أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - كمال الجزولي - عِبْرَةُ ما جَرَى!















المزيد.....

عِبْرَةُ ما جَرَى!


كمال الجزولي

الحوار المتمدن-العدد: 465 - 2003 / 4 / 22 - 05:34
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    



    لم يكن غريباً أن تحظى باهتمام واسع كلمة وزير الخارجية السودانى أثناء مناقشة خطاب رئيس الجمهورية فى افتتاح دورة المجلس الوطنى الجديدة. فقد كانت المسألة المفتاحية فى تلك الكلمة هى التشديد البليغ على ضرورة "وحدة الجبهة الداخلية وتعزيز العلاقات مع دول الجوار تحسباً للمتغيرات التي تحدث في المنطقة بعد العدوان علي العراق" (الأيام ، 3/4/03) ، ذلك رغم أن تراكيب الكلمة نفسها لم تخلُ ، بوجه عام ، من قلقلة فى أكثر من موقع ، كقول الرجل ، مثلاً ، إن ما حدث ما كان ليحدث "لولا وجود معارضة فى العراق" ، والصحيح أنه ما كان ليحدث لولا إصرار النظام العراقى على عدم الاعتراف بهذه المعارضة. فالأصل فى سياسة الحكم هو حقُّ المعارضة فى الوجود ، والشذوذ هو إنكار هذا الحق ، ونظام صدَّام سلخ عقوداً طويلة فى السير بعناد على خط القمع المنهجى للرأى الآخر ، وبلغ فى هذا شأواً لم يبلغه ولن يبلغه مستبدٌّ منذ فرعون الذى طغى ، وقال أنا ربكم الأعلى ، وما أريكم إلا ما أرى ، مما أفضى بنحو من أربعة ملايين معارض إلى الفرار من البلاد ، ليتحلقوا ، فى ظروف المنافى الاستثنائية ، حول مطلب وحيد هو إسقاط ذلك النظام بأىِّ ثمن ، حتى لو اقتضاهم الأمر التحالف مع الشيطان نفسه!
    وإذن ، فإن أوَّل الوهن بالنسبة لأيَّة "جبهة داخلية" هو تيئيس الحكام للمعارضين من أدنى إمكانية "لتسوية" تاريخية تجعل من نشاطهم "حالة اعتيادية" فى إطار النظام السياسى. أما بالنسبة للأنظمة التى تزعم الانتساب للاسلام ، بخاصة ، فإن إنكار هذه "الحالة الاعتيادية" لا يقع بالمخالفة ، فحسب ، لطبائع الأشياء ، بل وبالمصادمة ، فوق ذلك ، للقاعدة القرآنية: "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض" (251 ؛ البقرة). ومع أنه ما من عاقل يبرئ المعارضة السودانية من العيوب والأخطاء ، إلا أن المرء ليحتاج ، حقاً ، إلى قدر ضخم من المكابرة كى يجحد المشوار المضنى الذى قطعته ، بالمغالبة لشحِّ النفس فكرياً وسياسياً ، من أوَّل طلب "المفاصلة العنيفة" إلى آخر نشدان "التسوية السلمية". وهذا هو بالضبط ما ظلت تنادى به غالبية هذه القوى ، قبل الحرب وأثناءها وحتى الآن ، وما أهرق المفكرون والكتاب والصحفيون الوطنيون مِداداً غزيراً فى استقطاب الذهنية والوجدان الشعبيين إليه ، من منطلق الحدب على الموازنة الدقيقة بين مطلوبات كل من القضيتين "الاجتماعية" و"الوطنية" ، إبتغاء تجنيب الأخيرة مخاطر الاستغراق فى لجج التعانف حول "السلطة" مع "الغفلة" عن "الشِراكِ" المنصوبة حولها تحت عنوان "النظام العالمىِّ الجديد"! لقد أدركت هذه القوى ، خلال السنوات الأخيرة ، سداد "الحل السياسى الشامل" للأزمة السودانية ، فاستمسكت به. وربما شكلت خبرة جنوب أفريقيا بالذات مصدر الالهام المواتى لمقاربة هذا المخرج المرموق من ضيق الشمولية والقمع إلى رحاب الديموقراطية والحريات. ولم يتبقَّ ، لتفعيل حركة الدفع باتجاه هذا "الحل" ، سوى توفير أشراط لا غنى عنها ، مِمَّا يلى السلطة ، لولا أنها ظلت ، للأسف ، تجرجر أقدامها ، وتتراخى عن إبداء القدر اللازم من الجديَّة نحو مسئولياتها ، وفى مقدمتها إزالة عوائق كثيرة تحول دون تهيئة المناخ المناسب لممارسة النشاط السياسى المعارض داخل البلاد بلا مخاطر ، وتتمثل فى حزمة من التشريعات ، كالقانون الجنائى ، وقانون النقابات ، وقانون الأمن الوطنى ، وقانون تنظيم الأحزاب ، وقانون الصحافة والمطبوعات ، وغيرها ، فضلاً عن حالة الطوارئ المعلنة منذ أمد طويل ، والنازعة للتمدُّد دون بارقة أمل فى الانحسار. أما أكبر العوائق فهى الذهنية التى تعمل بموجبها الغلبة الغالبة وسط النخبة الاسلاموية الحاكمة ، والتى لم تنفطم بعدُ من رضاع شعاراتها القديمة ، حتى بعد أن تيقنت من اصطدامها نهائياً بحائط الواقع الصلد.
    لذلك فإن محاولة وزير الخارجية استخلاص العبرة من حرب العراق ، والنظر فى تداعياتها على أوضاع السودان ، حتى لو كان ذلك من باب حرصه ، بوجه خاص ، على مصالح الحكم فى ظل الظروف والمتغيرات الجديدة ، إنما تكتسى أهميتها ، فى رأينا ، من منحاها العام غير المسبوق فى دقِّ ناقوس الخطر من هذا الموقع المفصلىِّ داخل النظام ، والتنبيه لعدم جدوى الاستمرار فى السير بالطريق القديم ، كون "تطورات الاحداث الجارية تجعلنا نتحسب لما هو قادم" ، على حدِّ تعبيره. كما وتكتسى مغزى خاصاً ، فى ذات السياق ، إنتباهته الأخرى الذكيَّة "لتبعات" انتصار حكومته فى اللجنة الدولية لحقوق الانسان ، بانتقالها ، مؤخراً ، إلى خانة "المتعاون" ، بعد ثمانى سنوات من "حصارها" فى خانة "المنتهك"، حيث صرَّح قائلاً: "نتعهد بالمضى فى طريق الديموقراطية وتطوير حقوق الانسان" (الرأى العام ، 18/4/03). وفى الحقيقة فإن النزوع إلى التغيير ليس نادراً ما يبرز فى تعبيرات بعض رموز النظام ، إلا أنه لم يستوف ، بعدُ ، مقوِّمات تبلوره فى حركة ذات تأثير على القرار. ففى الثالث عشر من مارس الماضى دعا مستشار رئيس الجمهورية لشئون السلام شخصيات وطنية ومفكرين وكتاب من خارج دائرة القوى الاجتماعية والسياسية الداعمة لهجين السلطة ، لتقديم مساهمات "شورية" بغية توسيع قاعدة المشاركة "بما يحيط بوجه الرأى والخبرات فى المجتمع" ، حيث أن "أسس السلام الفاعل .. تقتضى أن يكون فى جوهره سودانياً .. فمن الضرورى إشراك جميع الأطراف .. الخ". كما أكد أمين الأمانة السياسية بالحزب الحاكم حرصهم علي "قوة الأحزاب" لأن "في قوتها قوة للجبهة الداخلية" , وأنهم يعملون وفق مشروع "لتوحيد الجبهة الداخلية والمواصلة في تأسيس .. الديمقراطية" (سودانايل ، 14/4/03). أما المجلس الوطنى فقد دعا رئيس الجمهورية "لتحقيق الوحدة الوطنية الجامعة لتقف سداً منيعاً فى وجه الاستهداف والعدوان" (الرأى العام ، 17/4/03).
    لكن ، ما يكاد الناس يستقبلون بالبشر مثل هذه اللمَّع التى قد تشى بوجود كوَّة فى نهاية النفق ، حتى تتجهَّمهم ، بالمقابل ، ترتيبات مغايرة تعصف بالحلم وتبدِّد الأمل. ونكتفى هنا بمثالين قريبين زمنياً: أولهما رفض "السلطات المختصة" السماح لوفد سكرتارية "تجمع الداخل" من السفر إلى أسمرا للمشاركة في اجتماع هيئة قيادة التجمع الوطنى (الصحافة ، 14/4/03). وثانيهما حظر نفس "السلطات" لنشاط "منبر السودان أولاً" الذى كان قد تداعى إليه نفر من زبدة الخبرات السودانية ، إنكبوا طوال الفترة منذ رمضان الماضى على ما يفوق العشرين ألف صفحة من خلاصة ما أنتجه عصف الأدمغة الوطنية ، فى مسعى لتهيئة "مشاكوس سودانى" داخل البلاد ، يقومون فيه بدور المُيَسِّرين لحوار بين جميع الأطراف ، بمن فيهم الحكومة ، وهم ، قطعاً ، أكثر تأهيلاً ، فى ما يتصل بشئون بلادهم ، من مُيسِّرى "واق الواق" بأجنداتهم الخاصة ومشاريعهم المدسوسة! ولكن ها هو كل شئ قد استحال إلى جهد مُهدَر بقرار مباغت ، للأسف ، من "السلطات المختصة" التى لن يسعدها ، بالطبع ، أن يكون جون قرنق أكثر مصداقية وأقرب إلى العقول بقوله فى القاهرة: "النظام في الخرطوم يريد السلام .. ولكن ليس لديه استعداد لقبول التغيير الذي يأتي به السلام" (الشرق الأوسط ، 10/4/03).
    تحتاج السلطة لتوحيد وجهها ويدها ولسانها وإرادتها السياسية ، بأعجل ما تيسَّر ، فالوقت يفوت!

