أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - حمزة رستناوي - القرآن و بلاغة الخروج من العصر















المزيد.....



القرآن و بلاغة الخروج من العصر


حمزة رستناوي

الحوار المتمدن-العدد: 2152 - 2008 / 1 / 6 - 02:28
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


" قراءة في كتاب القرآن و تحديات العصر لمحمد الراشد"

يدعونا محمد الراشد :
إلى إسلام الوحي و العلم... إسلام العقلنة و الحكمة و الممارسة.. إسلام التوهج الحيوي الخلاق سموا ً و عمقا ً و حرارة و خصبا ً .. ذلكم هو الإسلام الحضاري ... إسلام بلا مذاهب و لا طوائف و لا شيع و لا أحزاب.. إسلام يحقق الخير و الأمن و السلام لنفسه, و لكل من حوله... إسلام يتخذ من قول النبي محمد منطلقا ً له وورقة عمل.." الإنسان أخو الإنسان , أحب أم كره, و الخلق عيال الله, و أحبهم إلى الله أنفعهم لعياله" ص12
هذه دعوة جميلة شعرية و أنا من أنصارها , و لكن أي دعوة لا بد لها من وسائط عملية أو استراتيجيات تطبيق تدخلها في علاقة جدلية مع الواقع تفعلها؟!
يقول: إسلام بلا مذاهب؟!
من الصعوبة بمكان تحقيق ذلك, و باستثناء طفرات فردية, و حالات تدخل ضمن نطاق الاستثناء, دعونا نقول إسلام متعدد المذاهب متسامح, قد يكون هذا الطرح مفيد أكثر ..
و لكن لن نستطيع تحقيق الإسلام متعدد المذاهب المتسامح , ما لم نقم بالفصل بين الديني , و مراكز السلطة المادية و الرمزية التي تسعى لتحقيق مكاسب معينة, تسخر المذهب و الطائفة و العشيرة لخدمتها. فالدعوة إلى إسلام بلا شيع و بلا أحزاب لكي تتحقق يجب البحث عن معادل موضوعي لهذه الدعوة.
أي أننا – وفق الراشد- في صدد صراع بين المذهبيين و اللا مذهبيين المسلمين, و بالتالي فإن معركة الراشد الحقيقية هي مع الذين يقولون بالإسلام المذهبي, و أولئك المتعصبين من زعماء الطوائف و الأحزاب الدينية , و كذلك السلطات المستغلة للثقافة السائدة. و بالتالي فإن معركة الراشد الحقيقية ليست مع المستشرقين المشككين بالقرآن أو المختلفين معه على النص القرآني, رغم أن الراشد يستهلك معظم كتابه في تفنيد آرائهم و الاختلاف حولها؟!
يقف الراشد في كتابه " القرآن و تحديات العصر" كمحامي دفاع عن القرآن ضد تحديات العصر, و بما أننا كمسلمين لا ننتمي إلى هذا العصر, و نقف خارج الزمن بمفهومه الحيوي, لذلك يتجنب الراشد الحديث عن مقاربات "حداثوية" للنص القرآني يقدمها لمسلمي اليوم و الزمن الحاضر.
فالراشد في كتابه " القرآن و تحديات العصر" يعمد إلى :
1- استبعاد أصحاب القضية و المعنيين المباشرين بها
2- يضخم إحساسنا بالخطر الخارجي, و المؤامرات المحبوكة على الإسلام, أي يلعب دور ضد استشراقي " حارس للعقيدة و مدافع عنها"
3- ترسيخ الثقافة السائدة لدينا, هذه الثقافة المنكفئة على ذاتها, الخجولة في طرح الأسئلة, و المكتفية باتهام الآخرين, رغم يقيني أن الآخرين ليسوا ملائكة , فنحن بحاجة إلى العمل على أنفسنا من خلال صياغة جديدة للذات , و بعيدا ً عن الآخر المترائي
4- لا يعمد الراشد إلى طرح التساؤلات حول الطبيعة المتعالية الجوهرانية لمسلمي اليوم , بل يقوم بعملية شحن ايديلوجي بغية ترسيخ الهوية المتجانسة و المستعصية ضد الآخرين,و كأننا نستعين بالشلل على الحركة, و نستعين بالماضي على الحاضر... في عالم سريع التغيير.
و سأتناول بالتفصيل أربع ملامح عامة لخطاب الراشد يشترك فيها مع الخطاب الإسلامي التقليدي العام بشقيه المشيخي و السياسي
أولا ً- إشكالية العقل البلاغي
يبدو العقل البلاغي متغلغلا ً في نسيج كتاب "القرآن و تحديات العصر" حيث يقوم الراشد و يسعى لإقناعنا بما هو, و من يخاطبهم مقتنعين به سلفا ً, أي أنه يعيد قول ما سبق قوله مع محسنات لغوية , يغلِّب كيف على ماذا , و يستخدم نظام للكلام لا يتيح له القول , إلا ما يضطره هذا النظام لقوله, خاصة ونحن أمام كتاب – دراسة- فكرية معنونة ب" القرآن و تحديات العصر"
فالعنوان يحمل في طياته سؤالا ً حول التحديات؟ و يضيف إليها صفة العصر, فالذي يتبادر للذهن في البداية هو تناول الراشد للإمكانات المتاحة له من قبل المدارس الفكرية و النقدية المعاصرة أو تطوير منهج عقلاني جديد في التعامل مع النص القرآني؟
إن البلاغة تعني في إحدى وجوهها الإيجاز, و لكن الراشد ينحو بالبلاغة في اتجاه آخر, ألا و هو "اللغو" أي الكلام الغير مفيد , الذي يمكن الاستغناء عنه.
