أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نمر سعدي - البحثُ عن الأوتوبيا














المزيد.....

البحثُ عن الأوتوبيا


نمر سعدي

الحوار المتمدن-العدد: 2570 - 2009 / 2 / 27 - 09:39
المحور: الادب والفن
    



أُصارحكَ القولَ أيُّها الآخرُ يا أخي.. يا صديقي وشاعري القريبَ إلى حافةِ القلبِ كحبَّةِ اللؤلؤِ والمملوءَ بالشَجَنِ الدافئِ كمياهِ الينابيعِ الجوفيَّةِ.. أنَّني منذُ كنتُ وأنا أبحثُ عنكَ كمن يبحثُ عن خيطِ النورِ في غابةِ الظلامِ وأتلَّمسُ نبضَ شعركَ في الريحِ الزرقاءِ العقيمةِ.. لقدْ كنتَ قنديلي في البداياتِ ونجمةَ ليلي الدجوجيِّ البهيمْ.
كنتُ أسألُ عنكَ عبثَ الروحِ وضياعها وأركضُ خلفَ سرابكَ اللا متناهي المضيءِ بماءِ السحرِ والنبوءة.. وعندما كنتُ أغرقُ في خضَّمِ ألمي وأسئلةِ وجودي أجدكَ يداً من حريرٍ خضيرٍ تمتدُّ لي كتلويحةِ الشمعِ الأخضرِ.
وكم مرَّةً شحذتُ همَّتي التي فتَرَتْ مراراً وتكراراً لكتابةِ قصيدةٍ جديدةٍ حبلى بالنورِ والحدائقِ البابليةِ.. وكنتَ لي حينها أجنحةَ النسرِ في مواجهةِ العاصفةِ الرعناءِ.. والشراعَ القزحيَّ في مواجهةِ التيار الهادر.
كانَ كلامكَ يشبهُ عطفَ وحدبَ الأبِ على ابنهِ الضَّالِ في متاهةِ الحرِّيةِ والحُبِّ الخائبِ.. معكَ أعرفُ أنَّ الحياةَ لا كما يُصوِّرها لنا الآخرونَ أنَّها أوتوبيا عادلة ملأى بالفراديس وكنتَ تضحكُ في أقاصي روحكَ سراً وتقولُ أنَّهُ ولا حتى مليونَ شاعرٍ كفرجيلِ أو هوميروس أو محمود درويش أو المتنبِّي أو ربمَّا ملارمه أو شكسبير أو يانيس ريتسوس بقادرينَ ولو للحظةٍ واحدةٍ وقفَ هذهِ المأساةَ أو تحويلَ هذهِ الحياةَ الرجيمةَ إلى أوتوبيا شاعريَّةٍ عادلةٍ تنادي بالقيَمِ الساميةِ ولكنَّكَ كنتَ تقنعني بأنَّ مرضَ الكتابةِ والشعرِ قدرٌ من السماءِ لا مفرَّ لنورسِ القلبِ منهُ ولا مناصَ لفراشاتِ الندى والأقحوانِ من نارهِ الملساءِ الحمقاءْ.
ألشعرُ إذن قدرٌ من السماءِ وعلينا نحنُ العبيدُ البسطاءُ أنْ نتقبَّلهُ نعيماً كانَ أو جحيماً.. شوكاً أو زنبقاً.. مطراً ناعماً أو أحجارَ سجيِّلْ.
أنتَ يا آخري الذي لمْ أستطع الإفلاتَ منهُ... من أغراني بهذهِ اليوتوبيا الكاذبة والخُلَّبِ كبرقِ الحياةِ... أنتَ لا أحدَ غيركَ من دفعني على مركبِ سندبادَ لأعيدَ فصولَ روايةِ يوليسَ وأعيشَ العمرَ كلَّهُ على قلقٍ كأنَّ ريحَ المتنبِّي من تحتي ومن فوقي وعن شمالي ويميني وفي قلبي وروحي.
لا تزالُ كلمتكَ ترنُّ رنيناً خفيفاً في سمعي وترسبُ في قاعِ القلبِ كالدرةِ الثمينةِ في جوفِ البحرِ الصامتْ.... أنا في شوقٍ ربيعيٍّ خاسرٍ لتلويحةِ مراياكَ المندثرةِ وأنهمرُ كالضوءِ على عالمي الداخليِّ وجسمِ الأوتوبيا.. وليذهبْ ندمُ ديكِ الجنِّ على حبيبتهِ وردَ إلى الجحيمْ... وليصيرَ شعرُهُ هلاماً لكلامي.
مرَّةً قلتَ لي ما معناهُ أنَّ القصيدةَ هيَ مركبٌ سكرانٌ من مراكبِ رمبو ربَّما يحملكَ إلى الفردوسِ أو إلى الجحيمِ.. القصيدةَ شتاءٌ من المجازِ الحُرِّ مُبلَّلٌ بالأحاسيسِ الغريبةِ والاستعاراتِ المُجنَّحةِ.. ودربٌ مسكونٌ بالنورِ والندى وعبقِ الأرجوانِ إلى الأوتوبيا الموعودةِ المُعلَّقةِ في أعلى اشتهاءاتنا الخاسرةِ.. تلكَ التي كانتْ كانت قابَ قبلةٍ من دمي ولمْ أنجحْ البتَّة باحتوائها ساعةَ احتضانِ ضبابها اللا مرئِّيْ والمخاتلِ مثلَ نهرٍ يختبئُ في السماءْ.
منذُ تلكَ اللحظةِ وأنا أبحثُ عنكَ وعنها في خلايا دمي وفي قصيدتي ورمادِ عنقائها وترابِ سمائها البلوريِّ بلا فائدة.. أبحثُ عنكما فلا أرى غيرَ ظلِّكَ رابضاً على مساحةِ الشعرِ والحدائقِ والشتاءِ... ولا أرى غيرَ تطايرِ أوراقها المُلوَّنةِ في السماءِ السابعةِ ولا أحسُّ إلاَّ بانسرابِ شعاعها من وصايا دمي وأقاصي هيامي.
نمْ أنتَ يا صديقي وهيَ هناكَ في البرزخِ اللا محسوسِ تماماً كالقصيدةِ التائبةِ المحمولةِ إلى أعلى فراديسِ انتظاري... أمَّا أنا فلا لن أحطَّ رحالَ حلمي ولن أصادقَ غيرَ ريحِ جديِّ المتنبِّي... سأصعدُ أعلى هاويةٍ فيكما وأصرخُ كالذئبِ الضاري في ليلكما الحميمِ... وأبحثُ عنكما إلى الأبدْ..... إلى الأبدْ.
[email protected]



