أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - حسقيل قوجمان - من وحي كتاب فهد (الحلقة الحادية عشرة) اخيانة عظمى ام تصفيات جسدية؟















المزيد.....



من وحي كتاب فهد (الحلقة الحادية عشرة) اخيانة عظمى ام تصفيات جسدية؟


حسقيل قوجمان

الحوار المتمدن-العدد: 797 - 2004 / 4 / 7 - 10:17
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


جاءت في الصفحة ١٨٣ من الكتاب العبارة التالية:
"ويمكن للمتتبع ان يلاحظ هنا بأن فهدا كان على علم بان ستالين قد نظف الحزب والبلاد من الانتهازية ... التي لم تكن تعني سوى احد امرين: اما الطرد من البلاد او التصفية الجسدية. وان هذه الاجراءات عادلة لانها تخلص البلاد من الخونة المارقين. ولكن تهمة الخيانة والعمالة، التي اعتقدنا بهما، لم تكونا في الواقع سوى وجهات نظر فكرية وسياسية مخالفة لوجهة نظر ستالين او قيادة الحزب الشيوعي السوفييتي او حتى اعضاء في اللجنة المركزية للحزب. لقد هللنا جميعا ليس في وقت التطهيرات تلك، اذ لم نكن جميعا قد ولدنا اساسا، ولكن حتى بعد ذلك لايماننا بانه الطريق الوحيد وكنا على خطأ جسيم."
ان الاعتراف بالخطأ فضيلة.
أبدأ بعبارة "هللنا جميعا". متى استطاع الباحثان ان يهللا؟ انهما يعترفان بانهما لم يكونا مولودين في تلك الفترة او في الواقع كان احدهما طفلا انذاك اذ انه ولد في ١٩٣٥، ولابد انهما تعرفا على الشيوعية في شبابهما وكان شبابهما في فترة ما بعد وفاة ستالين وبداية حكم الخروشوفيين. اذن لابد انهما تعرفا على الشيوعية في فترة ما بعد ثورة تموز او قبلها قليلا. فمن بالاضافة اليهما يشكلون كلمة جميعا في هذا التهليل؟ فمنذ خطاب خروشوف "السري" في المؤتمر العشرين سنة ١٩٥٦ لم يعد في العالم الا القليل ممن يؤمنون بأن ستالين كان شيوعيا او ماركسيا. فالجميع، ومنهم الحزب الشيوعي العراقي الذي كان الباحثان ينتميان اليه، اصبحوا يعتبرون ستالين مجرما وقاتلا وحزارا ومصاصا للدماء وجاهلا نظريا وعسكريا ولا يجيد حتى قراءة خريطة الاتحاد السوفييتي. فهل كانا وحدهما يمثلان هذا الجميع الذي يتحدثان عنه؟ وهل هما حقا هللا لتطهيرات الحزب بعد وفاة ستالين؟ وحتى لو انهما هللا عند وجودهما في العراق فانهما لم يستطيعا التهليل لدى وجودهما في المانيا الشرقية لان المانيا الشرقية كانت تعامل ستالين بالطريقة الخروشوفية. يبدو لي ان عبارة "هللنا" جميعا غير صحيحة بتاتا. لان الجميع كانوا يعتبرون التطهير تصفيات جسدية لوجهات النظر الفكرية والسياسية المخالفة لوجهة نظر ستالين كما اصبحا يعتبرانها هما ايضا بعد تصحيح خطئهما.
منذ ١٩٥٣ اي منذ وفاة ستالين اتحذت حركة تطهير الحزب والتصفية الجسدية اتجاها معاكسا. هناك الكثير من الشواهد على ان وفاة ستالين لم تكن وفاة طبيعية بل ان اكثر الاحتمالات هي انه كان قد صفي جسديا. ومنذ ذلك الحين اصبح تطهير الحزب يجري بطريقة معكوسة. فقد شملت التصفية الجسدية العديد من القادة الشيوعيين في اوروبا الذين كانوا من مؤيدي ستالين. واتخذت حركة تطهير الحزب اتجاها معكوسا داخل الحزب الشيوعي ايضا. فقد جعلت سياسة خروشوف وحملته ضد ستالين الكثير من منظمات واعضاء الحزب الشيوعي السوفييتي يطالبون بانتقاد ستالين انتقادا علميا. وكان مصير العديد من منظمات الحزب هذه واعضائه الطرد من الحزب وتصفيتهم جسديا او القاؤهم في غياهب السجون. ففي فترة ستالين ادت سياسة التطهير الى ان تتضاعف عضوية الحزب حيث بلغت عند استلام خروشوف السلطة اكثر من عشرة ملايين عضو عدا الشبيبة الشيوعية. ولكن سياسة تطهير الحزب بعد وفاة ستالين ادت الى انخفاض عضوية الحزب انخفاضا هائلا. فقد الغيت بطاقات الحزب القديمة كما هو معلوم وجددت البطاقات. وقد تكرم خروشوف فمنح لينين عضوية شرف في الحزب الشيوعي وطرد ستالين من الحزب بعد وفاته. ولم تجدد عضوية الحزب لكل من عرف عنه تأييد سياسة ستالين. ومنحت عضوية الحزب لكل من ادانته المحاكم السوفييتية بالخيانة العظمى والتخريب واعيدت العضوية لمن بقي منهم على قيد الحياة. فسار الحزب في طريق تدهوره حيث بلغ عدد اعضائه قبل ان يعلن سكرتيره العام، غورباشوف، حله واعتباره حزبا غير شرعي اقل من نصف مليون عضو. لقد تحول التهليل في الفترة التي عاشها الباحثان كاعضاء في حزب شيوعي من تهليل لسياسة ستالين الى تهليل لسياسة خروشوف. واغلب الظن هو ان الباحثين عاشا تلك الفترة من التهليل وليس التهليل لحركة التطهير والتصفية الجسدية في عهد ستالين.
لا اريد في هذه الحلقة مناقشة مبدأ تطهير الحزب من الانتهازية والنضال ضد الانتهازية عموما. أترك ذلك لحلقة قادمة. لكنني احاول في هذه الحلقة ان اناقش تفسير تطهير الحزب الذي اورده الباحثان في الفقرة المقتبسة اعلاه. فحسب رأيهما كان التطهير يعني اما الطرد من البلاد او التصفية الجسدية. وحين يتحدث الباحثان وكذلك كل شيوعيي ما بعد المؤتمر العشرين تقريبا عن الطرد يقصدون بالدرجة الرئيسية طرد تروتسكي وحين يتحدثون عن التصفية الجسدية يقصدون محاكمات الكوادر الحزبية في سنوات ١٩٣٦ الى ١٩٣٨. وعادة يشير هؤلاء الى بخارين كأهم مثل لهذه التصفيات الجسدية اذ يعتبرون بخارين من خيرة كوادر الحزب الشيوعي السوفييتي والمنافس الثاني لستالين بعد تروتسكي. لهذا أقصر بحثي في هذه الحلقة على طرد تروتسكي وتصفية بخارين الجسدية كنموذج للطرد ونموذج للتصفيات الجسدية.
