أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمزة رستناوي - المنظومة المعرفية للمعتزلة















المزيد.....


المنظومة المعرفية للمعتزلة


حمزة رستناوي

الحوار المتمدن-العدد: 2042 - 2007 / 9 / 18 - 04:04
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


- لن أدخل في تفاصيل تسميتهم
- و لن أدخل في سجالاتهم مع أهل الفرق الإسلامية الأخرى
- و لن أعطي حكم قيمة عليهم فأعظمهم أو أحقرهم
- و لن أتكلم عن تاريخ المعتزلة فهناك كتب كثيرة تبحث في ذلك

و محاضرتي هي كيف ينتج المعتزلة المعنى و آلية التفكير و محدداته عند المعتزلة أي " النسق المعتزلي مقابل النسق الأشعري"
أو لا ً : بين البيان و البرهان و العرفان
يمكن تلمس ثلاث مسارات كبرى للعقل عموما ً و العقل العربي خصوصا – حسب الجابري- ً موضوع دراستنا
1- العقل البياني " النص هو الشرع الأعلى"
- البيان : هو التفكير انطلاقا ً من أصل و هو الاستنباط
أو التفكير انطلاقا ً من فرع و هو القياس البياني
بتعبير آخر هو قياس الغائب على الشاهد " فالصورة التي يبنيها العقل البياني للإنسان و العالم هي صورة عن الذات"
العقل البياني يقوم على زوج لفظ / معنى
و يشمل مسار العقل البياني كل من : اللغويين و النحاة – الفقهاء- المتكلمين بأشاعرتهم و معتزليهم
2- العقل البرهاني" العقل هو الشرع الأعلى"
البرهان هو العمليات الذهنية التي تقرر صدق قضية ما بواسطة الاستنتاج ,
أي ربطها ربطا ً ضروريا ً بقضايا بداهات أو سبقت البرهنة عليها
فالاستنتاج المنطقي : يتجه فيه التفكير من مقدمات و يصل إلى نتائج تلزم عنها
و القياس المنطقي : ينطلق فيه التفكير من مقدمتين أو أكثر يربط بينهما حد أوسط , لنصل إلى نتيجة.
و يشمل مسار العقل البرهاني : الفلاسفة و العلماء في شتى العلوم الطبيعية أو التجريدية أو الإنسانية
3- العقل العرفاني" الحدوس هي الشرع الأعلى"
يقوم العقل العرفاني على زوج ظاهر / باطن
و هو ينطلق من رموز و إشارات لتحقيق مقولات الكشف و الإلهام إلى حدود اللاعقل " المقصود بالعقل هنا العقل البرهاني"
مثال ذلك نجده عند المتصوفة , و المثال هنا مأخوذ من كتاب " الكهف و الرقيم في شرح بسم الله الرحمن الرحيم" لعبد الكريم الجيلي ص6-7
" إنَّ القرآنَ تضمَّنَ كلَّ ما كتبَ, و أنَّ الفاتحة َ تضمَّنتْ كلَّ ما في القرآن ِ العظيمْ , و أنَّ بسم ِ الله الرحمن ِ الرحيمْ حوتْ كلَّ ما في الفاتحة, و أنَّ كلَّ ما في بسم الله الرحمن الرحيمْ تضمنتهُ الباءْ , و أنَّ النقطة َ التي تحتَ الباء ِ تضمَّنتْ كلَّ ما في الباءْ , فالنقطة ُ إشارة ٌ إلى ذات ِ الله ِ الغائب ِ خلفَ سُرادق ِ كنزيَّته ِ في ظهوره " و مثل هذا كثير في فلسفة الحروف التي قدمها ابن عربي
و سأذكر مثالا ً آخر للعقل العرفاني كتفسير " إنا أعطيناك الكوثر : بأنا أعطيناك فاطمة و نسلها الكثيرين
و يشمل مسار العقل العرفاني : المتصوفة و التيارات الباطنية في الإسلام و تيارات التشيع .
4- العقل البياني و حدود العقلانية
العقل البياني فعالية ذهنية لا تستطيع و لا تقبل ممارسة أي نشاط ذهني إلا انطلاقا ً من أصل مُعطى " أي نص"
- تعاني العلوم البيانية من مشكلة معرفية أساسية هي مشكلة الصحة و الوضع , لأن الخبر هنا يأخذ كسلطة مرجعية
مدى صحة الخبر -----------> مدى سلطة الخبر
- العقل البياني يقيد العقل بالنص و المنطوقات الممكنة لهذا النص
فالعقل هو أحد طرفي الزوج عقل / نقل
بمعنى أنه لا يمكن التفكير خارج حدود الشرع , فوظيفة العقل هي الدفاع عن الشرع و شرحه فقط لا غير.
