|
البحوث و الدراسات العلمية اولى الوسائل الهامة لارتقاء المجتمع
عماد علي
الحوار المتمدن-العدد: 2498 - 2008 / 12 / 17 - 03:58
المحور:
الطب , والعلوم
عند التمعن في بحث تاريخ تاسيس الجامعات والمراكز العلمية على اختلاف انواعها و مميزاتها ، يتوضح لدينا بانها كانت دائما منبعا لانتاج الافكار و الخطط و النظريات التقدمية المؤثرة على حياة المجتمع و مكانا ملهما للمفكرين و العلماء و المثقفين و الدارسين لكي يدلوا بدلوهم في مناهل العلم و المعرفة و يستنتجوا او يُظهروا ما في حوزتهم ، و كانت دافعا رئيسيا لرقي الانسان و تطوره في مسيرته الحيوية و وصوله الى العلى و اكتشافه لاسرار الكون والحياة على الرغم من استغلالها في الكثير من الاحيان لاغراض و مقاصد سلبية على الحياة و المعيشة البشرية . و عند الاطلاع على ما انتجته المراكز العلمية و حسب زمانها و تركيبتها و الظروف الثقافية و الاجتماعية و السياسية التي انبثقت منها ، نلاحظ فرقا شاسعا و تميزا واضحا في مستوى عملها و تنظيراتها و تطبيقاتها على وجه الخصوص بين الحين و الاخر ، و الانتقالات الجذرية في مسيرة حياة الانسان و ارتقاءه و تطوره الحيوي نتاج الاعمال والافكار و الاستنتاجات الجوهرية و الثمار الناضجة و الحقيقية في المراكز العلمية من حيث البحوث و الدراسات في شتى فروع المعرفة الانسانية سوى كانت علمية او ادبية او ثقافية عامة، و ازدادت حصيلة الفرد من المعرفة نتيجة فهمه و استلهامه لتلك الابداعات و الابتكارات ، و بثبوت نجاحها قطف المجتمع ثمارها و ارتفع مستوى معيشته تدريجيا . و بعد النبش في تاريخ تطور العلم و المعرفة و مراكز و المؤسسات الحاضنة لوسائل التقدم البشري ، يتبين لدينا بشكل واضح الاختلافات في مستوى دقة و صحة نتاج احدهما عن الاخر اعتمادا على الظروف السياسية الثقافية الاجتماعية في ذلك الزمن الذي عملت فيه تلك المراكزالعلمية، و تطورت و تغيرت جواهر عمل و اهداف المؤسسات بنمو و تقدم المجتمع متاثرين و مؤثرين بعضهما على البعض من كافة الجوانب ، الى ان تدخلت الاوضاع الاقتصادية العامة بشكل مباشر على عمل و المستوى العلمي و نتاجات المؤسسات العلمية و طريقة عملها ، بحيث اصبح الربح هو الدافع الاول و الاخير في مدى تهرع الباحثين وراء اهدافهم ، و تغيرت الاحوال من الاهداف الانسانية و الجهد وراء جوهر العمل الانساني و معرفة الحقيقة و الالتزام باخلاقيات المهنة و الحياة الى الركض وراء الملذات و النوايا السطحية في الشان العلمي الانساني و ما يفيد مستقبل الاجيال . عندما ندقق في تركيبة و عمل و انتاج و ظروف و تاريخ اية مؤسسة علمية مختصة نرى انها موائمة و مواكبة للمستوى الثقافي السياسي للبقعة التي تاسست و انشات فيها ،و اعتمدت في الكثير منها على نظرة السلطة والوضع السياسي و الحاكم الى العلم و المعرفة، ومن ثم على اقتصاد البلد الداعم لها و كيفية ادارتها ان كانت حكومية ، و تؤثر نسبة الربح في نتائج الباحثين و اختياراتهم و اهدافهم في المؤسسات الاهلية. اليوم بعد ان تغيرت الحياة و تاثرت بتطورات الاتصالات والتكنولوجيا فان الهوة الشاسعة التي نتلمسها في مجتمعاتنا بين عمل و مضمون جامعاتنا مع ما موجود في الغرب، فبدورها تنعكس تاثيراتها ايضا على مستوى النتاجات من جامعاتنا و مجتمعاتنا ، و هذا ما يدعنا على التيقن بان الرسائل العلمية المنبثقة من جامعاتنا لم ترتق الى المستوى المنشود و المطلوب لاسبابها المتعددة، و منها التدخل الحكومي بشكل