أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نعيم عبد مهلهل - الرافدين.. ورموش العين وعصير العنب...














المزيد.....

الرافدين.. ورموش العين وعصير العنب...


نعيم عبد مهلهل

الحوار المتمدن-العدد: 2600 - 2009 / 3 / 29 - 09:15
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


شربناهما وأرتوينا منهما حد ثمالة التأريخ ، ومثلما تحملنا من تبعات وجود المكان وخارطته تحملا أيضاً .. فإذا كان النيل هبة مصر ، فالرافدين قلب العراق وروحه ، وعلى مدى ألق آلاف العصور والقرون كانا شاهدي الوقائع لما جرى ويجري ، ولو كان لديهما لساناً لكانا أكثر صدقاً في نقل حقيقة كل مجريات الأحداث منذ طوفان نوح وما قبله وحتى زمن الدبابات وسقوط التماثيل ولجان النزاهة!..
فمن ماءهما عُجنَ التراب وصار طيناً ثم لوحاً لتدون عليه الأبجدية حروفية الخليقة الأولى ، ومن الطين صنع الطوب ومن الطوب بنيت المعابد وأقترب الناس من السماء عن طريق آلهة أفترضوها ،وكان للماء آله عند العراقيين القدماء أسمه ( آبسو ).هذا الآلهة الذي كان يعتقد العراقيون القدماء إنه أكثر الآلهة طيبة ونفعاً ، فمن أصابعه ترتوي الأرض والعطشى ، ..وبحركة من رمشيه ينزل المطر ليسقي سهول العراق ووديانه وليكتشف الأنسان الزراعة والمحراث ويكتب أول نص شعري عن الحقل والسنبلة والقمح الذي يعده اجمل منح الآلهة للبشر بعد دلال المرأة ..وحتى في أقدم أسطورة من أساطير الرافدين حول نزول عشتار آلهة الحب ورغبتها في معاشلرة البشر على فراش الشهوة اختارت فلاح الحقل ليكون أول عشاقها وهي تهمس إليه :سأذيقك من شهد الحب ألذ مما تشربه من شهد النهر.
ظل النهران وعلى مدى الأزمنة ملازمان لوعي الأنسان العراقي وحياته ، ومصدر ألهام ورزق ومشاركة في كل مراحل التأريخ ، كما في تدمير بغداد على يد هولاكو ، حتى قيل أن دجلة صار أكبر مقبرة في التاريخ للكتب والمخطوطات التي كانت تحتويها مكتبات بغداد وحوانيت وراقيه وقصور علماءها وخلفاءها وما كان في خزائن بيت الحكمة التي كانت تعد واحدة من اكبر واغنى مكتبات ذلك العالم وفيها اهم التراجم التي نقلها العرب عن الاتينية من فكر طاليس وارسطو وغيره من فكر فارس والهنود واهل الصين. وأيضا في تلك الأيام المجنونة رمى التتر آلافا من أجساد اهل بغداد المغدورين بمياه النهر وصار قاع دجلة مقبرة جماعيةلللآف البشر ، وربما في دجلة تنام اليوم اكبر مقبرة مائية ، فلقد قيل أن الرصافة اعطت من شهداء ذلك اليوم بمقدار تعادل كفين مع الكرخ الذي هو جانبها الآخر ، فالرصافة تشارك الكرخ نور الصباح البغدادي كل يوم ، وتشاركه الحزن البغدادي كلما مرت بعاصمة الرشيد مصيبة وتشاركه فرحه أيضاً في كل مناسبة وطنية او دينية تستحق الفرح.
ومثل دجلة كان الفرات هو أيضا يشارك العراقي هم تكوينه وخاصة في الجنوب العراقي يوم كان الثوار البسطاء من اهل الفرات الأوسط والجنوب يناوشون القوارب الحربية البريطانية بأسلحتهم البدائية ، كما فعلوها مع المدرعة البريطانية الشهيرة ( فاير كنك ) التي جلبها الأحتلال من الهند لردع العشائر العربية الثائرة الواقعة على امتداد الفرات من الحلة حتى البصرة ، عندما كتب أحد من الضباط الأنكليز ممن كانوا على هذه المدرعة التي تم اغراقها في نهاية الأمر من قبل ثوار مدينة سوق الشيوخ ، إن رشاش مدرعتنا كان يحصد هؤلاء المساكين كما تحصد العاصفة اعشاش العصافير ولا تبقِ منها في الهواء شيئاً ، وكان جميع من نقتلهم يتساقطون في النهر مثل الحصى تباعا تباعاً..
وهكذا تباعاً ..تباعاً يشكل دجلة نسيجاً من بدن التاريخ لهذه البلاد ، ومثله يفعل الفرات ،ولم يتخليا يوماً عن مؤازرة الحلم العراقي ليكون ، بدءاً من غراميات العشق التي سكنت قصائدنا وحتى فوهات بنادقنا وسيوفنا التي عطرت الحروب بأجيال من الشهداء والضحايا ، وانتهاء بالسياسة التي وحدت الدمعة مع ظلام السجن وجناح الحمامة ، وحتى رمز هذا البلاد الأزلي والذي نوه عنه العلامة العراقي احمد سوسه هو عبارة عن قدح ماء فخاري يفيض من جانبيه الماء كما ضفيرة شعر العروس ، والأناء هو العراق ..والماء هما الرافدين ، فلا وطنية ..ولا كرامة ..ولا حياة للمواطن إلا عندما يشرب من ماء هذين النهرين ..ويتلو الحمد والثناء لماء هذه البلاد وليس لعصير العنب...
فليس بشربت حاج زبالة ( واحد من أشهر محلات بيع شربت الزبيب المستخلص من العنب المجفف ويقع في الميدان أمام جامع الحيدر خانه )، وحده يحيا العراق ، وليس بعصير دبس البصرة وبرتقال بعقوبة ولبن أربيل ..فمن دون ملح ماء الفرات وعذوبة موج دجلة لن يهنئ فم العراقي بتذوق شيء ، فمن الماء جُعل كل شيء حي ، وفي ماء الفراتين كل هاجس لحلم أن تكون أصيلاً وطيباً ومدركاً لخطورة ما يمر فيه الوطن اليوم حيث منعطف التاريخ الذي مرت عليه مشابهات اخرى منذ الاسكندر المقدوني وكورش وتيمورلنك والمس بيل وحتى اليوم ، حتى يكتب الجنرال البريطاني طاوزند في مذكراته أيام حصار مدينة الكوت : كان طوق دجلة علينا يضايقني اكثر مما يضايقني طوق الجيش التركي الذي يحاصرني . ويتذكر الجملة التي قالها وهو يمد يديه لأغلال الأسر ويسلم سيفه ومسدسه الى القائد التركي الفريق خليل باشا : لقد هزمتني أيها النهر. وكان يشكوا دائما بأن النهر يمنعه من العودة ادراجه مع جيشه ليتحصن في الحي او قلعة سكر أو الناصرية.
هذا النهر من هذا الوطن ..مثل الذي يقول : هذا الشبل من ذاك الأسد.
واليوم للنهرين لحيتين وشاربين مخضبان بدم ودمع تصنعه الظواهر الجديدة لطرائق الموت المبتكرة : أقتلهُ ثم أرميه في النهر...!
وكأنهم لايسمعون رفض النهر ليكون لحداً لشهداء الوطن المغدورين ، ولا يسمعوا لسان حاله وهو ينطق : خذوهم الى مقبرة وادي السلام أو مقبرة الكرخ أو اي واحدة في تخوم الوطن فأنا مصدر رزق للجياع ، وانا واحة تأمل للعاشقين وليس مقبرة للضحايا.

