدَة!
- عِبْرَةُ ما جَرَى!
- خُطَّةُ عَبدِ الجَبَّار!
- دارْفُورْ: وصْفَةُ البصِيْرةْ أُمْ حَمَدْ


المزيد.....




- يهود متشددون يفحصون حطام صاروخ أرض-أرض إيراني
- “متع أطفالك ونمي أفكارهم” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 ب ...
- لولو يا لولو ” اظبطي تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- شاهد: عائلات يهودية تتفقد حطام صاروخ إيراني تم اعتراضه في مد ...
- أمين عام -الجماعة الإسلامية- في لبنان: غزة لن تبقى وحدها توا ...
- وزيرة الداخلية الألمانية: الخطوط الحمراء واضحة.. لا دعاية لد ...
- لجنة وزارية عربية إسلامية تشدد على فرض عقوبات فاعلة على إسرا ...
- اللجنة العربية الإسلامية المشتركة تصدر بيانا بشأن -اسرائيل- ...
- إلهي صغارك عنك وثبتِ تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 لمتابع ...
- اختفاء مظاهر الفرح خلال احتفالات الكنائس الفلسطينية في بيت ل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كمال الجزولي - العُلَمَاءُ وسِجَالُ التَّكْفير