أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حمزة رستناوي - شخصية أبو الهدى الصيادي















المزيد.....



شخصية أبو الهدى الصيادي


حمزة رستناوي

الحوار المتمدن-العدد: 2115 - 2007 / 11 / 30 - 09:03
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


لماذا أبو الهدى الصيادي؟؟
- قد يكون أبو الهدى الصيادي أشهر شخصية صوفية- بالمعنى الاجتماعي السياسي- في النصف الثاني من القرن التاسع عشر و بداية القرن العشرين في العالم الإسلامي
- لعبت هذه الشخصية دورا ً مهما ً في صياغة المشهد الثقافي و السياسي للبلاد العربية إبان فترة ما اصطلح عليه النهضة العربية
- إن الأسئلة التي تثيرها دراسة شخصية أبو الهدى ما تزال مطروحة حتى الآن بشكل أبو بآخر:
كعلاقة المثقف بالسلطة , و علاقة الدين بالقومية ,و العلاقة مع الغرب , و كذلك حجم التناقضات الداخلية في المجتمعات العربية الإسلامية بين الشعبي و النخبوي, بين العقلاني و الخرافي, بين الإصلاحيين و المحافظين .
و دراسة شخصية أبو الهدى تصلح كمثال نموذجي حول توظيف الايديلوجيا الدينية الصوفية الطرائقية في خدمة السلطة, و استغلال المشاعر النفسية و العواطف الدينية من قبل المستبدين ؟
- لا نجد علم في الثقافة أو السياسة في النصف الثاني للقرن التاسع عشر و بداية القرن العشرين إلا أتى على ذكر أبو الهدى الصيادي على سبيل المثال لا الحصر : عبد الرحمن الكواكبي – محمد كرد علي- الزهاوي- معروف الرصافي- إبراهيم المويلحي- جمال الدين الأفغاني- محمد عبده- رشيد رضا- عبد الله النديم – السلطان عبد الحميد – مدحت باشا – إبراهيم هنانو- قسطاكي الحمصي..الخ
-معظم ما كتب عن أبو الهدى الصيادي كان حول حقيقة نسبه و قد تم إغفال النتائج التي من الممكن الاستفادة و البناء عليها
- إن الجدال حول حقيقة نسبه هو خارج إطار الدراسة – لا يخصني- و هو جدال إن دل على شيء فهو يدل على انحطاط فكر المتجادلين , و أقتبس هنا قول منسوب للنبي محمد " ذالك علم لا ينفع , و الجهل به لا يضر"
- سأدرس – في هذا المقام- أبو الهدى الصيادي كشخصية عامة و ليس كشخصية تخص فرد أو أسرة أو طائفة أو جماعة؟

