أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - في نقد الشيوعية واليسار واحزابها - جودت شاكر محمود - أخرجوا من ظلام قواقعكم إلى النور















المزيد.....


أخرجوا من ظلام قواقعكم إلى النور


جودت شاكر محمود
()


الحوار المتمدن-العدد: 2455 - 2008 / 11 / 4 - 09:00
المحور: في نقد الشيوعية واليسار واحزابها
    


تمرُ علينا ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى، والتي استطاعت أن تغير وجه القرن العشرين وكانت من أهم الأحداث وانجازات الإنسانية فيه. وحينما نتذكرها يتبادر إلى أذهاننا سبب الانتكاس والفشل الذي تعرضت له. وقد يتفلسف بعض مفكرينا ومثقفينا حول تلك الأسباب والعوامل. ولكن مهما كانت تلك الأسباب، فان هناك سؤال يجب أن نجد له إجابات موضوعية ودقيقة. وهو هل استطاعت هذه الثورة وأفكارها ومبادئها، من أن تحدث أي تغيير ولو بسيط في شخصياتنا ومعتقداتنا وأفكارنا وقيمنا نحن العراقيين ؟ أم أنهم لم يختلفون( وقصد بهؤلاء من يتبنون ويؤمنون بالفكر الماركسي وبالنظرية الاشتراكية) عن باقي أبناء شعبنا وجماهيرنا وعلى مختلف مستوياتهم الفكرية والاجتماعية والدينية والطائفية وخاصة البسطاء منهم. حيث إن هذه الأفكار والمبادئ هل استطاعت أم لم تستطع التأثير فينا أو تغير ما موجود في دواخلنا ؟ إن الإجابة على هذا السؤال تعتبر أهم من عملية البحث عن أي أسباب أخرى يمكننا الركون إليها في تفسير تلك العوامل والأسباب، والتي أدت بفشل تجربة ثورة أكتوبر الاشتراكية في إحداث تغيير جوهري في الأشخاص والمجموعات التي تبنت هذا الفكر وآمنت به. حيث أنها لم تخلق القيادات والكوادر القادرة على عكس صورة الإنسان الذي تسعى إلى بناءه. فالثورة التي لم تستطيع أحداث أي تغيير في من يؤمن بها، سوى أحداثها لتغيرات فوقية لم تمس جوهر الإنسان فإن تلك الأفكار مصيرها الفشل والاندثار من عقول هؤلاء الأفراد أو الآخرين الذين لم يعايشوها، فأن إيمانهم بها يتحدد في ضوء قدراتها على تقديم النموذج الأفضل وإحداث تغييرات فكرية وحضارية في أولئك الأفراد.
وهناك الكثير من المواضيع والأفكار التي يمكننا أن نتطرق إليها ونتناولها بالبحث، ولكن سوف يتم التركيز على جانبين لهم العلاقة مباشرة على ما يجري في الساحة العراقية الآن وخاصة بعد الاحتلال الأمريكي للعراق. وهذين الجانبين هما كيفية النظر إلى القومية العربية والآخر كيفية التعامل مع الدين وأخص بالذكر الجانب الطائفي منه وليس الدين كظاهرة إلهية وإنسانية. كما إني لا أريد التوسع في الموضع لان هذين الموضوعين لا يمكن الإحاطة بهم بمقالة قصيرة. فهم بحاجة إلى عدد كبير من الكتابات والإصدارات، ولكن سوف يكون التركيز على جوهر الموضوع الذي أرغب بتقديمه وبشكل خاص ومختصر.
