أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد الحاج علي - حكاية الصبي الذي شنقناه















المزيد.....

حكاية الصبي الذي شنقناه


احمد الحاج علي

الحوار المتمدن-العدد: 2127 - 2007 / 12 / 12 - 09:03
المحور: الادب والفن
    




1- الحكاية الأولى : كما الحلم المحفور في الذاكرة , تنبق حفلة إعدام الصبي وكأ نها حد ثت يوم أمس , نستعيدها بأدق تفاصيلها , بزمانها , ومكانها , وملامح الصبي الخائف الذي مات قبل أن يموت .

ماحكاية هذا الصبي الذي أعدمناه ؟وكيف صارت الواقعة ؟ ومتى ؟

تعود حفلة إعدام الصبي لأكثر من عشر سنوات , وقتها كنا مجموعة والأصح كنا عصابة , فاعلين للشر معتدين آثمين ,


لا يتجاوز عمر أكبرنا الرابعة عشر من عمره , نتفنن في ابتداع الشقاوة وفنون الشيطنة , وكنا نجد متعة في تعذيب الحيوانات الداشرة من جراء وكلاب وقطط وحمير, ولا نتورع عن إيذاء الأطفال الأصغر منا سنا , ولا نترك الواحد منهم حتى يبدأ في حفلة بكاء يشتم من خلالها أمنا وأبانا واختنا , وكانت متعتنا أن ننتشر في البرية أو في الكروم كل صيف ,حاملين فخاخنا وبضع جرادات , نجعلها طعما في الفخاخ , نصليها لعصافير مبهجة ألوانها وحركاتها وزقزقاتها ,

كنا نصلي الفخاخ تحت أشجار التين والزيتون القريبة من بيوتنا , وننطلق خلف العصافير بصمت وخفة وحذر الثعالب , وقد لا يطول الزمن حتى نصطاد بعضها فنطير فرحا بقدرتنا على تحويل الطيور الطائرة إلى طيور لاتقوى على الطيران وتزداد سعادتنا وهي تصوصي كفاروقع في مخالب قط .

صحيح كنا نفترق وننتشر بين الكروم , إلا أننا كنا نجتمع لدى أدنى خطر يتعرض له احدنا , فصفرة واحدة من احدنا تعني مثلا انه عثر على حردون ولا يستطيع الإمساك به ومع صفرته نتراكض لمساعدته ومن ثم نتشارك في حفل تعذيبه تميدا لقتله , وكانت الصفرتان تعني أن بعض الرفاق يحاصر أفعى أو قنفذا أو سلحفاة ويريد الإمساك بها من رقبتها وخلال ثوان نكون إلى جانبه , نتعاون لامسا ك الصيد حيا حتى نخيف الأصغر سنا منا حين عودتنا ليلا إلى بيوتنا , وتعني الثلاث صفرات أن يجتمع الجميع بأقصى سرعة , إلا أننا نادرا ما نلجأ إلى صفر الصفرات الثلاث , وتعني فيما تعنيه هذه الصفرات أن فردا أو أكثر من المجموعة قد تعرض لخطر ما , أو انه في مأزق من الصعب التخلص منه إلا بحضور الجماعة , تماما كما حدث في ذلك الصيف الذي يبعد عنا عشر سنوات , وقتها سمعنا الصفرات الثلاث فيما كنا منتشرين بين الكروم , نركض خلف فراخ العصافير, كانت صفرات طويلة , وواضحة , وقوية , وخلال ثوان معدودات كنا عند مصدر الصفرات , كان احد رفاقنا وأكبرنا سنا واسمه فهد الملقب ببغلو, يمسك بيده اليمنى صبيا لايتجاوز عمره الحاد ية عشر حسبما قال , وبيده اليسرى يمسك بنتا تصغر الصبي ربما بسنة واحدة , كانا يبكيان ويتوسلان لبغلو أن يتركهما وشأنهما , وحين سأله احد رفاقنا عن غلطة الصبي والبنت , أجاب بغلو: رايتهما بأم عيني في ظل الصخرة الكبيرة , متلاصقين رأسه على صدرها , ويده اليمنى حول رقبتها , صاحت جماعتنا بصوت واحد : يالطيف , يالطيف , وصرنا نتأمل الصبي والبنت طويلا , ودرنا حولهما عدة دورات إلى أن قال بغلو : علينا أن نعاقب الصبي حتى لايعود لمثلها أبدا : صحنا بصوت واحد موافقون , قال بغلو: مارايكم أن ننفذ العقوبة التي تختارها البنت .