لنبدأ بتروتسكي. كان تروتسكي دائما يقود منظمة خاصة به تعارض لينين وكتابات لينين في الفترة من ١٩٠٣ الى ١٩١٧ زاخرة في انتقاد اراء ومواقف تروتسكي. ولم ينضم تروتسكي وجماعته الى الحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي الا في الايام الاخيرة قبل ثورة اكتوبر. وبعد ثورة اكتوبر مباشرة كان يقود معارضة منظمة للينين ولخط الحزب الشيوعي. اقتبس المعلومات عن سلوك تروتسكي المعادي للثورة من موجز تاريخ الحزب البلشفي الصادر سنة ١٩٣٧الذي اعتبره الخروشوفيون من مؤلفات ستالين واصبح مستمسكا جرميا شأنه شأن سائر مؤلفات ستالين واشير اليه للسهولة "تاريخ الحزب البلشفي" وكذلك موجز تاريخ الحزب الشيوعي الذي صدر سنة ١٩٧٠الذي اختفى فيه ستالين من تاريخ الحزب وتاريخ الاتحاد السوفييتي ولم يذكر اسمه الا في موضعين من الكتاب: الاول في تعداد اسماء اعضاء حكومة لينين الاولى والثاني في المؤتمر العشرين لدى انتقاد عبادة الفرد. واشير اليه "تاريخ الحزب"
في موضوع الصلح مع المانيا كان تروتسكي "بصفته مستشار الشؤون الخارجية رئيس الوفد المفاوض مع المانيا ولكنه لم ينفذ التعليمات التي وجهها اليه لينين، بصفته رئيس مجلس مستشاري الشعب، بالتوقيع على معاهدة الصلح في حالة ما اذا سلم الالمان انذارا. وقد انتهز الامبرياليون الالمان هذه الفرصة فشنوا هجوما استولت فيه جيوشهم على مناطق اخرى غير التي كانوا يتوقعونها. وقد بذلت الجمهورية السوفييتية الفتية جهودا هائلة من اجل ايقاف الجيوش الالمانية المدججة بالسلاح قرب بتروغراد." (تأريخ الحزب ص ١٣٩)
"كان تروتسكي هو الذي بدأ النقاش والنضال ضد لينين، ضد الاغلبية اللينينية في لجنة الحزب المركزية. فلغرض تازيم الاوضاع تقدم في اجتماع مندوبي المؤتمر الخامس لنقابات جميع روسيا المنعقد في بداية تشرين الثاني ١٩٢٠ بشعاره الملتبس ــ في ضب البراغي ــ وشعار ــ رج النقابات ـ. طلب تروتسكي جعل النقابات ــ حكومية ــ على الفور. كان ضد الاقناع فيما يتعلق بالطبقة العاملة، وكان يفضل ادخال اساليب عسكرية في النقابات. كان تروتسكي ضد مبدأ انتخاب الهيئات النقابية." (تاريخ الحزب البلشفي ص ٢٥٣)
والنقاش في هذا المجال يعني استفتاء الحزب كله بعد اجراء نقاشات علنية في صدد موضوع المناقشة. فكان هذا اول نقاش فرضه تروتسكي على الحزب بعد الثورة وقد انحاز الحزب باغلبية الى لينين ضد تروتسكي.
ولدى اقرار السياسة الاقتصادية الجديدة كانت في الحزب عدة اتجاهات معارضة لسياسة لينين ومنها: "ثم كان الاستسلاميون الصرف مثل تروتسكي، راديك، زينوفييف، سوكولنيكوف، كامينيف، شليابنيكوف، بخارين، رايكوف وغيرهم الذين لم يعتقدوا بان التطور الاشتراكي لبلادنا ممكن، وركعوا امام "القدرة الكلية" للراسمالية، وطالبوا بصدد مساعيهم لتقوية مراكز الراسمالية بتقديم تنازلات هائلة للراسمال الخاص، المحلي والاجنبي على حد سواء، وتسليم عدد من المواقع الرئيسية في النطاق الاقتصادي في السلطة السوفييتية للراسماليين الخاصين، وان يعمل هؤلاء اما كاصحاب امتيازات او كشركاء للدولة في شركات مساهمة مختلطة." (تاريخ الحزب البلشفي ص ٢٥٩)
في نيسان ١٩٢٣ عقد المؤتمر الثاني عشر للحزب الشيوعي وهو اول مؤتمر لم يستطع لينين حضوره. "لقد عنف المؤتمر بشدة اولئك الذين اعتبروا النيب (السياسة الاقتصادية الجديدة) بانها تراجع عن الموقع الاشتراكي والعودة الى العبودية الراسمالية. قدم اقتراحات من هذا القبيل راديك وكراسين من اتباع تروتسكي. فقد اقترحا باننا يجب ان نضع انفسنا تحت رحمة الراسماليين الاجانب، وان نستسلم اليهم، عن طريق منحهم الامتيازات وتسليمهم فروعا من الصناعة ذات الضرورة الحيوية للدولة السوفييتية. كما اقترحا دفع ديون الحكومة القيصرية التي الغتها ثورة اكتوبر" (تاريخ الحزب البلشفي ص ٢٦٢)
"في ١٩٢٧، حين قطع المحافظون البريطانيون العلاقات الدبلوماسية والعلاقات التجارية مع الاتحاد السوفييتي، شنت (كتلة تروتسكي) هجوما على الحزب بمزيد من الشدة. فقد اعدت برنامجا جديدا معاديا للينينية اطلقوا عليه برنامج الثلاثة والثمانين واخذوا يوزعونه على اعضاء الحزب وطالبوا اللجنة المركزية في الوقت ذاته بفتح مناقشة عامة في الحزب.
"في البرنامج اعلن التروتسكيون والزينوفيوفيون بانهم لا يعترضون على مراعاة قرارات الحزب وانهم جميعا لصالح الولاء، الا انهم في الواقع أخلوا بالاجمال بقرارات الحزب وهزأوا بمجرد فكرة الولاء للحزب وللجنته المركزية.
"كان هذا البرنامج يهدف الى خدع الحزب." تاريخ الحزب البلشفي ص ٢٨٤)
وقد رفضت اللجنة المركزية بدء النقاش لان نظام الحزب لا يسمح بفرض نقاش عام على الحزب الا قبل شهرين من تاريخ عقد المؤتمر.
"في تشرين الاول (اكتوبر) ١٩٢٧، قبل شهرين من عقد المؤتمر الخامس عشر اعلنت اللجنة المركزية للحزب نقاشا حزبيا عاما وبدأ الصراع. وكانت النتيجة مؤلمة حقا لكتلة التروتسكيين والزينوفيوفيين؛ فقد صوت ٠٠٠ ٧٢٤ من اعضاء الحزب لصالح سياسة اللجنة المركزية؛ وصوت ٤٠٠٠ اي اقل من ١% لصالح كتلة التروتسكيين والزينوفييفيين. لقد دحرت الكتلة المعادية للحزب اندحارا تاما. اذ اجمعت الاغلبية الساحقة من اعضاء الحزب على رفض برنامج الكتلة." (تاريخ الحزب البلشفي ص ٢٨٥).
واذذاك فقط طرد تروتسكي وزينوفييف من الحزب وبعدها طرد تروتسكي من الاتحاد السوفييتي. أما عن سلوك تروتسكي خارج الاتحاد السوفييتي فسيأتي لاحقا.
نرى من كل ذلك ان تروتسكي لم يطرد لانه كان ينافس ستالين فكريا ولكنه كان منذ الثورة معاديا للحزب الشيوعي بقيادة لينين ثم بقيادة ستالين. كان يعلن اراءه صراحة في اجتماعات المكتب السياسي واللجنة المركزية والمؤتمرات وينشر اراءه في الصحافة الحزبية وفي الكتب. وقد حاول ان يعرقل صلح بريست ليتوفسك مع المانيا واضطر الحزب الى خوض ثلاثة استفتاءات حزبية. ولكن الذي خذل تروتسكي لم يكن ستالين بل خذل في تصويت اعضاء الحزب كلهم، ٧٢٤ الف عضو حزبي مقابل ٤ الاف عضو فقط.