أولا ً: سيرة ذاتية
هو محمد أبو الهدى بن حسن وادي بن علي خزام ولد في خان شيخون 1849
- عين نقيبا ً للأشراف في جسر الشغور, ثم نقيبا ً لأشراف حلب, و لمع نجمه في عهد السلطان عبد العزيز " عم السلطان عبد الحميد" و قضى ثلاثين عاما ً في خدمة الدولة العثمانية يدافع عن السلطان عبد الحميد و يؤكد واجب المسلمين في مؤازرة السلطان
- ووصل إلى منصب شيخ مشايخ دار الخلافة و مستشاراً للسلطان عبد الحميد
- أهين في آخر حياته عقب الانقلاب على السلطان عبد الحميد 1908 , و دفن في التكية التي ابتناها في بشكطاش في الأستانة 1909 و نقل جثمانه عام 1937 إلى حلب و دفن في الزاوية الصيادية إلى جانب قبر أبيه" حاليا ً دار الإفتاء قرب القصر العدلي.
- سيرة أبو الهدى هي سيرة رجل انتقل من خان شيخون قرية متواضعة في ولاية حلب , إلى اسطنبول حاضرة الإمبراطورية العثمانية
من درويش يرتزق من ضرب الدف و التكسب بالرقى , إلى مستشار للسلطان عبد الحميد و شيخ مشايخ دار الخلافة حيث الجاه و النفوذ و المال و المؤامرات.
و ما كان لهذه النقلة أن تتم لرجل لا يملك نصيبا ً كبيرا ً من الدهاء و الطموح و الإرادة
يقول عنه محمد كرد علي" و ما كان في الواقع غير رجل وصل إلى ما وصل إليه بمواهبه و جربزته " أي خداعه" و ما كان لنغمة الإصلاح مكان في نفسه, و لا لتوسيد أعمال الدولة للكفاة شأن عنده, بل كان هواه في تكثير عدد أنصاره, و إرضاء المرتزقة الذين تأدبوا في كل زمان أن يعيشوا على عاتق الملة حَلمَة ً طفيلية تمتص الدم, و تعرق العظم, و المصلحون أفراد في كل أمة , و أبو الهدى ما ادعى أنه منهم ,
فهو قد نشأ على حب الطريقة و التغني بالجمال , و الغرام بالخلوات و بقي طول اتصاله بالسلطان لا هم له في الظاهر إلا بث دعواه و إثبات نسبه, سعي لما فطر عليه, و أخذ من نفسه و لا ينفق الإنسان إلا مما عنده" "1"
و بعد أن كثر المشككون في نسبه إلى النبي لجأ إلى فتوى طريفة للجم ألسنة المشككين يقول " لا ينبغي التفتيش عن أنساب الأشراف, و لا البحث عن صحتها, و يلزم احترام من طعن في نسبه , أكثر ممن لم يطعن في نسبه, يريدون بذلك إذا لم تقم حجة صريحة قاطعة شرعية تقضي بعدم صحة النسب, و ذلك خوفا ً من أن يؤذى رسول الله صلى الله عليه و سلم ""2" و تكتسب قضية النسب أهمية كبيرة – بمقاييس ذلك العصر – إذا عرفنا الامتيازات السلطانية التي كان السلطان يخص بها هذه العائلات المباركة, كالإعفاء من الجندية و إسباغ الأوسمة و المناصب لهم , إضافة إلى المكانة الدينية و الاجتماعية لهؤلاء الأشراف, و تمييزا ً لهم عن بقية رعايا الإمبراطورية من غير الأشراف و ربما الأنجاس؟؟؟ فأبو الهدى يرى أن المشككين في نسبه للرسول , هم لا يسيئون له فقط بل هم يسيئون للرسول؟ و كأن النبي محمد لم يقل " لو فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها " و قوله تعالى " إن أكرمكم عند الله أتقاكم "
و يذكر محمد راغب الطباخ " و إنا- و أيم الله- لنأسف على ذكائه المفرط , و سعة مداركه , و فضله الجم , و ما أوتيه من واسع الجاه, و رفيع المكانة لدى السلطان عبد الحميد , أن يصرف ذلك في ترويج بضاعته و نفاق سلعته... و لو كان صرف عنايته إلى إصلاح الأمة الإسلامية , و لم شعثها, و إنه و الحق يقال ممن توفرت لديه الأسباب و تمهَّدتْ له السبل , و مدت له السعادة يدها, و انقادت له أزمتها , لأتى في ذلك بالآيات البيِّنات , و لحمدت سيرته في دنياه , و جوزي بالحسنى في أخراه, و خلد له في بطون الأسفار ذكرى حسنة تتناقلها الأجيال" "3"

