أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - احمد الحاج علي - السلطة الاستبدادية وحلقات الذكر الصوفية















المزيد.....

السلطة الاستبدادية وحلقات الذكر الصوفية


احمد الحاج علي

الحوار المتمدن-العدد: 1466 - 2006 / 2 / 19 - 03:58
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في حلقات الذكر التي يقيمها المؤمنون الصوفيون , تبدأ حلقة الذكر بأصوات هادئة , تقتصر على الهمهمة والنقر على الدف , مصحوبة بحركة الجسد إلى الإمام والخلف واليمين والشمال , وهي تردد , الله حي , الله حي , إلا أن الحركات والأصوات سرعان ما تشتد وتعنف , ويقوى النقر على الدف , إلى أن تصل الفرقة حد الدوخان الذي يشبه السكر , عندها , لا يرى الفرد في الفرقة ماحو له , ولا يحس بموجودات محيطه , غائباً عن الوعي , وفي تلك اللحظة يستقيل العقل من مهامه الأرضية وهمومه الدنيوية , محلقاً في ملكوت السماوات , مندغماً في ذات الله , ذائباً في حبه وعشقه للخالق , مغمياً عليه , وحالة من الهذيان تتلبسه .
إلا أن هذه الفرقة بطقوسها هي إحدى فرق الصوفية المتعددة المذاهب , ولعلها الأكثر بساطة في ممارسة عبادتها للخالق وتقرباً منه , وهي بعيدة عن المغالات في التصوف , ولعلّ بعض الفرق الصوفية المتطرفة تصل من خلال حلقة الذكر إلى مرحلة متقدمة من الذوبان والاتحاد في ذات الله , والى الاعتقاد بأنها صارت والله شيئاً واحداً , أي تستطيع الفرقة أو الفرد في الفرقة أن يحي ويميت , ويفقر ويغني , ويمرض ويشفي , وقدراته خارقة , إذ يستطيع أن يطير بسرعة طائر الشبح ويصل إلى المكان الذي يبتغيه بدون وسيلة نقل ودون تعب , متقمصاً دور الله , والحلول مكانه , في تسيير الكون واكتساب أسماء الله الحسنى .
لكن ما العلاقة بين حلقة الذكر الصوفية المغالية في تصوفها وبين سلطات الاستبداد ؟
تتقاطع السلطة الاستبدادية في الكثير من الحالات مع التصوف المغالي , فالسلطة المستبدة عند استيلائها على الحكم تبدو ناعمة وديعة وتعد بتلبية مطالب الناس , وخطابها هذا يدغدغ مشاعر الجماهير , في الوقت الذي تخفي فيه أنيابها كما أخفى ذئب ليلى في قصة ليلى والذئب أنيابه وتكشيرته , ثم تتحول السلطة إلى الهمهمة بحيث لا تدري ولا تعرف ماذا تريد , ثم يتسارع هذيانها ويشتد عنفوانها كما في حلقة الذكر الصوفية , حتى يغدو ممارسة القتل و التعذيب والسجن والتكفير والتخوين أمورا لا ضرورة للتفكير في اخلاقيتها , وتبقى هذه السلطة متحفزة للانقضاض على أي صوت معارض , يعترض تسيدها , وهذه المرحلة ضرورية من وجهة نظرها , إذ بدون مجمل الممارسات التي تؤدي إلى التخويف والتجهيل لا يمكن لهذه السلطة الانتقال إلى مرحلة الفساد والنهب , والسلطة حين تغوص في عمليات القتل والتعذيب والفساد , تصل إلى مرحلة لا تعود ترى ماحولها ولا تحس بأخطائها , وتغيب في ملكوت فسادها , (كغياب حلقة الذكر الصوفية في ملكوت السماوات )
متوهمة أي السلطة أنها صاحبة الكرامات , وملهمة , ومالكة للحقيقة , غائبة في ملكوت فسادها وحسابات أموالها ومراتع نهبها .
وكلما ازدادت ثروات رجال السلطة , كلما كان دفاعهم عن سلطتهم اشد فتكاً , وأكثر تنمرا , وأكثر دموية . فالسلطة والمال , يشكلان غشاوة سميكة على أعينهم وقلوبهم لا يرون بعدها إلا ذواتهم المتضخمة بفعل السلطة فهم ليسوا مصدقين ماهم فيه من ثراء وجاه يأمرون فيطاعون فهم الأسياد والآخرون عبيد عليهم أن يخدموا تحت سلطتهم وسطوتهم .
إن السلطة عندهم تعادل الخاتم السحري ( خاتم لبيك عبدك بين يديك ) تتشبث بها , وتعض عليها بأنيابها واضافرها ودباباتها , ولا تتركها إلا بالموت أو القتل أو الإقالة , فقد كان برجنيف الاتحاد السوفيتي في أواخر أيامه الرئاسية , يسنده عن يمين وعن شمال , شخصان من أعوانه حتى يستطيع الوقوف , ولم يترك السلطة إلا مرغما بفضل ملك الموت وكان الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة في أواخر أيام خرفه الرئاسية , يسبح في بحر عشر من الكواعب الأتراب , يدلكونه من قبل ٍ ومن دبرٍ ولم يتنازل عن السلطة إلا مرغما0
وللتدليل على دوخان المتسلط , فانه يرتكب أفظع الجرائم , دون أي إحساس بالندامة , لقد نمت القسوة في داخله حتى تحول إلى وحش , وقد يصل به الأمر إلى حد المتعة وهو يمارس أو يرى ضحيته وهي تتلقى سياط التعذيب وتصبح تأوهات الضحية وتذللها موسيقى يطرب لها , والحقيقة أن مثل هذا الشخص ما هو إلا مريض نفسي بحاجة إلى إعادة التأهيل والمعالجة , فالسادية حولته إلى نمر شره للدم والقتل , وهو عاجز عن كبح رغباته في التسلط , وهو يرى ضحيته مستسلمة لتنمره وفحشه . قد يقول قائل : أ إلى هذا الحد تحول السلطة الإنسان إلى وحش ؟ وأنا أقول : اسألوا أي مسؤول تقاعد , أو سُرح , أو ابعد عن عمله لسبب ما , سوف يحكي عن الأخطاء التي ارتكبها(يسميها أخطاء ) والجرائم التي اقترفها وسوف يحكي بندامة وتأنيب ضمير عن مرحلة مرت كان عقله فيها مستقيلا وفي حالة من السكر والهيجان ( كفرد حلقة الذكر الصوفية ) . وقد يحاول نسيان تلك المرحلة ما أمكن لكن هيهات .
إن بطل دستويفسكي في الجريمة والعقاب راسكيلنكوف القاتل للعجوز من اجل المال لم يستطع بعد قتلها أن يبعد شبح العجوز وصارت تعيش معه في فراشه وعلى الفطور وعلى مقعد الدراسة وفي الشارع , فكيف لرجل السلطة المحال إلى المعاش أن يعيش نفس حالات الرعب التي كان يمارسها على ضحيته التي تلاحقه ليلا نهار وتقض مضجعه .
إن الضحية الآن تعذب القاتل , الملوثة يديه بدماء عشرات الضحايا وصرخات آلاف السجناء وأموال الآلاف المؤلفة من الذين تحولت أموالهم إلى جيوب قاتليهم , إن صرخاتهم تقض مضجعه وأشباحهم تحيط به وتحاكمه وتدخله في حالة من الهلوسة التي قد تصل إلى حد الجنون .
إلا أن الانكى من ذالك أن هذه المدرسة التي ترعرعت ونمت منذ عدة عقود , مازالت إلى الآن متربعة على عرش عقول المتسلطين , وتدفع برفاق كثر , لتعلم تقاليد هذه المدرسة القائمة على نفي الآخر , وعدم الاعتراف به , وسجنه , وقتله , وتجعلهم على استعداد دائم للدخول في ملكوت التسلط والفساد , متحفزين , ومستعدين للعب نفس الدور القذر الذي لعبه أسلافهم في السلطة .
إن امة يملك متسلطيها كل هذا القتل لمعارضيها وكل هذا الفحش في التعامل مع أصحاب الرأي المختلف وكل هذا الفساد وكل هذا التدمير وكل هذا التجهيل لا تستطيع إلا أن تنحدر نحو هاوية التخلف وتندفع مستسلمة إلى حضن هولاكو الجديد الذي بدأ يدق أبوابنا بإلحاح .



