أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمزة رستناوي - القصيدة التحريضية و اللهاث التعويضي ج2/3















المزيد.....

القصيدة التحريضية و اللهاث التعويضي ج2/3


حمزة رستناوي

الحوار المتمدن-العدد: 2454 - 2008 / 11 / 3 - 06:43
المحور: الادب والفن
    


و سأنتقل الآن إلى دراسة دور المناخ السياسي في إزدهار الخطاب الشعري التحريضي ,
يكتسب الشاعر دوره التقليدي , ويزداد رصيده عند اقترابه من السلطة, وحيث أن السلطة الثقافية هي مجرد تابع للسلطة السياسية, ولا تنتقد توجهاتها إلا في الإطار الضيق، لذلك يسعى الشاعر أو الذين يطمحون أن يكونوا شعراء إلى الاقتراب من السلطة، من خلال قصائد المديح للسلطان أو الملك أو الأمير أو المحافظِ, وكذلك الإشادة بالانتصارات والمنجزات التي حققتها هذه السلطة لدرجة أن كمّا كبيرا من هؤلاء تم احتواؤهم في المؤسسة الرسمية وأصبحوا جزءا منها.
" هناك شعراء ينتظرون المناسبات الوطنية و القومية للفوز بنشر قصيدتهم و مشاهدة أسمائهم على صفحات الجرائد و هذا يساهم في زيادة رأس مالهم الرمزي المنعكس منفعة مادية مباشرة أو ترقية أو منصب معين"
ولكن لماذا يلجأ الشاعر إلى المعارضة أو الرفض؟
• إننا في الغالب أمام خيار المعارضة والرفض بغية كسب جماهيرية مضاعفة، كتحويل نفسي لسياسة القهر التي يمارسها النظام، وبذلك يكون الرفض أو الهجاء السياسي بوابة دخول جماهيرية وشعبية بحد ذاته، وتلك
لعبة ذكية قام بها العديد من الشّعراء
إلى جانب هؤلاء نجد شعراء يعارضون الواقع على أرضيّة فكرية تنظر إلى السلطة كجزء من المجتمع، وبالتالي فإشكالية التعامل مع السلطة ومعارضتها هي جزأ من إشكالية اجتماعية أكبر يعيشها هذا المثقف "الشاعر"، وغالباً ما يستخدم هؤلاء تقنية النثر، بينما ينشد شعراء الرفض الانفعالي المباشر تقنية القصيدة العمودية، وتبقى قصيدة التفعيلة دائرة تقاطع بين الحالتين.

ولكن ليست الأمور دائماً بهذا الشكل فهناك شعراء رفض متذمرون "مبدئيون" مطوَّقون بالصمت مركونون في زوايا مهجورة، نادرا ما تُسلط عليهم الأضواء، إلا أن هذا لا يعني أننا أمام قامات شعرية فذّة، لكن ربّما أمام مناضلين مهمين.

الأمة الفاشلة يمثلها شعراء فاشلون ، والأمم الساذجة يمثلها شعراء ساذجون، ولكن الحداثة الشعرية في جوهرها بناء معقد، لأنّ الحقيقة معقدة بطبيعتها وهذا يناسب الأزمة التي يعيشها المثقف العربي،
فالقصيدة الحداثية لم ولن تتحول في المدى المنظور إلى قصيدة جماهيرية، على عكس القصيدة التحريضية ذات الجوهر البسيط، إنها قصيدة موقف, وهي بحكم انتمائها إلى عالم اللوغوس الشفوي, تكون رهينة اللحظة أكثر من القصيدة المقروءة، ولذلك فهي الأكثر تأرجحا واندفاعا ويقينا وتجيشا للقطاعات المجتمعية,
ففي فترة المد الثوري التحرري العربي إبان عقود الخمسينات والستينات والسبعينات إلى حدٍّ ما، كانت السلطة "الثورة" تتطلب شعراء حاقدين بغية استثمارهم في الحرب على الإمبريالية والصهيونية والرجعية العربية ، فالحقد أحسن المعلمين حسب عبد الرحمن منيف "يجب أن تتحول أحزانك إلى أحقاد وبهذه الطريقة وحدها يمكن أن تنتصر، أما إذا استسلمت للحزن فسوف تُهزم وتنتهي، سوف تهزم كإنسان وتنتهي كقضية".