- التأويل البياني لم يكن في وقت من الأوقات و لا لدى أي فرقة من فرق البيانيين " فقهاء- لغويين- متكلمين" يتجاوز اللغة العربية كمحدد أساسي من محددات النظام المعرفي الذي يصدرون عنه.
فالتأويل البياني من هذه الزاوية , كان تشريعا ً للعقل, و لم يكن مجالا ً لممارسة الفعالية العقلية المستقلة عن نظام اللغة.
مقابل التأويل العرفاني الذي يخترق حدود البيان و الذي ينظر إلى النص كإشارات و رموز , و هذا ما مارسه الشيعة و المتصوفة و التيارات الباطنية في الإسلام , و كان المعتزلة أشد اعتراضا ً على التأويل العرفاني من أهل السنة أنفسهم.
- فدور العقل عند البيانيين عموما ً و عند المعتزلة خصوصا ً
1- أداة فهم
2- أداة شرح
3- أداة تأويل للنصوص الملتبسة
و في كل هذه الحالات لا يكون العقل مستقلا ً بنفسه عن الخطاب و النص .
5 – دعائم نظرية التأويل البياني
أ- المواضعة : أي التقيد بالمعنى القاموسي " الحرفي أو المجازي" الذي تدل عليه اللغة .
غير أن التقيد بشروط المواضعة لا يكفي
فأن تقول : يدٌ بيضاءُ على سبيل المثال, فهذا يحتمل أن يكون المقصود المعنى الحرفي, أو المعنى المجازي أي الكرم, لذلك لابد من المعرفة بقصد المتكلم و هنا ننتقل إلى الخطوة الثانية
ب- المعرفة بقصد المتكلم
و هذا متاح فيما يخص مثالي السابق
فإذا كان سياق الكلام طبِّي فالمقصود باليد البيضاء : إصابة ُ جلدُ اليد ِ بالبرص مثلا ً
و إذا كان سياق الكلام ِ مدحٌ لفلان ٍ من الناس فالمقصود باليد البيضاء: العطاء و الكرم و المبادرة للخير
و إذا كان سياق الكلام تغزُّل بامرأة فالمقصود باليد البيضاء : ثمة جمالية للمرأة أو الحبيبة
و لكن كيف لنا معرفة قصد المتكلم و الأمر يتعلق بالقرآن كلام الله؟؟
و هنا يلجأ البيانيون عموما ً إلى منهجهم المفضل بالاستدلال بالشاهد على الغائب
ج- الاستدلال بالشاهد على الغائب
أي وجود علاقة أو إمارة تسمح بالاستدلال بشاهد معيَّن على غائب
و هي عند
المتكلمون : الدليل
الفقهاء: العلة
البلاغيون: القرينة .
6- مدخل إلى نظرية التأويل البياني عند المعتزلة
لم ينص القرآن و لا الرسل على آيات بعينها هي المحكمات أو المتشابهات, فهناك آيات تتعلق بموضوع واحد كالجبر و الاختيار, والهداية و الضلال مثلا ً يصعب تمييز المحكم من المتشابه , لتساويهما في الوضوح, و عدم وجود إمارة أو قرينة ترجح اختيار على آخر.
و لا مفر في هذه الحالة من تعيين المحكم من المتشابه, و هذا يقتضي أخذ موقف عقلي من القضية المطروحة.
و لما كان الانطلاق من موقف عقلي مسبق في مجال تأويل النصوص الدينية من السهل الطعن بها , لذلك لا بد لتجنب هذه المطاعن من تأسيس الموقف العقلي المؤسس دينيا ً
و الأصل الذي يستند إليه المعتزلة في هذا المجال , مجال التمييز بين المحكم و المتشابه هو مبدأ العدل الإلهي
و هو ثاني الأصول الخمسة التي يبني عليها المعتزلة مذهبهم" التوحيد – العدل- المنزلة بين منزلتين- الوعد و الوعيد – الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر"
و الاجتهاد بهذا المعنى إنما يرمي إلى إظهار الوحدة و الانسجام في الخطاب القرآني, و ذلك هو التأويل البياني.
...............
*و لو شاء الله لجمعهم على الهدى" الأنعام 35" فالمعنى المباشر هو أن الله لا يرغب في هداية بعض الناس و هو يستطيع
**ألم نجعل له عينين و لسانا ً و شفتين و هديناه النجدين " البلد8-9" و المعنى المباشر هو أن الله يهدي الطريق و اللانسان حرية الاختيار






