مباشر في عمل الجامعة و ظروف عمل المؤسسة العلمية و اجندتها و اهدافها و طرق اتباع العمل العلمي و حرية الباحث ومستواه العلمي و ساسياتهو عقائده و مبادئه و الوسائل المتوفرة لديه من كل الجوانب، و الاهم من كل ذلك هدف طالب الماجستير والدكتوراه في عمله و مدى ملائمة بحثه مع الواقع الاجتماعي الثقافي و قدرة و امكانية تطبيق ما يتوصل اليه على الارض الواقع ، و مدى افادته للشعوب ، و ما علاقة بحثه بما يخص حياة المجتمع الموجود فيه و ماذا يقدم لمسيرة النمو و التطور في منطقته و العالم اجمع. و بصريح العبارة ، ان الاكثرية الفائقة من الباحثين لا يهمهم شيء بما تفيد دراستهم به المجتمع ام لم تفد ، و كل ما ينم عن جهدهم و تحضيرات بحوثاتهم هو الحصول على الشهادة العلمية فقط للافتخار به كرمز و لقب و موقع اجتماعي و صفة ونفوذ . و التدخل السياسي ازداد الطين بلة ، حيث لا تُعتمد اية معايير علمية صارمة لكفاءة الطالب المتقدم بل الانتماء السياسي و الموالاة هي العامل الحاسم في اكثر البلدان العربية بالنسبة للمؤسسات الحكومية ، و لدي مثال واقعي على ذلك ، في احدى الجامعات العراقية كان الاول على الكلية و قسم علوم الحياة في كلية التربية في عام 1985/1986 طالب عفيف الذي شهد جميع الاساتذة بانه الاذكى ما مر عليهم من الطلاب خلال سنوات تدريسهم ، لم يُقبل في الدراسات العليا بسبب موقفه السياسي ، و اجبر من الفرار من الخدمة العسكرية الالزامية و سجن و لم يخرج مه الا مجنونا ، بينما غير الكفوء المنتمي الى الحزب الحاكم و لم يتجاوز مستوى تقديره نجاحه المقبول و هو كان في التسلسل ماقبل الاخير يحصل على شهادة الدكتوراه و هو يدرٍس و يربي الاجيال و يشرف على الرسائل العلمية في الماجستير و الدكتوراه اليوم . اذن الظروف الموضوعية المحيطة بطالب الدراسات هي التي تحكم في اكثر الاحيان ، و الظروف الذاتية من المستوى العلمي و الكفاءة و القدرة العقلية تدخل في المرتبة الثانية لمسيرة حصول الطالب على شهادته العليا ، و عليه لا يمكن التعويل على تلك الشهادات للوصول الى المستوى المطلوب كي تكون دافعا و عاملا لتقدم وتطور المجتمع . عند التمحص في اكثرية الدراسات و مواضيعها و اختياراتها و كيفية العمل على انجازها نرى الاختلافات الواضحة في مستويات شهادة ما عن الاخرى ، و الجانب السلبي الكبير الذي يكمن في فحوى و مضمون الرسائل و تحقيق اهدافها هو الاختيار العشوائي لموضوع ما دون النظر الى الجانب الهام للدراسة و هو قوة ومستوى التطور العلمي للطالب و جانبه الايجابي من القدرات و ما يمكنه ان يتخصص فيه ومقدرته في تقديم الاحسن، و المؤسف ان كل ما يُنظر اليه هو الجانب السطحي المظهري فقط ، و هوالجانب الاجتماعي فيما يخص الشهادة و اسمها فقط ، و اكثر الدراسات بعيدة عن قضايا المجتمع و ما يفيده و يحل مشاكله ، و لم تتناسب بعض منها مع مستوى تطور المجتمع الذي من المفروض عند تطبيقها يمكن دعم تطور المجتمع بهاو ملائمتها لتقدمه نحو الامام . اي نتاكد بان اكثرية الدراسات مظهرية سطحية تخزن و ترمى على الرفوف ، و الدليل على ذلك انه لم نر لحد اليوم ما ابتكر او اُبدع من خلال دراسة علمية واقعية وافادت المجتمع عند استخدامها الانساني الا القليل من الملايين من البحوث و الدراسات . و عليه يجب ان يعاد النظر قلبا و قالبا و بشكل جذري في كيفية عمل الدارس و نوع دراسته و نتائجه من جانب و طريقة عمل المؤسسة ذاتها و من ثم الطالب و ما يجب ان يعمل ان يتصف به