هيبت بافي حلبجة
الحوار المتمدن-العدد: 2247 - 2008 / 4 / 10 - 10:53
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
لقد درج الباحثون لدى الحديث عن فلسفة فيورباخ , على تقسيمها الى ثلاثة مراحل متعاقبة – المرحلة الهيجلية , المرحلة الأتسانوية , المرحلة المادية - الا ان هذا التقسيم صوري و شكلي لا ينسجم تماما مع البعد الفلسفي لرؤية فيورباخ الذي يعد بحق المفصل التاريخي بين نهاية الفلسفة الكلاسيكية الألمانية المتمثلة ب – هيجل – وبداية الفلسفة المادية كنتاج بشري تراكمي , متمثلة ب – ماركس - ..
لذلك يقول – انجلس – بعمق موضوعي في مؤلفه – لودفيغ فيورباخ ونهاية الفلسفة الكلاسيكية الألمانية – ان الطريق من – هيجل – الى – ماركس – يمر بالضرورة عبر – فيورباخ - ...
ان – فيورباخ – الذي ولد عام 1804 -1872 كرس نفسه للاهوت المسيحي واللاهوت البروتستانتي تحديدا . وأشفق على آراء – مارتن لوثر – التي أصابها الوهن في عصر سيطرت عليه العقلانية البحتة , التي طالت حتى اللآهوت لدى بعض اللاهوتيين أمثال – بولوس وداوب – الا ان الأخير اعتقد أنه ضمن اطار الفلسفة الهيجلية امكانية مصالحة ما بين الفلسفة والدين وبين العقل والايمان ...
لذلك أتجه – فيورباخ – صوب ممثلي اللاهوت البروتستانتي – شليرماخر , مارهاينيكي , شتروس , تندر – لكنه أعلن حيرته – كنت أشعر بضرورة التضحية اما بالفلسفة من أجل اللاهوت واما باللاهوت من أجل الفلسفة – وفي النهاية يختار الفلسفة ... في أختياره للفلسفة , أتجه بالضرورة نحو – هيجل – أسوة ببقية أقرانه – ماركس , برونو باوير , ماكس شتيرنر , آرتولد بروغه – ودافع عن – هيجل – ضد – باخمان – الذي هاجم الطابع المجرد التأملي لفلسفة – هيجل – وأيد ما ذهب اليه – بيار بايل – من ان – هيجل – أكمل – فيخته – ازاء الفكرة الأخلاقية .. الا انه يختلف عنهم قاطبة حيث لم يرى نفسه هيجليا بل أنتقده في بداياته ففي مؤلفه – أفكار حول الموت والخلود – يؤكد انه ينبغي على – هيجل- الذي يربط الروح بتاريخ العالم أن يعترف بنهاية عصر من عصور تاريخ البشرية وأبتداء عصر عظيم جديد . وهذا العصر الجدبد بالنسبة ل – فيورباخ – هو ميلاد الأنسانوية من خلال مفهوم جديد للكينونة . ولكي يتسنى لنا أدراك ذلك وبالتالي نقده علينا عرض مجمل المحطات المهمة الفيورباخية ... أولا : فيورباخ واللاهوت : ينطلق – فيورباخ من نقطة دينية ويردد مثلما فعل – كيركجارد – ان المسيحية [ واهنة , متحللة , مريحة , حرفية , ابيقراطية ] . وهو يقصد المذهب الكاثوليكي . فليست البروتستانية لاهوتا بل هي بشكل أساسي علم المسيح , أي أنتروبولوجيا دينية , ويؤكد في مؤلفه – المبادئ - لقد كانت البروتستانية النمط الديني للأنسنة فالرب الذي هو الأنسان , الرب الأنساني , أي المسيح , هو وحده اله البروتستانية التي لاتهتم كما تفعل الكاثوليكية بما هو الرب في ذاته أي ليس لها أتجاه تأملي ..ويتعمق أكثر في هذه المسألة فيقول في كتابه – جوهر المسيحية – فبأيماني بالرب يصبح لدي اله , بمعنى ان الأيمان بالرب هو الذي يكون اله الأنسان لذلك فان جوهر الرب هو جوهر الأيمان وكأنه يردد عبارة – لوثر – الشهيرة , كما تؤمن بالرب تمتلكه . أما حين لاتؤمن به فأنت لاتملك منه شيئا . وهذا ما يقربه من كل من – لايبنتز -, والقديس – غريغوريوس – حيث الكائن الألهي ليس شيئا آخرا غير الكائن البشري , أو بالأحرى غير كينونة الأنسان وقد تخلصت من حدود الأنسان الفردي ... فيقول – لايبنتز – [ المقدمة ] ان ضروب كمال الرب هي ضروب كمال أرواحنا وهو وحده يمتلكها بغير حدود .....