لقد فرخت هذه الثورات/ الانقلابات أنظمة شمولية , مما اضطر كثيرا من الشعراء إلى العيش على حافة التسول, وذلك بعد استعمار المجتمع والحياة الثقافية فأصبحت المؤسسات الرسمية بالنسبة لهم ملاذا ونوعا من صناديق الإعانات الاجتماعية حيث تزداد قيمة المساعدة بمدى التقرب من المؤسسة وأزلامها، وبذلك استطاعت المؤسسة الإعلامية والثقافية كسب العديد من الأنصار لجانبها وجعلهم معتمدين عليها، وبذلك تحول الشاعر السوري إلى شاعر مدجَّن يجيد التصفيق عندما يُطلب منه ذلك، ويغضب عندما يُطلب منه ذلك، حتى أن المثقف الفلسطيني المقيم في سوريا "هشام الدجاني استغرب صمت المثقفين السوريين إزاء مفاوضات السلام الجارية بين سورية وإسرائيل، وكأن تلك المفاوضات تجري في المريخ وكأنهم غير معنيين بها.

الشعراء التحريضيون السوريون هم كوكتيل مؤدلج عروبوي ماركسي إسلاموي يجمعهم خطابات تتلهى بالشعار وبالتبشير الأجوف, فالتبشير هو غاية بحد ذاته، تبشير بالوحدة العربية, وتغني بالوحدة الوطنية, وتفاؤل أكيد بجلاء الصهاينة وتحرير الأرض, واندثار الهيمنة الأمريكية، وتحقيق مجتمع التقدم والرفاهية الاشتراكية، فالتبشير هو غاية بحد ذاته، إنه بديل عن الفعل الاجتماعي المُستحق.

القصيدة التحريضية ناقصة لأنها لا تجيب عن السؤال المحوري: لماذا؟
إنها تترك الإجابة للايدولوجيا التي ينطلق منها الشاعر، وسأتناول في دراستي هذه أربع مجموعات شعرية لشعراء سوريين تسعينيين هي:
1- قول على عصر الخراب : إسماعيل اللجي
2- ثم ليلى : إبراهيم الزيدي
3- عودة الطائر الأبيض : غازي الخطاب
4- ميكياجات أمريكية الصنع : نبيل قصاب باشي
ولكن لماذا هذه المجموعات الأربع دون سواها، وهي تقدر بالمئات أو ربما الآلاف؟!
الجواب على ذلك أنها نماذج تقليدية للقصيدة التحريضية، وهي نماذج شعرية ذات جماهيرية ملفتة مخلصة لروح القصيدة التحريضية، وأنا لا أتناول هنا القيمة الجمالية لتلك النماذج, فذلك خارج إطار الدراسة، ومن خلال تناولها سأحاول تلمّس السمات المشتركة للقصيدة التحريضية .


قول على عصر الخراب

يمكن اعتبار القصيدة التحريضية استمرارا للتراث الشعري العربي بمقاصده الأربعة التالية: الهجاء والرثاء والمديح والفخر.
فالقصيدة التحريضية تعيد القديم في ثوب جديد، من خلال إحلال الوطن محل القبيلة أو الحبيبة، فالشاعر التحريضي يقف على أطلال الوطن, مثلما وقف الشاعر الجاهلي على أطلال الحبيبة .
"عوجوا على الطلل المحيل ِ"
فكلها طلل محيلْ
عوجوا
فقد أعطيت أوراقي لقاتلتي
وقاتلت النخيلْ (ص11)

ويعيد الشاعر نفخ قربة الثأر، باعتباره تقليدا عريقا لا يزال يمارس مفاعيله حتى الآن:
عوجوا
فهذي الدار غادرها النشيد
وأسرج الشعراء قافية الرثاء
وجلّل الرعب الرمال َ
وقلتُ "لا تهلك أسىً "
حمَّلت َ هذا الثأر جيلاً بعد جيلْ (ص12)

ويستعيد مجموعة من الأفكار القابلة للتفاعل الجماهيري كالتوزيع العادل للثروة، ووحدة الجنس البشري:
كلنا نسقى بماء واحد ٍ
لكنَّنا لسنا سواءْ
كلنا جئنا إلى الكون ِ
على طين و ماء ْ
كلنا نغرق في الفقر ِ
وبعضٌ بالدماءْ (ص23)

