أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صبري يوسف - الفساد















المزيد.....

الفساد


صبري يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 2543 - 2009 / 1 / 31 - 08:38
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الفساد ليس فقط سوء استغلال السلطة من أجل تحقيق مكاسب شخصية، كما تعرِّفه منظمة الشفافية الدولية، هذا تعريف بسيط وسطحي وعابر لا يرقى إلى تحديد أبعاد مفاصل الفساد الذي يسترخي عليه فاسدو هذا العالم!
قبل أن نعرّف الفساد علينا أن ندرس أسباب الفساد، فالطعام يفسد عندما يكون في ظروف غير صحية، والإنسان أيضاً يفسد ويصبح فاسداً ويمارس الفساد عندما ينمو ويترعرع في بيئة غير صحّية، وهكذا، القضية مرتبطة بالمنبت والمنشأ والتكوين، وأغلب بني البشر في بقاع الدنيا هم فاسدون بنسبة معينة، وتتفاوت هذه النسبة من بلدٍ إلى آخر ومن نظامٍ إلى آخر، وهناك أنظمة مخضرمة في الفساد، تنافس غيرها في الفساد لأنها مجبولة بالفساد ولو استندت على مخطَّطات كونية ولونية لظلَّت فاسدة، لأن جذورها وأحلامها ورؤاها وتطلُّعاتها وحيثياتها وقوامها فاسد ومعرَّشة في أعماق جذور الفساد، فلا شفاء من فسادها لأنه لا يوجد لها مستند سويّ تستند عليه للخلاص من الفساد، وأقصى ما يمكن القيام به هو تخفيف وقاحتها الفاسدة بدرجة ما، لكنها كلَّما حاولت التقليل من فسادها من جانبٍ ما، نجده يتفاقم من جانبٍ آخر، حيث نرى مثلاً أبناءها يزاحمونها فساداً، لهذا أعود مؤكِّداً على جملة من العوامل والأسس التي تساهم في تخفيف الفساد رويداً رويداً إلى أن يتم القضاء على الفساد عبر الزمن وضمن مخططات طويلة الأمد، قد تطول أو تقصر بحسب هذا النظام أو ذاك وبحسب قدرة هذا النظام أو ذاك على تشرُّب قيم الخير والعدالة والمساواة والديمقراطية وتأسيس كل ما له علاقة بخير الإنسان منذ ولادته وحتى مماته!

لو القينا نظرة دقيقة على منظومة البلاد العربية ومن لفَّ لفَّها في التخلف والفساد، لوجدنا أنَّ أغلب الحكام والملوك والمسؤولين الكبار في الأنظمة هم أغنى من الدولة أو المملكة ذاتها، هذا بحدِّ ذاته فساد، بل قمّة الفساد، فإذا كان رأس الهرم فاسداً فكيف سيقضي على الفساد؟! لهذا لا بدَّ من بناء هذا الهرم بناءً سليماً قبل أن يصبح هَرَمَاً، أي منذ ولادته أو بالأحرى منذ أن يكون جنيناً في أحشاء أمّه، حيث نحقق لأمه وللجنين كل وسائل النمو الطبيعي كي يلد ولادة طبيعية مجبولة بالخير والنقاء والعدالة والتعاون والشبع والاخاء والسلام والوئام، بعيداً كلَّ البعد عن العدائية والجشاعة وما يقود إلى الفساد، بحيث أن يطبِّق في مستقبل الأيام هذه القيم التي يتشرَّبها ويحقِّق العدالة للمجتمع الذي فيه!
وهكذا فإن الذي لا يترعرع في بيئة صحية نقيّة سليمة غير قادر أن يكون نقياً في ليلة وضحاها، ولو أحصينا ليس الدول الفقيرة والمتخلفة، بل المجتمع البشري برمته، لوجدناه فاسداً بنسبة ما، تتباين من رقعة جغرافية إلى أخرى بحسب درجة تطبيق معايير العدالة والمساواة في كل بلد، والذي يكبح فساد الفرد هو القوانين الناظمة في البلاد لكل بلد على حدة ويتوقف نجاح البلد بالقوانين التي تضبط الفرد الفاسد، وهكذا فأول خيط يقودنا إلى تقليل نسبة الفاسدين والفساد هو النظام القائم على تحقيق العدالة والمساواة للجميع، والأهم من وجود الأنظمة العادلة، هو أن يكون الفرد عادلاً ومتشرِّباً قيم العدالة والإخاء والتعاون والخير والأخلاق الرفيعة، لأنه أي الفرد سيكون من يساهم في القضاء على الفساد سواء كان حاكما في مستقبل الأيام أو كان مسؤولاً مهمَّاً في مفاصل الدولة السياسية، وهكذا فالمعادلة دقيقة وأكثر من أن تتصورها منظمة الشفافية الدولية.