 

 



#كمال_الجزولي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خُطَّةُ عَبدِ الجَبَّار!
- دارْفُورْ: وصْفَةُ البصِيْرةْ أُمْ حَمَدْ


المزيد.....




- -يعلم ما يقوله-.. إيلون ماسك يعلق على -تصريح قوي- لوزير خارج ...
- ما الذي سيحدث بعد حظر الولايات المتحدة تطبيق -تيك توك-؟
- السودان يطلب عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن للبحث في -عدوان الإم ...
- -عار عليكم-.. بايدن يحضر عشاء مراسلي البيت الأبيض وسط احتجاج ...
- حماس تبحث مع فصائل فلسطينية مستجدات الحرب على غزة
- بيع ساعة جيب أغنى رجل في سفينة تايتانيك بمبلغ قياسي (صورة)
- ظاهرة غير مألوفة بعد المنخفض الجوي المطير تصدم مواطنا عمانيا ...
- بالصور.. رغد صدام حسين تبدأ نشر مذكرات والدها الخاصة في -الم ...
- -إصابة بشكل مباشر-.. -حزب الله- يعرض مشاهد من استهداف مقر قي ...
- واشنطن تعرب عن قلقها من إقرار قانون مكافحة البغاء والشذوذ ال ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - كمال الجزولي - عِبْرَةُ ما جَرَى!