نعود الان الى ما جاء في فقرة الكتاب المقتبسة في بداية هذه الحلقة. " ولكن تهمة الخيانة والعمالة، التي اعتقدنا بهما، لم تكونا في الواقع سوى وجهات نظر فكرية وسياسية مخالفة لوجهة نظر ستالين او قيادة الحزب الشيوعي السوفييتي او حتى اعضاء في اللجنة المركزية للحزب"
اكرر هنا انهما لم يشتركا في الحركة الشيوعية في فترة الاعتقاد بصحة "تهمة الخيانة والعمالة" لان الفترة التي مارسا فيها الحياة الحزبية في الحزب الشيوعي كانت بعد ان زعم الخروشوفيون بان هذه الاتهامات كانت غير صحيحة واعادوا اعتبار جميع من حوكموا واتهموا بالخيانة والعمالة في فترة قيادة ستالين للحزب والدولة. ففي هذه الفترة لم يكن هناك من يعتقد بان هذه الاتهامات كانت صحيحة ولا يمكن الاعتقاد بان الباحثين كانا شاذين عن التيار العام السائد في تلك الفترة.
من المعروف ان اهم ما يسمى بالتصفيات الجسدية حدث في السنوات ١٩٣٦، ١٩٣٧، و ١٩٣٨. في هذه السنوات حوكم عدد كبير من اشخاص مارسوا مراكز قيادية في الحزب والدولة حتى اليوم الاخير قبل اعتقالهم بهذه التهم. وكانت هذه المحاكمات الثلاث علنية حضرها كل الممثلين الدبلوماسيين الموجودين في الاتحاد السوفييتي وحضرها صحفيون من ارجاء العالم.
لم يكن قادة الدول الامبريالية يعرفون شيئا عن حقيقة ما يجري في الاتحاد السوفييتي. فتشرشل، زعيم الامبريالية الاكبر، مثلا لم يكن يعرف عن الاتحاد السوفييتي الا ما تلفقه المخابرات من اكاذيب وما يكتبه زعماء الاممية الثانية ضد الاتحاد السوفييتي. اورد مثلا على ذلك من الذاكرة. أتذكر الخطاب الذي القاه تشرشل عند هجوم جحافل النازية على الاتحاد السوفييتي سنة ١٩٤١. فقد نشرت جميع الصحف العراقية انذاك هذا الخطاب. ففي هذا الخطاب قال تشرشل اذا استطاع الاتحاد السوفييتي ان يصمد امام الجيوش النازية مدة ثلاثة او خمسة اسابيع (اذ لا اتذكر العدد بالضبط) فان ذلك سيمنحنا فرصة استراحة. وقد تنازل تشرشل في حينه واتصل تلفونيا بالنائب الشيوعي الوحيد في تاريخ مجلس العموم البريطاني، وليم غالاشر (او غالاهر)، وسأله عن رايه في صمود الاتحاد السوفييتي امام الهجوم النازي. فكان جواب النائب الشيوعي ان الاتحاد السوفييتي سينتصر على الجيوش النازية. فقال له تشرتشل كيف ذلك وان الدبابات السوفييتية مصنوعة كلها من الخشب؟ فاجابه النائب الشيوعي انكم تلفقون الكذبة ثم تصدقونها.
وكان روزفلت، رئيس الولايات المتحدة، في نفس وضع تشرشل، لا يعرف عن الاتحاد السوفييتي سوى الاكاذيب التي تلفقها المخابرات والاكاذيب التي تروجها الصحافة. ولكن روزفلت كان على ما يبدو اذكى من تشرشل اذ فكر بطريقة اخرى لمعرفة حقيقة ما يجري في الاتحاد السوفييتي فارسل صديقه الشخصي، الراسمالي الكبير والمحامي والقاضي جوزيف ديفيز اول سفير للولايات المتحدة في الاتحاد السوفييتي وطلب منه ان يصف له الحقيقة كما يراها. سمحت الحكومة السوفييتية لهذا السفير بان يطلع على كل جوانب الحياة في الاتحاد السوفييتي وان يزور كل شبر فيه بدون اية عراقيل او عقبات. كان هذا السفير يكتب رسائل يومية الى السلطات المختصة عن انطباعاته وملاحظاته عن حقيقة ما يحدث في الاتحاد السوفييتي. وجرت اثناء وجود هذا السفير محاكمتان من المحاكمات الثلاث محاكمات سنة ١٩٣٧ ومحاكمات ١٩٣٨. حضر هذا السفير كل جلسات المحكمتين بدون ان يتغيب عن اية جلسة فيها عدا نصف جلسة عقدت سرا في كل محاكمة لغرض ذكر اسماء المشتركين الاجانب الذين لم تسمح المحكمة بذكر اسمائهم علنا. وكان بين من كانوا في قفص الاتهام عدد من اصدقاء السفير لانه كون علاقات صداقة عائلية وزيارات متبادلة مع عدد من هؤلاء حين كانوا يمارسون مراكزهم القيادية في الدولة.
لدى عودة السفير الاميركي الى الولايات المتحدة جمع كتاباته هذه في كتاب اسماه مبعوثية الى موسكو “Mission to Moscow” تحدث فيه عن كل جوانب الحياة في الاتحاد السوفييتي ومنها المحاكم التي حضرها. وقد وجدت هوليود في هذا الكتاب مادة جيدة لاخراج فلم بنفس الاسم اثناء الحرب العالمية الثانية. وطبيعي لم يكن هذا السفير من عبدة ستالين ومقدسيه ولا يمكن اتهامه بالتحيز للشيوعية والماركسية.
لبى هذا السفير طلب روزفلت فوصف كل ما رآه في الاتحاد السوفييتي بامانة واخلاص. ليس هنا مجال البحث فيما كتبه هذا السفير ولكني اود ان اشير الى انطباعه عن هذه المحاكمات التي يحلو للباحثين ان يسمياها تصفية حسدية. انه بين بما لا يقبل الشك انها كانت محاكمات عادلة. ولا اقتبس من هذا الكتاب سوى نبذة واحدة فقط
تحت عنوان "الرتل الخامس في روسيا" يشير جوزيف ديفيد انه لدى مروره في شيكاغو وزيارته للجامعة التي تخرج منها طلبوا منه ان يلقي كلمة في الجامعة. كان ذلك بعد ثلاثة ايام من هجوم الجحافل النازية على الاتحاد السوفييتي. وعند القاء الكلمة فاجأه احد المستمعين بالسؤال "وما عن الرتل الخامس في روسيا؟" فاجابه تلقائيا "لا يوجد اي منهم ـــ لقد اعدموهم رميا بالرصاص"
وعند عودته الى واشنطن في القطار اخذ يفكر في ضرورة استعادة كل ما كتبه عن المحاكمات في حينه، وقارن في تفكيره بين الرتل الخامس الذي ظهر لدى احتلال مختلف بلدان اوروبا وعدم وجود الرتل الخامس في الاتحاد السوفييتي. وعند وصوله الى واشنطن راجع كل كتاباته وكتب عنها واقتبس منها الفقرة التالية:
"حين تمعنت في الوضع، رأيت فجأة الصورة كما كان يجب ان اراها في حينها. فالقصة قد وردت فيما يسمى بمحاكمات الخيانة والتطهير لسنتي ١٩٣٧ و ١٩٣٨ التي حضرتها واصغيت اليها. لدى اعادة اختبار سجل هذه القضايا وكذلك ما كنت قد كتبته عنها في حينه من وجهة النظر الجديدة هذه، وجدت انه في الواقع كانت المحاكمات قد فضحت كل اداة للرتل الخامس الالماني، كما نعرفه الان، وكشفت النقاب عنها في الاعترافات الذاتية "للكويزلنغيين" (التاكيد في الاصل) في روسيا." (مبعوثية في موسكو ص ١٨٠)
فاي بون شاسع بين ما يقوله هذا الراسمالي الامبريالي الذي يذكر حقيقة ما رآه بامانة وبين ما يقصه لنا الباحثان الماركسيان الشيوعيان اللذان قضيا حقبة طويلة من عمرهما في النضال الشيوعي!