أنا أرى أن معايير الخير والمسؤولية والضمير وقيم العدالة والمساواة والواجب هي قيم أساسية للقضاء على الفساد والحروب والفقر والمجاعات والكوارث، وهي التي نحتاجها أكثر من أيّ توجّه آخر، والذي يغيظني أنني أرى إنسان هذا الزمان قد تحوَّل أكثره إلى ذئب مفترس أكثر من الذِّئابِ الضارية، لأنه يبقى ضدّ بني دينه وجنسه وشعبه وجيرانه من جهة ويبقى من جهة أخرى ضدّ الإنسان كإنسان بغضِّ النَّظر عن الأجناس والأديان والأعراق، من هذا المنظور أعود مؤكِّداً على أننا نحتاح غربلة الكثير من رؤى وتطلعات متعفّنة، للكثير ممن يجدوا أنفسهم على أساس أنهم على صواب، وهم في حقيقة الأمر في قمّة الفساد في الرؤية خاصة أصحاب الرؤى التكفيرية، فمثلا هناك من يعتبر النصارى كفاراً، وهناك من يعتبر المذهب الفلاني من الكفار أو الخارجين عن السراط المستقيم وهناك من يظن انه نبي زمانه وغيره من الكفار، وهناك من لا يفقه الدين ويكفِّر مذهباً برمته من نفس بني دينه وقومه، هؤلاء يحتاجون إلى ألف قرن كي يصلوا إلى مرحلة أنهم بشر والبشر بشر وليسوا آلهة ليحاسبوا بني البشر، لهذا على كل هؤلاء إعادة النظر في رؤاهم وصيغة تحليلاتهم العقيمة، والتركيز على بناء إنسان مسالم وعادل وخيِّر، وأنا أعتبر الإنسان الملحد المسالم العادل الخيّر الأخلاقي المحافظ على حقوق الآخرين أفضل ألف مرة من الإنسان المدّعي أنه مؤمن بالله وهو ضد مذهب غير مذهبه وضد الأديان الأخرى وضد الأقوام والأمم الأخرى ونفسه متشربة بالعدائية والشر والفساد، لهذا على المجتمع البشري أن يضع في الاعتبار أن الإنسان هو الهدف الأكبر في الحياة وعلى الإنسان على هذه الأرض أن يعرف كيف يحافظ على الإنسان أينما كان الإنسان ويتعاون مع بني البشر بعيداً عن التناحرات الدينية والقومية واللونية والعرقية والشرقية والغربية، وأن يكون التوجّه قائماً على التركيز على بناء علاقة وئامية خيرية سلامية بين أرجاء المعمورة وبالتالي خلق علاقات عادلة في الكون بمختلف القارات للقضاء على الفساد والحروب والمجاعات والفقر والتفرغ لرفاهية البشر بحيث يتفرغ الإنسان لما يواجهه من كوارث طبيعية وكونية وكفانا نناقش قضايا من الممكن أن نعالجها بكل بساطة ولا يتم معالجتها بسبب اغراق الإنسان في الفساد والحروب وكأن المرء سيعيش قروناً، نحن مجرد ضيوف عابرين لا أكثر على وجه الدنيا، فلماذا لا نزرع الدنيا بالسنابل والخير والسلم كي ننام نوما عميقاً في عتم الليل في رحلة العمر الأخيرة!