فبالنسبة للقومية فقد غرست ثورة أكتوبر اعتزاز الشعوب السوفيتية بقومياتهم بالرغم من وجود روح التعالي والغطرسة لدى البعض منهم. وقد منحتهم حرية التعبير عنها والتمسك بها والعمل على إبرازها بكل جوانبها السلبية والايجابية. حتى الروس منهم فأنهم لم يتخلوا عن قوميتهم من أجل القوميات الأخرى وإنما زادهم النضال من اجل حقوق القوميات التي تعيش معهم تمسكا واعتزازا بقوميتهم. وكل ذلك قد تم ملاحظته بعد الانهيار الكبير الذي تعرض له المجتمع والدولة السوفيتية، حيث إن شعوب وقوميات تلك الجمهوريات وأثناء عملية تشكيلها للجمهوريات الجديدة تم اصطفافها وفق الانتماء القومي لكل شعب من تلك الشعوب.
أما بالنسبة للدين فأن القيادة ثورة أكتوبر تعاملت مع الدين وكأنه شيء غير موجود وليس له ضرورة في حياة الإفراد. وهي بذلك ارتكبت خطأً جسيماً، أدى إلى نفور الكثيرين من المعتدلين أو المتدينين الذين كان بإمكانهم الاصطفاف في الخندق ذاته للنضال من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية، والوقوف بوجه الرأسمالية والامبريالية بكل وجوهها.
في حين يعتبر الدين ومن وجهة نظر علمية نفسية هو جزء من المكون النفسي للإنسان. كذلك تعتبر الأسطورة إحدى مكونات النفس والعقلية البشرية. وقد كانت الأديان ترتبط بالغيبيات وضرورة الإيمان بها فالدين من ضرورياته الإيمان بالغيب، إلى جانب ذلك فأن الأسطورة والخرافة تعتمد في بناءها وتكوينها على الغيبيات والأفكار الماورائيه غير المنظورة أو المحسوسة والتي لها طابع اللاعقلاني. ذلك التقارب بين الاثنين أدى لدى الكثيرين من الأفراد وفي كثير من الشعوب إلى تحريف المعتقدات الدينية وإلباسها الطابع الأسطوري والخرافي، علما بأن هذا لا ينسينا البنية العقلية ذات الطابع الحسي إلى جانب وجود عوامل شخصية ومعرفية واجتماعية أخرى لا مجال لمناقشتها هنا أدت بالأفراد في اللجوء للأسطورة والخرافة في تفسير الكثير من الظواهر الإنسانية والطبيعية. وكل ذلك كان أساساً لظهور الكثير من المعتقدات والخرافات ذات الطابع الغيبي والتي تعتمد عليها الطائفية الدينية والمذهبية في بناء مكوناتها العقلية ذات البنى الإيمانية والعقائدية الأسطورية، وهذا ما نلاحظه في مجتمعاتنا العربية وخاصة المجتمع العراقي بشكل خاص.
علما بأن الماركسية والاشتراكية العلمية تعتمد على التفكير العلمي. والتفكير العلمي يقرر بأن ليس هناك حقائق ثابتة، وليس هناك شيء يمكن لنا أن نلصق به القدسية، أو الإيمان المطلق بصدقيته وثباته. وبان ظاهرة ما لا تكتسب صحتها إلا من خلال القدرة على إعادتها تشكيلها من جديد وذلك من خلال التجربة العلمية بعد توافر ذات الظروف التي أوجدتها أول مرة. ولكن هل استطاع الفكر الماركسي في مجرى تطوره أن يلتزم بهذا المسار العلمي أم ماذا الذي حدث ؟