زولنكن 2/ 11/ 2008





#نعيم_عبد_مهلهل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صابئة حران وصابئة المعدان وصابئة هذا الزمان ....
- الأهوار.. (الإنسان يموت، الجاموس يموت، والقصائد أيضاً)...
- قبر الزعيم عبد الكريم قاسم ...
- الدولة العراقية وسفارتنا في برلين ورفات الفنان العراقي أحمد ...
- شيء عن بلاد أسمها ( التها بها )...!
- مديح إلى مدينة العمارة .. ومعدانها أجداد هيرقليطس...
- شيوعيو مدينة الناصرية بين الانتخابات ومتحف لفهد....
- مقدمة ٌلتاريخ ِمدينةِ الناصريةِ .....
- جلجامش وملوك ورؤساء الجمهوريات ..
- البارسوكوليجي 2009
- انظر إلى غزة ...أنظر إلى العربي....!
- قراءة الباطن الروحي ( للمغربي ) شكسبير وتنظيم القاعدة...
- عيد ميلاد مجيد يا أهل ناحية الحَمارّْ ....
- طالما .. العراق حيٌ ..فأنت الحي وليس فلوريدا...
- قيصر والعراق وحبة التين
- الحسين ( عليه السلام ) ، وغاندي ( رحمهُ الله ) ، وكارل ماركس ...
- أشراقات مندائية
- شيء عن السريالية ، والغرام بالطريقة التقليدية...
- الفصيحُ لايشبه الصفيح .. وحنيفة لايشبه الصحيفة ....
- من أمنيات الترميذا يوشع بن سهيل


المزيد.....




- رئيسة جامعة كولومبيا توجه -رسالة- إلى الطلاب المعتصمين
- أردوغان يشعل جدلا بتدوينة عن بغداد وما وصفها به خلال زيارته ...
- البرازيل تعلن مقتل أو فقدان 4 من مواطنيها المرتزقة في أوكران ...
- مباشر: 200 يوم على حرب بلا هوادة بين إسرائيل وحماس في غزة
- مجلس الشيوخ الأمريكي يقر بأغلبية ساحقة مشروع قانون مساعدات ل ...
- محكمة بريطانية تنظر في طعن يتعلق بتصدير الأسلحة لإسرائيل
- بعد 200 يوم.. تساؤلات حول قدرة إسرائيل على إخراج حماس من غزة ...
- -الشيوخ- الأمريكي يوافق على حزمة مساعدات لأوكرانيا وإسرائيل ...
- مصرية الأصل وأصغر نائبة لرئيس البنك الدولي.. من هي نعمت شفيق ...
- الأسد لا يفقد الأمل في التقارب مع الغرب


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نعيم عبد مهلهل - الرافدين.. ورموش العين وعصير العنب...