أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد بقوح - كلاب قبيلة الشلال














المزيد.....

كلاب قبيلة الشلال


محمد بقوح

الحوار المتمدن-العدد: 2518 - 2009 / 1 / 6 - 07:20
المحور: الادب والفن
    


.. أخذت كلاب القبيلة تعوي .. و تعوي .. قلت الكلاب تنبح .. فلم هذه .. تعوي ..؟
و بالرغم من اللون القمري ، الذي يطغى على هذه الليلة ، فإني أكاد أقول أنني لا أرى قمرا . كما أنني أسمع عواء الكلاب القريب مني ، لكن لا أرى كلابا ، و قد تكون ذئابا .. و قد تكون هي تراني .. و "تنمنم" و "تنقنق"حول ظلال وجودي ، خلف سياج هذه الغابة الكثيفة ، دون أن تفهم ما أنوي القيام به ، و لا لماذا أنا هنا .. فقط لأنها كلاب ربما مسنة ، تسمع .. دون أن ترى ، وقد ترى .. دون أن تفهم . قلت .. تشجع يا سالم ، فالغابة لن تكون أكثر من غابة أشجار، و سواقي مياه ، جبلت على طاعة صخور صلبة ، يعود تاريخها إلى زمن غابر و قديم ..
عندما قطفت أول ثمرة قريبة من ذراعي الأيسر ، تعالى عواء كلاب القبيلة ، التي باتت أقرب مما يتصور . لم أشعر بالخوف بتاتا .. بل أحسست بقوة لا حد لها ، تسري في كيان جسدي و روحي ، لا أدري ما هو مصدرها ، و لا كيف ولا من أين جاءتني . اخترقت الأشجار بتحد كبير .. أشجار كثيفة و ضخمة و عالية جدا ، لم يحصل أن شاهدت مثلها من قبل . كنت بين الفينة و الأخرى ، أردد لحنا عفويا ، أرتجله بلا أي تفكير مسبق ، أكسر به رتابة هدوء المكان ، الذي يكاد يلمس ..عواء الكلاب دائما يطاردني ، أو أطارده ، لست أدري ...، إنه الآن آخذ في الارتفاع ، كلما تقدمت خطواتي . الأشباح فكر خرافي يجب أن يقبر إلى الأبد ..
وصلت إلى شلال كبير ، استهوتني مياهه العذبة. قلت فلتكن يا سالم سفرة أخرى لك ، في مياه شلال عملاق كهذا . أظهر للسماء و الغابة معا قوتك و عنفوان شبابك .عاينت ببصري محيطي الغابوي ، لعلني أكتشف آدميا يترقبني . شرعت في نزع ملابسي . لماذا لا أسبح في مياه جنة أرضية كهذه .؟ و قبل أن ألقي بجسدي كليا بين اشتباكات دوالي ماء الشلال الفضي ، تحسسته بأطراف أصابع يدي ، لأجده جد دافئ . فقلت هذا الشلال نعمة يا سالم .غطست بجسدي كله .. و عندما حاولت رفع رأسي على سطح الماء ، لم أتمكن من ذلك . بل لم أستطع رفعه بالمرة ، و كأن مجموعة من أياد حديدية تدفعي ، بدءا من رأسي ، عكسيا ، تجاه عمق هذا البحر، غير كل بحار الدنيا . فقلت ما عليك يا زعيم إلا أن تواصل فن العوم ، حتى الشط المقابل لهذا الشلال الغابوي الجميل . أنذاك رأيت بأمي عيني هاتين في عمق المياه العذبة ما لم يكن في حسباني : جيوشا كثيرة من الكلاب ، أو الحيتان ..، لست أدري ..، بأحجام و ألوان مختلفة .. قادمة في اتجاهي . و هي بلا شك – قلت - كلاب القبيلة المقيمة خلف الغابة . فعاودت التحدث مع نفسي قائلا : تقدم يا سالم فهذا يومك قد حان .. و هذه ولادتك الجديدة . مهمتك الآن أسهل من ذي قبل . لن تحتاج في هذه المعركة الوجودية – إما أن تكون أو لا تكون - ، التي انتظرتها منذ زمن بعيد ، إلا لاستخدام السلاح رقم سبعة . الكلاب بطبعها جبانة. فهي كثيرة النباح لتحمي نفسها من إطلالة الغريب ، الذي هو أنا ..