اشهر هؤلاء الذين جرت محاكمتهم في هذه المحاكمات كان بخارين الذي يعتبره نقاد الاتحاد السوفييتي الشخصية الماركسية الثانية بعد تروتسكي في منافسة ستالين فكريا ونظريا. لذلك سأكتفي بمراجعة بعض تفاصيل محاكمة بخارين كنموذج لما جرى في هذه المحاكمات. كان بودي ان اترجم كل تفاصيل محاكمة بخارين والالتماس الاخير الذي سمح به لكل متهم قبل اصدار الحكم عليه للدفاع عن نفسه. ولكنني وجدت ان المحاكمة والالتماس تتكون من حوالى ٢٠٠ صفحة ولا يمكن الحاق هذه الكمية من التفاصيل في هذه الحلقة. اكتفيت باقتباس بعض التفاصيل الهامة جدا من المحاكمة.
كانت المحكمة تتالف من عدة قضاة ومن المدعي العام، فيشينسكي، الذي كان لمدة طويلة ممثل الاتحاد السوفييتي في الامم المتحدة وتوفي هناك. وكان مجلس دفاع عن المتهمين ولو ان المتهمين كلهم قرروا الدفاع عن انفسهم بانفسهم. ولم يبد اي من المتهمين اعتراضا على المحكمة وعلى شرعيتها.
انقل هنا بالنص بداية محاكمة بخارين (كتاب محاكمات ١٩٣٨ ابتداءا من صفحة ٣٦٩)
الرئيس يجري الان استجواب المتهم بخارين
بخارين لي طلب من المحكمة حول النقطتين التاليتين: اولا ان تعطى لي فرصة عرض قضيتي الى المحكمة بحرية وثانيا ان يسمح لي في بداية افادتي ان اتحدث ببعض التفصيل، بالمدى الذي يسمح به الوقت، عن تحليل الموقف الايديولوجي والسياسي للكتلة الاجرامية، كتلة اليمينيين والتروتسكيين، للاسباب التالية، اولا لانه مقارنة بالمواضيع الاخرى لم يجر التحدث عن هذه الامور الا القليل وثانيا لان لها مصلحة عامة معينة وثالثا لان المواطن المدعي العام وضع هذا السؤال في الجلسة السابقة اذا لم اكن خاطئا.
فيشينسكي اذا كان المتهم بخارين يريد باي شكل من الاشكال ان يقيد حق المدعي العام في توجيه الاسئلة في سياق شروحاته، اعتقد ان على الرفيق الرئيس ان يوضح لبخارين ان حق المدعي العام في توجيه الاسئلة قائم على اساس القانون. لذا اطلب رفض هذا الطلب كما ينص عليه قانون الاجراءات الجزائية
بخارين ليس هذا ما عنيته بطلبي
الرئيس السؤال الاول الى المتهم بخارين هو: هل تؤكد على الشهادة التي ادليت بها لدى التحريات الاولية عن نشاطاتك المعادية للسوفييت؟
بخارين اؤكد على شهادتي بصورة كلية وتامة
الرئيس ماذا تريد ان تقول عن نشاطاتك المعادية للسوفييت؟ وان الرفيق المدعي العام له الحق في ان يوجه الاسئلة.
فيشينسكي اسمحوا لي ان ابدأ استجواب المتهم بخارين. اوضح بايجاز ما هو بالضبط ما تعتبر نفسك مذنبا فيه؟
بخارين اولا: الانتماء الى كتلة اليمينيين والتروتسكيين المعادية للثورة.
فيشينسكي منذ اية سنة؟
بخارين منذ اللحظة التي تشكلت بها الكتلة. بل حتى قبل ذلك، فانا اعتبر نفسي مذنبا بالانتماء الى منظمة اليمينيين المعادية للثورة.
فيشينسكي منذ اية سنة؟
بخارين عموما منذ سنة ١٩٢٨. اعتبر نفسي مذنبا باني كنت من القادة البارزين لهذه "كتلة اليمينيين والتروتسكيين" وبناء على ذلك اعتبر نفسي مذنبا بما ينجم عن ذلك مباشرة من مجموع الجرائم التي اقترفت من قبل هذه المنظمة المعادية للثورة، بصرف النظر عما اذا كنت اعلم بها ام لا، وما اذا ساهمت مساهمة مباشرة ام لا في اي عمل ، لانني مسؤول بصفتي احد القادة وليس احد اعضاء هذه المنظمة المعادية للثورة.
فيشينسكي ما هي الاهداف التي اتبعتها هذه المنظمة المعادية للثورة؟
بخارين ان هذه المنظمة المعادية للثورة اذا وضعناها بايجاز ...
فيشينسكي نعم بايجاز في الوقت الحاضر
بخارين الهدف الرئيسي الذي اتبعته ولو انها اذا صح القول لم تدركه ادراكا تاما ولم تضع النقاط على الحروف فيه كان في جوهره اعادة العلاقات الراسمالية الى الاتحاد السوفييتي
فيشينسكي اسقاط السلطة السوفييتية؟
بخارين ان اسقاط السلطة السوفييتية كان وسيلة لبلوغ هذا الهدف.
فيشينسكي باية واسطة؟
بخارين كما هو معلوم ...
فيشينسكي بواسطة اسقاط قسري؟
بخارين نعم. بواسطة اسقاط قسري لهذه السلطة.
فيشينسكي بمساعدة من؟
بخارين بمساعدة كافة الصعوبات التي كانت تجابهها السلطة السوفييتية؛ وخصوصا بواسطة حرب كانت متوقعة.
فيشينسكي التي كانت متوقعة بمساعدة من؟
بخارين بمساعدة دول اجنبية.
فيشينسكي باية شروط؟
بخارين بشرط تقديم، لوضعها بصورة دقيقة، عدد من التنازلات.
فيشينسكي الى اي مدى؟
بخارين الى درجة التنازل عن مناطق.
فيشينسكي وما معنى هذا؟
بخارين اذا وضعنا جميع النقاط على الحروف الى تقطيع اوصال الاتحاد السوفييتي.
فيشينسكي اقتطاع مناطق وجمهوريات كاملة من الاتحاد السوفييتي؟
بخارين نعم.
فيشينيسكي وعلى سبيل المثال؟
بخارين اوكراينا، المنطقة البحرية، روسيا البيضاء.
فيشينسكي لمصلحة من؟
بخارين لمصلحة المانيا، لمصلحة اليابان، وجزئيا لمصلحة انجلترا.
فيشينسكي وهذا كان اذن الاتفاق مع الدوائر المختصة؟ اعرف عن اتفاقية واحدة اتخذتها الكتلة
بخارين نعم. ان الكتلة كان لها اتفاقية.
فيشينسكي وايضا بواسطة اضعاف القوة الدفاعية؟
بخارين لاحظ ان هذه القضية لم تبحث او على الاقل لم تبحث بحضوري
فيشينسكي وما كان الوضع بخصوص التخريب؟
بخارين ان الوضع بخصوص التخريب كان انه في النهاية, خصوصا عند حضور الجزء التروتسكي مما يدعى مركز الاتصال، الذي ظهر عموما في ١٩٣٣، على الرغم من عدد من الخلافات الداخلية وبعض مناورات الميكانيك السياسي، وهي ليست ذات اهمية بالنسبة للاستجواب، بعد شتى التقلبات والخلافات وما الى ذلك، جرى اتخاذ الاتجاه نحو التخريب.
فيشينسكي هل كانت تهدف الى اضعاف قدرة الدفاع في بلدنا؟
بخارين بالطبع.
فيشينسكي نتيجة لذلك، كان هناك توجه الى اضعاف، الى تقويض القوى الدفاعية؟
بخارين ليس شكليا ولكن من الناحية الجوهرية كان كذلك.
فيشينسكي ولكن الاعمال والنشاطات في هذا الاتجاه كانت واضحة؟
بخارين نعم.
انتقل الان الى صفحة ٣٧٣
فيشينسكي هل كانت الكتلة تؤيد تنظيم اعمال ارهابية، اغتيال قادة الحزب والحكومة السوفييتية؟
بخارين لقد فعلت ذلك واعتقد ان تنظيم ذلك يجب ان يعود الى خريف سنة ١٩٣٢.
