أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد الحاج علي - الحمامة














المزيد.....

الحمامة


احمد الحاج علي

الحوار المتمدن-العدد: 1104 - 2005 / 2 / 9 - 09:39
المحور: الادب والفن
    


في اللحظة التي ضغط فيها الصياد على الزناد . انطلقت الطلقة . باتجاه برج الحمام البري . يصحبها صوت صاعق . فاصطدمت بواجهة البرج الشمالية . طرت انا الحمامة مع الحمام الى الأجواء . مسربلين بخوفنا . درنا في الفضاء حول البرج دورات عديدة . وهمّ السرب بالنزول . يغريه الظل والراحة . لكن الخوف . تركنا نلوب على غير هدى . نعلو . نهبط . ندور دوائرَ كما يدور حصان حول الرحى . وأرواحنا مشدودة الى البرج . رغم كثرة الصيادين ببنادقهم وهي تلمع تحت اشعة شمس نيسان . يتلطى الواحد منهم بين سياج العوسج الذي يحد البرج من الجهة الجنوبية . ومن أقرب مسافة بيننا . يطلق الموت علينا . وفي الصباحات الندية . ينصب الصيادون شراكهم وفخاخهم تحت ظلال أشجار الزيتون واللوز المحيطة بالبرج . ويختبئون داخل قبة قريبة . سكنها أحد الدراويش . ثم صارت مزاراً فيما بعد . فكرت وأنا أطير مع السرب . قلت لنفسي . الأجواء واسعة . والمدى لانهاية له . فكل الاتجاهات ملك جناحيّ لِمَ لا أترك سرب الحمام والبرج وسياج العوسج وأشرد الى اماكن بعيدة أكثر اماناً ودفءً ؟ فأنا لم اعد اطيق البرج لما لاقيت فيه من خوف ورعب ، فمازلت أذكر تلك الكارثة التي كادت تودي بحياتي وحياة اخواتي الحمامات ، أستعيد تفاصيلها . كلما أطلق صياد طلقة . او كلما تلبدت السماء بغيوم بيضاء ، او كلما نصب الصيادون فخاً ، أستعيدها من بدايتها المخيفة من اليوم الذي أثلجت فيه السماء خمس نهارات . وخمس ليال ٍ اعتصمنا فيها بطاقات البرج الداخلية . والريح المجنونة . تدور حول البرج ترشقنا بندف الثلج والريح . وهي تعوي كعويل الثكالى. وتصفر صفير أفاعٍ خرافية . والبرد سكن عظامنا . القيامة قامت . يومها لذنا ببعضنا إلتصقت اجسادنا ببعضها . غللنا برؤوسنا تحت الاجنحة الدافئة . رتلنا بهديلنا صلوات لها طعم الخوف . إنقض علينا الجوع . قتل فراخنا الصغيرة ، وهدّ أجنحتنا . رحنا ننوح كما تنوح الامهات على قبور أبنائهن . خمسة أيام كأنها الدهر . مجنونة من تجرؤ وتخرج للبحث عن حب تقتات به . والعاصفة تزغرد لانتصارها المجنون .
في اليوم السادس . صحت السماء . والعاصفة اختبأت في كهوفها الاسطورية البعيدة . والشمس الخجلى راحت تحبو صاعدة قبة السماء . مشينا . كما دبيب العجائز المتعبة الى الطاقات المواجهة للشمس . لنرى بأعيننا الذابلة مقدرتها على إلتهام البساط الثلجي الأبيض . ولنشرب الدفء من أشعتها . نفشنا ريشنا . رفرفنا بأجنحتنا المتكسرة بعد أن سرى الدفء فيها . وطرنا خائفين . لنفتش عن قوت نقتات به. كان الثلج مايزال مسيطراً على السهول والاشجار وأسطح المنازل والطرقات . وغير بعيد عن البرج وتحت شجرة لوز لمحتها ، حبة قمح بلون الذهب على طبق هائل من الفضة . سال لعابي . والجوع كافر وبدون تفكير . نقرتها . ياللهول . اطبق حديد الفخ على رقبتي كمقصلة فرفحت روحي . ضربت الثلج والصقيع والريح بأجنحتي المنهكة . طبق الفضة المنبسط حولي . تحول الى ملاءة سوداء . قاتمة بلون الليل . نفذ الثلج الى عظامي . تصقع جسدي ، وقلبي فاض تعباً ورعباً وبرداً وليلاً ، كاد يستسلم للقدر المقتدر . بل استسلمت للموت . هكذا خيل لي ، غبت عن الوعي ، كم من الوقت لا أدري . وعندما صحوت كان الفخ عالقاً بشجرة ورد صغيرة وأنا بعيدة عن الفخ .