و يعمل عليه من جانب اخر. يجب اعادة النظر في المعايير العامة لدراسة الطالب و قبوله و اختياراته وتقييمه بعيدا عن المصالح و الظروف، و في مقدمة الشروط واقعية الدراسة و تلائمه مع قضايا الشعب و التدقيق العلمي و التركيز على صحة المعلومات ( و اني اسال هنا هل يصح ان يختار الطالب بنفسه الاساتذة المشرفين واعضاء اللجنة التي تناقش الدراسة كما يحصل اليوم في بعض الجامعات العراقية)ومن ثم وضع معايير علمية شديدة الدقة و تحديد درجة استفادة الدراسة للمجتمع في الزمان و المكان المعينين ، و الأهم من كل ذلك هو عدم التدخل في مضمون و مغزى البحوث لدوافع سياسية ضاربين عرض الحائط المعلومات العلمية الدقيقة الحقيقية ، و على سبيل المثال كم من دراسات شاهدت تعيد اصل الانسان الى البلد اوالمدينة التي ولد في الدارس و جامعته ليوحي بان بلده منبع الانسانية و اهل الحضارات و كم دراسة اختصت بحياة القادة السياسيين و تضمنت التملق والتزلف لصاحب الشان ، و لم يعلم القاري اي المعلومات هي الحقيقية، بل جل ما يشاهده هو العبارات البراقة مستندا على مجموعة من الاراء المنحازة تاريخيا . و يمكن فرز الدراسات لتحديد ما يفيد المجتمع و يتناسب مع الواقع من اجل تحمل مسؤولية الاهتمام به من قبل المؤسسات الحكومية كافة لطبعها و نشرها و ليستفد منها عامة الشعب و قبلهم الدارسين، و يجب ان تتحمل المؤسسات الثقافية العلمية عبء نشر الدراسات و على اللجان العليا المختصة ان تقيًم الدراسات حتى بعد اقرارها من قبل اللجان العلمية الجامعية ، و هنا يجب ان يتدخل عامل الثواب و العقاب في تقييم اية دراسة و حامليها و المشرفين عليها و اللجان العلمية المقرة لها. و على الباحث ان يسبر اغوار ما يمس رسالته من قريب و بعيد و ان لا يتهاون مع المعوقات و عليه ايجاد الوسيلة العلمية الهامة لازالتها عند البحث و التطبيق ، لكي لا تظهر الثغرات عمليا مما تقوض هدف الرسالة و تضيق من افاق نجاحها في الواقع، و على جميع الباحثين و المشرفين و المؤسسة الراعية الايفاء بالوعود والمواثيق العلمية الحقيقية التي تفرض الارادة العلمية ، و على الرسالة ان تستمر في تقديم ما يفيد المجتمع و ان لا تنتفي الحاجة اليها في وقت قليل و من الافضل ان تكون منافسة طالبي الدراسات العلمية بشكل علمي مهني دقيق و غير جاحد لما يتمتع به اي منافس كان مهما كان افكاره و مبادئه ، و يجب عدم الاجحاف بحق الشعب العام من اجل المصالح الذاتية والتظاهر بالعلمية في الفكر و العمل، و الجواهر تكون خاوية ، و الهدف الهام الذي يجب ان يراعى في العمل المؤسساتي العلمي هو مصلحة الشعب ومدى خدمة جميع فئاته و التقليل من الهوة بين طبقاته ومكوناته ، و الهدف العلمي العام هو ارتقاء المجتمع و خدمة الانسانية . و في النهاية لابد ان نذكر ان الطريق العلمي السليم لتطور المجتمع لابد ان تمر عبر التنظيرات و المخططات و الدراسات و البحوث النابعة من اهتمام المخلصين و المامهم بكل شاردة و واردة ما تخص اهتمامات المجتمع و سبل ارتقاءه و تقدمه نحو الامام ، مستفيدين من امكانيات و موروثات التاريخ و ما توصلت اليه الشعوب و التكيف مع المستجدات و تلائمها مع اوضاع و خصائص المنطقة التي تجري فيها الدراسة لتطبيقها بشكل دقيق و الاستفادة منها عمليا و بكل حذافيرها . و نستخلص الى ان الدراسات و البحوث العلمية الحقيقية الهامة اولى الوسائل الضرورية التي يمكن الاستناد اليها من اجل ارتقاء و تطور المجتمع من كافة جوانب الحياة.