ثانيا ً: النسق الأشعري مقابل النسق المعتزلي
1- مصادر التشريع
أ‌- الأشاعرة " و هي نفسها عند أهل السنة ذلك أن أهل السنة قد تبنوا المذهب الأشعري في العقائد"
القرآن الكريم- الأحاديث النبوية بما فيها الآحاد- أفعال الصحابة و التابعين- إجماع الأمة- القياس البياني
ب-المعتزلة
النصوص المحكمة من القرآن – النصوص المتشابهة من القرآن بعد رد تأويلها و رد التناقض الظاهري فيما بينها- الأحاديث المتواترة و لا تقبل أحاديث الآحاد في العقائد و الحدود و المعاملات- القياس البياني- التحسين و التقبيح العقلي بما لا يخالف الآيات و النصوص المحكمة
2- النبوة
ا-الأشاعرة
النبوة هبة ٌ و اصطفاءْ , و ليستْ بحاجة ٍ إلى مبرر أو غرض , و هو فعل تنتفيْ عنه صفة الغائيَّة
يقول الأشعري في مقالات الإسلاميين ج1ص224" ليس لما يقدر عليه الله كل و لا غاية "
و عند الأشاعرة تشتق لفظة النبي من النبأ أي الخبر إذ أن النبي عندهم هو المُنبئ أي المُعْلم و المُخبر.
ب- المعتزلة
النبوة رفعة ٌ و ارتقاء ْ لاهبة ٌ و اصطفاء
يقول القاضي عبد الجبار في "المغني" ج15 ص16
" هي رفعة مخصوصة يستحقها الرسول إذا قبل الرسالة و تكفل بآدائها و الصبر على عوارضها" و كذلك أكد عبّاد بن سليمان المعتزلي "أن النبوة هي جزاء على عمل" مقالات الإسلاميين للأشعري ج2ص122
و لذلك رد المعتزلة لفظة النبي – لغة – إلى النبوة و النياوة بمعنى الارتفاع و الارتقاء.
3- المعجزة
أ- الأشاعرة
يقول الأشاعرة بجواز المعجزات و اشترطوا تعذر المعارضة, فالعادات راجعة في حقيقتها إلى الله, و خرق العادات من مقدورات الله, فخرق العادات ليس بأعجب من إجراء العادات, فالفهم الأشعري للذات الإلهية على نحو مباشر يقود إلى ذلك , و طبقا ً لذلك " يجوز انقلاب الجبال ذهبا ً إبريزا , ً و يجوز انقلاب مياه الأودية دما ً, و غيره , و يجوز حدوث الإنسان من دون أبويين" الطروسي شرح المحصل ص109
فالتلازم بين العلة و المعلول ليس أبدا ً تلازما ً منطقييا ً يستحيل إنكاره . فاللافت أن المعتقد الأشعري يقر أنَّه " لا دليل يفصل بين الصادق و الكاذب في ادعاء الرسالة إلا الآيات المعجزة" الباقلاني – البيان عن الفرق بين المعجزات و الكرامات ص38
ب‌- المعتزلة
يقولون " أن النبي لا يحتاج لإثبات نبوته إلى أكثر من سلامة شرعه , ما لا يأتي به التناقض" البغدادي أصول الدين ص176.
فالمعجزات و الكرامات متساوية في كونها ناقضة للعادة لذلك بدا للمعتزلة أن استواء المعجزة و الكرامة في الخرق يمكن" أن يجر إلى ظهور ما كان معجزة لنبيّ على يد وليّ , و ذلك يفضي إلى تكذيب النبي المُتحدِّيْ بآياته, القائل لمن تحداه : لا يأتي أحد بمثل ما أتيتُ به , فلو جاز إتيان الولي بمثله, لتضمن ذلك نسبة الأنبياء إلى الافتراء"الجويني الإرشاد ص317
و من هنا فقد أنكر المعتزلة كرامات الأولياء جملة , كي لا يكون من سبيل للقدح في دلالة المعجزة على النبوة , فالدليل على صدق النبوة هو مضمون النبوة بما تنطوي عليه من شمول و تناسق في الرؤية
بينما الدليل على صدق النبوة عند الأشاعرة هو من خارجها و هو المعجزة.
فلا يحدث شئ في الطبيعة مناقض لقوانينها العامة, إذ لو حدث شئ في الطبيعة يناقض قوانينها العامة, كان هذا الشيء مناقضا ً أيضا ً لأمر الله و عقله و طبيعته.
و انطلاقا ً من ذلك أنكر النظام معجزة انشقاق القمر , و هو في إنكاره لم يقف عند الشك في طرق تواتر الرواية فقط بل تعداه إلى " أن جامع أجزاء القمر لا يقدر على تفريقها" البغدادي : الفرق بين الفرق ص135
و كذلك أنكر النظام سائر المعجزات
غير أن كتب الكلام لم تذكر من بين المعتزلة غير النظام من أنكر المعجزات , هذا عدا عن إتلاف و ضياع القسم الأكبر من التراث المعتزلي مما يجعل هذه النقطة قابلة للمزيد من البحث.
فمقتضيات النسق المعتزلي تقتضي القول أن علامة صدق النبوة تقوم في باطنها لا خارجها " فلا دليل على صدق النبوة غير سلامة شرعه من التناقض" على حد قول ثمامة بن أشرس البغدادي – أصول الدين 176.
فالبرهنة على صدق النبوة خارجها, يعني عدم الثقة بمضمونها . ومن هنا تبرز المعجزة الوحيدة و الكبرى للنبي محمد ألا وهي القرآن كتقويم ذاتي للنبوة