أن أقول الليلة سوداء فهذا لغو , فيكفي أن أقول الليلة , أو أن أقول الإمام العادل ناصر الدين ... فلان بن فلان فهذا " لغو" , و سأقوم بطرح العديد من أفكار الكتاب و التعليق عليها لأثبت هذا المنحى مدَّعيا ً الموضوعية؟
فاللغة عند الراشد خطابية استطرادية تقترب من "اللغو" في مواضيع عديدة
و لا بأس من ذكر بعض الأمثلة ابتدءا ً من الإهداء :
" إلى من تبوَّأ أبوها سدة خاتم النبيين, و زين مفرق أمها تاج أمهات المؤمنين, و أمسك زوجها بمصراعي باب العلم ... إماما ً للمتقين العارفين, و درج ابناها سيدا شباب أهل الجنة رسوخ إيمان و حسن يقين, إلى ريحانة رسول الله فاطمة الزهراء..., أرفع بتواضع هذه الصفحات بعثا ً لأرواح من أناروا سبل العلم و البطولة و الهداية و الفداء من العالمين العاملين " ص7
نستطيع أن تقول ببساطة – و بكل احترام- الإهداء : إلى فاطمة الزهراء.
إن هذا الإهداء ذو الطابع الخطابي الفئوي , القائم على المبالغة و الزخم الانفعالي و تقنية السجع , يذكرني بالمقدمات الطويلة المكرورة لخطب الجمعة في مساجدنا, أو بكلمات التبجيل التي درجنا عليها في المهرجانات الخطابية الدينية منها, و السياسية, لا و بل حتى الثقافية.
- محمد الراشد في مقدمة كتاب سابق له " نظرية الحب و الاتحاد في التصوف الإسلامي" يوضح لقرَّائه الأعزاء أنه " أراد لهذا العمل أن يكون بعيدا ً عن المنهجية الصارمة و الروح الأكاديمية المشبعة صلابة و قسوة, و ذلك كي لا يثقل على قارئه, و لئلا يحيطه بجدران متعالية " و هو ينحو نفس المنحى في هذا الكتاب.
هذا كلام جميل, و لكن الابتعاد عن الجفاف الأكاديمي شيء , و استخدام لغة خطابية تكرارية تبجيلية شيء آخر! فمن المستحسن تقريب المسافة بين المؤلف و القارئ, و كسر حاجز المصطلحات المتخصصة و اللغة المتعالية,و من المستحسن استخدام المؤلف للغة بسيطة و مفهومة قريبة من مستوى القارئ العادي بغية تأمين مساحة واسعة للتلقي - و الراشد يقارب ذلك في أحايين غير قليلة- و لكن استخدام اللغة البسيطة ذات الأسلوب الانسيابي شيء , و الاحتفاء بالأشخاص شيء آخر, فهذا يبعدنا عن الرصانة العلمية و المناقشة الموضوعية, " لاحظ قوله: " و بعد لا يسعني إلا أن أتوجه بالشكر إلى الأخ الكريم فضيلة الشيخ أحمد الحسون الذي سطر كلمة طيبة حول مغامرتي الروحية و العقلية هذه, فكانت مسك الختام لهذا الكتاب.
كما أشكر نيافة المطران يوحنا إبراهيم الذي يتنفس من خلال قاموس الحب و السلام, كما بشر به السيد المسيح عليه السلام. حيث سجل كلمة عبر فيها عن رؤيته الخاصة, فأضفناها إلى هذا الكتاب.
و أشكر أيضا ً الصديق نعيم اليافي الذي كتب مقدمة هذا الكتاب , انطلاقا ً من إيمانه بعظمة الكلمة الطيبة أكثر من أي عصر مضى. و إنني لأختلف مع الدكتور نعيم في بعض ما كتب, و لأتفق معه في بعضها الآخر. " ص15
ثانيا ً- الحتميات
إن الخطاب الديني عموما ً و خطاب الراشد هنا في كتابه" القرآن و تحديات العصر" لا يحتمل أي خلاف جذري, و إن وسع صدره لبعض الخلافات الجزئية, لأنه ببساطة يطابق بين الوحي و الحقيقة المطلقة, و هذه المطابقة تقودنا بالضرورة إلى مفهوم الحتميات , حتمية سقوط الدول و الإمبراطوريات " الكافرة" القائمة على الشرك و عبادة الأشخاص و العقل و العلم, و هذه الرؤيا تبشرنا بالإسلام كحل حتمي, فما على مسلمي اليوم سوى التمسك " بكتاب الله" حتى نعيد دورة حياتنا " و العاقبة للمتقيين"
و التراث الإسلامي غني بأخبار الحتميات " كحتمية المهدي المنتظر و انتصار الإسلام المحمدي على اليهود في آخر الزمان, و حتمية نزول المسيح..الخ
و لذلك الغالبية العظمى من الكتَّاب الإسلاميين يطرحون مسلّمة " حتمية الحل الإسلامي" و اعتباره الطريق الأوحد للرقي الحضاري , حيث أن الإسلام – من وجهة نظرهم- قد تم عزله عن حركة الواقع, و بالتالي دخلنا في دوامة هائلة من المشكلات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية, فالعودة إلى الإسلام و الاحتكام للشريعة يشكلان حلا ً جذريا ً, بل ربما فوريا ً- حسب الأصولويين- لكل المشاكل, و تصل هذه القناعة لديهم إلى مستوى البداهة الغير قابلة للمناقشة.
