أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد الحاج علي - ثقب في السور















المزيد.....

ثقب في السور


احمد الحاج علي

الحوار المتمدن-العدد: 842 - 2004 / 5 / 23 - 06:39
المحور: الادب والفن
    


قصة : أحمد الحاج علي
بعد جهد متواصل ودؤوب من والدي ، استأجر لنا بيتاً على أطراف المدينة ، هجرنا البيت القديم الذي يقع وسطها . هرباً من الضجيج والزحام ، هكذا برر والدي انتقالنا ، إلا أن الأمر في حقيقته غير ذلك ، فوالدي الذي يعمل في معمل بلاستيك ، لم يعد يستطيع دفع أجار البيت المرتفع ، ومتطلبات المصروف الأخرى . وفي مساء يوم ربيعي نقلنا أمتعتنا على شاحنة صغيرة إلى البيت الجديد ، كان فرش البيت مكوناً من ثلاث فرش محشوة ببقايا الإسفنج وطاولة حديدية صدئة ، وأربع حصر منسولة خيوط بعضها ، وخزانة ملابس لا قوائم لها وأدوات مطبخ نصفها من البلاستيك .
في صباح اليوم التالي . وقبل أن ننتهي من وجبة الفطور المكون من مكدوس الباذنجان بدون حشوة وزيتون محلى بماء الكلس . قال والدي مخاطباً أمي بكلمات ناشفة : نحن غرباء عن الحارة ، عينك على أبنك . لا أريد سماع كلمة شكوى من الجيران . هزت أمي برأسها علامة الموافقة ولم تنطق بحرف وراح أبي إلى معمل البلاستيك . كنت أكره صمت أمي واستسلامها لرغبات أبي . يأمر ، فتطيع بلا أدنى احتجاج ،توافق بصمت ، وتعمل بصمت وكأن قوة خفية ربطت لسانها وسرقت منها نطقها .
تأتـأت قائلاً : أيرضيك يا أمي أن أبقى محبوساً في البيت : قالت بصوت يكاد لا يُسمع : لا تذهب بعيداً . فقط حول البيت.
خرجت في الحال ، درت حول البيت . كان يسوره سور بقامة رجل من الجهة الجنوبية والغربية . فبدت بيوت الجيران ، مكشوفة . تشبه بيتنا حد المطابقة في شكلها الخارجي المدهون بماء الكلس . وحتى حدائق البيوت الثلاث ، بدت متشابهة . في كل بيت شجرتان من السرو على يسار المدخل مباشرة ، وعريشة عنب. تسلقت على السطح فاردة أوراقها لتشرب خيوط الشمس . أما من الجهة الشرقية . فيسور بيتنا سور , قدرت ارتفاعه بخمسة أمتار وعلى الحافة العليا منه ، زرع الزجاج المكسر ، فصارت أشعة الشمس المعكوسة ، ترقص على جدار البيت بقع ضوء ، بينما ينفذ من النافذة جزء آخر من الأشعة المعكوسة ، مشكلةً دوائر من الضوء المبهر ، تضئ البيت ، وفي أسفل الجدار المرتفع نبتت نباتات برية عُليق . توت بري . وأشواك أُبرية ، صار من الصعب الاقتراب منه ، ثم أن الجدار يبدو مصقولاً لا حواف له ، باستثناء بعض النتوءات التي لا تغري بصعوده ، هبطت عليّ فكرة الصعود وألحت إلحاحاً إلى درجة الهوس , وبدأت أسأل نفسي أسئلة سريعة ومتواصلة , ماذا يخفي السور خلفه من أسرار ..؟
ولِمَ كل هذا الارتفاع ؟ كيف أصعد السور ؟ لا بد من صعوده
غربت وشرقت محاذياً السور, ثمة ضوءٌ داخلٌ عبر شجيرة التوت البري ، يضيء بعض فروعها الكثيفة ، توقفت . نظرت . لا شيء . إلا أن الضوء بدأ يضيء شئ ما بداخلي ويدفعني دفعاً إلى اكتشاف مصدره ، ومعرفة السر المختبئ خلف السور ، اقتربت من شجيرة التوت البري ، ألصقت جسدي بالسور ودفعتها مقدار شبر ، تسرب ضوء كالفضة من ثقب صغير بحجم حبة حُمص ، اقتربت منه ، أغمضت عيني اليسرى فتحت عيني اليمنى و ألصقتها على فتحة الثقب ، نظرت . على الفور ، دغدغت أنفي رائحة ياسمين مختلطة برائحة أرض مبللة بالمطر, وثمة طاولة دائرية بيضاء كبيرة ، صف حولها عدد من الكراسي ، وسط أشجار متنوعة ، تتدلى منها الثمار وتطير فوقها طيور وعصافير بريش ملون ، والى مسافة أبعد قليل ثمة مجموعة من شبان وصبايا يصخبون ويضحكون , وغير بعيد عنهم أطفال يقرؤون كتباً ملونة ، بعضهم يتأرجح بمراجيح تظللها ظلال الأشجار ، حاولت رؤية مساحة أكبر ، إلا أن ضيق الثقب لا يسمح لي بالرؤية أكثر مما رأيت ، هل يمكن رؤية عالمٍ ما من خلال ثقب ؟
