أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد الحاج علي - الحكي والحكاية














المزيد.....

الحكي والحكاية


احمد الحاج علي

الحوار المتمدن-العدد: 2574 - 2009 / 3 / 3 - 04:53
المحور: الادب والفن
    



الحكاية مصدرها الفعل "حكى" ويبدأ هذا الفعل بالحرف حاء، والحرف حاء في اللغة العربية يدل على الحياة، مثلا حكى . حرَ ( وحرَ بمعنى حرك ) حبَ . حرث . حرك . حور . وكل هذه الأفعال تفيد فعل العطاء و الحركة ، والحركة ضد السكون ، ولذلك قالت العرب قديما " الحركة ولود والسكون عاقر"
إذن دعونا ندغدغ الفعل حكى الولود مثل المرأة التي تعطينا مخلوقا جديدا يشبه أقرانه من المواليد لكنه يملك بصمته الخاصة به، وجيناته الخاصة، وعقله الخاص الذي يميزه عن كل المخلوقات البشرية
، لكن هل تشبيه فعل حكى بالمرأة الولود تشبيها صحيحا ؟ دعونا نرى .
أعتقد أننا في الشرق المنكوب بداء الصمت والتخلف نفتقر إلى فعل الحكي ، قد يقول قائل : لا يوجد أمة في الكون أشطر من أمتنا في الحكي ، وأنا أقول له . صح . لا أحد اشطر منا في الحكي إلا أن الحكي الذي نحكيه مثل فرقعة السوط الذي يجلد الهواء يعطي صوتا بلا فعل ، وحكينا حكي بلا فعل يعني حكينا يمثل رغوة الفعل وليس الفعل أورغوة اللغة حسب تعبيرالالسني الفرنسي بارت أو مثل علكة "بالون" تنتفخ هواء ثم تفرقع.
للخروج من حال الغيبوبة، نحن بحاجة إلى فعل الحكي الولود، فهو وحده القادر على ضخ الدماء في عروقنا لانتشالنا من شللنا وعجزنا وذكوريتنا الغبية، والحكي يستطيع تنفيس الورم المتوضع في عقولنا وكروشنا -أعيذكم ممن شحمه ورم - وتحويلنا إلى بشر أسوياء لا يدعون الألوهية ولا يعتقدون أنهم ولدوا من أمام وباقي المخلوقات ولدت من الخلف. وللتدليل على القوة التغيرية الكامنة في الحكي سوف اضرب هذا المثال : في حكايات الف ليلة وليلة الملك شهريار المنفوخ بداء العظمة الخادعة الذي يملك مخا محشوا بخراء الأسود تحول إلى وحش قاتل لنصف البشرية، ذلك النصف الجميل. البهي. الرقيق. المتناسق. الولود. المبهر. المسكر. المدهش. لم يردعه عن مهنة القتل، ولم يروضه إلا فعل الحكي الذي قامت به شهرزاد، لم ترتد حزاما ناسفا لتفجر نفسها، ولا حملت مسدسا حربيا ، ولم تحمل خنجرا، ولم تتآمر عليه، حملت لسانها. ورقتها .وجمالها. وإنسانيتها. وخبرتها. وحكيها الولود. لتبدأ من خلال فعل الحكي ترويض القاتل الوحش، وإبهاره، وإدهاشه، وخر بطة منظومة عقله المريض، وإعادة بناءه سليما معافى، وبفعلها انتصر الحكي، وانتصر الحوار، وانتصر الحب، وانتصرت الحياة، وانهزم الموت.
إذن الحكي. فن الحكي . الحكي المتبل بخيال حكايات الشرق القديمة، والحكي المبهر بحكايات الحاضر المسخم بالسخام قادر على كشف وتعرية وفضح الشهريارات التي تكاثرت بيننا تبغي مضغنا، والتهامنا، وفصفصة لحمنا مع عظمنا، وصنعنا على قد مقاساتها، وبلاهاتها ، ونحن في حالة شلل وعجز لا نملك إلا ألسنتنا علينا أن نحكي، ولو همسا، وفعل الحكي وحده قادر على إدهاش الشهريارات، وترويضها وتحويلها إلى كائنات بشرية ، الحكي وحده قادر على تحويل الوحش إلى كائن بشري ثم إلى إنسان مؤنسن وديع. شفاف. مفعم بالرقة والحب، وعندئذ فقط نستطيع أن نقول بأننا خطونا الخطوة الأولى باتجاه الحضارة .