- إن طرح مسلمة" حتمية الحل الإسلامي" تقتضي آليا ً على صعيد الواقع حتمية سقوط الأنظمة البديلة السائدة في عالمنا العربي" العشائرية- الطائفية- القومية – الليبرالية- الدكتاتورية" مع تركيز كبير على الأنظمة الليبرالية و حتمية سقوطها ممثلة و ملحقة ... بسقوط الحضارة الغربية الأمريكية .
يقول الراشد " هذا ما أشعر به الآن أكثر من أي وقت مضى , و هذا ما أنتظر, هل كل أو معظم أولئك الذين يحملون معاول جديدة أو قديمة لتهديم أركان كتاب السماء. و لن تتهدم أبدا ً لأنها أعصى من أن تطاولها المعاول, و ستتحطم هذه المعاول أمام تحديات الإيمان المعقول, و قدرته على المجابهة بالحب و العقل و المنطق و الوجدان و البيان, و تبقى أركان كتاب السماء قائمة من أجل بني الإنسان , و تحقيق إرادة الله من خلال حمل أمانته على الأرض"ص224
باستنطاق النص السابق للراشد نجد أن رؤيته تتسم ب:
1- حدس داخلي " ما أشعر به الآن"
2- المؤامرة على القرآن " الذين يحملون معاول جديدة أو قديمة لتهديم أركان كتاب السماء"
3- حتمية إسقاط المؤامرة " و لن تتهدم أبدا ً لأنها أعصى من أن تطاولها المعاول"
4- تتبدى معالم الإيمان لديه وفق رؤيته في ثنائية " الحب و العقل" و بهما يتم حمل الإنسان للأمانة على الأرض و إعمارها.
و إليكم نص ثان للراشد: " لقد أفلس الفكر العربي و لا ريب ,كما أفلس العلم بعد أن شب عن الطوق إلى درجة أصبح من الضروري بمكان تقليم أظافره الناشبة في أجسادنا الممزقة لأنسجة وجودنا العقلي و النفسي و الوجداني" و يتابع: " و تقليم أظافر العلم لا يعني البتة تغيير منهجه أو هدم كشوفه و منجزاته و الحد من كشوفه في ميدان الاختراع , و إنما يعني كبح غروره الذي لم يعد يعرف حدا ً يقف عنده" "ص204
و في نص ثالث من الكتاب يدلنا على مفتاح الخروج من هذا المأزق"هكذا و بكل بساطة وجدنا أن ليس أمام الإنسانية من مخرج سوى اعتماد الوحي أولا ً , و العلم ثانيا ً ليسود الحق و العدل و السلام على الأرض. إذن لابد من العودة إلى الدين" و كذلك قوله" العودة إلى كتاب سماوي يحمل لنا صورة الخلاص..و إذا كنا منقطعين مع أنفسنا , و موضوعيين مع وجودنا و مع الكون و الزمان و المكان و معطيات العلم ذاته فليس أمامنا سوى القرآن" ص207 " و كذلك قوله" أن هذا القرآن هو الحل الوحيد لأزمة المدنية الحديثة و إشكالية الإنسان اليوم و غدا ً" ص84
لنتوقف عند مقولة الإفلاس في نصه الثاني:
و أطرح عليه هذين التساؤلين
1- إذا كان الغرب في حالة إفلاس روحي
فهل يستطيع مسلمي اليوم أن يقرضوه قرضا ً حسنا ً لوجه الله؟!
2- و إذا كان الغرب يقرضنا الدولارات و الأسلحة و الحبوب و السيارات الفاخرة و الأفلام, ماذا لو أقرضناه المحبة و حب العمل و الإخلاص في العلاقات و الطمأنينة؟
إن المعادلة بيننا و بين الغرب- وفق رؤيتي- هي معادلة باتجاه واحد , الغرب يقرضنا ماديا ً قرضة غير حسنة بالتأكيد , و نحن نقبل القرض مقبلين ظهر يديه, و ماسحين جزمته العسكرية الطويلة , و ليس في ذلك أدنى انتساب إلى القيم الروحية للدين التي ندّعيها.
فالسؤال المطروح بإلحاح هو هل الغرب في حالة إفلاس ؟!
و للإجابة على هذا السؤال سآخذ جانبين:
الأول: واقعي عياني ملاحظ , ماذا لو قمنا بزيارة لأي مشفى محلي في بلد عربي إسلامي"سوريا مثلا ً" , و قارناه بمشفى آخر في الولايات المتحدة الأمريكية مشابه له من حيث التمثيل؟
سنجد أن الطاقم الطبي في المشفيين " أطباء – إداريين- ممرضين" هم من خريجي جامعات و معاهد تدرس الطب و فق منهج واحد مع تفاوت نسبي - و هو المنهج العلمي المنتج في الغرب - و لنقارن بينهما من الناحية العمرانية و جمالية الشكل الخارجي , ثم ننتقل الآن إلى الجانب الروحي و النفسي
و سأكتفي بذكر عدة نقاط قابلة للمشاهدة و هي
1- نظافة المشفى و هي تدل على تقيد الطاقم الطبي و الإدارة و المرضى بشروط النظافة و العقامة
2- جاهزية الطاقم البشري و المعدات الطبية " تسيّب وظيفي- تقاعس عن العمل- هروب- أجهزة معطلة – روتين عمل – واسطات – فساد إداري"
شعور المريض و هو يغادر المشفى في الحالتين ؟؟؟
ترى أيهما سيكون في حالة رضا و طمأنينة و سعادة أكثر؟؟؟ و سأكتفي بهذا الحد.