ثانيا ً: ما هي الظروف الموضوعية التي أتاحت لأبي الهدى أن يلعب هذا الدور؟
كان السلطان عبد الحميد يحاول أن يقف في وجه التيارات المعارضة لسياسته
و هذه تشمل
1- الإصلاحيون : أمثال جمال الدين الأفغاني و محمد عبدة و عبد الله النديم و عبد الرحمن الكواكبي و مدحت باشا و غيرهم ممن كان يدعو إلى "المشروطية " و إعادة العمل بالمجلس النيابي و إجراء إصلاحات سياسية واسعة في الإمبراطورية, و قد كان أبو الهدى خصما ً عنيدا ً لهم, و علاقات غير مستقرة معهم
فهم بتقربهم من السلطان عبد الحميد لمحاولة إقناعه بإجراء الإصلاحات السياسية و الدعوة إلى الجامعة الإسلامية يفسدون عليه حظوته عند السلطان, و يورد أحمد أمين في معرض حديثة عن جمال الدين الأفغاني" ووجد له في الأستانة خصما ً لدودا ً هو أبو الهدى الصيادي الذي أتقن الحيل و الدهاء و الدسائس و المؤامرات, و الغلبة على عقل السلطان, ما لا ينفع معه إخلاص جمال الدين و صراحته و نصحه, ففسدت حياة السيد , و فسد ما بينه و بين السلطان و ضاع كل أمل له في التعاون معه على الإصلاح" "4"
و كذلك يورد على لسان محمد عبده في إحدى رسائله قوله " ما كان يضر ُّ السيد لو مهد لإصلاحه و هو في الأستانة بالسعي عند السلطان في إعطاء أبي الهدى الصيادي خمسمائة جنيه, و نيشانا ً لابنه و أخيه , فإذا رأى أبو الهدى أن السيد يخدمه فإما أن يواتيه و إما ألا يناوله" و لكن أنَّى للسيد أن يطلب هذا البُطل, و هو يعتقد أن أبا الهدى سافل دنئ إذا طلب له شيئا ً فالشنق؟""5"
2-الوهابيون: : كان السلطان عبد الحميد يصارع الوهابية التي شكلت خطرا ً سياسيا ً داهما ً على الإمبراطورية , و قد وجد السلطان عبد الحميد ضالته في التصوف كمعارض تقليدي للفكر الوهابي, فقرب إليه عددا ً من رجالات التصوف كالشيخ محمود أبو الشامات و الشيخ محمد ظافر المدني شيخي الطريقة الشاذلية
و قرب إليه أبو الهدى الصيادي شيخ الطريقة الرفاعية, و أغدق عليهم الأوسمة و المناصب
و يورد محمد سليم الجندي " و قد كان السلطان يخشى على سلطانه في البلاد العربية من الوهابيين, و يحذر أن يتغلب عليه صاحب هذه الدعوة, فاتخذ – أي السلطان- من أبي الهدى صارفا ً يصرف الناس عن النظر إلى هذا المذهب, و شاغلا ً يشغلهم عنه, ففتح بابه لكل طالب , و أصاخ بسمعه إلى كل قصد , فكان الناس يؤمّونه من كل حدب و صوب للقاء حاجاتهم , و جر مغانمهم , و دفع مغارمهم. و كان أبو الهدى يبذل ماله, و قلما رجع أحد من قاصديه بالخيبة و كان السلطان يساعده على تحقيق رغائبه" "6"
3- القوميون : كان أبو الهدى يحمل السلطان على الاعتقاد أنه صاحب النفوذ الأكبر في الولايات العربية , رضاه رضا العرب , و أن عرب السلطنة العثمانية في قبضته يحركهم كما يشاء, حيث كان أبو الهدى يساعد قاصديه من العرب في الأستانة فهذا يطمع في رتبة, أو تقليد وسام , و هذا يطمع في إثبات نسب, و هذا يطمع في تيسير أموره في الأستانة كما حدث مع الشاعر قسطاكي الحمصي أثر دعوى أقامها على المصرف العثماني أثر خلاف مالي عام 1898
و ما قصده أحد من أبناء البلاد العربية إلا آزره , و حمى بنفوذه على سبيل المثال لا الحصر الرصافي و الزهاوي و المويلحي و استضاف إبراهيم هنانو في الأستانة عندما ذهب إليها بقصد الدراسة
حيث كان أبو الهدى يساعد قاصديه من العرب ,و لذلك عاداه دعاة القومية العربية بفرعيها القومية العربية الإسلامية و ممثلها الكواكبي الذي كان يدعو إلى خلافة عربية إسلامية عاصمتها مكة المكرمة" انظر كتاب أم القرى", و كذلك دعاة القومية العربية العلمانية المتأثرة بالفكر القومي في أوربا كأعضاء الجمعية العربية الفتاة و سائر الجمعيات السرية الأخرى ؟
و قد حصد أبو الهدى بهذا الدور الذي لعبه عداء سائر دعاة الفكر القومي من غير العرب كالقوميين الطورانيين , و القوميين الأكراد و غيرهم