فيشينسكي وماذا كانت علاقتك باغتيال سيرجي ميرونوفسكي كيروف؟ وهل اقترف هذا الاغتيال ايضا بمعرفة وحسب تعليمات كتلة اليمينيين والتروتسكيين؟
بخارين لم اعلم بذلك.
وبعد تكرار نفس السؤال بصور شتى وانكار بخارين معرفته بذلك
فيشينسكي اسمح لي ان اسأل المتهم رايكوف.
الرئيس يمكنك ذلك.
فيشينسكي ايها المتهم رايكوف. ماذا تعرف عن اغتيال كيروف؟
ولدى انكار رايكوف مثل بخارين معرفته بموضوع اغتيال كيروف استجوب فيشينسكي المتهم ياغودا الذي اجاب
ياغودا ان رايكوف وبخارين كلاهما يقولان الاكاذيب. فقد كان رايكوف ويينوكيدزا حاضرين في اجتماع المركز حيث نوقش موضوع اغتيال س. م. كيروف.
وبعد الانتهاء من استجواب ياغودا انتقل الان الى صفحة ٣٧٧
بخارين انك تسأل ما اذا كنت انا، بصفتي عضو في مركز اليمينيين والتروتيسكيين لصالح القيام
فيشينيسكي باعمال الارهاب
بخارين نعم كنت
فيشينسكي ضد من؟
بخارين ضد قادة الحزب والحكومة
ثم ينتقل فيشينيسكي الى ما قبل ذلك، الى فترة زمنية سابقة
فيشينسكي هل كنت تؤيد اعتقال لينين؟
بخارين اعتقاله؟ كانت قضيتان من هذا النوع. وقد اخبرت لينين نفسه عن القضية الاولى, وبقيت صامتا عن القضية الثانية بسبب السرية، وبهذا الصدد استطيع التحدث بمزيد من التفاصيل. فان هذا قد حدث
فيشينسكي هل حدث هذا؟
بخارين نعم.
فيشينيسكي وما عن اغتيال فلاديمير ايليتش؟
ثم دار الحديث عن خطة اعتقال واغتيال لينين. واضاف بخارين ان هذا لم يكن خطة بل كان حديثا عن اعتقال لينين وستالين وسفردلوف. فقرر المدعي العام استدعاء بعض الشهود لاثبات انها كانت خطة كتلة الشيوعيين اليساريين التي كان يرأسها بخارين سنة ١٩١٨.
ولما قال المدعي العام بانه لا يريد ان يسأل بخارين اية اسئلة اخرى طلب بخارين ان يتحدث عن موضوع اعادة الراسمالية. وبعد السماح له بذلك القى خطابا طويلا استغرق اكثر من اربع صفحات في كتاب المحاكمة بدون اية مقاطعة حول هذا الموضوع شرح فيه البرنامج الاقتصادي لاعادة الراسمالية الى الاتحاد السوفييتي بالتفصيل وفي جميع فروع الاقتصاد السوفييتي.
وفي الصفحة ٤٠٤ جاء حول مفاوضات تروتسكي مع السلطات الالمانية:
بخارين اخبرني راديك عن المفاوضات مع تروتسكي، وبان تروتسكي قد انشغل في مفاوضات مع الفاشيين الالمان فيما يتعلق بالتنازلات الاقليمية لقاء تقديم المساعدة للمنظمات المعادية للثورة
فيشينيسكي هذا هو، هذا هو
بخارين انذاك اعترضت على راديك
فيشينسكي هل اخبرك راديك بان تعليمات تروتسكي هي التنازل عن اوكراينا وتسليمها للالمان؟
بخارين انا اتذكر بالتأكيد عن اوكراينا
فيشينسكي هل حدثت مثل هذه المباحثات ام لا؟
بخارين نعم
فيشينسكي وما عن الشرق الاقصى؟
بخارين عن اوكراينا انا اتذكر فعلا. اما عن مناطق اخرى فلا اتذكر ايا كانت.
فيشينسكي انك شهدت كما يلي: ان تروتسكي، في الوقت الذي كان يحث على تشديد الارهاب، مع ذلك كان يعتقد ان الفرصة الرئيسية لوصول الكتلة الى السلطة هي اندحار الاتحاد السوفييتي في حرب ضد المانيا واليابان لقاء ثمن هو تنازلات اقليمية (اوكراينا للالمان، والشرق الاقصى لليابان) هل كان الامر كذلك؟
بخارين نعم كان
فيشينسكي وهذا يعني انه كانت هناك تنازلات
بخارين لم اكن موافقا على ذلك
فيشينسكي ثم تقول "لم اعترض على فكرة التفاهم مع المانيا واليابان ولكنني لم اوافق على مدى تروتسكي
بخارين اقرأ العبارة التالية ايضا حيث يجري شرح المدى وطبيعته
فيشينسكي قرأته واريد التحدث عنه
بخارين قلت انني كنت ضد التنازلات الاقليمية
فيشينسكي لا اريد التحدث عن هذا. ان راديك اذن اخبرك ان تروتسكي اصدر تعليمات التنازل عن اوكراينا للالمان. هل قال ذلك؟
بخارين لقد فعل. انا لم اكن اعتبر تعليمات تروتسكي ملزمة لي.
وفي الصفحة ٤١٩ يتحدث بخارين عن خطة الانقلاب المسلح:
بخارين في ١٩٣٣ ـــ ١٩٣٤ كان قد تم تحطيم الكولاك، ولم تعد الحركة الانقلابية امكانية حقيقية، ولذا حلت في مركز المنظمة اليمينية مرة اخرى فترة اصبح فيها التوجه نحو انقلاب تآمري معاد للثورة الفكرة المركزية. لهذا تحولنا من "الانقلاب القصري"، اي من ربط الانقلاب بانتفاضة جماهيرية ومن الاتجاه نحو الانتفاض الجماهيري مع نتائج عملية ملائمة، الى التخطيط المعادي للثورة النقي والبسيط. واصبحت الفكرة المركزية فكرة الانقلاب العسكري. كان يعتزم انجازه بواسطة مؤامرة.
وكانت قوى المؤامرة: قوات يينواكيدزا باضافة ياغودا، ومنظماتهما في الكريملين وفي مجلس مستشاري الشؤون الداخلية، كذلك نجح يينوكيدزا حوالى تلك المدة في تجنيد، على قدر ما استطيع ان اتذكر، الآمر السابق للكريملين، بيترسن، الذي كان في ايامه آمر قطار تروتسكي. ثم كانت المنظمة العسكرية للمتآمرين توخاشيفسكي، كورك وغيرهما
وفي الصفحة ٤٢٥ يكرر ذكر القوى التآمرية المذكورة بمزيد من التفصيل ويضيف
بخارين خلال الفترة السابقة لانعقاد المؤتمر السابع عشر للحزب، أبدى تومسكي فكرة ان الانقلاب بمساعدة القوى المسلحة المعادية للثورة يجب ان يؤقت بالضبط في موعد انعقاد المؤتمر السابع عشر. ووفقا لفكرة تومسكي كان جزء لا يتجزأ من هذا الانقلاب جريمة شيطانية ــــ اعتقال المؤتمر السابع عشر.