صاح أكثرنا : كما تريد كما تريد .

التفت بغلو نحو البنت , كانت ذقنها ملتصقة بصدرها , تبكي وترتجف خوفا , وقال ناترا يدها نحوه: قولي يابنت يافاجرة بماذا نعاقب الصبي ؟

مسحت البنت دموعها بطرف كمها , وتاتات , وفافات , وكاكات , ولم تقوى على الكلام .

صرخ بغلو را فعا قبضته قبالة وجهها : تكلمي يابنت والا . . .

قالت البنت ودموعها على خديها: اشنقوه .

ثم طلب من احد رفاقنا أن يأتيه بحبل .

2- رواية الصبي وحكايته مع البنت .

حكايتي حكاية, حكاية لاعلى البال ولا على الخاطر, احكيها لكم من طقطق إلى السلام عليكم , بدون زيادة أو نقصان , ولم الزيادة أو النقصان, والحكاية صارت من عشر سنوات , أتذكرها كأنها حدثت يوم البارحة ,وملخصها أن أخي الكبير, أوصاني أن اعلف البقرة والعنزتين بالتبن والعلف , وبدل أن أنفذ ما أوصاني به أخي الكبير, رحت العب الكرة مع رفاق حارتي بعد أن استدعوني , ونسيت البقرة والعنزتين وماعدت اذكرهما إلى أن فاجأني أخي الكبير ظهرا وعيناه محمرتان كثور أسباني هائج قائلا : ياعكروت , البقرة والعنزات ميتين من الجوع والعطش , ثم امسكني من زيق قميصي , ورفعني مقدار ثلاثة أشبار عن الأرض وخبطني قائلا : والله ل أذبحك وكفر كفرية , أعوذ بالله لاتنزل بقبان , أما أنا فمن حلاوة الروح , قمت باربعتي كقط بسبعة أرواح شمعت الخيط وأنا احسب أن أخي الكبير ورائي , اركض , واركض , واركض , إلى أن وصلت أطراف بلدة لااعرف اسمها , وصلت تلك الصخرة الكبيرة التي بحجم صفنا في المدرسة , وصلت خائفا , باكيا , مذعورا , مرعوبا من سطوة أخي الكبير وخوفي منه

وكما في حكايات جدتي التي يختلط فيها الخيال بالواقع , خلقت خلقة أمامي بنت تصغرني قليلا مثل النقطة في المصحف , تلبس قميصا زهريا وبنطالا من الجنز المكحوت , وفمها مثل حبة الكرز الريحاوي , وكانت دموعها تسيل على خديها , بطيئة , مضيئة , مستسلمة لانحدارها, وكانت دموعي تسيل على خدي بطيئة, مستسلمة لضياعها , ورغم القهر الذي بداخلي , ابتسمت لها , فابتسمت لي , تقدمت نحوها خطوة , تقدمت نحوي خطوة مسحت دموعي بكمي , مسحت دموعها بكمها , هدا روعي , وبدأت اسمع زقزقة العصافير وصار الجو مضيئا ومبهجا , ضحكت قلت لحالي:أين كنت وأين صرت , اقتربت منها صامتا , اقتربت مني صامتة , وفي ظل الصخرة الكبيرة , ألقت برأسها على صدري ويدها حول عنقي , بينما علا نحيبها وكأنها في مأتم وبأقل من دقيقة واحدة كما اذكر , غفت كقطة وصارت في سابع نومة

عندما أيقظنا بغلو " فيما بعد عرفت أن لقبه بغلو " وقف شعر راسي , وتجمد الدم في عروقي , لقد ألقى القبض عليّ بالجرم المشهود كما قال , ثم استدعى رفاقه بصفرات ثلاث وهو يمسك يدي بقوة , كان الابن الحرام أقوى من بغلة عزو , وله وجه مثل وجه قتال الحسين , وصار يبربر بكلمات لم افهمها ,

عندما اكتمل التفاف العصابة حولنا, وأرادو معاقبتي , تركوا للبنت حرية اختيار العقوبة التي تراها .