ثالثا ً - هل كان أبو الهدى رجل سياسة أم رجل سلطة أم رجل علم؟
لعب أبو الهدى دورا ً سياسيا ً أكثر منه دينيا ً و علميا ً فركز دعوته على وجوب طاعة أمير المؤمنين خليفة المسلمين و أن طاعته من طاعة رب العالمين , و الخروج عليه من الخروج عن الدين , و دعا للالتفاف حول السلطان عبد الحميد لتبقى راية الدولة و الإسلام عالية , و دعم هذه الدعاية بالمنامات و الكرامات و الليرات و قد ألف أبو الهدى الصيادي عددا ً من الكتب في وجوب طاعة خليفة المسلمين منها
1- داعي الرشاد لسبيل الاتحاد و الانقياد
2- بهجة الزمان في مآثر خليفة سيد ولد عدنان
3- تاريخ الخلفا ورَّاث النبي المصطفى
و للطرافة نورد هنا مقتطف من كتاب" ذخيرة المعاد " لأبي الهدى يصف فيه علاقته مع السلطان عبد الحميد يقول " و في سنة أربع و تسعين بعد المائتين, تشرفت بخدمة سيدنا و مولانا أمير المؤمنين , حارس كلمة الشرع المبين خليفة سيد المخلوقين , الملك المنصور المعان, السلطان الغازي عبد الحميد خان ابن السلطان الغازي عبد المجيد خان أيده الله بالنصر, و خذل أعداءه ,و ذلك حين ما قدمت دار السعادة العلية فأصعدني بعلي ِّ توجهاته إلى أعلى المراتب العلمية .." "7"
و لم يكن لأبي الهدى : اهتمامات سياسية بالمعنى المصطلحي لكلمة السياسة " أي إدارة شؤون البلاد بمقتضى القانون و لغاية العدالة و الاهتمام بالشأن العام" و لكنه كان رجلا ً محبا ً للجاه, و قد أمن إليه السلطان عبد الحميد لمعرفته ذلك الطبع و قربه إليه, فنبذه الإصلاحيون من العرب و الترك و كذلك أعداء السلطان ...و استفاد أبو الهدى من علاقته المميزة مع السلطان لترسيخ جاهه, و رأس ماله المادي أحيانا ً و المعنوي غالبا ً, يقول عنه محمد سليم الجندي " لم يكن له مطامع سياسية , كان رجلا ً محبا ً للجاه, باذلا ً المال في سبيل الجاه و السمعة , و يتضح من ذلك أنه كان لا يتدخل في سياسة السلطان و حكومته و لا يتدخل فيما لا يعنيه , و كان أكبر همه أن يكثر حوله الأنصار و الأشياع و المريدين و الخلفاء, و أن يفيد كل واحد منهم بما استطاع من مال أو وسام أو إعفاء من العسكرية أو تعمير مدفن أو تكية أو ما شاكل ذلك, و أقصى أمانيه نشر دعوته و تغليب طريقته الرفاعية
و أصحابها على غيرهم من أصحاب الطرق" "8"
و رغم تعدد موارد أبو الهدى المادية ووفرتها " لم يكن أبو الهدى ذا وفر بل كان كثير الديون , إذ اضطرته مواقفه مع خصومه إلى الاستمرار على التبذير , ثم كلفه بالتشبه بأهل السماحة , و إظهار الأريحية و الجري على سنن الكبراء من السلف , في إجازة المادحين و فتح باب داره للقاصدين من الضيوف و الدراويش , كان يستنفذ ما في خزانته , فيقترض من رجل صيرفي اسمه توفيق أفندي الداغستاني, هذا و لم ينل صلة من عبد الحميد إلا فرقها على الخاصة من شيعته , القائمين بأمر دعوته" "9"
و ليس فيما تركه من أثر يدل على تبحره في علم ديني أو دنيوي , ترك ما بين 82 رسالة و كتاب وفق ما ذكر في سيرته التي دونها بنفسه" "10"
و رسائله تدور حول إثبات نسبه إلى الرفاعي و سلالة النبي, و هذا ما شكك به الكثيرون من حساده و أعدائه و المهتمين بهكذا قضايا, فلقد مكنه هذا الانتساب من الوصول إلى مكانة دينية و اجتماعية و سياسية رفيعة و سأذكر عددا من كتبه في ذلك
1- قلائد الزبرجدْ في حكم الغوث الشريف الرفاعي أحمد
2-قلائد الجواهرْ في ذكر الغوث الرفاعي و أتباعه الأكابر
3- تنوير الأبصارْ في طبقات السادة الرفاعية الأخيار
4- الفجر المنيرْ فيما ورد عن لسان الغوث الرفاعي الكبير
5- الكوكب الزاهرْ في مناقب الغوث عبد القادر و غيرها كثير
و ألف أبو الهدى الكثير من الرسائل كانت بمثابة مختصرات و هوامش على علوم الأقدمين في الفقه و العقيدة و التصوف
كانت الغاية منها التدريس و الذكر و ليس البحث و التفكير مثل:
- طريق الصواب في الصلاة على النبي الأواب
- ضوء الشمس في شرح قوله"ص" بني الإسلام على خمس"
و هل يقاس هكذا نتاج فكري سمته الاجترار و التمجيد و الخرافة و إثبات النسب
بنتاج معاصريه كعبد الرحمن الكواكبي صاحب " طبائع الاستبداد و أم القرى " ؟!

