|
السّهلة ، المُمتنع 2
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 2455 - 2008 / 11 / 4 - 06:54
المحور:
الادب والفن
على أعتاب سنّ البلوغ ، المُرَخمَة بمَرْمر أحمَر ، كنتُ شاهداً على نضج ثمرَة شهيّة ، لذيذة ، دأبَتْ دوماً على دنوِّها ، السّهل ، من جوع الجنس ونهمه . هيَ " مليكة " ؛ الفتاة الفاتنة ، التي تكبرني بسنة واحدة حسب ، مع أنها توحي للناظر بكونها إمرأة ، كاملة العلامات ؛ بالنظر لإمتلاء بدنها وحيوية روحها . حسنها ، المُفعم بملامح منسجمة لسحنة رائقة ، ناصعة ، كان يُزاد مثاقيله بقناطير مُذهّبة لمؤخرةٍ سخيّة ، عارمَة . هذا الحسنُ ، كان مُعششاً بمكامنه ثمة ، في الجهة المُقابلة لبيتنا ؛ أين يقومُ المنزل الأصل لآل " حج عبده " . إنطلاقة بنات آلهم والحريّة المُتاحة لهنّ ، هما من واردات حكاية عجيبة ، شائعة في محيطنا ، تجزُم إعتناق الجدّ الأول لمذهب " البهائية " ، بُعيدَ إقترانه بإمرأة إيرانية . جارَتنا ، خياطة الحارَة الأشهر وزوجة عمّ " مليكة " ، ضافرَتْ من تلك الإشاعة بما أنها من الأصل نفسه ، الأعجميّ . ولكنّ بيتَ الجدّ ، الكبير المساحة ـ كحال معظم بيوت الحارَة ، سبقَ له أن قسّمَ على ذكوره الثلاثة بُعيدَ زواجهم . أمّا شقيقتهم الكبرى ، فإنها كانت قد إقترنت بأحد وجهاء الحيّ ، في قسمه الغربيّ ، فأنجبتْ منه إبنها " عصمت " ؛ الذائع الشهرة لاحقاً ، بوصفه بروفيسوراً مُحاضراً في الجامعات السويسرية والأوروبية ، كما وبمراكزه السياسية ، المرموقة ، في الحركة الكردستانية . مذ مبتدأ طفولتنا ، لبثَ حقدٌ ضار يسرَحُ بين بيتيْ إبنيْ " حج عبده " ، والذي يفصل بينهما منزل شقيقهما الكبير ، الحياديّ . هذا الحقد ، حقّ له ان يتغذى أواره بجمر ماض دمويّ ؛ مذ طعنة مطوى " قابيل " زقاقنا ، القاتلة ، لشقيقه الأصغر . القاتل ، أورَثَ بناته ثروة وسامة فتوّته ، الثرّة ، وفي قِسْمَةٍ ، عادلة ، مُبقياً لنفسه عسرَ الخلق وناريّته .