وفي خضم التطور الذي شهده العالم الاشتراكي وللحاجة النفسية للإنسان وبحثه عن ما هو مقدس، فقد تحولت الكثير من الأفكار والأقوال بعض الزعماء أو السياسيين إلى دين جديد وكتاب مقدس لا يأتيه الباطل، وتحولت الكثير من الشخصيات إلى أنبياء ورسل أن لم نقل آلهة، فقد خلق بعض قادة ثورة أكتوبر أو جماهيرها دينهم الجديد وتمسكوا به. وحينما تأتي أفكارا أو أطروحات تتعارض أو تتناقض مع بعض أطروحاتهم فالويل ثم الويل لمن جاء بالبهتان وحرف أقوال صاحب الأمر والزمان. وهناك الكثير من تلك الأفكار والنظريات والتي الآن وبعد انهيار التجربة السوفيتية تأخذ طريقها في الانتشار أو إلى التحقق العلمي أو الفكري في حين كانت محرمة في ذلك الوقت وأصحابها منفيون في سيبيريا، لأنها كانت تتناقض مع الخط المستقيم الذي رسمه هؤلاء والذي لا يجب الخروج عنه، وكأن الإنسان آلة وليس مجموعة من المشاعر والأحاسيس والرغبات والحاجات الذاتية قبل أن تكون اجتماعية الطابع. في حين وكما أشرنا سابقا إلى إن الفكر العلمي الماركسي أساسه قوانين التطور الجدلية حيث ليس هناك شيء ثابت ومقدس سوى إنسانية الإنسان وكل ماعدا ذلك باطل وخاصة حينما يتعارض مع هذه الإنسانية، وأطروحة الإنسان أثمن رأسمال لم تأتي من فراغ. ولكنهم حولوا النظرية المادية الجدلية إلى نظرية مادية ميكانيكية جامدة ليس لها القدرة على التطور أو مواكبته ذلك التطور. حيث تم إهمال الوعي الإنساني ومحاربة النظريات النفسية ذات الطابع الإنساني أو التحليلي، والتمسك بنظرية بافلوف فقط، وكأن أساليب التعلم أو التفكير واحدة وهي المثير والاستجابة فقط(نظرية الاشتراط الكلاسيكية). في حين الآن تعتبر نظرية فيجوتسكي من النظريات المثيرة للجدل والتي ظهرت في ثلاثينيات القرن الماضي، وهذه النظرية ليست الوحيدة وإنما هناك الكثير من الأفكار والنظريات التي ظهرت في ذلك الوقت وتم منعها من التداول والانتشار، ولكن الآن نراها تنافس الفكر الأمريكي والأوربي، إن لم نقل تسبقها.
والسؤال المهم والكبير هنا هو هل استطاعت مبادئ وأفكار ثورة أكتوبر من أن تحطم وتزعزع تلك الأساطير والخرافات المنتشرة في عقلية وذهنية الفرد العراقي، والتي يعتقد بها العوام من الناس والتي يشاركهم بها الكثير من القادة والزعماء والمفكرين والمثقفين والأدباء والعلماء ممن يدعون الالتزام الفكري بالماركسية والاشتراكية. أم إنهم ظلوا متمسكين بتلك الأفكار وهي معششة في مخيلتهم ولا يستطيعوا الفكاك منها ؟
إذن كيف تعامل دعاة الاشتراكية ومفكري الماركسية في العراق خاصة، ولا نريد أن نتوسع بالموضوع ونقول المفكرين العرب لان العراق هو موضوع بحثنا ومهمتنا، مع هذين الموضوعين هل استفادوا من التجربة السوفيتية أم لا.