رابعا ً: كرامات أبو الهدى
كان سلاح أبي الهدى في مناوأة خصومه قداسة الدين , و للدين أثره و سحره في نفوس السلاطين , و كان الشيخ يزوِّد مولاه السلطان كل يوم بعجيبة من العجائب , فآونة يبلِّغه سلام النبي"ص" و رضاه , ثم يدَّعي لأبيه, و لنفسه كرامات لا وجود لها , و كان عبد الحميد محبا ً لهذه الأشياء و يظن أنها أقرب الوسائل لاستدامة حكمه , و بهذه الوسائل قويت سيطرة أبي الهدى على عبد الحميد , و تمكنت بينهما الألفة الروحية , حتى أن خصوم الصيادي لما صارحوا السلطان بأن هذه البضاعة التي يبيعها له ليست إلا نوعا ً من الخزعبلات قال لهم :
" عجبت لهؤلاء الخونة, يحسدون شيخي , و ليس فيهم من يليق به أن يكون من خدَّامه , يكتبُ إليَّ الواحد منهم كتابا ً يطلب فيه بدرة َ مال , أو رتبة لا تكاد تذكر , و هو مع ذلك يتعسَّف الحيل , و لا يهتدي إليها سبيلا ً . أما أبو الهدى فإن سألني عن ثقة ٍ و ظرفٍ , و لا يتدنَّى بقدره إلى طلب ما يكون مشاعا ً, يمكن أن ينازعه فيه غيره , بل يطلب مني ما يفتخر الشريف نيله , فهو الأميرُ و هم الصعاليك "11"