3- الأخلاق
أ‌- الأشاعرة
القبيح هو المنهي عنه شرعا ً, و الحسن هو الذي لم يرد عنه نهي من الشارع, أي أنه تم تحويل الثنائية قبيح و حسن إلى الثنائية حلال و حرام
ب‌- المعتزلة
يقول المعتزلة أن التحسين و التقبيح يكون من العقل, فالعقل المعتزليُّ يختص بمصالح الدنيا
أما مصالح الدين كوجوب الصلاة و مواعيدها و السعي بين الصفا و المروة و تقبيل الحجر الأسود و غيرها فهي من اختصاص النبوة.
فالتصور المعتزلي يقِّومْ الحسن و القبح ذاتيا ً, فهناك أفعال كالصدق مستحسنة نتيجة الخبرة الذاتية و الخبرة البشرية المجردة.
4- خلق القرآن
القرآن عند المعتزلة مخلوق, و ذلك يتوافق مع نظريتهم في التوحيد و بما أن القرآن كلام الله, فهو لا يمكن أن يكون قديما ً لعدة اعتبارات
1- الكلام بما أنه خطاب" أي أوامر و نواه و أخبار.." فهو يقتضي أن يكون هناك مخاطب موجه إليه
و بالتالي القول بقدم الخطاب, يَلزمُ عنه القول بقدم المُخاطبْ به ِ, الأمر الذي يفضي إلى القول بتعدد القدماء, و بالتالي الشرك
2- من جهة ثانية الخطاب حروف و ألفاظ و معاني
و القول أن القرآن غير مخلوق , يؤدي إلى القول بقدم حروفه و ألفاظه فضلا ً عن معانيه, الأمر الذي يؤدي إلى تعدد القدماء و من ثم الشرك
• و في خضم الصراع و الجدال حول هذه المسألة و داخل الدائرة البيانية بين المعتزلة و أهل السنة , تبلورت نظرية الحل الوسط ألا
و هي النظرية الأشعرية:
و هي تفصل في الخطاب بين المعاني " الكلام النفسي" و بين الألفاظ بوصفها حروف تلفظ باللسان
فكلام الله غير المخلوق هو الكلام النفسي
و كلام الله المخلوق هو الكلام المنطوق المؤلف من ألفاظ و حروف .
* الفصل بين الجانب النفسي و اللفظي في كلام الله إنما قال به المتكلمون الأشاعرة قياسا ً على كلام البشر أي قياس الغائب على الشاهد
*المعتزلة أصحاب القول بخلق القرآن, يقولون بالمواضعة و الاصطلاح كأصل للغة, بينما نجد خصومهم من أهل السنة و الأشاعرة يقولون بأن اللغة أصلها التوقيف و الإلهام و السمع من الله بواسطة الأنبياء.
5- التوحيد
ا- الأشاعرة
صفات الله قديمة و زائدة على ذاته, فهو عالم بعلم مغاير لذاته, و مريد بإرادته ِ
أي المعرفة المباشرة بالذات الإلهية
عكس المعتزلة الذين يقولون بالمعرفة المتوسطة بالعالم و الإنسان