وفي الصفحتين ٤٢٩ و ٤٣٠ سرد بخارين تطور فكرة التعاون مع دول اجنبية
بخارين حين استولى الفاشست على السلطة في المانيا، جرى تبادل الاراء بين قادة المنظمات المعادية للثورة بخصوص امكانية الاستفادة من دول اجنبية فيما يتعلق بالوضع الحربي. هنا علي ان اقول بصراحة، وانا اخبر المحكمة بما اتذكره بالضبط، ان هذه المسالة الكبرى، وهو موضوع بالغ الاهمية لاعتبارات المحكمة ولغرض تحديد المصداقية القانونية، كان التروتسكيون يميلون كلية نحو التنازلات الاقليمية، بينما في المجموع كانت الدوائر القيادية لمنظمة اليمينيين المعادية للثورة مهتمة بالدرجة الرئيسية بمنح امتيازات، باتفاقات تجارية، بالرسوم والاسعار وتزويد المواد الخام، والوقود الخ.. وباختصار تنازلات شتى ذات طبيعة اقتصادية. حين بدأت شهادتي اخبرت المحكمة باني، بصفتي واحد من قادة الكتلة المعادية للثورة، لست مجرد حلقة في العجلة، اتحمل المسؤولية عن كل شيء قامت به هذه المنظمة بصورة مطلقة. ولكن بالقدر الذي يخص الوقائع الموضوعية اعتقد ان من الممكن القول بان المبدأ الموجه للكتلة، المبدأ السياسي الاهم حدة بمعنى حدة النضال، بمعنى الارتباطات الجنائية البعيدة المدى الخ... كان في النهاية القسم التروتسكي.
وفي الصفحة ٤٣٨ يقول بخارين
بخارين نسيت ان اقول واذكر انه حين كان تروتسكي يفاوض الالمان، كان اليمينيون قد اصبحوا جزءا من "كتلة اليمينيين والتروتسكيين" ونتيجة لذلك كانوا شركاء في هذه المفاوضات حتى بالرغم من واقع ان تروتسكي فعل ذلك بمبادأته الخاصة، بالاستقلال عن اي اتفاق اولي.
وكانت الشاهدة الرئيسية في محاكمة بخارين ياكوفليفا. وفي الصفحة ٤٤٠
فيشينسكي مما تكونت نشاطات الجماعة السرية المعادية للسوفييت "الشيوعيون اليساريون"؟ لعلك تذكرين الوقائع الاكثر اهمية التي تميزت به نشاطاتها؟
ياكوفليفا (بعد ان شرحت تركيب هذه الجماعة ومركزها فيها) قالت: في نهاية شهر شباط ١٩١٨، عقد اجتماع مكتب منطقة موسكو وفيه نوقشت مسألة عقد صلح مع الالمان. في هذا الاجتماع عرض ستوكوف، عضو المكتب، قرارا حول هذه المسألة وتحدث لصالح هذا القرار معبرا عن فكرة ان النضال السياسي ضد عقد الصلح مع الالمان، قضية مسألة الحرب ام السلم السياسية، علينا ليس فقط الا نتراجع عن تبديل قيادة الحزب والحكومة، بل علينا الا نتراجع عن اعتقال الجزء القيادي الاكثر تصميما في الحكومة متمثلين بلينين وستالين وسفردلوف. واذا اصبح النضال اكثر حدة علينا الا نتراجع حتى عن تصفيتهم الجسدية.
من الجدير بالذكر ان بخارين كذب هذه الشاهدة. كذبها لا بانكار موضوع فكرة اعتقال لينين وستالين وسفردلوف بل اولا في موضوع فكرة تصفيتهم الجسدية. وثانيا بان الشاهدة تخلط بين فترتين، فترة ما قبل صلح بريست ليتوفسك حيث كانت المنظمات المعادية للثورة تأمل ان تحصل على الاكثرية في المؤتمر ضد لينين ولذلك لم يكن هناك داع لفكرة اعتقال لينين وستالين وسفردلوف وفترة ما بعد صلح بريست ليتوفسك حيث دحرهم لينين وحصل على اغلبية اصوات المؤتمر. واصر بخارين على هذا الانكار حتى في كلمة الدفاع التي القاها قبل اصدار الحكم عليه.
ملاحظة كان المتهم التالي الذي يجري استجوابه بعد بخارين الدكتور ليفين الطبيب الخاص لمكسيم غوركي والمتهم بقتله عن طريق علاجه بطريقة تؤدي الى وفاته. ولضمان عدم وقوع المحكمة في خطأ في تقدير جريمة الدكتور ليفين من الناحية الطبية البحتة طلب فيشينسكي من رئيس المحكمة ان يسمح له بدعوة خمسة من اشهر اساتذة الطب في الاتحاد السوفييتي لحضور استجواب الدكتور ليفين والاستماع الى اقواله بصدد طريقة معالجة مكسيم غوركي او بالاحرى طريقة قتله وليرفعوا تقريرا الى المحكمة عما اذا كانت طريقة المعالجة تعتبر فعلا جريمة قتل من الناحية العلمية ام لا. ووافق رئيس المحكمة على ذلك.
اكتفي بهذا القدر من الاقتباسات من وقائع محاكمة بخارين ولو انها كلها تستحق الاقتباس اذ في كل عبارة فيها صورة من النضالات التآمرية والتخريبية والتدميرية والتصفيات الجسدية التي كانت تمارسها كتلة اليمينيين والتروتسكيين وقبلها كتلة تروتسكي ومنظمة الشيوعيين اليساريين وغيرها.
سمحت المحكمة لكل واحد من المتهمين بان يلقي كلمة نهائية للدفاع عن نفسه اذ اصروا جميعا على رفض دفاع هيئة الدفاع التي عينت لهم وقرروا الدفاع عن انفسهم بانفسهم. وكانت هذه الكلمات تلقى بدون مقاطعة من جانب القضاة او المدعي العام.
والقى بخارين كلمة نهائية طويلة اورد فيها جميع القضايا التي يختلف فيها مع المدعي العام ومع الشهود وخصوصا مع الشاهدة ياكوفليفا. وسأقتبس بعض العبارات المهمة في هذه الكلمة الاخيرة.
في الصفحة ٧٧٥ يقول
ان الجاذبية القصوى للجريمة واضحة جلية، والمسؤولية السياسية هائلة، وان المسؤولية القانونية هي بدرجة تستحق اقسى العقوبة. ان اقسى العقوبة يكون عادلا لان الانسان يستحق اعدامه رميا بالرصاص عشر مرات لقاء مثل هذه الجرائم. انني اعترف بهذا اعترافا مطلقا وبدون اي تردد اطلاقا.
في الصفحة ٧٧٧
اتحدث الان عن نفسي، عن الاسباب التي دعت لتوبتي. يجب الاعتراف طبعا ان شهادة التجريم لعبت دورا هاما جدا. لمدة ثلاثة اشهر رفضت ان اقول اي شيء. بعد ذلك بدأت بشهادتي. لماذا؟ لانني، وانا في السجن، قمت باعادة تثمين ماضي كله. اذ حين تسأل نفسك: اذا كان عليك ان تموت، فما الذي تموت من اجله؟ يظهر امام عينيك فراغ اسود مطلق بوضوح جلي. لم يكن ثمة ما يموت الشخص من اجله اذا اراد ان يموت بلا توبة، بل على العكس، فان كل شيء ايجابي مزدهر في الاتحاد السوفييتي يتخذ ابعادا جديدة في ذهن الانسان. هذا في النهاية نزع عني السلاح كليا ودفعني الى ان اركع امام الحزب والبلاد. وحين تسأل نفسك: حسنا لنفرض انك لا تموت؛ تصور انه بمعجزة تبقى حيا، هنا ايضا لاي غرض؟ تعيش منعزلا عن كل انسان، عدوا للشعب، في وضع غير انساني، منعزلا تمام الانعزال عن كل شيء يؤلف جوهر الحياة.
في الصفحة ٧٧٨ يقول بخارين انه قرأ في السجن كتاب فوستواغنر عن محاكمات التروتسكيين فيقول
ان تاريخ العالم محكمة عالمية. لقد افلس عدد من الجماعات التروتسكية ووقعت في المستنقع. هذا حقيقة. ولكنك لا يمكنك ان تفعل ما فعله فوستواغنر بخصوص تروتسكي خصوصا حين يضعه في نفس مستوى ستالين. هنا يبدو نقاشه زائفا بصورة مقلقة. اذ في الواقع يقف البلد كله وراء ستالين، انه امل العالم، انه خلاق. قال نابوليون مرة ان المصير هو السياسة. ان مصير تروتسكي هو السياسة المعادية للثورة
وفي نفس الصفحة ٧٧٨ يقول بخارين
انني اوضح كيف ادركت ضرورة الاستسلام لسلطات التحري ولكن، حضرات القضاة. لقد انتفضنا ضد بهجة الحياة الجديدة باكثر الاساليب الاجرامية للنضال. انني ادحض الاتهام بانني قد تآمرت على حياة فلاديمير ايليتش، ولكن حلفائي المعادين للثورة، وانا على رأسهم، حاولنا قتل قضية لينين التي ينفذها ستالين بهذا النجاح الهائل. ان منطق هذا النضال قادنا خطوة بعد اخرى الى اسود مستنقع.