، لذا إن استطعت أن تطبق القاعدة سبعة ، بجعل هذه الكلاب الطائشة ، ترقص لك عارية من كبريائها الغرائزي ، تكون بالقطع قد ربحت الرهان .. و لم تمض لحظات ، حتى وجدت في قلب دائرة سرب كبير ..، من كلاب غريبة ، نصفها الأعلى كلبي و النصف الآخر آدمي ، مربوطة في ما بينها بسلاسل سميكة لم أتبين طبيعتها ، مشدودة بدورها لجذع شجرة ضخمة .. أو جبل صخري مشكل بطريقة و كأنها منحوتة ، تتوسطه مغارة عميقة ، ينبع منها شعاع نور يتلألأ بين الفينة و الأخرى . قلت يجب أن أفرض آدميتي على صورتهم الكلبية .. لكن .. و إذا حدث العكس ..؟ ..لا ..لا يمكن .. بخبرتي في الحياة ..، و بشيء من الحروف التي قرأت في الكتب ..، يمكن أن أقنعها و أنجح في مغامرة كهذه ..
مضت أيام غير قليلة ، على مقامي الطوعي ، بين كلاب قبيلة الشلال . تمكنت بجهد أقل مما تصورت ، من النجاح في مهمتي ، و أصبحت تلك الكلاب ، رغم وجوهها "الكلبية" الغارقة في عالم البرية ، كائنات جميلة الملامح و مطيعة لي في كل شيء .. مثل الخاتم في أصبعي .. كما يقال ..
وفي يوم من أيام خريف عاصف ، بالضبط ..، في ليلة مقمرة مشاكسة .. قلت لهم ، بعد أن هيأت متاعي وأشيائي ، أن وقت الفراق قد حان بعد أن طال. حاول البعض منهم ، عكس البعض الآخر ، الحيلولة دون رحيلي .. لكن دون جدوى .. كنت جد مصر عل مغادرة الشلال ..، و الرحيل إلى مكان آخر ، أكثر تناسبا مع تربة دواخلي .. أنا ابن مدينة تسكن بين تفاصيل شمس .. أحلم بوهج يبحث عنها . أنا كائن لا يمكن أن يكون "كلبي" اللون .غادرت الشلال سعيدا ، وفي ذهني أن أصل إلى ضجيج المدينة ، وأدخنة المعامل المغسولة الوجه ببخار الصمت الجميل ، و ازدحام سواعد الرجال ، المنتظرين في أرصفة المقاهي الحمراء ..
أذكر، أنني عندما تركت كلاب هذه القبيلة المسعورة و المحترمة ..، كانت تبكي ..، تبكي من شدة الحزن على فراقي لأنها – ربما .. يرهبها أن تعود إليها ، في غيابي ، صورتها الكلبية ... بعد أن تخلصت منها تقريبا ، بوجودي .. أما أطفالها الأقوياء ، الذين كانوا يتحلقون حولي كل مساء ، يستمعون لحكاياتي الغريبة و العجيبة ، رغم هزال أجسادهم الطويلة ، فتركتهم يلعبون في أرجوحاتهم الشجرية ..، و أمام مجسم حجري كبير، كانت نساؤهم منشغلات بإعداد الأفران الطينية ، وصهاريج الأمطار القادمة .. للزمن الصعب الذي يمكن أن يحمله القدر القادم .



#محمد_بقوح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شهوة الصمت
- يبس الوقت
- رجال من تراب
- المزيف
- الحريق
- الخراب
- أنشودة الزورق
- أيها العابرون في وجهي
- يوم أزرق
- قواعد اللعبة
- شرارة .. سمك السردين
- الإشارة أبلغ من ضربة سيف من خطاب مخشب
- سلاما يا سيدة الشموس
- توظيف الجنون في الكتابة الروائية
- لهذا المساء رائحة الأمس
- نظرية السلطة الرمزية عند بيير بورديو


المزيد.....




- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد بقوح - كلاب قبيلة الشلال