و الجانب الثاني: هو أنه - وفق رؤيتي - يوجد إفلاس روحي نسبي في الحضارة الغربية, و أول من طرح مشكلة تغليب المادي و الاستهلاكي على الروحي و الإنساني و مشكلة الاغتراب الذي يعانيه الإنسان في الغرب هم المفكرون و المثقفون و الكتاب الغربيون كنعوم تشو مسكي و إدوارد سعيد و ألان تورين و بير بوردو و غيرهم كثير, فالمجتمع الغربي هو مجتمع ديناميكي ينتقد نفسه باستمرار , فالنقد فعل ذاتي تمارسه هذه المجتمعات , و هم ليسوا بحاجتنا كي نكبس لهم زر الإنذار المبكر المؤذن بانهيار الحضارة الغربية و إفلاسها الروحي.... في رواية الغثيان لجان بول سارتر يقول بطل الرواية روكنتان " إنني أعيش وحدي, وحدي بالمرة , لا أحد أبدا ً أبدا ً أبدا ً, لا أجد شيئا ً و لا أعطي شيئا ً" فروكنتان هذا يراقب الأشياء و الناس و لكنه لا يعتقد أن أيا ً منهم حقيقي, و لا يرى بينهم روابط تجعل من الحياة شكلا ً ذا مغزى , و هو لا يشعر بالمغزى الوجودي إلا مرة واحدة عندما يسمع أغنية من أغاني الزنوج , حينئذ يصاب بما هو أشبه بنشوة الرؤيا , و يزول عنه الغثيان ,فقد جعل الفن منطلقا ً و نطاقا ً, و لكنه سرعان ما يعود إلى حالته السابقة التي يعبر عنها hj wils بالإنسان
فما علينا سوى أن نتأمل حياة أشخاص كلورنس العرب و فان كوخ ووليم جينز و ت س اليوت و نيتشه و غيرهم كثيرون حتى نرى مصداقية القول بالإفلاس الروحي, و لكننا نحن هنا أمام معادلة مقلوبة الرأس , فالإفلاس الروحي يولد الإبداع و بالتالي يرفد الثقافة كمجمل, مما يساهم في الازدهار الحضاري
أما الكمال المدَّعى فإنه حالة لا إبداعية , يفلح في ترسيخ قيم الكراهية و التفوق العنصري و العطف على الآخر المفلس " الغرب" كي نتصدق عليه بالكلمات ذات المدلول القيمي, لا الأفعال ذات المدلول المعاشي؟.
- لست من المازوخيين الذين يستمتعون في تحقير أنفسهم و أمتهم, كما أنني لست من الساديين الذين يدفعهم الوهم إلى انتهاك مروءة الآخرين أيا كان هؤلاء الآخرين, و لكنني أحاول الموضوعية- قدر الإمكان - كي نحدد الأخطاء و نشير إلى القمامة و المسئولين عنها و عن إنتاجها بغية إزالتها لا القفز فوقها , و سترها بسجادة فاخرة
فمقولة تأليه العلم قد نوقشت مطولا ً من قبل المفكرين الغربيين حيث أنتج و ازدهر العلم الحديث و يمكنني الإحالة إلى كتابين مترجمين للعربية :
1- ما هو العلم/تأليف آلان ف.شالمرز/سلسلة دراسات فكرية/اصدار وزارة الثقافة السورية1997
2-العلم في منظوره الجديد / تأليف روبرت ماغروس وجورج ن.ستانسيو/ من إصدارات عالم المعرفة1989
فيجب أن نحدد دور العلم بدقة , هل هو وسيلة لتحقيق الرفاه الإنساني
أم أنه الأنا العليا للبشرية
فلقد ميز فلاسفة الإسلام القدماء و أخص هنا ابن رشد بين القوانين الناظمة للحياة و الكون و الطبيعة و بين الإله الخالق لهذا الكون و الحياة , الإله الواضع لهذه القوانين
إن تقليم أظافر العلم - وفق الراشد-لا يعني العودة إلى الخرافة و الجهل و حياة البداوة , بل هو تحديد لدور العلم بصفته وسيلة أو مفتاح لقراءة الكون أو كتاب الله الكبير – حسب التعبير الأثير لديه.
لنتوقف عند عبارة الراشد " لذا نجد أنفسنا اليوم حيال مأزق كبير لا منقذ لنا منه سوى الدين"
نعم قد يكون الدين, و لكن أي فهم للدين يقصده؟!