#نمر_سعدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وردةُ القلب
- الطيِّب صالح يهاجرُ جنوباً
- ترانيم غجرية
- فراشةُ قلبكِ المائيّْ
- نشيدُ طواويسِ الشعر
- مرثيَّة متأخرَّة لمحمد الماغوط
- شيء عن الأيديولوجيا الضالَّة والحُبِّ والحربْ
- لماذا تسكبينَ دمي على الشطآنْ ؟
- حنانكِ غزَّة
- ثلاث قصائد
- قصيدتان
- أقمارٌ مائيَّةٌ لشرفةِ السيَّابْ
- هي شهقةٌ أخرى
- قصائد مبتلة بالضوء / قصائد مختارة
- شمسُ يوشع
- كلمات في وداع أجمل الفرسان محمود درويش
- كلُّ هذا البهاءِ المراوغِ حريَّتي ليسَ لي
- عذابات وضَّاح آخر
- خطىً لظباءِ القوافي على القلبِ
- قصائد مختارة من ديوان أوتوبيا أنثى الملاك


المزيد.....




- أخطاء ترجمة غيّرت العالم: من النووي إلى -أعضاء بولندا الحساس ...
- -جيهان-.. رواية جديدة للكاتب عزام توفيق أبو السعود
- ترامب ونتنياهو.. مسرحية السلام أم هندسة الانتصار في غزة؟
- روبرت ريدفورد وهوليوود.. بَين سِحر الأداء وصِدق الرِسالة
- تجربة الشاعر الراحل عقيل علي على طاولة إتحاد أدباء ذي قار
- عزف الموسيقى في سن متأخرة يعزز صحة الدماغ
- درويش والشعر العربي ما بعد الرحيل
- -غزة صوت الحياة والموت-.. وثيقة سينمائية من قلب الكارثة
- -غزة صوت الحياة والموت-.. وثيقة سينمائية من قلب الكارثة
- بائع الصحف الباريسي علي أكبر.. صفحة أخيرة من زمن المناداة عل ...


المزيد.....

- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نمر سعدي - البحثُ عن الأوتوبيا