أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - هيبت بافي حلبجة - إستقالة رب العالمين ... كل عام وأنتم بخير















المزيد.....

إستقالة رب العالمين ... كل عام وأنتم بخير


هيبت بافي حلبجة

الحوار المتمدن-العدد: 2490 - 2008 / 12 / 9 - 05:34
المحور: كتابات ساخرة
    


البرد قارس في هذا الصباح الباكر ، ينتابي إحساس مفعم بالألم والمرارة واللوعة ، يعتورني شعور قوي يهزني هزاً يتموج في فرائصي كالرجفة كالرعشة كاالمودة ، رائحة النفل البري يعبق الآفاق يمخر كياني كالصاعقة كالوخزة ، يجيش في صدري لأول مرة دفق وجودي يسلبني إمكانية الحضور ويقذف بي مباشرة كاللحظة كالومضة إلى ضباب كثيف يهاجم نفسه يفترس ذاته ، ( وعندما ترتعد أوصالي أدرك تمام الإدراك إن محنة رهيبة وشيكة الوقوع ) ، لكني ما أدركت للوهلة الأولى إني أنا المقصود ، تتلبد الغيوم وتتكاثف لتتشاحن كأنها تبحث عن حتفها ، كأنها تناديني ، وتتشهى أن ألبي دعوتها ، يعتمل في داخلي هاجس لاسابق عهدي به ، هاجس يقشعر بدني له ، أتمنى أن أغادر هذه الدنيا ، أن أهجر أشباه الموجودات ، أشباه الحيوانات ، هذه الأشباه التي تتلمظ كالفئران ، كالجرذان . البرد قارس في هذا الصباح الباكر ، في صباح هذا العيد الأضحى المبارك ، كل شيء يتحرك بعنفوان ليتخلص من سأمه ، من ضجر السنين ، وعلى حين غرة أجد نفسي هناك ، مساحات شاسعة واسعة لاحدود لاجدران ، مدى مديد يتباعد في كل الأتجاهات يحتضن اللانهاية ، أصوات هنا وهناك ، كأني أعيها ، أصيخ السمع وإذ بي أبصر أصحابها ، أتسمر في مكاني كالذهول كالأمتداد ، لاأنبس ببنت شفة ، لاأقوى على إتيان أي حركة ، آينشتاين أمام حشد غفير يدون على لوح عريض معادلات رياضية ، الكل صامت واجم يرنو ببصره نحو اللوح ويرهف السمع ، وهو ( أي آينشتاين) لايتلعثم يقذف بالجمل كالسيولة ، كالسيل ، كالشلال . في الجانب الآخر يقف كارل ماركس أمام حشد لايقل عن سابقه عدداً ، لايلوي على شيء لايكترث بأحد إنما يسرد ويستطرد في الأسترسال ، يقطب حاجبيه ما بين الفينة والأخرى ، فأدرك إنه يصر على توضيح تلك الفكرة بصورة جازمة ، باتة ، وقطعية . في زاوية بعيدة ألمح سقراط وبيده أشياء لاأبصرها ، يجاذب الحديث مع عدة أشخاص ، أمام أناس لاحصر لعددهم وعلى أمتداد البصر . هذه الأصوات الثلاثة تتداخل في أذني كالطيف ، كالسحاب ، والمكان من حولي يتبعثر ، يتكاثف ، لايستقر على حال ، وبغتة أشاهد على بعد خطوتين مني كهل أشيب الشعر ، كث اللحية ، جالس كالقرفصاء ، متكيء على لا شيء ، يحدج في الآفاق كأنه يحملق في شيء يهرب منه ، دنوت منه خطوة واحدة لأهمس في أذنيه ، ماالذي يجري هنا ، ماكدت أنطق بهذه الكلمات حتى أحدق في بصري كالسهم ، كالحد ، أوشكت أن أذوي في مكاني ، ( ماذا؟ ألست من أهل هذه الديار ) ، سارعت إلى الإجابة كي أسترد ما تبقى من شجاعتي ، أنا غريب ولا أدري كيف أتيت إلى هنا ، أشاح بوجهه عني ونهض من مكانه ليتسلل مابين أحراش غير بعيدة عنا ، يا إلهي ماذا أنا فاعل ، لاأتجاسر أن اقتفي أثر هذا الكهل الذي راعني إلى درجة الموت ، رغم ذلك أتجهت صوبه والذعر يجتاح أضلعي ، على بعد مسافة قصيرة ، ألتفت إلي من جهة الكتف الأيسر وأستدار قليلاً ، وددت أن أعتذر خجلاً ، لكنه تابع سيره دون أن يدعني أن أنطق حرفاً ، ( مابك أيها السيد ) ، أقشعر بدني من جديد ، أستملكني خوف عارم ، على بعد خطوة مني ، كهل أشيب ، عريض المنكبين ، ضخم الجثمان ، متقد الملامح ، ( لاتخف يابني ) ، هدأ من روعي ، ( مابك ألم تعرفه ) أنعقد لساني وألتزمت بالصمت وآثرت ألا أفضح أمري أكثر من هذا ، ( يابني هذا جبرائيل ) ، بانت الحيرة على ملامحي ولم أعد قادراً حتى على طرح السؤال ، ( و أنا عزرائيل ، نحن نمر بمحنة أستثنائية ، بنائبة لم نعشها قط ) أبتعدت قليلاً منه كي يتسنى لي أن أدرك ما يرمي إليه ، وأصيغ السمع كله ، أردف وهو يحدج في الجهة التي ذهب منها سيدنا جبرائيل ( عليه السلام ) ، ( اليوم سيستقيل الرب ، اليوم سيقدم رب العالمين أستقالته ) تجهمت أساريري ، وأحتدمت مشاعري ، وأضرمت نار في جسدي ما خبت وما همدت ، إلى ماذا يلمح سيدنا عزرائيل ( عليه السلام ) ، ( أنظر إلى هناك ) ، أشار إلى حيث آينشتاين وماركس وسقراط ، ( إنهم يخطبون منذ أسبوع ، منذ أن قرر رب العالمين أن يستقيل وليتني أنضممت إليهم فهم على الأقل أصحاب معرفة وعلم وهم جديرون بالأحترام ) ، أستدار نصف دورة بحركة منفعلة وكأنه أستشاط حنقاً ، ( أنظر فيما وراء ذلك النهر ، هناك ، إنها أحزاب الشرق الأوسط ، يتقاطر منها الجهل والرق والعبودية ، لايبدعون إلا في فنون التضليل ولا يتقنون إلا الأكل على مائدة الأغبياء ) ، توقف عن الكلام برهة ، ثم أسترسل ( وهذه الحشود التي تراها ) ، أجهش صوته بالبكاء ( إنهم الملائكة ، هذا ما يحزننا ، ويحز في أكبادنا ) ، تسمرت في مكاني أناشده ألا يتوقف عن الحديث ، سار قليلاً صوب الجنوب ، أقتفيت أثره كظله ، هز رأسه مستهجناً ما يحدث ، تابع سيره حتى بلغنا مشارف ساحة كبيرة ، وكأني بدأت أسمع أصواتاً أعرفها ، تخطب في الناس وكإنها ترغد وتزبد ، يالهول المفاجأة ، يا لجسامة الخطب ، هتلر وموسوليني وصدام وحافظ الأسد ، ( تصور إن هؤلاء الديكتاتوريين يخطبون في الملائكة في الحياة الآخرة ) ، أستبد بي غضب ليس بعده غضب ، وأستردت نطقي ، ( تصور إنهم يتكلمون عن مآثرهم ، عن جرائمهم ، ولا رادع يردعهم الآن ) ، وددت أن أصرخ ، أن أستغيث ، ( أدري يابني ما ينتابك ، إنهم سيحكمون هذه المنطقة ، وسيذبحوننا ، وسيقتلون كل من يجابههم ، أنظر إلى الملائكة كم يبدون متأثرين بتلفيقاتهم ، بأضاليلهم ، وتلك الأحزاب لن تكف عن النعيب والنعيق) ، ولم يكد يلفظ هذه الكلمات حتى سمعنا صوتاً ينادي ، ( أين أنت يا عزرائيل ) ، أستدار قليلاً صوب الصوت ( إنني هنا ) ثم ألتفت علي مطمئناً ( هذا هو ميكائيل ) ، كهل أشيب ، نحيل القامة ، بهيج الأسارير ، بادر إلى الحديث وهو على بعد خطوات عديدة من سيدنا عزرائيل ، ( أتيت كي أودعك ، لقد أستقال رب العالمين ) ، ( إلى أين أنت راحل يا صديقي ميكائيل) ، أستطرد ميكائيل دون أن يلحظ وجودي ( هل تمكث هنا عزرائيل كي يقبضوا عليك هؤلاء الظالمون ، إني هاجر إلى تلك الجزيرة وأهجر هذه الحياة الآخرة ) ، هز عزرائيل رأسه موافقاً ( سآتي معك يا ميكائيل ) ، ثم أمعن النظر في عيوني ( ألا تأتي معنا يا بني ) ، أدركت حينها عمق مرارة الحياة ، أغرورقت الدموع في عيني ، لم ينتظرا جوابي ، سارا صوب الشرق ، سرت خلفهما ، ولأول مرة رأيت الشمس ساطعة في الضحى ، أشعتها دافئة حزينة ، لم أعد أسمع شيئاً سوى كلمات متقطعة من حديث ( عزرائيل وميكائيل ) عليهما السلام ، بعد عدة أشهر من السير في الأدغال والأحراش وصلنا إلى مدخل الجزيرة ، حينها ألتفت سيدنا عزرائيل إلى خلفه ، وأستغرب ( هل مازلت تسير وراءنا ) ثم هز رأسه ( أحسنت يا بني ) ، على مدخل الجزيرة أبصرت ورقة دونت فيها أسباب أستقالة رب العالمين ( في هذا الصباح الباكر ، في صبيحة عيد الأضحى المبارك ، أود أن أهجر الدنيا والآخرة ، إذ ما عدت أحتمل تصرفات بني البشر ، من قتل وإغتيال ، من كذب ودجل ونفاق وخداع ، من بطش وظلم وأستبداد ، من إفتراء ومكيدة وتفاهة ، وأنا الذي جعلته خليفتي في الأرض وصورته في أجمل وأبهى هيئة ، وأنا الذي سخرت له الموجودات والكائنات ، لذا و يقيناً مني أن لا أمل في إصلاح هذا المخلوق العجيب الغريب الأطوار ، قررت أن أرقد بسلام ، أن أرتاح قليلاً من مشاكله ، وأن أتخلى عن مسؤوليتي إتجاهه ، وأن أتركه لمصيره الأسود ، وكأنه غريب عني ، وكأن ثمة خطأ ما في الطبيعة ...... ) ، أنتابني ذعر شديد ، ودون أن أدرك ، هرعت إلى حيث سيدناعزرائيل ( عليه السلام ) ، أندهش حينما رآني على هذه الصورة ، سيدي عزرائيل أرجوك أن تقبض روحي وتسلمها إلى باريها وفاطرها ، هز رأسه برفق وتأثر وشجن ( يابني ، لم أعد قابضاً للأرواح ) أجهش بالبكاء ، تابع سيره ، وتمتم بكلمات غابت عني معانيها ........