*** البنتُ البكر لجارنا ذاك ، ما كانت سوى أمّ رفيق الطفولة ، الأقرَب ؛ " غسان " ، الفتى الفاتن ، الذي إبتلاه المقدورُ بعاهة الصمّ والبكم . " سوزي " ؛ شقيقته الصغيرة ، الوحيدة ، كانت تظلع أيضاً على قدَمَيّ حسن باهر ، حثيث ، مندغم بخلق خجول ورقة لا مُتناهية . بيتهم ، كان في حقيقته حصّة كبير ذكور آل " حج عبده " ؛ هذا الرجل الصموت المُتكتم ، والعطوف في آن ، المتكرّم على إبنة أخيه بالضيافة الدائمة ، بُعيد مقتل زوجها ، الضابط العسكريّ ، في إحدى التدريبات . وعلى الرغم من جفاء العلاقة بين والدة الأخوين ، اليتيمين ، وزوجة أبيها ، فإنّ ذلك لم يمنع توثق أصرَة صداقتهما للخالة الصغيرة ، " مليكة " ، التي بادلتهما بدورها المودّة . في سنيي تلك ، الحدَثة ، غيرَ المُتمّة بعد الدزينة الكاملة ، كنتُ مُعتاداً على التواجد الدائب في بيت لدّات الطفولة أولئك ، المَركون بمواجه بيتنا تماماً . وما فتأتُ أذكر تفاصيلَ ذلك اليوم الصيفيّ ، المشهود ، الذي حفلتْ ظهيرته بعبثٍ صاخب ، من لدن خالتيْ صديقي ، الأخرس . " ليال " ، التي تماثل عمراً بكرَ أسرتنا ، كانت قد إقترَحتْ اللهوَ بنربيش الماء ، غبَّ فراغها وأختها الصغرى " مليكة " من مهمّة غسل أرض الديار . كان البيت خال إلا من حضورنا ، فعمّ البنات ، الكبير ، كان وقتئذٍ في مشاغل المحلّ الصغير ، الذي يملكه في الزقاق العلويّ ، المُفضي لما يُعرف عندنا بـ " حارَة الدروز " . أمّا " أمّ غسان " ، فكانت غائبة عن بيتها هذا ، كونها تعمل ممرضة في عيادة خاصّة لأحد الأطباء ، في مركز الشام القديمة . هكذا رأيتني في غمرةٍ من التلاحم الغامض مع الجسديْن الرائعيْن ، شبه العارييْن ، للأختين هاتين ، المتماجنتيْن ؛ التلاحم الحميم ، المتماهي بمظهر ، بريء ، من اللعب وتراشق المياه . " غسان " ، من جهته ، كان الأكثرَ مرَحاً بيننا ، مُطلقاً صيحاتٍ متواليَة ، مفقودة المفردات ، فيما هوَ يتراكض خلف صغرى خالتيْه برشاقة بدنه ، المتجرّد تماماً من أيّ ملبس . فلا يلبث أن يُدركها ، لاهثاً ، فيهوي على ظهرها بما يُشبه الطعنات ، الخاطفة ، من إحليله المُستدَقّ ، والقائم مُنتصباً في الوقت نفسه . عندئذٍ كانت " مليكة " تتصنع الفرار ، صائحة بدورها ، فيما أردافها تترجرجُ وتهتزّ بصورةٍ غاية في الإثارة ؛ أردافها الثقيلة ، المُتبدّية على عريّ بيّن ، بما كان من حال السروال الشفيف ، المُبتلّ .
*** بدورها ، فإنّ " ليال " ولا ريب ، كانت حسناء الحارَة دون منازع . صداقتها لشقيقتي ، الكبرى ، توثقتْ خلال دراستهما معاً منهاج البكالوريا ، الأدبية . إذ ذاك ، كنتُ بمثابة ساع للبريد بينهما ؛ لقصاصاتٍ من الورق ، دقيقة ، مُنتزعة من هذا الكرّاس أو ذاك . جارتنا الفاتنة ، الفائقة اللطف والظرف ، كانت تخصّني بمودّتها ولا تكفّ عن ضمّي وتقبيلي ، بوجود شقيقتي أو عدَمَه . فضلاً عن ذلك ، فما كانت لتأبه في حضوري بالتخاطر بملبس النوم الرقيق ، القصير ، المكوِّر كلّ خلجةٍ ، خلوقة ، من أجزاء بدنها المُثير . حقيقة إيثاري بمحبّتها ، مُحالة ربما لكوني دأبتُ صغيراً على مهمّة الساعي تلك ، إنما مع شخص آخر ، مّذكّر الصفة . وبعبارة اخرى ، كنتُ لهما مرسالاً : وإذاً بحدود التاسعة من عمري ، إتفق لي رؤية " ليال " وإبن عمّها " راضي " ، الذي يكبرها ببضعة أعوام ، وكانا يتبادلان الإشارات ، الخفيّة ، خلل المسافة الهيّنة ، الفاصلة بين حجرتيْ منزليهما ، العلويتين . وإذا بقصاصة من الورق ، ملفوفة بعناية ، تنهمل من عليّة إبن العمّ . لحظات اخرى ، ثمّ ظهرَت " ليال " أمام باب بيتها ، لتوميء لي بلطف . " تلك الورقة على الأرض ، أتراها ؟ أجلبها لي ، حبيبي ! " ، هتفتْ بي الجارةَ الحلوة بصوتٍ خفيض . " راضي " ، المُشتهر بوسامته ، كان بطبيعة الحال هوَ حبيبها الحقّ ، وليسَ ذلك الطفل ، الذي كنته . منذئذٍ ، إعتاد عاشقنا على تكليفي بشراء سكائره من الدكان ، جنباً لجنب مع مهمّتي تلك ، السريّة ـ كمرسال الغرام . تشديدي على سريّة الأمر ، لكون العاشقيْن هذيْن ، المُتولّهيْن ، يعلمان ولا شكّ بما بين بيتيْهما من أحقاد ودماء . ولكي تتناهى المُفارقة ، فإنّ " ليال " و " راضي " هما من كانا سببَ المأساة تلك ؛ حينما إشتبكا طفليْن بمشادة حامية ، مما إستدعى تدخل أبوَيْهما الشقيقيْن ، اللدودَيْن . وهما بالذات من سيكونا ، على أغلب ترجيح ، باعثيْ شرارة مشادة اخرى ، ما عتمَتْ أن إحتدمَتْ بين أسرتيْهما ، وبالتالي ، أنهَتْ بدورها واقعة عشقهما .
*** ـ " قلتُ لكِ ، لا تصرخي هكذا ، مثل عاهرة !! " راحَ شقيق " راضي " ، الذي يصغره مباشرة ً ، يَصرخُ مُغضباً بإبنة عمّه ، الكبرى . " أمّ غسان " ، المسكينة ، هيَ التي كانت معنيَة بالإهانة تلك ، الفظيعة ، كونها القائمة بهمّة على منافحة إمرأة عمّها وإبنتها . ولكنّ تدخل عمّي المُهاب ، الحاسم ، بين أولئك الأقارب ، المُتخاصمين ، سرعانَ ما أخمدَ أوارَ النزاع . على سذاجة سني تلك ، المُبكرة ، كنتُ على يقين بأنني الوحيد في الحارَة من يملكُ تأويلاً ، مرجوحاً ، للمشادة المُنتهية تواً . لخيبتي ، فإنني إلتقطتُ في مساء ذلك اليوم إشاراتٍ ، لا لبس فيها ، من شقيقتيّ الكبيرتيْن ، تؤكّد معرفتهما بحكاية الحبّ ، المُحرّم ، التي كانت تربط " ليال " مع " راضي " . هذا الأخير ، ما لبث أن اُجزيَ تفوّقه الباهر ببعثةٍ ، حكوميّة ، إلى عاصمة البلاشفة ، كيما يدرس الفيزياء النووية . فيما أنّ إبنة عمّه ، الحبيبة ، سيكون عليها إختيار شابّ فلسطينيّ زوجاً ، وما عتمتْ أيضاً أن رحلتْ معه إلى العاصمة العراقية ؛ أين مكان عمله ، ضابطاً في منظمة التحرير . صهر آل " حج عبده " ذاك ، الغريب ، كان علاوة على ذلك عجيبَ الأطوار . خلال فترة الخطبة ، كان يتعامل معي وكأنني من أهل بيته ، وبكلّ ودّ ولطف . تآلفتُ وصديقي " آدم " مع حضور هذا الضابط الفلسطينيّ ، الذي دأبَ على مجالستنا على عتبة دار حموه . فيشرع إذ ذاك برواية مغامراته المشوّقة ، الفدائية ، في غزة وجنوب لبنان ، وكذا مهمّاته ، السريّة ، في بعض الدول الأوروبية . كان يُشفع معلوماته أحياناً بإبراز صور ، شخصية ، مع مسؤولين مهمين من المنظمة ، وكذلك مع حسناوات من ذوات الشعر الأشقر والعيون الزرق . خلال العرس ، تبدّى جلياً خلق الرجل البسيط ، المرح ، فكانت تصرفاته تثير في كلّ مرة عاصفة من الضحكات بين النسوة . في تلك الليلة ، المُحتفلة ، وجدتني مع " آدم " ، الجريء حدّ الإستهتار ، في الحجرة العلوية لمنزل عروسنا ، المخصصة لتغيير فساتينها ، العديدة ، المُفترض أن تعرضها على مرأى من المدعوات . هنا ، في الحجرة ذاتها ، التي شهدَتْ إشارات الحبّ الأول ، الموؤود ، كانت " ليال " بأحلى حلّة وأروع مظهر . عندئذٍ كان جسدُها ، شبه العاري ، يومضُ لناظري في عجالة الخلع والإكتساء ؛ الجسَدُ المُعجز ، الذي ألِفتهُ زمناً وتحسرّتُ فيما بعد دوماً على فتنته الآسرة ، المُفتقدة .