وأما القديس غريغوريوس فيقول [ في الروح ] أن كل ما يميز الروح الأنسانية ينتمي كذلك إلى الكائن الإلهي .... أما – فيورباخ – فلايلغي الألهي انما ينقله الى الفؤاد الأنساني , أي يحاول أنقاذ الألهي بأعطائه شكل أنساني واعي من خلال اللاهوت المسيحي وهذه هي أنسانوية –فيورباخ – لأنه لا يسائل النصوص الدينية ليستخلص منها الحقيقة التاريخية أو المحمول الفلسفي , بل لكي يتطلع الى اللاعقلانية للطبيعة الأنسانية .وهو بهذا ينتقد كل من – شتراوس – و – برنو باور – فيقول عن – شتراوس – الذي منح المعتقدات رؤية أسطورية في كتابه [ حياة يسوع ] انه ينتقد التاريخ الدوغمائي للاهوت ....ويقول عن برونو باور , الذي طبق على المسيحية معايير ما بعد المسيح في مؤلفه [ في نقد التاريخ الهيجلي ] انه ينقد التاريخ الأنجيلي أي اللاهوت الأنجيلي .. أما هو – فيورباخ – فيقول يجب البحث عن اللاهوت المسيحي , الفلسفة ... ويقصد بذلك اللاهوت البروتستانتي ..لذلك يقول – كارل بارث – في مقالته [ اللاهوت والكنيسة ] عن أتجاه – فيورباخ - أنه واقعي يناسب التقاليد المسيحية العريقة , البروتستانتية ... واذا كان اللاهتيون البروتستانتيون أمثال – هانزاهرنبرغ , كارل هايم , كارل بارث – ينجذبون نحو أنسانوية – فيورباخ – فلأنه أولا يموضع نفسه في خط أيمان- لوثر – وثانيا لايطرح المشكلة الدينية عند المستوى التاريخي بل على مستوى التطلعات الأبدية للروح الأنسانية . ولهذا السبب تحديدا يقول – كيركجارد – [ في مصلحة الأنسان ] أن – فيورباخ – يمثل آخر تشكيلة حرة مفيدة للمسيحية البروتستانتية ... ثانيا : فيورباخ والطبيعة : الى جانب تأثر فيورباخ باللاهوت , تأثر بالطبيعة كدالة ومفهوم فلسفي , فالفلسفة تعي وتدرك علم الواقع في شموليته , والأسرار الأكثر عمقا تكمن في الأشياء الأكثر بساطة . فأحتقارالطبيعة من قبل الفلسفة الحديثة ما هو الا نتيجة من نتائج اللاهوت الأنجيلي . لذلك نراه يؤكد ان كل العلوم المجردة تمزق الأنسان أما العلوم الطبيعية تمنعه من الأغتراب ... وقريبا من هذا يقول – كليمونس الكسندر – في [ الكتاب الثالث ] من بين كل العلوم , وعي الذات هو أكثر عظمة , فيه يعرف الرب ..ومن هنا منح – فيورباخ – في مؤلفه [ ضد أزدواجية الجسد والروح ] الأولوية للجسد ونجح في جعله – وبالتالي الطبيعة – محمولا حقيقيا . وهذا ما أكده – غوتفر كيلر – من ان العالم جمهورية , لايحتمل لا الها مطلقا ولا الها دستوريا وعقليا ...لكن – فيورباخ – وان رفض الأله المطلق الدستوري والعقلاني فأنه أعترف بالطبيعة المؤلهة ...لذلك يقول – غوتفر كيلر – لقد عرف فيورباخ كبف يلتقط الطبيعة . ولهذا يعاتبه – ماكس شترنر – في مؤلفه [ الفريد وخاصيته ] لأنه تخلى عن المذهب الأنسانوي وأتجه صوب الطبيعة المدقعة . وهكذا تورط في نتيجتين أثنتين . الأولى : أن الطبيعة المؤلهة في مؤلفه [ جوهر الدين ] تحل محل الأنسانوية في مؤلفه [ جوهر المسيحية ] . والأنثروبولوجيا تفقد معناها لمصلحة الفيزيولوجيا . وبالتالي يبلغ نتيجة بعيدة كل البعد عن مقدماته وهي أن الأنسان هو ما يأكل في مؤلفه [ الثورة والعلوم الطبيعية ] . وهذه الرؤية تقترب جدا من رؤية – جاكوب مولوشت – في مؤلفه [ نظرية أغذية للشعب ] , أن غذ اء الأنسان هو أساس ثقافته وحالته الذهنية , فاللأنسان هو ما يأكل ... والنتيجة الثانية : وهي الأخرى بعيدة عن مقدماته وتمثل حلقة مفرغة ما بين الطبيعة المؤلهة و الأنسانوية . وهاهو يقول في مؤلفه [ أنساب اللآلهة ] أن ما لا بكونه الأنسان حقا , لكنه يرغب في أن يكونه , يجعل منه إلهه أو يكون هو إلهه بالفعل ...أو كما يقول – هنري آفرون – قل لي ماذا تعبد , فأقول لك ما الذي ترغبه . أي أن البحث عن السعادة هو ما يؤسس ~ الدين ~ .. ثالثا . حسية فيورباخ : إنه يميز بين ذات الحقيقة والتصور الذي يحمله الأنسان عنها . فالكائن البشري لايدرك الأشياء إلا بعد أن يتصورها لإن العقل يذهب من المرئي المكشوف إلى الواقع المستبطن , و خلال هذه العملية ثمة ثلاثة درجات تتعاقب :التلقي ~ الحس ~ الحب ~ ... فالتلقي هو المياشر العفوي الظاهري الخارجي ويقابل الأنفعال السلبي ....