وقبل البدء بالإجابة على المحور الأول والذي يتعلق بالقومية العربية وكيف تم النظر إليها. أحب العودة إلى الماضي القريب والى عام 1970 وكنت خلالها طالب في المرحلة الثالثة من دار المعلمين في الناصرية، وقد جاءنا أمرٌ بالخروج في مظاهرة وكان شعارها الأساسي هو(يا عرب طفوا النيران.. السلم في كردستان) وخلالها تعرض الكثير من زملاءنا للضرب أو الاستدعاء من قبل رجال السلطة ولكن لذكاء وقدرة البعض تم تلافي كل الإشكاليات والتي كانت من الممكن أن تحدث. في حين كان هناك أخوة أكراد وفي ذات الوقت كان مدير الدار من الأخوة الكرد ولكن لم نرى منهم أي موقف أو تأييد، حتى بعد ذلك في فترة الانتخابات الطلابية التي جرت في ذلك العام. ومنذُ تلك الأحداث كانت تراودني بعض الأفكار والتساؤلات والتي منها، ألا يحق لنا نحن العرب من أن نشعر ونفتخر أيضا بقوميتنا كما يفتخر أبناء القوميات الأخرى بقومياتهم، أم ليس علينا سوى أن نعمل من أجل منح الآخرين حقوقا أما نحن فلا حقوق قومية لنا. حيث كنا ندافع عن حقوق الكرد والتركمان وغيرهم من الأقليات الدينية والقومية الأخرى، في حين لم نشعر بأهمية الشعور القومي في حياتنا، أو نحاول الدفاع عنه أو حتى التباهي به، وإلا لكنا (قومجيه) متعصبون كما هو متداول الآن على الساحة العربية من مصطلحات فجة خالية من المضمون. مع العلم إن الكثير من قيادات الحركة في ذلك الوقت ولحد الآن هم من أبناء تلك الأقليات والغير عربية حتى من أدعى العروبة منهم لم يكن عربيا بالانتماء النفسي ويفتقد للشعوري القومي قبل الانتماء العضوي والمصيري لأمة العرب. علماً بان الكثيرين ممن ركب موجة القومية العربية والدفاع عنها هم ليس من دعاة القومية حقيقة وصدقا وإنما كانت مصالحهم الشخصية والوصولية هي الدافع لتبني الفكر القومي والانتظام بتلك الأحزاب القومية من اجل الوصول إلى عقول وقلوب أبناء هذه الأمة، إلى جانب تنفيذ أطروحات وتوجهات دول وقوى معادية للشعب العربي والعراقي. وفي وقت غاب عن الساحة السياسية الفكر القومي ذو الطابع الإنساني البعيد عن التعصب وتسلط. والسبب هو كون أصحاب الفكر الإنساني والعلمي تجنبوا الخوض غمار هذا العمل. ولكون العديدين منهم لهم مرجعياتهم المتناقضة والمختلفة مع الفكر القومي العربي ذو الطابع الإنساني، ولسيطرة خرافة فكرة الأممية على عقولهم، وهم بذلك قد أسهموا وبشكل غير مباشر إلى بروز ظاهرة الفكر القومي الديماغوجي التعصبي. ولكن أليس من ندعوا ونناضل من اجل حصولهم على حقوقهم هم قوميون ديماغوجين متعصبين(قومجيه في ضوء مصطلحهم المتداول) ونحن بعملنا هذا نساعدهم على نشر تلك الأفكار وإيجاد ردة الفعل متعصبة من قبل القوميات الأخرى وخاصة العرب والتركمان منهم على ما يدعون ويتمسكون به وهذا ما أثبتته التجربة لاحقا وبذلك فأن هذا السلوك يؤجج الشعور القومي المتعصب لدى أبناء الشعب العراقي بكافة قومياته. وهناك تسأل آخر يمكن لهؤلاء الإجابة عليه وهو ألا يوجد في كل الحضارة العربية والإسلامية جانب إيجابي أنساني مشرق، مثلما هناك جوانب سلبية في أي تجربة كما هو الحال في تجربة أكتوبر الاشتراكية وما تعرض له الكثيرين من أبناء الشعوب السوفيتية إلى اضطهاد وحرمان وقتل وخاصة في الفترة الستالينية وحالات النفي إلى سجون ومنافي سيبيريا. وما تعرضت له تجربة الحزب الشيوعي العراقي بعض ثورة 14 تموز 1958 من انتكاسات وما شابها من عنف وقتل وسحل لم تكن من مضامين هذا الفكر ومناقضة له. فهل نحكم من خلال تلك الأخطاء على عدم صحة تلك الأفكار والمبادئ وعداءها لكل ما هو أنساني وأخلاقي. ومجازر كركوك والموصل هي دليل قاطع على ما نقول.