عندما استعادت ذاكرتي هذه القصة . كنت قد إبتعدت عن السرب الى مسافات غير بعيدة عن البرج . كنت أطير على غير هدى . لأتخلص من خوفي . لكن الخوف كان يطير معي أينما طرت . الخوف من طلقة متوحشة . تصيب القلب . فأغتسل بدمي الدافئ القاني كشفق الغروب . وتفرفح الروح . ثم يرقص الجسد رقصة الاستسلام المذبوح . أفٍ من هذا الكابوس . يبدو أني لن أستطيع التخلص منه . ولكني سأجرب . أحاول . فالمرء لايستطيع رؤية ماحوله والخوف يطير معه . حتى لو كان محلقاً في الاجواء . . . بدأت بترتيل صلوات لاتنتهي . صلوات صامتة . لاتشبه صلوات الناس . ورتل قلبي دعاءً ماأن انتهيت منه حتى غرغرت عيوني بدموع الاطمئنان ، ونفسي القلقة الملتاعة تصالحت مع نفسي . عندها بدأت أرى وأحس ما حولي ، كانت الوهاد منمنمة بعشب البراري وأزاهيره المضيئة كنجوم متألقة . راق لي المشهد . فردتُ جناحىّ ونزلت من عُلوِي مختارة لأرى تفاصيل هذا الجمال أمامي . ياللبهاء المستبد . براعم الورود . وشقائق النعمان . مطرزة الفيافي الخضر وعبقها المنتشر في الاجوء أعطاني الثقة بنفسي . رحت ألوب في المكان منتشية . مطمئنة . كان خالياً من الصيادين . مليئاً بالعصافير والفراشات ، أغواني المكان . راودني عن نفسي . تمنيت أن أسكن فيه . لكن قربه من البرج أفزعني ، وعاد الخوف يخيفني . صفقت بأجنحتي وطرت والخوف يطير معي ، ويدفعني للتحليق للوصول الى أماكن أكثر أماناً . غرّبت عابرة التلال الصاخبة بزقزقة العصافير . والوديان الصامتة . والجبال المتوحدة بجبروتها . والفيافي الفقيرة . والأرياف الكسلى . فجأة دَوَّتْ طلقة عندما كنت أعبر احدى القرى ، تيبست جناحي في الهواء . ماعدت قادرة على تحريكهما . انساب جسدي يحمله الهواء ، اقتربت من القرية . شاهدت بعيوني الحائرة زواريبها وممراتها الضيقة القديمة . ورأيت بشراً يقتتلون . يلوحون بأيديهم في الهواء وهم يتشاتمون . يختفي بعضهم في الزوايا الخفية . يتربصون ببعضهم . وهم يحملون بنادقهم التي تلمع تحت الشمس . يقبضون بقبضاتهم على عصي غليظة ، يتحفزون ، يتشهون الدم . والنساء تولول فزعة . والاطفال يبكون . والعصافير تطير فزعة . ثمة رجل ملقى على الأرض ، مغتسل بدمه ، إذن الطلقة اصابته . حزنت . تألمت . شتمت . كفرت .امتلأت قهراً ، ووليت عائدة الى برج الحمام .



#احمد_الحاج_علي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثقب في السور
- حكاية الدب الذي غلبه أبو فهد في المباطحة


المزيد.....




- بالأسم ورقم الجلوس.. نتيجة الدبلومات الفنية 2025 الدور الأول ...
- “استعلم عبر بوابة التعليم الفني” نتيجة الدبلومات الفنية برقم ...
- “صناعي – تجاري – زراعي – فندقي” رابط نتيجة الدبلومات الفنية ...
- إبراهيم البيومي غانم: تجديد الفكر لتشريح أزمة التبعية الثقاف ...
- بوابة التعليم الفني.. موعد إعلان نتيجة الدبلومات الفنية 2025 ...
- البندقية وزفاف الملياردير: جيف بيزوس يتزوج لورين سانشيز في ح ...
- شاهد.. الفنانون الإيرانيون يعزفزن سمفونية النصر في ساحة الحر ...
- طلبة التوجيهي يؤدون امتحان -اللغة الإنجليزية-.. مروحة واسعة ...
- “برقم الجلوس والاسم فقط” Link الاستعلام عن نتيجة الدبلومات ا ...
- العراق يواجه خطر اندثار 500 لهجة محلية تعكس تنوعه الثقافي ال ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد الحاج علي - الحمامة