ويدخل في هذا الباب هجائيات النفط, وأنظمة البترودولار:
عندما يبيضُّ بالبترول وجهه
وبلون الفقر تسودّ وجوه
عندما .........
خلوا سواد الفقر والوجه
وراحوا بالذي في العين منَّا سلبوه (ص24)

الشاعر التحريضي يقول رأيه في كل المواضيع السياسية الراهنة والساخنة بوضوح متماهياً مع الخطاب السياسي الشعبي، كالسخرية من اتفاقات السلام، وفكرة السلام العادل مع الصهاينة:
حيَّ على السلام ْ
وصانعي السلامْ
حيَّ عليه ... أو عليهمُ
قد غادر الشعراءُ
تاريخ الدم المسفوحِ ِ
فوق جماجم الأجدادِ
واهتزوا من الإيمان ِ
والنشوة (ص41)

ويتابع سخريته من الآمال الكبيرة المعقودة على السلام، وكيف تجني المنطقة ثمن السلام ازدهارا اقتصاديا وسعادة:
ساروا يتبعون الركبَ
فالركب الجميل يبشر الآتين َ
بالآتي على خيل مطهمة ٍ
من الجنات ِ
والخيراتِ
بشراكم جياع العالم الثالث ِ
والرابع
والعاشر
ما تجزون إلا ما صبرتمْ
فظفرتم ْ
ذلكم حسن الختامْ
حيِّ على السلام
وصانعي السلام

ينطلق الشاعر التحريضي من خلفية مؤدلجة كما ذكرت، وفي مثالنا هذا تبدو الأيديولوجية الدينية ساطعة, من خلال المقارنات بين الحاضر وماضي المسلمين الأوائل, والإشارات المتتالية إلى النصوص المقدسة:
أين منا سورة الأحزاب ... والفتح ... وهودْ ؟
أين منا لغة عظمى وقرآن مجيدْ ؟
أين منا ذلك المجد التليدْ ؟
هل سنحيا ؟ (ص60)


ثمَّ ليلى

تضطرب صورة الوطن فيغدو عنوانا للخراب والتشرد, ومادة للمتاجرة والسمسرة من قبل الطغاة والحكام:
أيا وطنا بلا مأوى
يضيِّع مبتدا الأسماء ِ !!
كيف يهمُّه الخبرُ
وكيف أعلُّهُ ولهاً ..؟
وشعراً ...؟ وهو ينتصر ُ!! (ص6)

ولئن كانت قصيدة "بلاد العرب أوطاني" قصيدة تحريضية لجيل مضى, فإنَّ اختلاف الواقع يستلزم صيغة أخرى من الخطاب، خطاب ينبئ عن خيبة الآمال والبؤس الذي انتهينا إليه، وفشل أحلام الوحدة العربية والتحرر من الاستعمار والحرية الفردية المبدعة في إطار الوطن:
ومازالتْ: بلاد العرب أوطاني !!
خرائبُ نصفها الأولْ
سجونٌ نصفها الثاني
ونكتب خوفنا العاري !!
لتسقط وحشة الصحراء من دمنا
خيام البدو
قصة موتنا العرفي ِّ
صورتهُ
حماة بيانه الرسميِّ
والأزلام والصور ُ (ص8)



#حمزة_رستناوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القصيدة التحريضية و اللهاث التعويضي ج1/3
- كيف نفهم الدين خارج الايديلوجيا؟
- عمر كوجري و شاعرية الأم الحنون؟
- من شيم الرجال إلى شيم الكلام
- دمشق خارج التغطية؟
- من الايديلوجيا إلى المعرفة؟
- العقيدة شكل , العقيدة مصلحة
- إعجاز علمي: أم كلام عجائز؟ -قراءة نقدية في كتاب موسوعة الإعج ...
- القرآن و بلاغة الخروج من العصر
- تشريح الايديلوجيا
- و لم تنكسر مرتديلا الشعوب؟؟
- شخصية أبو الهدى الصيادي
- زوجتي و السياسة
- خمسة كيلومترات و تصل الجنة؟
- لماذا لا يتكلم الشيطان الانكليزية؟
- المنظومة المعرفية للمعتزلة
- إلى فرفوريوس : المكسو بالأرجوان
- لقد تحول نهر الفرات إلى شرطي
- أنتظر الحلم
- موقف الفلق


المزيد.....




- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمزة رستناوي - القصيدة التحريضية و اللهاث التعويضي ج2/3