هذا التوجه تساوق مع نظرة أخرى وهي النظرة الطائفية، والنظرة الطائفية والحمد لله متأصلة الجذور في الكيان النفسي للفرد العراقي. وكل من جاء واعتقد بأنه قد آمن بالفكر الاشتراكي جلب معه كل ما قد عشش في عقليته ومخيلته من قيم وأفكار ذات طابع طائفي، وقد يصرح بأنه لا يؤمن بها، وقد يكتب وينشر ولكنها كانت من مكونات ذاته وهي تختفي كاختفاء جبل الجليد الذي لا تظهر سوى قمته كما يقول (فرويد)، وهذا الجزء الظاهر هو الأنا التي يتعامل من خلالها الفرد مع المحيطين به والتي يظهرها للآخرين، لكن ما خفيه كان أعظم.
هاتين الظاهرتين في الفكر الاشتراكي كنت نكر وجودهما وأحاول أقناع نفسي بذلك. ولكن بعد الاحتلال الأمريكي كُشف كل ما هو مخفي وأظهر هؤلاء المُتمركسين تلك النزعات التي كانت مخفية بشكل مباشر وغير مباشر. فقد كان هناك الكثيرين من المتحاملين ليس على الفئة الحاكمة قبل الاحتلال بقدر من تحاملهم على أبناء الشعب العراقي وبكل فئاته وخاصة العرب منهم وكأنهم السبب في كل ما حدث ويحدث للعراق. وكان بالأحرى بهم التساؤل أليس هم من يتحمل بعض أو معظم تلك الأسباب والتي سببها سياساتهم الفوقيةُ والمصلحيةُ. فالكثيرين من هؤلاء بعد الاحتلال أصبحوا من المدافعين عن فكرة الأقاليم وعن الجعفري وحزب الدعوى والحكيم وغيرهم من السياسيين الطائفيين وعن الاحتلال ذاته فهم قد أبدلوا الولاء للاتحاد السوفيتي بالولاء لأمريكا وكأنهم لا يستطيعون الوجود بدون سلطة الأب أو الراعي الأكبر. بالرغم من التناقض في السلوك والتفكير بينهم وبين الأفكار التي تدعو لها كل تلك الشخصيات والأحزاب الدينية والطائفية إلا أنهم كانوا يصطفوا معهم في ذات الخندق، وهذا لا يتوقف على الأفراد وإنما هناك القيادات والتي لم نستطع تمييز مواقفها عن مواقف قيادات هذه الأحزاب الدينية والطائفية شيعية كانت أم سنية. ففي أحدى المرات وبعد الاحتلال كانت ظاهرة القتل المجهول والتي تعرض لها الكثيرين من أبناء هذا الشعب وخاصة العسكريين منهم منتشرة وبشكل كبير، وعند مناقشة هذا الموضوع مع شخصاً من هؤلاء وهو يحمل درجة الدكتوراه في احد العلوم البحتة، وعند تعرضي لفكرة من الكامن وراء تلك الاغتيالات، وعندما أشرت إلى إن إيران تقف وراء ذلك وهذا الحادث كان عام 2004 أنتفض ليقول انتم تكرهون وتحقدون على إيران، حتى أني قد تفاجأة وتساءلت هل لهذا الصديق جذور إيرانية وأنا لا أعلم ونحن من هل نحن العراقيين أم العرب. ولكن لم يطل تعجبي واستغرابي بعد ذلك عندما التقيت بالكثيرين من هؤلاء والذين تناقشت معهم أو قرأتُ لهم على الكثير من المواقع والصحف أو سمعت تصريحاتهم وهم محسبون على فئة المثقفين والأدباء والكتاب التقدميون، ولكن الأدهى هو أن ينشر هؤلاء غسيلهم المتسخ والعفن على مواقع ذات التوجه اليساري والاشتراكي واستغلالهم لما يسمى بالديمقراطية، في وقت يتميز عالمنا اليوم بالاضطراب في الأفكار والأطروحات العولمية ذات النزعات الغير إنسانية. في حين كان الأحرى بهؤلاء رفض تلك الدعاوي الفارغة والتي تتعارض مع التفكير العلمي، إذا كانوا هؤلاء يفهمون معنى الفكر الماركسي والاشتراكي، ومعنى التفكير العلمي وكيف يمكن تطبيقه ليس في المختبرات وإنما في الواقع اليومي والعملي. ولم يقف ذلك على فترة الاحتلال وما ترافق معها من ظواهر. وإنما هذا الأمر له جذور عميقة في حياتنا الفكرية والاجتماعية.