نعود الى الحكي الذي نحكيه الآن ، فهو مثل رغوة الصابون، أو مثل الزبد الذي يذهب جفاء فهو مخلوط بالنفاق والكذب والتمثيل، والأمثلة لا تعد ولا تحصى .
مثلا نحن نتكلم عن الدين ليل نهار، على المنابر. وفي المدارس.والشوارع. والقهاوي. والدوائر. والساحات العامة،ومع ذالك غالبيتنا لا دين له، أو دينه المال أو النفاق .
نحكي في الأخلاق كل ساعة ولا يخلو حديث من تقريظ الأخلاق، ومع ذالك فالأخلاق تكاد مفقودة بيننا.
نحكي عن الحرية ونمارس القمع نمارسه في البيت، والمدرسة، والدائرة، والمؤسسة، والشارع
نحكي عن الصدق ونروي " مفتخرين" الأحاديث النبوية والكذب والنفاق معشش ومقيم بيننا كالطاعون.
نحكي عن الأمانة واللصوص بيننا، ويسكنون على بعد خطوة منا ، تآلفنا معهم، وصرنا نحترمهم ونبرر لهم، ونقول عنهم حلال على الشاطر.
نحكي عن التحديث والإصلاح والحال يمشي إلى أسوأ حال.
لماذا ؟لأن الحكي عندنا رغوة . زبد . علك صوف . اجترار . إعادة المعاد . وحكي المحكي،
ولأن حكينا معاد ومكرور وكله رغوة، فحالنا حال المريض الواقع في الغيبوبة ، لا هو مع الأحياء ولا هو بين الأموات .
ترى أي الفئات نروي حكاياتها وكل فرد فينا حكاية كل منزل مشبع بالحكايات الحارات متخمة بالحكايات الأرياف والحقول تفيض بالحكايات.
المدن العربية خزان حكايات لا ينضب تنتظر من يلتقطها ويحكيها فهي متخمة بالفاسدين يسرحون ويمرحون كجرذان المجار ير ، متخمة بالمنافقين والقتلة . تجار أشرار . سياسيون حمقى .مهنيون كاذبون .عاهرات يتعهرن على ذكور بلهاء .وسطاء يبيعون أمهم مقابل مصالحهم . شهود زور يبلعون المصحف لقاء قبضة من المال .لصوص وطنيون . رجال دين بلا دين .مؤسسات تؤسس للفساد والنفاق أطفال مشردون، مراهقون حالمون، نساء يهدهدن القهر والغربة .
وحدها الحكاية وعبر الحكي تضعك في قلب الحلم، وتنقلك عبره إلى عوالم الغرابة والدهشة، تنقلك إلى مكان حيث (لا طير يطير ولا وحش يسير )
كيف يمكن للمرء أن يسكن السكون، ويتلاءم مع البلاهة. بدون حكي بدون حلم. بدون ضوء؟. كيف يمكم للمرء أن يهدهد الحلم، ويروضه وهو العصي على الترويض والاعتقال؟ وهو الطائر المحلق فوق الزمان والمكان يتخطى التعاليم وحراسها ليصعد حتى السماء السابعة.
كيف لمنفلت من القيد أن يعود إلى القيد؟ كيف لطائر أن يدخل القفص بإرادته ؟
في الشرق المتشردق في تخلفه،الحكي و الفعل في حال الغيبوبة، والأحلام مؤجلة لقرن آخر فهذا الزمن زمن البلهاء والسفهاء واللصوص .
لكن أيضا وأيضا هذا زمن الحكي الولود .
10-2-2009
ادلب
[email protected]



#احمد_الحاج_علي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المقاومة وموت السؤال
- تموين ادلب والعقل البلاستيكي
- حكاية نواف والبغل
- حكاية الصبي الذي شنقناه
- حكاية قرم الملفوف
- متى نعترف بالآخر
- متى نبدأ بطرح الأسئلة
- السلطة الاستبدادية وحلقات الذكر الصوفية
- حكاية زهرة اللوز
- الحوار : حكاية كلمة مع الاستبداد
- الحمامة
- ثقب في السور
- حكاية الدب الذي غلبه أبو فهد في المباطحة


المزيد.....




- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد الحاج علي - الحكي والحكاية