ت‌- المعتزلة
اسم الله لا يصدق إلا على ذات بسيطة , تخلو من أي صفة قديمة
- يسود الاعتقاد بأن المعتزلة هم نُفاة ُ الصفات على الإطلاق , و الحق أنهم لم يكونوا كذلك ... إنهم فقط ينفون قدم الصفات
و ينفون كونها زائدة على الذات
فهم يثبتون الصفات كونها عينا ً للذات لا تنفصل عنها
" فالله تعالى كان – حسب المعتزلة – في أزله بلا صفة,و لا اسم من أسمائه و صفاته العليا , لأنهُ لا يجوز أن يكون في القِدم ِ واصفا ً لنفسه, لاعتقادهم خلق كلامه" الباقلاني – التمهيد ص217.
و إن نفي الصفات لم يكن عملا ً خاليا ً من الدلالة البشرية, فقد تبلور نفي الصفات تاريخيا , ً كنقيض معرفي و ايديلوجي لعقائد التشبيه و التجسيم , و لم يكن مجرد إدراك معرفي ساذج للذات الإلهية و صفاتها, بل لعب دورا ً فاعلا ً في مناهضة إيديولوجيا بعينها ترفع الأئمة المعصومين و الأولياء إلى مرتبة يشاركون فيها علم الربوبية.
6- صفات الله بين الحقيقة و المجاز
أ- الأشاعرة
الأخذ بظواهر النصوص القرآنية و الأحاديث في التوحيد
فالله له يدين بلا كيف
لقوله " خلقتٌ بيديَّ" و قوله " بل يداه ُ مبسوطتان"
و له عينان لقوله " تجري بأعيننا "
و له وجه لقوله" و يبقى وجه ربك ذو الجلال و الإكرام"
و بذلك توسط بين مدرسة أهل الحديث و المعتزلة بقوله " بلا كيف" .
- يقول الأشاعرة بأن الله يرى المؤمنين, و المؤمنون يرون الله يوم القيامة مستدلين بقول الله " وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة " و لكن من دون حلول و لا حدود
ب- المعتزلة :
- يقولون أن الله منزه عن المكان و التجسيم و التحديد " ليس كمثله شيء"
و أينما ترد كلمات " يد" فهي تعني مجازا ً قدرة الله
و كلمة "عين " فهي تعني مجازا ً علم الله و إحاطته بمخلوقاته
فليس لله يد أو عين أو وجه, ووجودها يقتضي التجسيد و العودة إلى عبادة الأصنام.
- ينفي المعتزلة جواز رؤية الله.
لأن رؤية الناس لله لا بد لها أن تتحقق في شكل معين لله, و هذا عينه التجسيم. و يمكن تأويل الآية القرآنية من وجهة نظرهم " وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة " بأن المؤمنين يترقبون حساب الله, أو هم سعيدون بجزاء الله لهم و دخولهم الجنة.