علما بأن هاتين النزعتين استمرتا جنبا إلى جانب، حيث كانت كل منهم تغذي الأخرى وتمدها بقوى البقاء والاستمرار. فقد استمرت هذه النظرة الطائفية تنعكس على التقليل من الشأن الشعور القومي العربي، فظهرت بعد الاحتلال صيحات ولا زالت تندد بالشعور القومي ويجب عزل العراق عن محيطه العربي(والدستور ومن وافق عليه دليلا على ذلك)، والدعوة بأن العرب هم سبب ماستنا ليس بدعوتهم المحتل وتعاونهم معه(وهذه المأساة الكبرى) وإنما لوقوفهم مع الشعب العراقي في فترة العدوان الإيراني والحصار المقيت الذي كان يطبل له الكثيرين من هؤلاء والذين كانوا يعتبرون أنفسهم معارضون، وكان هذا هو سبب مأساة هذه الشعب وليس خيانة هؤلاء وأمثالهم. ومن بينهم الذين قدموا صورة سلبية عن هذا الفكر(الماركسي والاشتراكي) حينما كان هو سيد الساحة العربية والعالمية. ولم يقف الأمر عند هذه المرحلة التاريخية وإنما كانت لهم مواقف عادوا بها أدراجهم إلى عمق التاريخ كي يصبغوا على كل الحركات مهما كانت خلفياتها وأفكارها والتي تتعارض أو قد لا يتفق بعضها أو الكثير منها مع الفكر الماركسي أو الاشتراكي، وسوى أنها مناهضته للسلطة الحاكمة في الدولة العربية فقط لا غير، بأنها حركات ثورية ذات طابع اشتراكي وشيوعي وهي البذرة الأولى لهذا الفكر حتى البعض من هؤلاء سمح لنفسه بان يطلق تسمية الاشتراكية أو الشيوعية على الكثيرين من الشخصيات أو الحركات جزافا، ولكن في حقيقة الأمر لم يكن ذلك التقييم يتم وفق الفكر العلمي الماركسي وإنما كانت في ضوء النزعة الطائفية والحاقدة على الأمة العربية وتاريخها والتي كانت تبرز خلف تلك التقييمات. فكانت أفكار (بندلي جوزي) وكتب الحركات السرية في الإسلام واليمين واليسار في الإسلام وغيرها الكثير من تلك الكتب والأفكار والتي كان يطبل لها هؤلاء. في حين إن تلك الحركات لم تكن تختلف بشيء عن السياسات التسلطية والدموية التي يمارسها الحكام في تلك العصور. وبالرغم من البعد التطوري التاريخي والاجتماعي والحضاري وطبيعة ونوعية التطور في تلك المراحل. فقد أصبح من يدعي النبوة ثائرا اشتراكيا وزعيما طبقيا مثل محمد بن علي صاحب الزنج. والحلاج الذي كان يرى الله أو يتواصل معه ويتوحد به كما يفعل اليوم (بوش الابن) أو الكثيرين من المجانين الذين يدعوهم الحق( وهو الله) بأسمائهم ويتواصل معهم ويشفيهم من أمراضهم وعقدهم، وغيرهم.. وغيرهم الكثيرين ممن كانوا يسفكون الدماء ويهتكون العرض على مر التاريخ، والذين لا يمكن فصلهم أو عزلهم عن أحفادهم في العراق وأفغانستان اليوم. أقول وبالرغم من التناقض الفكري والعقائدي بين تلك الحركات والفكر المادي (الماركسي) من حيث المنطلقات والأساليب إلا إن هناك جامع ما يجمعهم هؤلاء المُتمركسين مع أولئك الأجداد هو كونهم من خلفيات غير عربيه وذو تطلعات طائفية مقيتة يرفضها الفكر الماركسي. فهي لا تختلف في شيء عن كل ما ظهر من أفكار ضد الإنسان والإنسانية، أفكار وأطروحات سلاحها كان وما زال القتل والتدمير وتكميم الأفواه وقطع الرؤوس. وما أقرب الفكر الإنساني الذي يجب يدعوا ويناضل هؤلاء إليه والذي يمكن أن يتجسد في قول الإمام علي بن أبي طالب(ألإنسان بنيان الله ملعونٌ من هدم) والتهديم الذي يقصد به ليس بالقتل فقط. ولكنهم يشنون هجوما على كل التراث العربي والخلفاء والملوك ومنذُ عصور الأولى مرورا بالدولة الأموية والعباسية. ففي كل ظاهرة جانبها الايجابي والسلبي. فالطائفية تعانقت مع العداء للقومية العربية لتقدم لنا فكر بعيدا كل البعد عن الفكر الماركسي الذي دعا إليه ماركس وانجلز والذي استطاع لينين أن يحوله إلى دولة للفقراء وليس دولة للطوائف والأحقاد.