أترك الإجابة للراشد , و أعتقد أن لديه إجابة على هذا التساؤل الأخير , إجابة تسعى لصياغة إنسان الإسلام الحضاري " الصوفي المعدل ليكون خليفة الله على أرضه" و إن أخطأ الوسيلة ؟؟؟؟
ثالثا ً: أمريكا و صورة المستقبل
الحدس الداخلي عند الراشد يصل إلى درجة اليقين الحاسم " و اليوم أؤكد أكثر من قبل على انهيار الولايات المتحدة الأمريكية , فهذا التأكيد ليس ناتجا ً عن رغبتي بسقوط أمريكا , و إنما على العكس تماما ً . فأنا أتمنى بقلبي و عقلي ووجداني كله أن تنهض المدنية الغربية من كبوتها , و أن لا تندحر أمريكا , و أن يستمر الغرب الأوربي و الغرب الأمريكي في التقدم لصالح الإنسان في كل مكان "ص19 . فالراشد الذي رفع لواء المحبة دستورا لمشروعه نحو إنشاء الإنسان الحضاري , يصب هذه المحبة على الإنسان أينما كان , لا كراهية لها أي أمريكا, و لكن لأن لديه من المبررات ما يقوده إلى ذلك , إنه يمد يد العون و المساعدة لأمريكا , كي لا تفوت فرصتها الذهبية في النهوض من جديد بكل صدق نية!! يقول : " أتمنى بقلبي و عقلي ووجداني كله أن تنهض المدنية الغربية من كبوتها و ألا تندحر أمريكا"
و لكن هل يمكن فصل الازدهار الأمريكي هذا عن الاستغلال الأمريكي لثروات الشعوب و استعبادها حكاما ً و محكومين , أي تسخير العالم لخدمة هذه المدنية و هذا الازدهار؟ و لكن يبدو أن الراشد لديه مبررات أخرى يقول :" فقد انتحرت الحضارات الكبرى عبر التاريخ كنتيجة حتمية لإلهائها خلف الرياضة و الفن و الترف . و هذا ما نجده في الحضارة الغربية و الأمريكية اليوم و التي غدت مدنيَّة تكاد تعلن غياب شمسها بين عام و آخر" ص21 إنه يحتقر الرياضة و الفنون ؟ كبقية أحداء الفرح من الأصولويين ؟
و يتابع الراشد نقده لنظرية المركزية الأوربية" لكنما آمل- بالوقت نفسه- أن تكتشف القارة العجوز أوربا ,أن نظرية المركزية الأوربية نظرية مريضة" " و أن تكتشف الولايات المتحدة الأمريكية أن نزوعها الفوقي و استمرارها في التسلط على العباد , و استئثار البلاد , و ممارسة القهر و العدوان على هذا الشعب أو ذاك.. من شأنه الإسراع في السقوط و الانهيار الأمريكي الموعود "ص19
و تعليقا ً على ذلك أقول: إن اكتشاف القارة العجوز مرضية نظرية المركزية الأوربية غير ممكن في المدى المنظور , و رغم تطور تيار نقدي للامبريالية داخل الغرب, و لكن هذا التيار لم يقو ليشكل قوى مؤثرة في ميزان العلاقات الدولية. فالثقافة الامبريالية و ما أنتجته من جيوش المستشرقين المتخصصين بدراسة الحضارة العربية الإسلامية و سواها, لم يفعلوا شيئا ًسوى التمهيد لقدوم جيوش الاحتلال العسكري و في مرحلة لاحقة الاحتلال السياسي . طبعا ً أنا أتحدث عن الغرب هنا من وجهة نظر واحدة , و لكن الغرب ليس وحدة عضوية , و إنما يحتمل اتجاهات متعددة مؤيدة و ناقدة؟ و لكنني عنيت الدوائر الغربية في أمريكا و تحديدا ً المهتمة بقضية الشرق الأوسط و قضايا العالم الإسلامي؟
و لكن الأمر المهم عند مناقشة المركزية الغربية هو أن سبل مواجهتها لا تتم عبر النوايا الطيبة أو المراهنة على مراجعة الذات.
إن حضور الهيمنة الغربية يتطلب منا منهجا ً متكاملا ً متعدد المحاور , يشمل المقاومة بمعناها الشامل أي الذي يهتم بمقاومة الهيمنة الامبريالية اهتمامه بمقاومة الاستبداد الداخلي و بناء دولة المؤسسات و القانون و المواطنة ؟
و يمكننا هنا أن نقارن بين تجربة جبهة التحرير الوطني في الجزائر, و تجربة حزب المؤتمر بالهند, و كيف تطورت كل تجربة منهما باتجاه مختلف؟.
إن الغرب قد قام بدراستنا من خلال ما فعله الاستشراق, كممثل للثقافة الامبريالية, و لقد ولَّد هذا الفعل الاستشراقي نتاجا ً ضخما ً لا نَعْدَمْ فائدته لنا كعرب و مسلمين, و لكن مشكلتنا أننا نعمل بقانون كل شئ أو لا شيء, أي الرضوخ التام أو الرفض التام , و هذه بحد ذاتها معضلة, إنها طريقة فهم, تكشف التركيبة العميقة للثقافة العربية الإسلامية ذات الجذور البدوية العشائرية المنغلقة.
الغرب قام بدراستنا عبر الاستشراق, و لكن ماذا درسنا نحن؟
لا يوجد قسم واحد في أي جامعة عربية حتى اليوم مكرس و مختص بدراسة الغرب و أمريكا أكاديميا ً .