7- أفعال العباد
أ- الأشاعرة
أفعال العباد مخلوقة لله, و لا يقدر العباد أن يخلقوا منها شيئا ً , و لكن الإنسان يستطيع كسب عمله , و هو مذهب وسط بين
الجبرية : أفعال العبد بيد الله
و المعتزلة : أفعال الله مخلوقة بيده, و هو المسئول عنها.
8- جزاء مرتكب الكبيرة
أ- الأشاعرة
مرتكب الكبيرة هو في مشيئة الله تعالى , إن شاء عفا , و إن شاء عاقب
ث‌- المعتزلة : صاحب الكبيرة إذا لم يتب مأواه النار " تماشيا ً مع مقولة العدل الإلهي" , و ذلك نقيض ما يقوله المرجئة : بأن الكبيرة لا تُضِرْ مع الإيمان.































ثالثا ً: العالم من وجهة نظر معتزلية " خلاصة"
- إدراك الله لا يتم بشكل مباشر, فالمعرفة المباشرة بالله لا تشير أبعد من القول" أن الله موجود"
- الله طبقا ً للمعتزلة تتجلى إرادته من خلال النظام
- دوائر الوجود الثلاثة " الله – العالم – الإنسان" لا تتحدَّد, و لا تكتسب هويتها الحقة إلا من خلال علاقتها بالدائرتين الأخيرتين, فالله لا يُعرف حقا , ً إلا من خلال واسطة ما, و هذا ما أكده الحديث القدسي- بغض النظر عن صحته فهنا يستخدم للتدليل على فكرة معينة و ليس كدليل شرعي في بحث فقهي - " كنتُ كنزا ً مخفيَّا ً , فأحببتُ أن أعرَفْ , فخلقتُ الخلقَ , فبه ِ عرفوني" و هكذا تتحدد علاقة كل طرف عبر الطرفين الآخرين
- أدرك المعتزلة أن نزع الموضوعية عن "العالم" و حرمان " الإنسان" من الحرية , قد يحيط وجود الله بظلال خطيرة.
فوجود الله لا يتكشف إلا في عالم يتصف بالضرورة و الموضوعية عالم يؤكد على حرية الإنسان و فعاليته.
فالعالم و الإنسان هما بمثابة مقدمة ضرورية لفهم الذات الإلهية نفسها, و هذا ما يؤكده أصلي التوحيد و العدل.
فالتوحيد :تأكيد لموضوعية العالم و ضرورة قوانينه في إطار الدفاع عن التنزيه المطلق للذات الإلهية
و العدل: دفاع عن حرية الإنسان, و فعاليته في إطار الكشف عن عدل الله.
ومن هنا تبلور مفهوم الحد و العلاقة – حسب الجابري- بين دوائر الوجود الثلاثة في النسق المعتزلي.

رابعا ً : العالم من وجهة نظر أشعرية
- العالم الأشعري كتلة منفصلة الأجزاء, لا فعل لجزء منه في الجزء الآخر يفتقر إلى قانون موضوعي أو علاقة ضرورة بين أجزاءه.
- - يقوم النسق الأشعري على سيادة المطلق الإلهي, إلى الحد الذي أصبح معه وجود" العالم و الإنسان" وجودا ً فارغا ً هشا ً بلا قوام.
- الوجود الحق لله لا يظهر في النسق الأشعري إلا في إطار القبضة الإلهية , و الإنسان لا يظهر إلا كريشة في مهب الريح, فالله يفعل بمقتضى الإرادة المطلقة بعيدا ً عن القانون و الغائية.