للسيرة بقية ..
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ثمرَة الشرّ : السَّهلة ، المُمتنع
-
جَمرة المتعَة والألم 5
-
جَمرة المتعَة والألم 4
-
جَمرة المتعَة والألم 3
-
جَمرة المتعَة والألم 2
-
ثمرَة الشرّ : جَمرة المتعَة والألم
-
جادّة الدِعَة والدّم 4
-
جادّة الدِعَة والدّم 3
-
مَراكش ؛ واحَة المسرّة
-
جادّة الدِعَة والدّم 2
-
مَراكش ؛ ساحَة الحُبّ
-
نزار قباني ؛ نموذج لزيف الدراما الرمضانية
-
لن تطأ روكسانا
-
مَراكش ؛ مَلكوت المُنشدين والمُتسكعين
-
فلتسلُ أبَداً أوغاريتَ
-
ثمرَة الشرّ : جادّة الدِعَة والدّم
-
برجُ الحلول وتواريخُ اخرى : الخاتمة
-
العَذراء والبرج 4
-
العَذراء والبرج 3
-
العَذراء والبرج 2
المزيد.....
-
براد بيت اختبر شعورا جديدا خلال تصويره فيلم -F1-
-
السويد.. هجوم جديد بطائرة مسيرة يستهدف الممثلية التجارية الر
...
-
-البحث عن جلادي الأسد-.. فيلم استقصائي يتحول إلى دليل إدانة
...
-
تقرير رويترز 2025: الجمهور يفضل الفيديو والصحافة البشرية وهك
...
-
هكذا تصوّرت السينما نهاية العالم.. 7 أفلام تناولت الحرب النو
...
-
بعد أسابيع من طرح الفيلم ونجاحه.. وفاة نجم -ليلو وستيتش- عن
...
-
ابتكار ثوري.. طلاء -يعرق- ليُبرّد المباني!
-
كيف يساهم تعليم العربية بكوريا الجنوبية في جسر الفجوة الثقاف
...
-
بالتزامن مع تصوير فيلم -مازيراتي: الإخوة-.. البابا لاوُن الر
...
-
-الدوما- الروسي بصدد تبني قانون يحظر الأفلام المتعارضة مع ال
...
المزيد.....
-
الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية
...
/ عبير خالد يحيي
-
قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي.
/ رياض الشرايطي
-
خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية (
...
/ عبير خالد يحيي
-
البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق
...
/ عبير خالد يحيي
-
منتصر السعيد المنسي
/ بشير الحامدي
-
دفاتر خضراء
/ بشير الحامدي
-
طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11
...
/ ريم يحيى عبد العظيم حسانين
-
فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج
...
/ محمد نجيب السعد
-
أوراق عائلة عراقية
/ عقيل الخضري
-
إعدام عبد الله عاشور
/ عقيل الخضري
المزيد.....
|