أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد بقوح - يوم أزرق














المزيد.....

يوم أزرق


محمد بقوح

الحوار المتمدن-العدد: 2487 - 2008 / 12 / 6 - 03:54
المحور: الادب والفن
    


.. لم يهتم بالمطر، الذي بدأ يسقط بغزارة، على جسده النحيل، في هذه المدينة الصاخبة،التي فتن بها حتى الثمالة .. منذ وقت قصير فقط .. مدينة الحركة والبطالة والضجيج ..، كما يسميها ..، المدينة التي تكبر كل يوم، لكن هو.. يصغر كل يوم .إنها مدينة المتناقضات،حسب تعبيره : الكبير يزداد كبرا، والصغير يزداد صغرا، بل غرقا. إنه يأتي إليها راجلا من قريته البعيدة، لأنه تعود على جوها العام، لكنه،كما يقول، لأن العمل فيها مربح (كثرة الجالسين في المقاهي، التي تنبت كالفطريات، تمكن من الكسب الطيب) .
ظل في مكانه، بقامته القصيرة، وشعره الأشعث .عدل من جلسته، بفعل قوة المطر، فعاد شيئا ما إلى الخلف .جلس على كرسيه الخشبي، كما يفعل دائما، منذ مغادرته للمدرسة، بسبب مشاكل أسرته .
كان في حدود العاشرة من عمره .رغم ذلك يبدو أكبر بكثير .لكن " الشطارة " لا تقاس بالسن، بل بالخبرة في الحياة .ليقنع نفسه في النهاية، أنه في خارج أسوار المدرسة، وفي أرصفة الشوارع،على الأقل، يكون أقرب إلى كسب قوت يومه،الذي يدعم به وضعية أسرته الفقيرة ..و تقيه، في نفس الوقت، من شر نظرات أبيه القاسية، كلما حمل كتابا أو فتح كراسا ..(فلتذهب المدرسة إلى الجحيم ..) .
يرتدي ثيابا رثة،و ممزقة من بعض الجوانب .هو لا يهمه الشكل :هذا ما يقوله لرفيقه هشام دوما،رفيقه في الحرفة ..
هذا الرصيف، حيث هو قابع الآن ينتظر، خال من المارة إلا من بعض الرجال، الذين يسرعون في خطواتهم، غير مهتمين بصيحاته الخافتة أحيانا، والصارخة في الكثير من الأحيان،من أجل أن يتوقفوا ولو لحظة لتلميع أحذيتهم ..
-آسي ..أرا سباطك ..أرا تسيري ..
يبدو أن آذان الأحذية، في هذا الصباح الممطر، مقفلة بالإسمنت،هكذا خمن الطفل عيسى،فعادت إليه وحشته وغربته .. في حين، اكتفت الأجساد المارة أمامه بإلقاء نظرة صغيرة على حاله، وهي نظرة لا تخلو من رأفة حينا، ولا مبالاة حينا آخر .. والمظلات المختلفة الأشكال والألوان،المرفوعة فوق رؤوس أناس على عجلة من أمرهم .. بلا سبب يذكر .. تقاوم دقات المطر، التي باتت أقوى من ذي قبل ..لست أفهم (يفكر عيسى) " لماذا لا يلمعون أحذيتهم في يوم ممطر جميل كهذا ..؟ مع العلم أنه كباقي الأيام ..، إن لم أقل أفضل الأيام .. كل كائنات الدنيا تسعد بمياه المطر .." .
التصق جسد الطفل عيسى أكثر (بالصندوق) الخشبي .جمع أشياءه وأدواته الخاصة، التي يستعملها في مسح أحذية الراجلين .و أدخل الكل في كيسه البلاستيكي المعهود .لكن ظل جالسا على (كرسيه) وممسكا به بكلتا يديه ."أمس القريب ربحت مصروف ثلاث أيام .و أدخلت الفرحة والبهجة إلى قلب أمي العزيزة ..أما اليوم ..فلكل يوم رزقه" . الوقت لايزال مبكرا، لايمكنه العودة هكذا خاوي الوفاض إلى البيت ..
فجأة، توقفت في هذه اللحظة سيارة،يبدو من خلال لوحة أرقامها، أنها قادمة من الديار الفرنسية . . " هذه (همزة) أتى بها الله حتى عند قدمي "، هذا ما قاله عيسى، وهو يراقب سيارة ميرسيديس السوداء، وهي تحاول أن تتموضع، بالشكل المناسب، بين باقي السيارات،لكن بدون جدوى ..في هذه اللحظة بالضبط، ترك الطفل عيسى الكيس يسقط على الأرض، ووقف،كأن نحلة لسعته، وأخذ يشير لسائق السيارة إشارات واضحة، تبين له كيف بإمكانه أن ينجح في موضعة سيارته .و بالفعل، لم تمر دقائق معدودة، حتى وجدت السيارة السوداء ميرسيديس، مكانها في البارك . خرج منها رجل قوي البنية .شكر الطفل عيسى، الذي حاول أن يرد التحية بأدب،فقاطعه الرجل قائلا :
- من فضلك ..أولدي شي غسلة لهاذ السيارة ..تكون مزيانة (واضعا في كفه ورقة نقدية لم يصدق الطفل عينيه)...



#محمد_بقوح (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قواعد اللعبة
- شرارة .. سمك السردين
- الإشارة أبلغ من ضربة سيف من خطاب مخشب
- سلاما يا سيدة الشموس
- توظيف الجنون في الكتابة الروائية
- لهذا المساء رائحة الأمس
- نظرية السلطة الرمزية عند بيير بورديو


المزيد.....




- تحية لروح الكاتب فؤاد حميرة.. إضاءات عبثية على مفردات الحياة ...
- الكاتب المسرحي الإسرائيلي يهوشع سوبول: التعصب ورم خبيث يهدد ...
- من قال إن الفكر لا يقتل؟ قصة عبد الرحمن الكواكبي صاحب -طبائع ...
- أروى صالح.. صوت انتحر حين صمت الجميع
- السعودية تخطط لشراء 48 فدانا في مصر لإقامة مدينة ترفيهية
- هل يشهد العالم -انحسار القوة الأميركية-؟ تحليل فالرشتاين يكش ...
- التمثيل النقابي والبحث عن دور مفقود
- الفنان التونسي محمد علي بالحارث.. صوت درامي امتد نصف قرن
- تسمية مصارعة جديدة باسم نجمة أفلام إباحية عن طريق الخطأ يثير ...
- سفارة روسيا في باكو تؤكد إجلاء المخرج بوندارتشوك وطاقمه السي ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد بقوح - يوم أزرق