فعندما زار المرحوم إدوارد سعيد جامعة بيرزيت في فلسطين عام 1992, و زارها بعد عقد من الزمن لم يلحظ أي تبدل, و هذه الملاحظة تنطبق على الجامعات العربية كلها, هذه الجامعات التي تلعب دور منارات تجهيل للمجتمع, إنها أشبه بمدارس كبيرة و مداجن مفرِّخة للشهادات و قاتلة للمواهب و الروح النقدية المبدعة, لا بل إن الأمر يغدو أكثر تعقيدا ً فنحن لا نكتفي بالجهل عن عدونا , و لكننا نلجأ إلى الولايات المتحدة الأمريكية في كل شاردة و واردة من مشاكلنا و كأنها المصدر الأول للتشريع لدينا ’ إنها مهزلة أشبه بمسرحية سريالية
فالغرب – المتفوق حضاريا ً- ينشأ مراكز للدراسات الشرقية و مراكز" للسلام ", و نحن نتبنى مقولات هذه المراكز , و نتخذها دستورا ً يحكم خطابنا السياسي ابتداء من السلام خيارنا الاستراتيجي , إلى مسيرة السلام إلى التطبيع الكامل , و انتهاء بالحرب على الإرهاب و هلم جرة
فالكلام عن حتمية سقوط أمريكا يغدو بمثابة هروب للأمام , فهناك ألف مشكلة بحاجة للبحث و الحل و النقاش , مشاكل تخص إنساننا و مؤسساتنا و مجتمعاتنا المفوَّتة و فكرنا المتخلف المتقوقع على ذاته, و بعد الانتهاء من حلحلة هذه المشاكل يغدو الكلام عن حتمية سقوط أمريكا مقبولا ًيحتمل النقاش ؟, و على كل حال هذا أمر يخص المثقف الأمريكي أكثر مما يخص المثقفين المسلمين البائسين أمثالنا!
و نتابع مع الراشد " و لذا فحينما أشير إلى سقوطها , فأنا لست ضد أمريكا على الإطلاق , و إنما ضد السياسة الأمريكية و عنجهيتها المرضية ذلك لأنني أحبُّ الشعب الأمريكي المنتج المعطاء , و أتمنى لها كل خير , باعتبار خير بني الإنسان لا يتم إلا بتحقيق الحب و العدالة و السلام في كل مكان"ص19
يفصلْ الراشد بين الإدارة الأمريكية و الشعب الأمريكي, فهناك مفارقة- من وجهة نظر الراشد و كثير من مثقفينا- بين الإدارة الأمريكية ذات العنجهية المرضية ,و الشعب الأمريكي المنتج المعطاء؟
و لكن هل هبطت الإدارة الأمريكية من السماء , أم أن الإدارة الأمريكية تعكس البنى الاجتماعية الفاعلة في المجتمع الأمريكي؟؟ و هذه نقطة تحتمل الكثير من الجدل؟
و مع ذالك يبدو لنا الراشد إنسانا ً متسامحا ً يحب الإنسان بصفته انسانا ً غير مكترث بالجغرافيا و النظريات المسبقة الصنع, و هذا ينسجم مع الرؤية الصوفية التي يتبناها عن العالم القائمة على الحب أولا ً و أخيرا ً؟
إذا الراشد يرى الحل في الإسلام وحده, و لا يحتم بسقوط المدنية الغربية فقط, بل يحتم بسقوط كافة الحضارات الأخرى على وجه البشرية من هندوسية و بوذية ..الخ يقول : " ثم ما لبثت الكنيسة أن آثرت الاستكانة و الإخلاد إلى عزلتها, و لعل الهندوسية البرهمية أكثر إفلاسا ً من المدنية الحديثة ذاتها. إذن هل يعني ذلك أن الغرب سيدخل رحاب الإيمان عن طريق المعطى القرآني , كما سبق أن بشر بذلك برنارد شو؟! ص50-51
رابعا ً - إعادة ما قيل سابقا ً
و سأكتفي بمجتزئين من الكتاب لإثبات ذلك.
- مثال أول: " استطاع كتاب السماء أن ينشئ رجالا ً لم يوجهوا حركة التاريخ فحسب, و إنما بدّلوها تبديلا ً جذريا ً وفق خطط جديدة و منطق جديد و منهج جديد, مما أدى إلى خلق هؤلاء الرجال الأشد عقلا ً و سلوكا ً فكانوا بالنسبة للعالم أشبه بالمردة, حتى أوشكوا أن يدخلوا طابع الأسطورة , رغم واقعيتهم الناصعة الوضوح, و ليس بدعا ً إذا ً أن اعتصموا بالحبل المتين الذي كان يصلهم بالسماء, و حسبهم منهجهم القرآن العظيم, تلك القدرة الفائقة, حتى غدو أشبه بالأساطير و بلغوا من العظمة حدا ً تجاوز كل حس عبقري , حتى لا ندري أين مكاننا من شطآن محيطهم" ص216
بالوقوف عند النص السابق نلاحظ:
1- إسباغ الطابع الأسطوري على الماضي و رجالات الماضي
2- لغة خطابية انفعالية موجهة إلى القلب و تبتعد عن العقلانية و أدواتها و منطقها
3- لا يزيد نص الراشد السابق أن يكون هامشا ً على متن الحديث المنسوب إلى النبي محمد" أصحابي كالنجوم , بأيهم اقتديتم اهتديتم"