#عماد_علي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ازالة الطابع الاسطوري الشرعي عن البنية الايديولوجية الراسمال
...
-
نهاية ال(نهاية التاريخ)
-
معرفة النفس بعد التامل و التركيز في كينونة الحياة
-
تمازج اليات العولمة مع موروثات الفلسفات الشرقية
-
قدرة الحوار المتمدن في تحقيق الأهداف اليسارية و الطبقة الكاد
...
-
هل تنبثق قوى معارضة في اقليم كوردستان؟
-
نظام اقتصادي عالمي جديد هو الحل للازمة الانية
-
ألم يأت دور الشباب بعد تسمين شيوخ العشائر في العراق
-
حان الوقت لاعادة النظر في صفة التكبر لدى امريكا
-
الشفافية و طرد مفتشي مكافحة الفساد في حكومة المالكي
-
تحزٌم بعض المثقفين بحزام العفة المذهبية!!
-
هل الازمة المالية العالمية قوضت العولمة ام حاصرتها ؟
-
هل شخصت روسيا ما فكك الاتحاد السوفيتي لمعالجته او ازالته ؟
-
مهما طال الزمن سيتجه العالم نحوضمان العدالة الاجتماعية
-
هل تقرأ القوى السياسية العراقية استراتيجية امريكا و نظرتها ل
...
-
اليس حجب وسائل الاعلام التقدمية دليل على خوف و تخلف السلطات؟
-
ما هي اهم معطيات مواقف روسيا حيال القضية الكوردية في المنطقة
...
-
ما اهم معطيات مواقف روسيا حيال القضية الكوردية في المنطقة؟ (
...
-
اي عراق تريده امريكا و اية سياسة امريكية يريدها العراق
-
جوهر الفلسفة اليسارية الحقيقية لا يتوافق مع الحرب و الارهاب
المزيد.....
-
تراجع النوم عند الرضع.. مرحلة مهمة تعرف على سماتها وطرق تخطي
...
-
منظمة الصحة العالمية: استهداف إسرائيل مقر الهلال الأحمر في غ
...
-
ما هي إصابة إزالة الجلد؟.. وهل يمكن علاجها؟
-
دراسة تكشف عن أفضل الأنظمة الغذائية للوقاية من مرض السكر
-
مصر.. جدل عبر الشبكات الاجتماعية حول -تيك توك- وسط توقيفات ل
...
-
مع التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي. كيف تدار الحروب؟
-
أبو عبيدة: كتائب القسام مستعدة للتعاون مع الصليب الأحمر لإدخ
...
-
يعانى منه 1% من البشر.. ما هو -اضطراب التكيف- وأشهر علامات ا
...
-
القسام تشترط لإدخال مساعدات غذائية وأدوية للأسرى الإسرائيليي
...
-
الكشف المبكر عن الأمراض.. لماذا تعد الفحوصات الصحية الدورية
...
المزيد.....
-
هل سيتفوق الذكاء الاصطناعي على البشر في يوم ما؟
/ جواد بشارة
-
المركبة الفضائية العسكرية الأمريكية السرية X-37B
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في الهند
-
-;-السيطرة على مرض السكري: يمكنك أن تعيش حياة نشطة وط
...
/ هيثم الفقى
-
بعض الحقائق العلمية الحديثة
/ جواد بشارة
-
هل يمكننا إعادة هيكلة أدمغتنا بشكل أفضل؟
/ مصعب قاسم عزاوي
-
المادة البيضاء والمرض
/ عاهد جمعة الخطيب
-
بروتينات الصدمة الحرارية: التاريخ والاكتشافات والآثار المترت
...
/ عاهد جمعة الخطيب
-
المادة البيضاء والمرض: هل للدماغ دور في بدء المرض
/ عاهد جمعة الخطيب
-
الادوار الفزيولوجية والجزيئية لمستقبلات الاستروجين
/ عاهد جمعة الخطيب
-
دور المايكروبات في المناعة الذاتية
/ عاهد جمعة الخطيب
المزيد.....
|