تأتأت البنت , وصارت تبكي , صرخ فيها بغلو رافعا قبضته يهددها , تكلمي يابنت

فقالت البنت وهي تشهشه : اشنقوه .

الجماعة لم تكذب خبرا , راح بعضهم يفتش عن حبل , وراح البعض الآخر يضع حجرا فوق حجرلتكون كمنصة الإعدام , وعندما احضروا الحبل , ربطوه بغصن زيتون ومن الطرف المتدلي من الحبل عقدوا الانشوطة .

كان الخوف يجمدني وأنا اقترب من لحظة الإعدام , ويحولني إلى اخرس لايقوى على النطق , لقد تراكم الخوف من الموت فوق الخوف الذي بداخلي حتى صرت ميتا قبل أن أموت , وأدركت وقتها أني هربت من خوف إلى خوف اكبر , ثم حملوني ووضعوا الانشوطة في رقبتي , ودفع احدهم الحجر التي أقف عليها ومن حلاوة الروح رحت اصرخ بدون صراخ وأتوسل بدون توسل .

لقد كانت محاولاتي لاتتعدى فتح فمي على أخره , بلا صوت ولولا لطف الله بان أرسل لي من غامض علمه من يفك الحبل عن رقبتي في آخر روح لكنت رحت فيها , وصرت طيرا من طيور الجنة كما يقولون , وإذا لم تصدقوا حكايتي هاكم رقبتي , انظروها فما زالت آثار حبل الليف بادية عليها منذ عشر سنوات حتى الآن

3- حكاية البنت التي حكمت على الصبي بالشنق

دائما هناك من يطلب مني أن احكي حكاية الصبي الذي حكمت عليه بالشنق , لقد التوى حنكي , وطلع الشعر على لساني وأنا احكي هذه الحكاية , وكأن لا حكاية عندنا إلا حكاية الصبي الذي حكمت عليه بالشنق , آلاف الحكايات تنتظر من يرويها ولا من يرويها خوفا , أو نفاقا , أو خجلا , أو جهلا , منذ عشر سنوات وأنا احكي هذه الحكاية , حكاية من أبشع الحكايات , اتركوها تموت يا جماعة , أو اتركوني اكذب وأقول إنها ماتت , لاتوقيظوها , اتركوها نائمة في كهوف النفس , أو اتركوها تعربد في شعاب الروح , كجرذان المجارير , لاتنبشوها فتطلع رائحتها ك ...

فقد أخافنا الخوف بما فيه الكفاية , هل هي حكاية عارنا العاري وجهلنا جميعا أم حكاية الخوف المتوارث الذي بداخلنا المعشعش كما العنكبوت , دائما يظهر لي الخوف بشاربين معقوفين كخنجرين عمانيين أو يظهر لي الخوف رجلا بطربوش عثملي . يحمل عصاه للعاصين من طلابه أو يطلع بزي دركي , أو بزي رجل تزين قفاه آلة موت .

سوف تردون علي وتقولون : أنت من يتكلم هذا الكلام , أنت أيتها القاسية القلب , أنت يا مجرمة : كيف تحكمين على الصبي بالشنق ؟ إذن أنت واحدة مثلنا مثلك , وأقول نعم مثلي مثلكم لافرق , ولكني سأكبس على الجرح ملح واحكي لكم حكاية اشنقوه من أولها , وأنا اقبل حكمكم مهما كان .