و إن وقفتي السابقة لا تنفي وجود رجالات عظيمة مارست دورا ً مهما ً في التاريخ على المستوى المادي العسكري, وجود آخرين على المستوى الروحي, و لكنهم بالمجمل رجال منهم الصالحين و منهم الطالحين , و قد عاشوا حياتهم كبشر و عرفوها , فماذا عنا... نحن المسكوت عنا؟ و هذا أمر لا يخص المسلمين دون سواهم؟

مثال ثان: " هذا الكتاب الذي شهد العلماء و الباحثون و الفلاسفة و المفكرون و عمالقة التاريخ قديما ً و حديثا ً, بالدقة و الموضوعية و الأصالة و عدم تعرضه للزيادة أو النقصان أو التحريف" و كذلك قوله " و لعلنا لم ننس قول بسمارك الذي أكد أن القرآن هو الوثيقة السماوية الوحيدة الخالية من الشوائب و المدخلات البشرية , فاحتفظت بقدسيتها و جوهرها المبدئي, منذ نزلت من السماوات العلى منذ أربعة عشر قرنا ً و حتى الآن"ص207
بالوقوف عند نصي الراشد نلاحظ
1- قول الراشد بإعجاز القرآن
2- عدم حدوث تحريف للقرآن " أي أنه سقط من اللوح المحفوظ إلى النبي"
3- الاستشهاد برأي " بسمارك" و هل بسمارك هو المتخصص في علوم القرآن ؟ فبسمارك لا يتكلم العربية لغة القرآن و هل نزل القرآن بالألماني؟
أم أن اسم "بسمارك" بحد ذاته يملك قيمة رمزية كبيرة باعتباره قائدا ً عسكريا ً فذ ينتمي إلى الحضارة الغربية المتفوقة , و بالتالي فوقع اسم بسمارك على النفس يختلف عن وقع اسم خلف و مسعود و محمود و عبسي مثلا ً
4- لم يقم الراشد بمناقشة علمية لقصة التدوين- و هذا ليس مكان للبحث في القضية - ليثبت لنا أن القرآن هو الوثيقة السماوية الوحيدة الخالية من الشوائب, و بالتالي وصوله إلى هذه النتيجة جاء سريعا ً دون محاكمة و براهين.
إحدى الأسئلة الغائبة في كتاب الراشد " القرآن و تحديات العصر" هو كيف نقرأ القرآن اليوم؟! ذالك هو التحدي الأكبر للمسلمين؟
و هم لن يستطيعوا القيام بهذه القراءة دون الاستعانة بمنجزات البحث العلمي و اللغوي و التاريخي و الأنثروبيلوجي التي وصلت إليها البشرية اليوم.
أرجو أن لا يفهم من كلامي السابق أنني مع المشككين أو المؤيدين أو المعارضين لوجهة نظر معينة , و لكن القضية بحد ذاتها " إعجاز القرآن- تدوين القرآن" مثار بحث و تساؤل و تستحق منا , مسلمي اليوم جهد كبير و ذهنية منفتحة خارج إطار التابوات, بحيث نكف عن ترداد ما قيل سابقا ًو نتحول إلى مبدعين للأفكار و منتجين لها لا مجترِّين لها؟


مثال ثالث : "تمضي القرون و تتوالى الأحقاب, و يكتب العلماء و الدارسون ما شاء الله أن يكتبوا عن هذا السفر و إعجازه السرمدي, و يطل العصر الحديث, ليتناوله المستشرقون بالطعن حينا ً , و بالإكبار حينا ً آخر, و يرتاده الباحثون المغرضون ليقرؤوا فيه رغباتهم , و يوائم أرضيتهم الوثنية , بينما يعمد الباحثون الموضوعيون إلى استشراف بعض أبعاده ليتخذوا طريقا ً لهم و منهجا ً"18"
بالوقوف عند نص الراشد نلاحظ
1- مقولة الغزو الفكري " المستشرقين"
2- مصداقية القرآن من خلال إسلام بعض الباحثين " و هم الباحثين الموضوعيين" حسب الراشد...و إن ذلك يؤسس لفرز حاد بين المتناولين للشأن القرآني فهناك المغرضون ,و هناك الموضوعيون , إنه يمهد لمرحلة ما قبل تكفيرية... و لكن إلى أي مدى يتماشى ذلك مع الإطار العام لطرح الراشد للإسلام القائم على المحبة ؟
3-الإعجاز العلمي كحقيقة مدشَّنة
4- يخطو الراشد خطوة ايجابية لتدليله على "الإعجاز القرآني" عندما يفرد في خاتمة الكتاب فصلا ً عن "المنطق العلمي في القرآن" بالتعاون مع د. أحمد علوش, و هو بذلك يدخل في تفاصيل طرح عام طالما ذكره بإجمال من بداية كتابه إلى نهايته, و الايجابية تتمثل في ذكر الأسباب التي يبني عليه قوله بالإعجاز, و بالتالي يصبح طرحه السببي قابل للمقايسة و النقاش , على النقيض من الأطروحات التي لا تتبنى مرجعية سببية برهانية؟
إن الراشد في كتابه " القرآن و تحديات العصر " ينتقي ما يوافق خطه العام" إفلاس الحضارة الغربية – الإسلام هو الحل- البعد الإنساني و الجوَّاني للدين" و يدعم وجهة نظره بنماذج لمفكرين و باحثين غربيين أمثال" ألبرت أشيفستر- جورج برنارد شو- محمد أسد" ليوبولد وايس"- محمد اسكندر" راسل وب"- على سلمان بنو- ألفونسايتين- فاطمة كازو- -..الخ" و غيرهم و للملاحظة فإن كثيرا ً منهم قد أسلم و بذلك يدلل على مصداقية نظريته – من وجهة نظره.