- و يورد و لي الدين يكن نادرة رواها له الكاتب المصري إبراهيم بك المويلحي قال:
" كنت ذات يوم عند أبي الهدى , و قد غصَّ مجلسه بقوم من أصحابه و شيعته , و كلهم جلوس كأن على رأسهم الطير, فأخذ أبو الهدى يحدثنا بأمر وقع لأبيه قال : رحمة الله على سيدنا الوالد , ما أظرف ما كانت تصدقُ به كراماته , خرج ذات يوم شديد الهاجرة في حلب يريد التنزه , فاشتد عليه القيظ, و علم أنه لم يصب في اختياره وقت النزهة , فاثني راجعا ً إلى باب داره, حتى إذا وافاه, جلس على عتبته من فرط ما أصابه من التعب , و أخرج منديلا ً له , و جعل يمسح به عرقه المتصبب على جبينه , و إنه لكذلك , إذ برجل يقود حمارا ً له , عليه زنبيلان ً مملوآن خيارا ً , فاشتهت نفس سيدي الوالد من ذلك الخيار , و سأل البائع أن يزن له منه رطلين ... و لما انتهى من وزن الخيار , و أخذ ثمنه و هم بالانصراف , التفت فما راعه إلا زنبيلاه, و ليس فيهما خيارة واحدة , فأخذ الرجل ينوح و ينتحب , و يقول أين ذهب هذا الخيار؟؟
و لم يمر بنا أحد فنقول سرقه!
فتبسم سيدي الوالد و قال : كم كان بزنبيلك من الخيار؟
قال الرجل: سبعون رطلا ً
فدفع إليه سيدي الوالد ثمنه, و قال أنا أكلته , فنظر الرجل في وجه الوالد مليا ً , ثم صاح: و الله إنك لقطب الزمان وغوثه , و انكبَّ على قدميه يقبلهما , فطيب الوالد الرجل , و قال : لا بأس عليك , و لكن عاهدني أن لا تبوح بما رأيت لأحد , فعاهده الرجل على ذلك و مضى في شأنه.
قال المويلحي : فما أتم أبو الهدى كلامه إلا نهض رجل ٌ في أخريات الجالسين , و قال : يا مولاي عفوا ً!
-إنه لم يكن بالزنبيلين سبعون رطلا ً, بل خمسة و تسعون , كما أخبرني به البائع نفسه
قال أبو الهدى : لله أنت ما أحفظ َ قلبكَ , و الله لقد أنسانا الزمان ذلك
قلت للمويلحي : يا إبراهيم بك, هذه ليست كرامة , و إذا صحت الرواية فأبو الهدى جمل أو ثور , و ليس بغوث و لا شيطان " 12"

- و يورد ولي الدين يكن " أخبرني كمال الدين الدمشقي أن العقارب في بيت أبي الهدى لا تؤذي أحدا ً, و أنه نهى دراويشه عن قتلها, فقال : دعوها , لن يصيبكم منها أذى . و قال : كثيرا ً ما ننام الليل, و في فراش الواحد منا واحدة أو اثنتان من العقارب , و لا يخطر لنا بال ٍ أنها ستؤذينا.

- و حدثني أبو الخير , و هو خليفة أبي الهدى قال : بينما نحن مع السيد في أحد أذكاره إذ أخذته سكرة , فعمد إلى حسام كان على الأرض فأخمده في صدر أحد الدراويش , حتى خرج النصل من ظهره شبرا ً, فأخذ منا الروع مأخذه , فما هو إلا أن استل الحسام , و بصق على موضع الجرح فالتأم لوقته , و لم يترك له أثرا ً "13" .

خامسا: مختارات من شعر أبي الهدى
* يمكن حصر الأغراض الشعرية عند أبو الهدى الصيادي ب:
- الاعتزاز بنفسه و الفخر بحسبه و نسبه
- المدائح السلطانية
- المدائح النبوية و هي تمثل الكم الأكبر من شعره
- قصائد وجدانية و هي أبدع ما كتب , و إن كان الغزل لا يظهر كغرض شعري مستقل و صريح عنده, إلا أنه يميل لتطعيمه و تقديمه كقصائد وجد صوفي و عشق إلهي .
• شعره بالنسبة لاتجاهات الشعر العربي في القرن التاسع عشر, على جانب كبير من الرقة و الجزالة , و يتميز بغنائية عالية , حيث كثيرا ً ما كان يغني شعره في الحلقات الصوفية و المناسبات الدينية و ينشده على المزهر !
• ديوان أبو الهدى الصيادي متوفر كنسخة الكترونية في موقع الموسوعة العالمية للشعر العربي http://www.adab.com
حيث نجد 133 من قصائده المجموعة من مختلف كتاباته الشعرية
• و هذه مختارات من شعره – وفقا ً لذائقي الخاصة

