أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خيري حمدان - الكتابة على أوراق النار














المزيد.....

الكتابة على أوراق النار


خيري حمدان

الحوار المتمدن-العدد: 2594 - 2009 / 3 / 23 - 01:28
المحور: الادب والفن
    



الكتابة في العالم العربي مهنة خطرة، قد يدفع الكاتب والمبدع حياته ثمنا لممارستها، وقد يضطرّ إلى سهر الليالي لابتلاع الشتائم التي لا تحصى والتعليقات الرخيصة من حملة الأقلام المدفوعة الثمن. لم تعد السلطة في العالم العربي قادرة على تحمل وجهة نظر ترفض تقديسها والتسبيح بحمدها ليل نهار.

التفكير محاولة انتحار وخروج عن المألوف في عالم لم يعد يهتم بالكتاب ولم يعد يخصص من وقته الثمين للقراءة أو المطالعة. كلّ شيءٍ أصبح تاريخاً في عالمنا العربي إلا التاريخ، فقد امتطى حصاناً مهجّناً وانطلق هائما على وجهه، ربما أصبنا بعمى الجهات. كيف ندرك ذاتنا ونحن لا نشاهد في المرآة سوى فحولتنا المصطنعة، ولا نتوانى لحظة عن فتل شواربنا، معلنين بأننا قد امتلكنا نهاراً يعود لغيرنا؟ المصيبة أنّنا لا ندرك هذا الواقع، ونناطح الريح كثور هائج، كلّما ازداد جموحاً اقتربت ساعة النهاية، حين يغرز الفارس نصل سيفه في مقتله حتى المقبض، تمرّ لحظات يراقب خلالها الثور ساعة الموت المطلقة، غير قادر على الانطلاق نحو غريمه الرشيق، ثم ينهار مرّة واحدة، منتظراً تقديم الولاء بأذنه، يقتطفها الفارس على عجل، هدية للفناء، وتأتي الخيول لجرّ كتلة اللحم الهائلة، لتلقمها للأفران والنيران.

أحاول الكتابة على أوراقٍ من نار، فإذا كانت كلماتي قادرة على الصمود فليكن، وإلا فلتحرقها النيران قرباناً لتاريخ أجدادي. لم أعد أقرأ قصص سندباد البِحار، لأن سندباد العرب، حجز مقعداً على بارجة عسكرية باتجاه واحد، نحو مسارح الترف ليقصّ مغامراته، وسط دهشة الأطفال، وغمز الحسناوات الشقراوات. لم يعد السندباد الأسمر قادراً على العودة، لأنه بات يخشى تهم التحريض على الإرهاب الفكري، ومحاولة الانقلاب على سلطة البلاط، بات السندباد يخشى وسامته وسحره. ماذا سيحدث إذا أغرمت به إحدى الأميرات، وطالبت بامتلاك جسده هدية عيد ميلادها؟ هو الذي عاش ملكاً للريح وحارساً للغابات وسيدا للبحار.

أكتب على أوراقٍ من نار .. أكتب على الرصيف والتراب وفوق الماء. لأنني أشعر بيتمي وحيرتي وكأني اقتطعت من أسفل جذع شجرة. إحساس لم يفتأ يراودني منذ أن قُتِلَ المواطن العربي في ذاتي، ورحت أحسب ألف حساب من العودة إلى ذلك الجذع .. هل ستتذكرني التربة. وهل سأكون أنا مجدداً وسط هذا العدم المتكاثر بالعربية.

على أوراق النار أكتب ما يشبه القصّ والخيال، لعلّي أحرق ظلّي البائس تحت جدار القمع والخوف من الكلمة المجنّحة. دعونا نفتح أفواهنا دون الحاجة للجلوس عند طبيب الأسنان، ونصرخ في وجه الرياح العاتية .. لن نركع، لكننا يا حبيبتي نركع، وإلا قصمت الريح قوس قزحنا .. أبدو مسافر نحو البدايات، وعيون أمّي لا تصدّق بأنّ الشيب قصف شعر رأسي، وبانت الدوائر السوداء حول عيني واضحة من كثرة التحديق في هياكل الكلمات الهالكة.

أوراق النار ترفض الانصياع للريح العاتية، وتتآكل بالرغم من ندائي، يا كلّ القصائد التي أفلتت من قلمي لا تهربي بعيداً .. دعيني ألامس طرف ثوبك، ياقتك، الوردة الحمراء القابعة في جيبك الأنيق، شهوتك العارمة، عيناك الذابلة، وسقوطك آخر النهار احتجاجاً على زمن الصمت .. أحبّك بكلّ اللغات الممكنة، وحتى بالعربية!

النار تأكل أصابعي ..
النار تأكل أصابعي ..
دعيني أحترق في زمن الطوفان ..



#خيري_حمدان (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنا العاشق وحبيبتي غزة
- صومعة على حافة الطريق
- شتاء العمر وربيعك
- لن أكون رئيسا يوما ما
- أسفار
- هُنا بلْ هُناكْ
- شخصيّات عبر التاريخ (أندريه تاركوفسكي)
- إرهاصات فكريّة
- البحث عن دلال
- أعراس
- شخصيّات عبر التاريخ (بوريس باسترناك)
- بصحّة الرفيق ستالين
- في حضرة الشيطان
- أحياناً تنفلت اللحظة
- فضاء روحك
- أنشودة الشرق
- العسل ومعاني العدم
- ستّون عاماً وعام يا وطني نكبة
- طقوس الغرام
- علبة الكبريت


المزيد.....




- -الحب والخبز- لآسيا عبد الهادي.. مرآة لحياة الفلسطينيين بعد ...
- بريطانيا تحقق في تصريحات فرقة -راب- ايرلندية حيّت حماس وحزب ...
- كيف مات هتلر فعلاً؟ روسيا تنشر وثائق -اللحظات الأخيرة-: ما ا ...
- إرث لا يقدر بثمن.. نهب المتحف الجيولوجي السوداني
- سمر دويدار: أرشفة يوميات غزة فعل مقاومة يحميها من محاولات ال ...
- الفن والقضية الفلسطينية مع الفنانة ميس أبو صاع (2)
- من -الست- إلى -روكي الغلابة-.. هيمنة نسائية على بطولات أفلام ...
- دواين جونسون بشكل جديد كليًا في فيلم -The Smashing Machine-. ...
- -سماء بلا أرض-.. حكاية إنسانية تفتتح مسابقة -نظرة ما- في مهر ...
- البابا فرنسيس سيظهر في فيلم وثائقي لمخرج أمريكي شهير (صورة) ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خيري حمدان - الكتابة على أوراق النار