يلاحظ القارئ ان المحاكمة، وفي الحقيقة كل المحاكمات، لم تتضمن اي سؤال عن الاراء السياسية والنظرية للمتهمين. وسبب ذلك هو ان اراءهم السياسية كلها معروفة. فقد كانت لهم كل الحرية في ابداء هذه الاراء صراحة في المؤتمرات وفي اجتماعات اللجنة المركزية والمكتب السياسي. وهي مسجلة في محاضر هذه الجلسات. وهي منشورة في الصحف والمجلات والكتب والكراريس. لقد كان وضع الحزب البلشفي خاصا في تلك الفترة. فالحزب الشيوعي كان يقود الشعوب السوفييتية في بناء اول مجتمع اشتراكي في التاريخ. ولهذا فان الحزب كان معرضا للخطأ في هذا الطريق الذي لم تسلكه البشرية من قبل. لذا كان من الطبيعي ان تظهر اراء شتى حول كل خطوة في هذا البناء. وكان من الطبيعي ايضا ان يكون لكل رأي من هذه الاراء مؤيدوها. ولم يكن من مصلحة الحزب ان يطرد كل المؤيدين لهذه الاراء المختلفة. ولكن الواقع وتطور المجتمع الاشتراكي كان المحك في اقناع الصادقين منهم بصحة الطريق الذي يسلكه الحزب وبهذه الطريقة يتقلص المؤيدون للاراء غير الصحيحة. وهذا ما شاهدناه في الاستفتاءات الثلاثة التي جر تروتسكي الحزب اليها. في الاستفتاء الاول كان له الكثير من المؤيدين وفي الاستفتاء الثاني تقلص عدد مؤيديه وفي الاستفتاء الثالث هبط عدد مؤيديه الى ٤٠٠٠ مقابل ٧٢٤ الف. وليس تطهير الحزب او طرد المخالفين منه سوى عمل طبيعي. اذ ان الحزب منظمة تقبل في صفوفها من يوافقون على شروط عضوية الحزب ومن حق الحزب ان يبعد عنه من لا يريد الالتزام بهذه الشروط.
فما رأي الباحثين في كل ما جاء؟ هل هذه المحاكمات تدل على التصفيات الجسدية التي مارسها ستالين ام انها محاكمات على الخيانة العظمى والتآمر على دولة الاتحاد السوفييتي وتدمير الصناعة واضعاف القوة الدفاعية السوفييتية؟ واذا كانت هناك تصفيات جسدية فمن هو المسؤول عنها اهو ستالين ام هؤلاء المجرمين الذين اعترفوا بقتل كيروف ومكسيم غوركي وابنه وكويبيشيف وحاولوا اغتيال لينين وخططوا لاعتقال واغتيال لينين وستالين وسفردلوف؟
وما رأي الباحثين في طبيعة هذه المحاكمات؟ هل كانت محاكمات صورية ام كانت محاكمات عادلة منحت المحكومين فيها كل فرصة للدفاع عن انفسهم ولانكار التهم الموجهة اليهم امام العالم كله؟ ان هذه المحاكمات هي اعدل وانقى محاكمات سياسية في التاريخ. ومثل هذه المحاكمات لا يمكن ان تحدث الا تحت ظل دكتاتورية البروليتاريا. اذ ان جميع الدول السابقة لدكتاتورية البروليتاريا هي دول قائمة على استغلال الاغلبية الساحقة من مواطنيها لمصلحة اقلية من الطبقة الحاكمة. لذلك فان من مصالح الطبقة الحاكمة القائمة ان تخفي الحقائق عن الطبقات المحكومة المستعبدة من شعوبها. من مصلحتها الكذب والتمويه وعقد الاتفاقات السرية كما نراه اليوم في الدول الامبريالية بدءا ببوش وانتهاءا بشارون. ودكتاتورية البروليتاريا وحدها ليست لها مصالح معادية للاغلبية الساحقة من مواطنيها ولذلك ليس لها مصالح في الكذب والتمويه والمعاهدات السرية المعادية للشعوب. وكشف المعاهدات السرية لروسيا القيصرية من قبل دكتاتورية البروليتاريا اكبر برهان على ذلك.
ان من يريد الدفاع عن بخارين باعتباره صنوا لستالين في النظرية وفي القيادة يجب قبل كل شيء ان ينكر هذه الاعترافات التي ادلى بها بخارين في محاكمته. وعلى من يريد الدفاع عن بخارين ان يبرهن على ان هذه الاتهامات كلها ملفقة او ان ستالين كتبها لبخارين لكي يلقيها في المحاكمة. اذ لا يمكن الانسان العاقل ان ينكر كل هذه الاعترافات بجرة قلم وبدون اثبات خطلها. واذذاك فقط يستطيع الانسان ان يدافع عن بخارين ويعتبر هذه المحاكمة تصفية جسدية لمفكر ومناضل وابن بار للحزب الشيوعي لمجرد انه ينافس او يخالف ستالين في ارائه السياسية او النظرية.
ولنفترض جدلا ان انسانا استطاع بمعجزة ان يبرهن على ان هذه الاعترافات الجرمية التي صرح بها بخارين في محاكمته كانت كلها ملفقة. فهل يصح بعد هذا الدفاع عن بخارين على انه ذلك المفكر والسياسي المنافس لستالين؟ اعتقد ان الدفاع عن بخارين في هذه الحالة اهانة له وليس دفاعا عنه. اذ كيف يقبل ويوافق مفكر عظيم كهذا بان يلفق عن نفسه كل هذه الاتهامات والجرائم الكبرى امام العالم كله؟
وحين جاء خروشوف وزمرته الى الحكم بعد وفاة ستالين اعادوا النظر في هذه المحاكمات. فكيف جرت اعادة النظر؟ هل درست كل حالة للتحقق من صدق او زيف ما جاء فيها من اتهامات؟ اليس هذا هو السبيل الصحيح لاعادة النظر الحقيقية في المحاكمات؟ ولكن الخروشوفيين اتبعوا طريقا اخرى لاعادة النظر في المحاكمات. يكفي ان يكون المحكوم قد حوكم في عهد ستالين لكي يكون بريئا من التهمة التي اتهم بها وواحدا من ضحايا ستالين فيعاد اعتباره واذا كان ما يزال حيا يطلق سراحه وتعاد عضويته في الحزب الشيوعي السوفييتي. أهذه طريقة عادلة لاعادة النظر في المحاكمات؟ اترك للباحثين الاجابة على هذا السؤال.
قرأت مقالا مترجما عن الروسية قبل سنوات عديدة عن منظمة سياسية معارضة للحكومات الخروشوفية جاء فيه انه حضر شخص الى مركز تلك المنظمة يوما لكي يعترف انه كان سجينا واطلق سراحه واعيد اعتباره بعد وفاة ستالين ولو ان الحكم عليه صدر بسبب قتله لزوجته.
بلغ عدد ضحايا ستالين الملايين واختلف الكتاب عن عدد هذه الملايين فبعضهم جعلها ثمانية واخرون جعلوها ستة عشر وما زال هذا العدد يتزايد حتى يومنا هذا. ولكن خروشوف مع ذلك نسي ضحية واحدة من ضحايا ستالين لم يذكرها. فقد كان لخروشوف ابن في السلاح الجوي السوفييتي وقع في اسر الجيوش الالمانية. وقد تعاون هذا الابن مع الالمان ضد الاتحاد السوفييتي. وبعد تبادل الاسرى جرت محاكمات لاولئك الذين تعاونوا مع الالمان اثناء اسرهم ومنهم كان ابن خروشوف.