خامسا ً: وحدة الوجود العقلية " في الفكر المعتزلي"
- إن المنطق المادي و الروحي" المثالي" كلاهما يقر بتمايز جوهري بين الكائنات, بحيث يكون بعضها جوهر و بعضها عرض,
و هذا يؤدي إلى مبدأ الثنائية, و يتساوى في ذلك الماديون و الروحانيون, فالماديون يقرون بوجود جوهر محرك يسمونه المادة
و الروحانيون يقرون بوجود جوهر محرك يسمونه الروح
فالخلاف بين الماديين و الروحانيين هو خلاف لفظي
كلا ً منهم يألف وجها ً لقطعة نقدية مزيفة ليس لها رصيد في مصرف التوحيد

- الحياة هي المنطق الأكثر معقولية في التوحيد
فالله إرادة حية تتجلى كقدرة خلاقة في الكون ككل, قدرة متجددة, و إرهاصات هذه الفكرة حول التوحيد نجدها لدى المعتزلة.
هم ينفون عن الله أية صفات تشبيهية " ليس كمثله شيء" و يؤولون الآيات القرآنية التي تصف الله بصفات ٍ بشرية تأويلات مجازية...
ينقل الشهرستاني " في الملل و النحل" عن واصل بن عطاء قوله " و من أثبت معنى و صفة قديمة فقد أثبت إلهين "
- و قد اختصر المعتزلة الصفات جميعا ً في صفتي العلم و القدرة, و مال الحسن البصري إلى ردهما إلى صفة واحدة هي العالمية, و خير من عبر عنها هو أبو هذيل العلاف " اللهُ عالمٌ بعلم ٍ , و علمهُ ذاته ُ, قادرٌ بقدرة ٍ , و قدرتهُ ذاتهُ, حيٌّ بحياته ِ, و حياتهُ ذاتهُ "
و هذا يعني أن علم الله هو الله, و قدرته هي هو , و حياته هي الحياة.
و هذا قريب جدا ً من مذهب وحدة الوجود عند ابن عربي" إذا شئتَ قلتَ هو الخلق, و إن شئت قلت هو الحق " فالتوحيد ليس مجرد نصوص, و معرفة نظرية , بل هو ممارسة و تجربة أخلاقية.
- فالتوحيد نظريا ً يعني العدل عمليا ً
و التجربة الأخلاقية عند المعتزلة تقوم على مسؤولية البشر تجاه أنفسهم و تجاه البشر الذين يعيشونهم.
- أخذ المعتزلة و قالوا بحرية الإنسان, و تمكنه من خلق أفعاله , و ناضلوا في سبيل هذا المبدأ " حرية الإنسان و مسؤوليته تجاه هذا الحرية " .