فكرت بتوسيع الثقب ، فكرت بأداة تساعدني على توسيع الثقب ، لا بد من أداة صلبة ، فكرت . بماذا , بماذا . صوت نبع من داخلي ، مبرد حديد مدور ، أدوره في الثقب فأحصل على ما أريد من اتساع أبعدت عيني اليمنى عن فتحة الثقب ، أسندت رأسي على السور ، أنصت ، يا إلهي . هناك شئ ما مدهش . مضيء . مبهج . أصوات ما سمعتها من قبل . تصلني كتراتيل ملائكة ، مصرة على حملي إلى عالم أخر غير هذا العالم ، وأسمع خرير جداول رتيبة ، تأتي من البعيد ، وتصفيق أجنحة طيور غير مرئية ، وأسمع صهيل خيول كأنها تصلني من أعماق الزمن ، ووقع حوافرها يدق في أذني بينما يسيل ضوء كالفضة من الثقب .
يا إلهي . أأنا في حلم أم في علم ، فكثيرة هي أحلام الليالي التي تخبو مخلفة ورائها الخيبة والانكسار، لم أصدق أني في حلم . لذلك قرصت أذني ،فركت عيوني ، فردت أصابع يدي ، تحسست جسدي . وبدا لي أني أعيش الحالة بلحمي ودمي ، وحمى فكرة توسيع الثقب راحت تلح علي من جديد . سأبدأ بتوسيع الثقب حتى يصير بحجم خوخة ، بحجم برتقالة ، بحجم كرة ، بحجم نافذة تنفذ منها الريح والضوء والموسيقى ، لا أدري كيف ومتى حصلت على مبرد الحديد المدور . رحت أدوره في الثقب بشي من الجنون . بدأ يتسع شيئاً فشيئاً . صار بحجم خوخة ، صار بحجم برتقالة ، بحجم كرة , بحجم نافذة ، نفذت منها الريح ورائحة الياسمين والضوء , بدأ يتصدع بنيان السور بدأ ينهار السور انتشر ضوء كالفضة ملأ الأماكن ، صدحت زقزقة العصافير كتراتيل ملائكة .,علا صهيل الخيول الشاردة حولي انسابت الموسيقى كالضوء , رعشة حمى هزتني بقوة , الدهشة ربطت لساني , تساءلت بصوت مرتفع وأنا مبهور , بكل هذه السهولة تنهار الأسوار ؟
سمعت صوتاً كالسوط من خلفي ، خفت . الخوف شلني , بصعوبة درت للوراء مرعوباً , كان والدي خلفي يكزّ على أسنانه وعيناه جاحظتان ، وبدا طويلاً كمارد الأساطير ، والغضب الوحشي يغلي في عروقه ، كنت صامتاً كميت ، رفعني بيده اليسرى إلى مستوى وجهه ، وبيده اليمنى ، تتالت الضربات على وجهي ، خفتت أصوات الموسيقى ، توقفت الخيول الشاردة عن الصهيل ، العصافير حطت على الأرض وتحولت إلى تماثيل ، السور عاد كما كان عالياً ، الضوء بدا يتراجع ، الظلام غطى المكان ، الروح راحت مع الريح المحبوس وراء السور ، ضاق المدى مع تتالي الضربات لم أعد أرى لم أعد أسمع ، صحت من وجعي ، أبي .. أبي .
لمحت حركت يد أمي وهي تبعد اللحاف عن وجهي ، وصوت بسملتها وهي تحاول إيقاظي .



#احمد_الحاج_علي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حكاية الدب الذي غلبه أبو فهد في المباطحة


المزيد.....




- -زرقاء اليمامة-... تحفة أوبرالية سعودية تنير سماء الفن العرب ...
- اصدار جديد لجميل السلحوت
- من الكوميديا إلى كوكب تحكمه القردة، قائمة بأفضل الأفلام التي ...
- انهيار فنانة مصرية على الهواء بسبب عالم أزهري
- الزنداني.. رائد الإعجاز وشيخ اليمن والإيمان
- الضحكة كلها على قناة واحدة.. استقبل الان قناة سبيس تون الجدي ...
- مازال هناك غد: الفيلم الذي قهر باربي في صالات إيطاليا
- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد الحاج علي - ثقب في السور