#احمد_الحاج_علي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حكاية زهرة اللوز
- الحوار : حكاية كلمة مع الاستبداد
- الحمامة
- ثقب في السور
- حكاية الدب الذي غلبه أبو فهد في المباطحة


المزيد.....




- في اليابان.. قطارات بمقصورات خاصة بدءًا من عام 2026
- وانغ يي: لا يوجد علاج معجزة لحل الأزمة الأوكرانية
- مدينة سياحية شهيرة تفرض رسوم دخول للحد من أعداد السياح!
- أيهما أفضل، كثرة الاستحمام، أم التقليل منه؟
- قصف إسرائيلي جوي ومدفعي يؤدي إلى مقتل 9 فلسطينيين في غزة
- عبور أول سفينة شحن بعد انهيار جسر بالتيمور في الولايات المتح ...
- بلغاريا: القضاء يعيد النظر في ملف معارض سعودي مهدد بالترحيل ...
- غضب في لبنان بعد فيديو ضرب وسحل محامية أمام المحكمة
- لوحة كانت مفقودة للرسام غوستاف كليمت تُباع بـ32 مليون دولار ...
- حب بين الغيوم.. طيار يتقدم للزواج من مضيفة طيران أمام الركاب ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - احمد الحاج علي - السلطة الاستبدادية وحلقات الذكر الصوفية