سادسا ً : علاقة العقل البياني بالاستبداد
الاستبداد الذي عانى منه العقل البياني استبداديين " تاريخيا ً"
1- استبداد الحكام بالسياسة
2- استبداد السلف بالمعرفة
و من دون شك , كان الوقوع في الثاني بسبب الهروب من الأول, و العجز عن المواجهة
فالاختلاف حول الإجماع " و ليس الأكثرية مثلا ً " يضعف الشورى و يؤسس للاستبداد , في غياب أية آلية تترجم إرادة المجتمع بشكل حر
- النسق المعتزلي في نفي قدم الصفات عن الذات الإلهية و كونها زائدة على الذات- على المستوى المعرفي- يشكل درعا ً ضد الاستبداد , على عكس القول بالتشبيه و التجسيم.رغم أن السياق التاريخي يخالف هنا مقتضيات السياق المعرفي
- فالايديلوجيا التي يناصرها التجسيم – تبعا ً لذلك ذات طبيعة استبدادية تسلطية و من هنا , ليس من قبيل الصدفة أن تكون الدولة العباسية قد تبنت الاعتزال لفترة من تاريخها" المأمون – المعتصم- الواثق" كنصير ايديلوجي , أو حليف استراتيجي لها في حربها ضد الشيعة, قبل أن تنتصر الايديلوجيا النصِّية و مدرسة أحمد بن حنبل في عصر المتوكل, و تطيح بالمعتزلة و دعاة التشيع معا ً " راجع كتاب النزعات المادية لحسين مروة ج1ص759"
حيث يرى أن ذات الدولة العباسية التي تبنت الاعتزال إيديولوجيا ً سرعان ما وجدت فيه خطرا ً داهما ً , لذلك طاردته و حرمت تبنيه.
- أخيرا ً: العقل البياني"الفقهي و اللغوي و الأشعري و المعتزلي" يدعي امتلاك حقيقة مطلقة مرتبطة بالنص المقدس
و يدعي ملكية حصرية لحقيقة النص
فحقيقة الأشاعرة غير حقيقة المعتزلة, و حقيقة السنة غير حقيقة الشيعة, و لكل حقيقته
- العقل البياني المعتزلي أو الأشعري ضمن سياقه التاريخي في تاريخ الحضارة العربية الإسلامية مارس الاستبداد.
و لكن النسق المعرفي القائم على الحد و العلاقة بين دوائر الوجود الثلاثة " الله – العالم – الإنسان" أي النسق المعتزلي يملك إمكانية أكبر لتجاوز مقولة الحقيقة المطلقة الحصرية, كونه يدخل العقل طرفا ً في معادلة النص " ثنائية عقل/ نقل"
و ما كان ينقص المعتزلة هو الإيمان بنسبية العقل و مشروعية الاختلاف.



#حمزة_رستناوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إلى فرفوريوس : المكسو بالأرجوان
- لقد تحول نهر الفرات إلى شرطي
- أنتظر الحلم
- موقف الفلق
- بغل الطاحون و تمظهرات عقدة الخصاء
- زنزانة الحواس و قناع لنبي بلا نبوة
- ديمقراطية كان يا ما كان
- هواجس منتصف الليل
- المهدي قراطية
- عيد العطالة العالمي
- مستقبل الشعر بين السوق و التكنلوجيا
- من هم أعداء التجربة الديمقراطية في كفر بطيخ؟
- مسلمين... يا عيب الشوم ؟
- على هامش الاسلام هو الحل
- مقدمة للحوار بين الأديان و الطوائف
- جيل التسعينيات الشعري و الرومانسية الجديدة
- الحوار بين الأديان : حوار يحتاج إلى حوار
- عناقيد الملائكة
- إطلاق الحملة الوطنية للقضاء على الطريزينات في محافظة إدلب
- لا للمظاهرات و البيانات ...نعم لهيفاء وهبي


المزيد.....




- انتشر بسرعة عبر نظام التهوية.. لحظة إنقاذ كلاب من منتجع للحي ...
- بيان للجيش الإسرائيلي عن تقارير تنفيذه إعدامات ميدانية واكتش ...
- المغرب.. شخص يهدد بحرق جسده بعد تسلقه عمودا كهربائيا
- أبو عبيدة: إسرائيل تحاول إيهام العالم بأنها قضت على كل فصائل ...
- 16 قتيلا على الأقل و28 مفقودا إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة ...
- الأسد يصدر قانونا بشأن وزارة الإعلام السورية
- هل ترسم الصواريخ الإيرانية ومسيرات الرد الإسرائيلي قواعد اشت ...
- استقالة حاليفا.. كرة ثلج تتدحرج في الجيش الإسرائيلي
- تساؤلات بشأن عمل جهاز الخدمة السرية.. ماذا سيحدث لو تم سجن ت ...
- بعد تقارير عن نقله.. قطر تعلن موقفها من بقاء مكتب حماس في ال ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمزة رستناوي - المنظومة المعرفية للمعتزلة