ماذا بعد؟!
الفساد، هو فساد الإنسان والعقل والرؤى والجسد، فلماذا لا نصفي الإنسان والعقل والرؤى من شوائب هذه الحياة!
متى سيفهم الإنسان انه يحتاج قرناً بل قروناً ليحقِّقَ ما تحققه وردة معبقة بالشذى فوق أغصان الخميلة؟! لِمَ لا نكون مثل الوردة معبقين بالجمال والهناء والعطاء؟!!!

أسئلة ووجهات نظر لا تتَّسع في مجلدات لمناقشة قضية الفساد. أقتطف إليكم مقطعاً من ديوان ذاكرتي مفروشة بالبكاء، ردّاً على الأسى الذي اعتراني ويعتريني من جرَّاء تفاقمات الفساد!
"أيُّها الإنسان ../ انظرْ إلى نفسِكَ في المرآة!/ إنْ لم ترَ وجهاً ممسوخاً/ فاكسرِ المرآة!/ لأنها مرآة مرائيّة ../ ثم انظرْ إلى مرآةِ ذاتكَ/ إن لم ترَ (ذاتَكَ)/ ممسوخة من الداخل/ فاكسرْ ذاتكَ أيضاً/ واعلمْ أن ذاتَكَ ورؤاكَ/ وأبجدياتكَ كلّها/ تحتاجُ إلى تطهيرٍ/ ما بعدهُ تطهير!!".

صبري يوسف
كاتب وشاعر سوري مقيم في ستوكهولم
[email protected]





#صبري_يوسف (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما هي مقوِّمات النهوض بتوزيع الكتاب في العالم العربي؟
- برأيك ما هي مقوِّمات نجاح الديمقراطية داخل الأحزاب العربية ؟ ...
- ستبقى روحُكِ معانقة جوانحي حتّى الأزلِ
- تنقّي أمّي حبّات الحنطة
- ضحكنا ثمّ عبرنا المروجِ
- أتوهُ في أعماقِ البراري
- شمسٌ حارقة تسلخُ جِلدَ الثَّورِ
- وجعٌ ينمو في رحيقِ الصَّباحِ
- زغردي يا روحي زغردي
- يعانقُ منجلي جبهةَ القمرِ
- أينَ سأخبِّئُ جموحَ الطُّموحِ؟!
- زنابقُ الرُّوحِ غافيةٌ فوقَ صحوةِ القلمِ
- بحيراتُ العمرِ مغروسةٌ بأعشابِ البراري
- خرافةُ التَّسويفِ تخرُّ فوقَ حدائقِ الحلمِ
- وئامُ البهائم أرقى من البشر
- وردةٌ على شفاهِ طفلٍ
- كلكامش آتٍ لا محال
- غائصٌ في مروجِ القصيدة
- دماءُ الأطفالِ النَّديّة
- تبرعمَ في عمقِ الوهادِ عشبةُ الخلاص


المزيد.....




- نقل محمد صبحي للمستشفى وأشرف زكي يوضح حالته الصحية
- دبس وزيت.. سخرية من هدية الرئيس العراقي لمواطن والرئاسة ترد ...
- تركيا وإسرائيل.. لماذا أوصى تقرير استخباراتي تركي ببناء ملاج ...
- الشابة السعودية عزيزة العمري تتحدى الصعوبات وتحقق أحلامها بي ...
- ألسنة اللهب تلتهم قاربيْن أثناء إطلاق الألعاب النارية في مهر ...
- -بوتين لن يرضخ-.. تقرير يكشف عدم اكتراث الرئيس الروسي لتهديد ...
- ألمانيا تشد الأحزمة: مكافحة -العمل بالأسود- والتهرب الضريبي ...
- جلسة تاريخية للحكومة اللبنانية.. ماذا أسفر عنها؟
- آخر مستجدات وتطورات الوضع الأمني في الفاشر في السودان
- قناة 12 الإسرائيلية: نتانياهو يميل للاستيلاء على قطاع غزة


المزيد.....

- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صبري يوسف - الفساد