#هيبت_بافي_حلبجة (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نقض مفهوم اليأس لدى كيركجارد ... الحلقة الأخيرة
- القيم .... ما بين الصاوي و القمني
- سوريا وأيران ....ما بين لبنان والعراق ( الأتفاقية الأمنية وا ...
- الرأسمالية ... ما بين التفسخ والأنتحار
- الشرق الأوسط ... ما بين الزبالة والثورة .( حالة صدام حسين ، ...
- كوردستان سورية ... مابين دالتين .. التاريخ والمصير
- نقض مفهوم اليأس لدى كيركجارد ... ( الحلقة الثانية )
- نقض منطوق فلسفة القانون ... لدى هيجل وكانط
- رؤية مستعصية في واقع متناقض .. جدلية المعنى والقوة .. الحالة ...
- ميشيل عون ... مابين الأنتحار والأعدام
- ماركس .... مابين النقض ووعي الضرورة ... ( الحلقة الثانية )
- ماركس ... ما بين النقض ووعي الضرورة ... ( الحلقة الأولى )
- نقض مفهوم اليأس لدى كيركجارد ... ( الحلقة الأولى )
- رسالة سرية للغاية للرئيس مسعود البارزاني
- نقض اللوغوس .... وموت النظام
- نقض مفهوم الكينونة ... لدى فيورباخ ( الحلقة الثانية )
- نقض مفهوم الكينونة ... لدى فيورباخ ( الحلقة الأولى )
- الشيوعي العمالي ... مابين ماركس وتروتسكي
- الطيور المهاجرة .... نقض الأنسان وموت الطبيعة
- 1 رؤية مستعصية في واقع متناقض ....جدلية المعنى والقوة ... ال ...


المزيد.....




- “صناعي – تجاري – زراعي – فندقي” رابط نتيجة الدبلومات الفنية ...
- إبراهيم البيومي غانم: تجديد الفكر لتشريح أزمة التبعية الثقاف ...
- بوابة التعليم الفني.. موعد إعلان نتيجة الدبلومات الفنية 2025 ...
- البندقية وزفاف الملياردير: جيف بيزوس يتزوج لورين سانشيز في ح ...
- شاهد.. الفنانون الإيرانيون يعزفزن سمفونية النصر في ساحة الحر ...
- طلبة التوجيهي يؤدون امتحان -اللغة الإنجليزية-.. مروحة واسعة ...
- “برقم الجلوس والاسم فقط” Link الاستعلام عن نتيجة الدبلومات ا ...
- العراق يواجه خطر اندثار 500 لهجة محلية تعكس تنوعه الثقافي ال ...
- رحيل الفلسطيني محمد لافي.. غياب شاعر الرفض واكتمال -نقوش الو ...
- موعد نزال توبوريا ضد أوليفيرا في فنون القتال المختلطة -يو إف ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - هيبت بافي حلبجة - إستقالة رب العالمين ... كل عام وأنتم بخير