و هنا أود أن أشير إلى ثلاث ملاحظات:
أولا ً: يجب النظر إلى إسلام العديد من الباحثين و المفكرين الغربيين ضمن سياق ظاهرة التدين التي تجتاح الغرب بشكل عام , و اعتناقهم للديانات الشرقية كالبوذية و الهندوسية ... و عودتهم إلى التدين المسيحي و اليهودي, فلكي نكون منصفين يمكننا دراسة اعتناق العديد من الغربيين للبوذية مثلا ً
ثانيا ً: يدخل الراشد نابليون بونابرت في عداد المسلمين. و يورد هذا النص لتشرفس على لسان نابليون" و آمل ألا يمضي وقت طويل حتى أستطيع أن أجمع العقلاء و المثقفين من جميع الأقطار لنقيم نظاما ً موحدا ً مبنيا ً على أساس القرآن لأنه وحده الحق و هو .... وحدها التي تهدي إلى سعادة البشرية "ص65
و يعتمد- الراشد- الرأي القائل " بالتقيَّة" حيث أن بونابرت " يمكن أن يخفي قناعاته في كثير من الأحيان حفاظا ً على موقعه السلطوي" و في الوقت نفسه يتهرب من تبعات قول بونابرت " و سواء أسلم أم لم يسلم فقد راودته فكرة الإسلام بلا شك"ص65
لا أفهم لماذا حشر الراشد نابليون في عداد الغربيين الذين أسلموا فنابليون لو كان لديه احترام للإسلام- و لا أقول أنه أسلم - لما أساء جنوده معاملة المصريين المسلمين إبان احتلاله لمصر.
و لما أعلن في بيان رسمي " إسلامه و دفاعه عن إسلامهم ضد بطش العثمانيين و أنه جاء محرر لا محتل" تلك لعمري مسرحية ساخرة لا تخفي أغراضها في الاستفادة من شعور التدين المهيمن في المجتمع المصري و العربي؟
ثالثا ً: اختيار الراشد انتقائي فهناك معسكرين , المعسكر الأول هو الإسلام في مقابل معسكر أعداء الإسلام من المستشرقين و الضالين " كالفصل المعنون ب وثنية ايشنغلر..و المنطق القرآني- الفصل المعنون ب غوستاف لوبون .. و التناقض المزدوج"
فينبغي أن ندرس هذه الآراء بموضوعية و ضمن سياقها التاريخي و السياسي و الاجتماعي لا أن نعسكر و نقيم فرزا ً بين هذه الآراء ما وافقنا كان في معسكر الإسلام, و الذي لا يوافقنا وضعناه في معسكر أعداء الإسلام.
و يجب أن نعير اهتماما ً خاصا ً لدراسات المستشرقين الأكاديميين في ربع القرن الأخير حيث طرأت تحولات كبيرة على الفكر الاستشراقي باعتباره فكرا ً يملك منهجيته و يستطيع الدخول إلى دائرة المستحيل التفكير فيه بالنسبة للباحثين و المفكرين المسلمين.
عنوان الكتاب: القرآن و تحديات العصر
المؤلف: محمد الراشد
الناشر: الأوائل للنشر و التوزيع – الطبعة الثانية2002



#حمزة_رستناوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تشريح الايديلوجيا
- و لم تنكسر مرتديلا الشعوب؟؟
- شخصية أبو الهدى الصيادي
- زوجتي و السياسة
- خمسة كيلومترات و تصل الجنة؟
- لماذا لا يتكلم الشيطان الانكليزية؟
- المنظومة المعرفية للمعتزلة
- إلى فرفوريوس : المكسو بالأرجوان
- لقد تحول نهر الفرات إلى شرطي
- أنتظر الحلم
- موقف الفلق
- بغل الطاحون و تمظهرات عقدة الخصاء
- زنزانة الحواس و قناع لنبي بلا نبوة
- ديمقراطية كان يا ما كان
- هواجس منتصف الليل
- المهدي قراطية
- عيد العطالة العالمي
- مستقبل الشعر بين السوق و التكنلوجيا
- من هم أعداء التجربة الديمقراطية في كفر بطيخ؟
- مسلمين... يا عيب الشوم ؟


المزيد.....




- شاهد رد مايك جونسون رئيس مجلس النواب الأمريكي عن مقتل أطفال ...
- مصادر تكشف لـCNN كيف وجد بايدن حليفا -جمهوريا- غير متوقع خلا ...
- إيطاليا تحذر من تفشي فيروس قاتل في أوروبا وتطالب بخطة لمكافح ...
- في اليوم العالمي للملاريا، خبراء يحذرون من زيادة انتشارالمرض ...
- لماذا تحتفظ قطر بمكتب حماس على أراضيها؟
- 3 قتلى على الأقل في غارة إسرائيلية استهدفت منزلًا في رفح
- الولايات المتحدة تبحث مسألة انسحاب قواتها من النيجر
- مدينة إيطالية شهيرة تعتزم حظر المثلجات والبيتزا بعد منتصف ال ...
- كيف نحمي أنفسنا من الإصابة بسرطانات الجلد؟
- واشنطن ترسل وفدا إلى النيجر لإجراء مباحثات مباشرة بشأن انسحا ...


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - حمزة رستناوي - القرآن و بلاغة الخروج من العصر