أن ما آلت إليه أوضاع الحزب الشيوعي "العراقي" وخاصة بعد تشكيل الحزب الشيوعي "الكردستاني". فأن على قيادة الحزب تغيير أسم الحزب إلى حزب شيوعي عربي وآخر صابئي وحزب شيوعي تركماني وأن كان في اعتقادي إن هناك قلة من أخوتنا التركمان ينتظمون في صفوف الحزب الشيوعي "العراقي" وذلك للمواقف ألذيليه لهذا الحزب مع الأحزاب القومية الكردية والانضواء تحت مظلتها مما أدى إلى نفور الكثيرين من الأخوة التركمان من الحزب، مثلما إن قلة من العرب السنة في صفوف الحزب وذلك لموقف هذا الحزب من التراث العربي والإسلامي خلال نشوء وتطور الدولة العربية ومناهضته لها من خلال إسباغ الثورية والشرعية على كل الحركات ذات الطابع الانفصالي والتخريبي، والذي كانت تمثله وتدعمه قوى استطاع العرب والمسلمون من انتزاع السلطة منهم بالرغم من تسترهم بالدين وإثارة الشعور الطائفي لدى أبناء الشعب العربي وعلى مر العصور. إلى جانب وجود أسباب أخرى لن نتعرض لها في الوقت الحاضر ولكن سيكون لنا معها وقفة أخرى.
إن الولوج إلى هذا المستنقع النتن هو الانتحار بعينه حيث إن الاصطفاف مع تلك التوجهات الطائفية، يكون عامل دفع للآخرين لكي يتخذوا ذات المواقع، وفي النتيجة النهائية فإننا ندفع الكل للبحث عما يشعرهم بالأمان مما يعني العودة إلى البنى الأولية من قبلية وعشائرية ومذهبية وطائفية مما يعني غياب الدولة والقانون، وبذلك يكون هؤلاء عامل هدم للفكر الاشتراكي والحضاري والإنساني من أجل دعاوي غيبية لا أساس لها من صحة سوى في مخيال أشخاص مرضى غير سويين.
إن الموقف الصحيح والذي يجب أن يتبناه دعاة الماركسية أو الاشتراكية، هو رفض الحديث عن هذا الهراء وأن لا نصطف مع هذا ضد ذلك أو مع ذلك ضد هذا، فكلهم سواء لا فرق بين هذا أو ذلك. فليكن موقفنا مع شعبنا الذي ذاق المرارة من هؤلاء، وأن نعمل على أظهار مساوئ كل التوجهات الطائفية وأن لا نكون بوق يصدح لهؤلاء أو لأولئك، فأننا قادرون على جمع كل الأديان والمذاهب في بودقة الوطنية وبناء العراق والمستقبل الجديد لأبنائه. وحينما ندعي الديمقراطية ونخوض النضال من أجلها لا يمكن لنا أن نتصور بأن هذه الديمقراطية يمكن أن تأتي من هؤلاء الطائفيين والعنصرين إن كان الحزب الإسلامي وحلفاءه السنة أو التحالف الشيعي أو التحالف الكردي، حيث إن فاقد الشيء لا يعطيه. لذا لنخرج إلى نور الفكر العلمي والإنساني والوطني، وأن نحطم كل القواقع التي نحاول الاختباء فيها عن نور الحقيقة، وليكن أهدافنا السعي الدائم لتحقيق الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية لجميع أبناء الشعب. واختم كلمتي بهذه البوذية وهي من الشعر الشعبي العراقي أملي أن تقرا بشكل صحيح وكل عام والأحرار وكل المناضلين في العالم بألف ألف خير.

