أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد بقوح - شرارة .. سمك السردين














المزيد.....

شرارة .. سمك السردين


محمد بقوح

الحوار المتمدن-العدد: 2482 - 2008 / 12 / 1 - 06:53
المحور: الادب والفن
    


لو كان بإمكان هؤلاء .. أن يبيعوا لنا الهواء الذي نستنشق .. مُعلّباً .. لفعلوا ..
المستعمِر أرحم من هؤلاء . ماذا تبقى لنا .؟ إنهم استحوذوا على كل شيء ..الأخضر و اليابس . الأراضي و البحار و السماء أيضا . كنا نأكل سمك السردين حتى نشبع .. بدرهمين فقط . أما الآن فالسردين شملته ترقيتهم ..و صار يوضع بنظام في صناديق خاصة ، إلى جوار صناديق الأسماك الغالية الثمن .. كالميرنا و الكروفيت ..و أنواع أخرى لا أعرف أسماءها . أكتفي فقط بالنظر إليها بعمق..، أتـأمل لونها الجميل ..، و شكلها الغريب ..ثم أنسى نفسي ، غارقا في بحر من التساؤلات ، كثيرا ما أعود من سوق السمك بخفي حنين ، دون أن أتمكن من شراء السمك ، الذي طلبته مني ابنتي . و حتى لا أدخل بلا شيء إلى البيت ، أجد جسدي منقادا ، في خضم زحام السوق ، إلى بائع الدجاج ..
لا مكان لنا في هذه الأرض . لست أدري إلى متى سيبقى الوضع هكذا . هم يأمرون و يقرّرون .. و نحن نستجيب و ننفذ بتلقائية.. و أحيانا بمتعة . نتهافت على وضع المشانق حول أعناقنا .. نختار القهر بأيدينا لأنفسنا ..لكن ..سيكون للتاريخ رأي آخر ..حين ..
تابعت آخر مرحلة إعداد الدجاجة الهزيلة . بعد إزالة ما تبقى من الريش الخفيف على ظهرها .. و من تحت جناحيها القصيرين ، قام الشاب النحيف ، بمعاودة وضعها داخل إناء مملوء بماء عكر ، تساءلت عن لونه ذاك ، هل هي أوساخ .. أم لون الإناء يعكسه الماء ..؟؟
في وقت ما ، نظرت إلى ناحية اليسار ، حيث يوجد فضاء خاص للدجاج الحي ، الذي ينتظر دوره .. و نهايته الدرامية ، ليتم اختياره من لدن المشتري مثلي ، فيوضع في إناء الماء الساخن ..، بعد ذبحه بجرة سكين حادة ..، من طرف الرجل القوي ، الذي يمسح الدماء العالقة بسكينه الطويلة ..، مبتسما و غير مبال ، في ما يشبه جزء من الوزرة المحيطة بوسطه الضخم ، لتبدأ مرحلة عملية تعرية الدجاجة من الريش الأبيض ، بتلك الآلة الصاخبة و الكبير ، في ركن الدكان الواسع.

كلما تركت ورائي سوق الدجاج ..، ألعن نفسي ، و كل من دخل هذه السوق ، لأنني قبلت العودة من جديد إلى هذه (المقصلة) ..، لهذا قررت هذه المرة أن أرحل ، في بداية الأسبوع القادم ، إلى الميناء ، الذي لا يبعد عن مكان سكني ، إلا بعشر دقائق ، لأتمكن من اقتناء ما يلزمني من الأسماك من البواخر ذاتها ..

لقد كنت مخطئا في توقعي . صحيح أننا نملك أجمل ميناء في البلد ، لكننا لا نملك أسماكه ، التي هي أسماكنا ..، لأننا لسوء الحظ ..، لا نأكلها .. بل يتم تمريرها عبر جيوب مقنعة ..، هي في غنى عنها ..لماذا يستمرون في سلب الشعب أرزاقه ، بممارسة لعبتهم المملة و القديمة هذه .. لماذا لم يحاولوا حتى التفكير في تغيير أسلوب سرقة الصغار و المعوزين ..في هذا البلد . سيظلون هكذا .. يكذبون .. و يكذبون و يخادعون أنفسهم إلى متى ؟؟.هم يعرفون جيدا أنّ لعبتهم انكشفت ..و رغم ذلك يتمسكون بنفس اللعبة .. لأنها ذلك الثدي الذي يرضعهم لامحالة ...هذه حقيقة باتت واضحة حتى لأغبى الناس ..لهذا يحاول الجميع ، البحث عن وسائل العيش ، مهما كانت طبيعتها ..حتى و إن كانت على حسب قيمه و مبادئه ..

هناك ميناء كبير للبواخر الكبيرة .. و للأشخاص الكبار ، و هناك ، في الجهة المعاكسة بالقرب من" البركصة " ، ميناء صغير تطفو على سطح مياهه مراكب صغيرة .. ربما زوارق .. و هي بلا شك لبحارة صغار ..، و على رصيف الميناء الممتد ، تُشحن الشاحنات الضخمة و الطويلة ، بكميات هائلة من الأسماك الكثيرة الأنواع ، و المختلفة الأشكال ..
لهذا ..، انتهيت إلى استنتاج مفاده ، أن "الحيتان" ، سواء في البحر ..، أو في البر ..، دائما تعزف على أوتار صمت الأحجار ، لكنه صمت يشتعل نارا .. فهي ، أي الحيتان ، في حقيقتها ، مسكونة بجبن لا حدّ له ، و الدليل على ذلك أنها ، تفقد صوابها و تصبح تتصرف بعشوائية ، لتكون أقرب إلى الكائنات المجنونة ، منها إلى العاقلة .. و ذلك عندما تشعر بخطر ما مفاجئ .. يداهمها ..
صعدتُ درج العمارة ، و جريدتي المعهودة في يدي ، بعد أن حييتُ بحرارة حارس البوابة .
دخلت بيتي ..
قالت ابنتي :
- أ نسيتَ .. السمك يا أبي ..؟
- لا .. يا صغيرتي .. ثقي بي لايمكن أن أنساه .....



#محمد_بقوح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإشارة أبلغ من ضربة سيف من خطاب مخشب
- سلاما يا سيدة الشموس
- توظيف الجنون في الكتابة الروائية
- لهذا المساء رائحة الأمس
- نظرية السلطة الرمزية عند بيير بورديو


المزيد.....




- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد بقوح - شرارة .. سمك السردين