أقتبس هذا من كتاب بعنوان "الوثائق السرية" الصادر في روسيا وقامت بترجمته الى الانجليزية ونشره منظمة نورث ستار كومباس الكندية. وهو عبارة عن عدة وثائق سرية نشرت لاول مرة في روسيا. وفي احدى هذه الوثائق بعنوان "هل اعدم ابن نيكيتا خروشوف رميا بالرصاص؟" جاءت بعض الحقائق عن اعدام ليونيد خروشوف. والمقال بتوقيع محرر المجلة العسكرية التاريخية لسنة ١٩٨٩.
"وفقا للمحكمة العسكرية ووفقا للقوانين العسكرية، جرت محاكمة ليونيد خروشوف وحكم علين بالاعدام
"وحين علم خروشوف عن العقوبة العسكرية ضد ابنه لجأ الى ستالين. وطبقا للسجل الستينوغرافي لملفات كي جي بي أجاب ستالين:
"ان اجرام ابنك لا جدال فيه وانا ليست لي صلاحيات قانونية او حق في الغاء الحكم الذي اصدرته المحكمة العسكرية وفقا للقوانين في ايام الحرب والعداء." (الوثائق السرية ص ١٨٦)
وجاء ايضا "ان النسق الترقيمي لصفحات المحاكمة يبدأ من ٨٩٢ لغاية ١٢٤٨١ باضافة وثائق تكميلية مرقمة ٢٩٦. وكل هذه الارقام ليست في نسق كرونولوجي.
"من فعل ذلك وباوامر من؟ انه لغز قد لا يعرف ابدا. الا ان التاريخ لن يهدأ الا عند وضع كافة الاجزاء في محلها" (ص ١٨٧)
ثم جاء "من اللازم ان يقال ان فاسيلي ابن ستالين كان هو الاخر قد وقع في اسر الفاشيست الالمان وقد عرضوا استبداله بالمارشال فون باولز الذي اسر في ستالينغراد. الا ان ستالين لم يستجب لذلك.
"ان هذا الموقف وحده اظهر الشجاعة والتكريس الذين تحلى بهما ستالين الذي قال "ان جميع جنود الجيش الاحمر ابنائي، وانا لا استطيع تمييز احدهم عن الاخرين""(ص ١٨٧)
وفعلا حكمت المحاكم السوفييتية على ابن خروشوف بالموت واعدم. ولكن الحكومة الخروشوفية لم تكتف باعادة اعتبار ابن خروشوف باعتباره من ضحايا ستالين بل منحته اعلى الاوسمة كبطل من ابطال سلاح الجو السوفييتي.
كان بخارين قد توقع ان تقوم عناصر بالدفاع عن سائر المتهمين وعنه شخصيا بصورة خاصة، ولكن بخارين كان ذكيا اذ انه رد سلفا على المدافعين عنه في نهاية كلمة الدفاع التي القاها في المحكمة اذ قال في الصفحتين ٧٧٨ ـــ ٧٧٩ ما يلي:
بخارين يمكنني ان اشير سلفا بان تروتسكي وحلفائي الاخرين في الجريمة وكذلك الاممية الثانية، واكثر من ذلك منذ ناقشت ذلك مع نيكولاييفسكي، سيحاولون الدفاع عنا وخصوصا عني انا شخصيا. أنا ارفض هذا الدفاع لانني اركع امام القطر، امام الحزب، امام الشعب كله. ان فداحة جرائمي لا يمكن قياسها خصوصا في المرحلة الجديدة في نضال الاتحاد السوفييتي. عسى ان تكون هذه المحاكمة اخر درس قاس، وعسى ان تصبح القوة العظمى للاتحاد السوفييتي واضحة للجميع. ليكن واضحا للجميع ان النظرية المعادية للثورة حول المحدودية القومية للاتحاد السوفييتي اصبحت كخرقة بالية في مهب الريح. فكل انسان يدرك القيادة الحكيمة للبلاد التي يطمنها ستالين.
ان في وعيي هذا انتظر قرار الحكم. ان المهم ليس الشعور الشخصي للعدو التائب، بل هو التقدم المزهر للاتحاد السوفييتي ولاهميته العالمية.
ملاحظة اخيرة
خلال استجواب بخارين طلب من رئيس المحكمة السماح له بشرح الاساس الايديولوجي لموضوع اعادة الراسمالية الى الاتحاد السوفييتي فسمح له الرئيس بذلك وبدون مقاطعة النائب العام القى بخارين كلمة طويلة شرح فيها البرنامج الاقتصادي لاعادة الراسمالية. واذا تتبعنا السياسات الاقتصاية التي سلكتها الحكومات الخروشوفية المتعاقبة لاعادة الراسمالية الى الاتحاد السوفييتي نجد ان هذه الحكومات نفذت في الواقع هذا البرنامج الاقتصادي الذي شرحه بخارين بحذافيره.
حسقيل قوجمان
٢ نيسان ٢٠٠٤




#حسقيل_قوجمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من وحي كتاب فهد (الحلقة العاشرة) الانتقاد، اغراضه وفوائده
- الاحتفال الاول بعيدنا الوطني الجديد
- من وحي كتاب فهد (الحلقة التاسعة) فهد الستاليني
- مرحلة الثورة الاشتراكية وموعد اعلانها
- من وحي كتاب فهد (الحلقة الثامنة) الجبهة الوطنية والنضال ضد ا ...
- من وحي كتاب فهد (الحلقة السابعة) العقيدة الجامدة
- من وحي كتاب فهد (الحلقة السادسة) الستالينية
- من وحي كتاب فهد (الحلقة الخامسة) الميثاق الوطني
- من وحي كتاب فهد، الحلقة الرابعة - احتكار الماركسية
- من وحي كتاب فهد (الحلقة الثالثة) ثورة اكتوبر
- من وحي كتاب فهد (الحلقة الثانية)العبودية المقيتة
- من وحي كتاب فهد - الحلقة الاولى
- المؤتمر العشرون للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي
- زوار موقعي الاعزاء
- جواب على رسالة ! حول الحزب الشيوعي الاسرائيلي
- لماذا مادية ديالكتيكية؟
- رسالة مفتوحة من حسقيل قوجمان الى آرا خاجادور
- ديمتروف والانتقال السلمي الى الاشتراكية
- حينما يصبح البتي برجوازي شيوعيا
- سياسة الاحلاف والجبهات بين الماركسية والانتهازية


المزيد.....




- مشادات بين متظاهرين في جامعة كاليفورنيا خلال الاحتجاجات المن ...
- إصدار جديد لجريدة المناضل-ة: تحرر النساء والثورة الاشتراكية ...
- ??کخراوکردن و ي?کگرتووکردني خ?باتي چيناي?تي کر?کاران ئ?رکي ه ...
- عاش الأول من أيار يوم التضامن الطبقي للعمال
- اندلاع اشتباكات بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهرين في تل أبيب ...
- الولايات المتحدة: اعتقال مئة من المتظاهرين المؤيدين للفلسطين ...
- اعتقال الشرطة الأمريكية متظاهرين في جامعة كولومبيا يؤجج الاح ...
- الحزب الشيوعي العراقي: معا لتمكين الطبقة العاملة من أداء دو ...
- -إكس- تعلّق حساب حفيد مانديلا بعد تصريحات مؤيدة لأسطول الحري ...
- انتشار التعبئة الطلابية ضد الإبادة الجماعية الإسرائيلية


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - حسقيل قوجمان - من وحي كتاب فهد (الحلقة الحادية عشرة) اخيانة عظمى ام تصفيات جسدية؟