(حب الوطن شريعه ألنه وسنه)
(وخوي برقبتي حد سيف وسنه)
(الجنه ما تحله بلا شيعه وسنه)
(شحلاة الوطن بجمعتهم سويه)



#جودت_شاكر_محمود (هاشتاغ)       #          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بصمةُ العار
- رحيلُ الروح
- صور من زمن الاحتلال
- رحيل الروح
- الاكتئاب تشخيص وعلاج(3)
- ..........
- مَنْ الأخير ؟
- الاكتئاب تشخيص وعلاج(2)
- البصرةُ حبيبتي
- الحقيقة بين الجواهري ونوري باشا السعيد
- الاكتئاب تشخيص وعلاج(1)
- غربةُ الذات
- طرق وأساليب العلاج النفسي (4)
- لكِ أنتِ
- طرق وأساليب أخرى في العلاج النفسي(3)
- طرق وأساليب أخرى في العلاج النفسي (2)
- لنعمل على زيادة مساحة اتفاقنا ولنقلل من حيز اختلافنا
- طرق وأساليب أخرى في العلاج النفسي(1)
- العلاج والإرشاد النفسي: المدخل الإنساني (4)
- الوطنُ الغائبُ الحاضر دوماً


المزيد.....




- مؤلف -آيات شيطانية- سلمان رشدي يكشف لـCNN عن منام رآه قبل مه ...
- -أهل واحة الضباب-..ما حكاية سكان هذه المحمية المنعزلة بمصر؟ ...
- يخت فائق غائص..شركة تطمح لبناء مخبأ الأحلام لأصحاب المليارات ...
- سيناريو المستقبل: 61 مليار دولار لدفن الجيش الأوكراني
- سيف المنشطات مسلط على عنق الصين
- أوكرانيا تخسر جيلا كاملا بلا رجعة
- البابا: السلام عبر التفاوض أفضل من حرب بلا نهاية
- قيادي في -حماس- يعرب عن استعداد الحركة للتخلي عن السلاح بشرو ...
- ترامب يتقدم على بايدن في الولايات الحاسمة
- رجل صيني مشلول يتمكن من كتابة الحروف الهيروغليفية باستخدام غ ...


المزيد.....

- عندما تنقلب السلحفاة على ظهرها / عبدالرزاق دحنون
- إعادة بناء المادية التاريخية - جورج لارين ( الكتاب كاملا ) / ترجمة سعيد العليمى
- معركة من أجل الدولة ومحاولة الانقلاب على جورج حاوي / محمد علي مقلد
- الحزب الشيوعي العراقي... وأزمة الهوية الايديولوجية..! مقاربة ... / فارس كمال نظمي
- التوتاليتاريا مرض الأحزاب العربية / محمد علي مقلد
- الطريق الروسى الى الاشتراكية / يوجين فارغا
- الشيوعيون في مصر المعاصرة / طارق المهدوي
- الطبقة الجديدة – ميلوفان ديلاس , مهداة إلى -روح- -الرفيق- في ... / مازن كم الماز
- نحو أساس فلسفي للنظام الاقتصادي الإسلامي / د.عمار مجيد كاظم
- في نقد الحاجة الى ماركس / دكتور سالم حميش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - في نقد الشيوعية واليسار واحزابها - جودت شاكر محمود - أخرجوا من ظلام قواقعكم إلى النور