والحس هو الذي يمنح عمقاً للتلقي ليتجاوز الأنفعال السلبي من خلال بداية ثتائية تقليدية ~ الداخلي والخارجي ~ الجسد والروح ~ الشيء وأنا ~ فالكائن المحسوس هو الكائن الحقيقي والواقعي وهو موضوع الحس . والحواس هي وحدها التي تجعل من الأنا اللاأنا , أو حسب تعبير ~ فيخته ~ ليس لي أنا , بل للاأنا الذي هو داخلي . وعندما ينتقل اللاأنا إلى داخل الأنا يتحول النشاط إلى نشاط موضوعي لإن أناي يتحول إلى أناك , وهذه هي الدرجة الثالثة في حسية فيورباخ .... الحب : ينطلق ~ فيورباخ ~ من نقطتين مند مجتين , فالحب بصورة محضة هو المعيار الموضوعي للكينونة وكذلك هو معيارها الذاتي , فما قيمة ~ التلقي والحس ~ إذا لم تقترن بالحب فعندما لاتحب كأنك لاتكون لإن جوهر الأنسان لايوجد إلا في الجماعة . وعلى هذا , المعادلة لدى ~ فيورباخ ~ هي ~ [ الفيلسوف الأنسان , أنا الأنسان مع الآخر] ~ أي ~ [فيورباخ , أنا مع الآخر] ~ بعكس المعادلات السابقة مثل ~ [ المفكر , الحقيقة هي أنا ] ~ { الملكية المطلقة , الدولة هي أنا } ~ { الرب , الكينونة هي أنا } ~ ...لذلك يقول – فيورباخ – في { مبادئ 63} الديالكتيك ليست مناجاة داخلية بل هي حوار بين الأنا والأنت . فالفكر المجرد الخالي من الشعور والعاطفة يلغي الفارق الذي يميز الكائن عن اللا كائن . أي أن الحب هو الدليل والبرهان الأنطولوجي الحقيقي على قيمة الوجود .. وهذا ما يؤدي بنا إلى النتائج الآتية .الأولى : الألم .في الحب يصل الحس إلى كمال وسمو الوجود . فالحب عاطفة وليس سوى العاطفة رمزاً للوجود . وهذا هو تطابق الكينونة مع نفسها , لكن عندما نتألم فلإن اللاكينونة لا تتطابق مع الكينونة . فأتألم وألمي يبرهن على لا وجود الكينوتة , وأحب وحبي يبرهن على الكينونة .. النتيجة الثانية : أنا والآخر .إن عملية الأنتقال إلى المذهب الآخروي عن طريق الحب هو المبدأ الحقيقي للكينونة والفكر لوجود أتحاد بين الأنا و الأنت . فواقع الأنت هو الذي يبرهن على واقع الأنا . وعندما أعي وجود أناس خارج أناي فذلك دليل على وجود أناي .... النتيجة الثالثة : الأغتراب . الحب هو الذي ينهي الأغتراب لدى ~ فيورباخ ~ وهذه نتيجة لم يدركها ~ هنري آفرون ~ فالإرادة المؤلهة التي تفصل الأنسان عن إلهه هي بداية الأغتراب . وهنا ينبغي أن نفرق بين الرب الأنساني المتغرب والرب في ذاته . ولكن الغريب في الأمر , يعتقد ~ فيورباخ ~ إن الحب بنهي الأنشقاق المؤلم ويصالح الأنسان مع الرب , وهو يقصد في الحقيقة – كيلا يتناقض – أن الحب يصالح الأنسان مع الأنسان المغترب ... النتيجة الرابعة : الأيمان ..الحب هو الجوهر السري في وحدة الكائن الألهي مع الكائن البشري . فالحب يماهي الأنسان مع الرب والرب مع الأنسان .ولذلك نقرأ بصدد النبي ~ زكريا ~ { إن كل من يمسك – به - يمس بؤبؤ عيني الرب } وهو الجزء الأكثر حساسية في جسم الأنسان والذي يحميه الرب على حد تعبير ~ سالفاسيوس ~ أن الرب يسهر على دروب القديسيين على حد تعبير ~ كالفن ~ ولهذا فإن الرب على زعم ~ لوثر ~ لابؤجل إلى المستقبل عقابه للكفرة والهراطقة مثلما حدث للهرطوقي – سبرنت – وللهرطوقي – آريوس - . فالحب الأيماني يولد الكره أيضاً مع العقاب فيقول ~ سيبريان ~ إن أي واحد ينكر المسيح , سينكره المسيح ..وهو ما يوافق عليه ~ برتاردوس ~ أنني أكره يا سيدي أولئك الذين يكرهونك ...( إلى الحلقة الثانية ) .. إشكالية الكينونة لدى فيورباخ ونقضها ...
#هيبت_بافي_حلبجة (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