في ذلك اليوم المشؤوم , وقبل عشر سنوات , كنت العب في الساحة التي أمام بيتنا مع صبيان وبنات من سني , والحقيقة أن أبي أوصاني أن لا العب في الساحة مع الصبيان والبنات , ولكن ما نفع الأوامر والتوصيات أمام إغراء اللعب , وعتد عودتي إلى البيت ظهراً , جن جنون أبي حين عرف أني كنت العب في الساحة , صار يرقص شاربه المعقوف كشارب أبي زيد الهلالي التي في الصورة غضباً , يومها نفخ اسرافيل في الصور, قامت القيامة , وفار التنور , وسقطت السماء على الأرض , نط ما حط , وهو يرغي ويزبد , لا اخفي عليكم , مرطني قتلة , دق ودوس , وقال لي كلمات لا أقولها خجلا , وأتمها بقوله : هذه آخر مرة تلعبين, وإذا ما عدت للعب في الساحة بعد اليوم سأعلق مشنقتك .

هل اروي لكم عدد المرات التي مرطني فيها وقال لامي هات الحبل لنشنقها , عشر مرات , عشرون مرة , ألف مرة , تاه العداد , تعطل , وعندما صار عمري عشر سنوات , حفظت بضع كلمات بصما لكثرة مارددها أبي على مسامعي ساعددهالكم لاتقرفو ا : بدي قطعك شقف , بدي أذبحك , بدي أسحلك , بدي اقطع رقبتك , بدي أخنقك , بدي فطسك , بدي أشنقك , بدي أعدمك , بدي أنحرك , بدي قوسك , بدي كسر راسك , بدي اسلخ جلدك عن عظمك .

قولوا لي ياافندية , أية كلمة اختار من هذه الكلمات تكون ارحم من أخواتها , لأقولها لبغلو , فانا مازلت اذكر , أني كنت ارتجف من خوف وبرد ونحن في عز الصيف .

لقد تأتأت , و فأفأت , حتى أخرجت من جعبتي هذه الكلمة "اشتقوه " نعم قلت لهم اشنقوه , لكن على أي ذنب يا ترى .



هل لان رأسه استراح على صدري ؟ يا عيب الشوم ! هل تصدقون أن الصبي حين ألقى برأسه على صدري راح في نوبة بكاء ونحيب فاجع , المقتول أبوه لاينتحب ذلك النحيب , نعم لقد غفا الصبي وهو يشهشه بألم واليوم بعدعشر سنوات , اسأل نفسي وألومها , لماذا تركت البيت , وطفشت من خوف إلى خوف , ومن ظلم إلى ظلم ؟ لماذا قلت لهم اشنقوه ؟ هل خدرني الخوف ؟ هل ربط لساني ؟

وقد ظل السؤال معلقا دون إجابة عشر سنوات إلى أن اكتشفت أن الخوف يستطيع تحويل ألاحيا ء إلى أموات أموات إلا أنهم يحتفون منتشين بموتهم صباحا ومساء



#احمد_الحاج_علي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حكاية قرم الملفوف
- متى نعترف بالآخر
- متى نبدأ بطرح الأسئلة
- السلطة الاستبدادية وحلقات الذكر الصوفية
- حكاية زهرة اللوز
- الحوار : حكاية كلمة مع الاستبداد
- الحمامة
- ثقب في السور
- حكاية الدب الذي غلبه أبو فهد في المباطحة


المزيد.....




- دور السينما بمصر والخليج تُعيد عرض فيلم -زهايمر- احتفالا بمي ...
- بعد فوزه بالأوسكار عن -الكتاب الأخضر-.. فاريلي يعود للكوميدي ...
- رواية -أمي وأعرفها- لأحمد طملية.. صور بليغة من سرديات المخيم ...
- إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا ...
- أفلام كرتون على مدار اليوم …. تردد قناة توم وجيري الجديد 202 ...
- الفيديو الإعلاني لجهاز -آي باد برو- اللوحي الجديد يثير سخط ا ...
- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...
- فرنسا: مهرجان كان السينمائي يعتمد على الذكاء الاصطناعي في تد ...
- رئيس الحكومة المغربية يفتتح المعرض الدولي للنشر والكتاب بالر ...
- تقرير يبرز هيمنة -الورقي-و-العربية-وتراجع -الفرنسية- في المغ ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد الحاج علي - حكاية الصبي الذي شنقناه