------ 1--------

يا غائبا ً في القلب ِ هاجرْ لمتى .. و أنتَ أحبُّ هاجرْ
أخفيتَ سرَّك َ و الهوى في باطني ما زالَ ظاهرْ
ارحمْ عشيركَ يا حبيبا ً حسنهُ فتنَ العشائرْ
ماليْ و طرفكَ و هو هذا فاترٌ و عليَّ قادرْ
فكرْ بلطف ِ جميل ِ ذاتكَ يا رقيقَ الخصر ِ حائرْ
و حياة ِ عينك ِ لم أزلْ طولَ الدجى بهواكَ ساهرْ
أبكيْ و دمعيْ ناظرٌ دررا ً ملألأة ً و ناثرْ
و إذا نظرتُ ففيْ جميع ِ البارزات ِ إليك َ ناظرْ
أودعتَ شخصك َمهجتيْ و عليه ِ من روحيْ ستائرْ
قاطعتنيْ و أنا و حقك َ غيرَ هجركَ لا أحاذرْ
و رميتنيْ بجفاكَ إن َّ جفاكَ مثلَ الليل ِ كافرْ




-------2--------


إلهي َ مسَّنيْ كربٌ عظيمٌ
و أعظمُ منهُ ظنيَ و الرجاءْ
فلا تقطعْ رجاي َ و أنتَ ربيْ
و فرِّجْ ما به ِ دهمَ القضاءْ
و أيِّدنيْ بلطفكَ و اعفُ عنّيْ
و كنْ عونيْ إذا عظمُ البلاءْ
و لا تشمتْ بيَ الأعداء َ إنّيْ
أخو ضعف ٍ به ِ ضاقَ الفضاءْ

-------3-------

جوهرُ الفخر ِ نورُ عين البرايا
منتهى سرها من الابتداء ِ
معدن المجد روح جسم المعالي
مظهر الحق في سلوك الفناء ِ
مظهر المجد هيكل السعد مولى الخلق
من قبل خلق طين و ماء ِ
صولة الله في الوجود و مجلي
نور عين الكمال في كل رائي
ترجمان الرحمان في كل شأن
و تجلى قبوله للدعاء ِ
كاف كن قبل كون كل مكين
نون كان الأمان للشفعاء ِ
صاد صبح القبول من غير شك
ميم معنى الوجود للأشياء ِ
------4-------


* يعاركنيْ الزمانُ كما يشاءُ
و بيْ للحزن ِ نشرٌ و انطواءُ
و لي قلبٌ عبثن َ به ِ اللياليْ
بفقد ِ أحبَّتيْ و الفقدُ داءُ
فأيُّ مسرة ٍ تحلو لقلبي
و لونُ الماء ِ يبرزهُ الإناءُ
تهاجمت ِ الهمومُ علي َّ حتى
جرتْ عينيْ و مدمعها دماءْ


------------5------------
*منَ الهوى آه ُ والصبُّ أواهُ
أفنى الهوى كليّ والقلبُ يرضاهُ
و يلاهُ من ريم ٍ في القلب ِ مثواهُ
لم ْ يشتغلْ فكري وللبُ لولاهُ
يطيبُ ليْ معنىً يفيدُ ذكراهُ
و العينُ لمْ تبصرْ و الله ِ إلاهُ
أقامَ في سرِّيْ و الروح ُ معناهُ

سادسا ً : أبو الهدى بين المجد و التمجُّيد
إن خير ما يستدل فيه على تفشي الاستبداد في أمة من الأمم و شدة سطوته على أبنائها, هو استنطاق لغتها, فكلما كثرت عبارات التعظيم و التشريف و المديح بين المتخاطبين, بين الحاكم و المحكوم , كلما دل ذلك على عراقة الاستبداد و فكره في هذه الأمة, و من ثم انحطاطها
و سأذكر هنا فقرة قصيرة من كتاب الروض البسام لأبي الهدى الصيادي و ليتأمل القارئ قوله " سيدنا, و مولانا أمير المؤمنين, رافع ألوية الشرع المبين, ناصر كلمة الإسلام و المسلمين , ملك الملوك و السلاطين, خليفة سيد المخلوقين, سلطان المشرقين و المغربين , خادم الحرمين الشريفين , المؤيد بعناية الرحمن, و المحروس بنظرة مدد سيد و لد عدنان, مولانا السلطان الغازي , عبد الحميد خان, لازال بالعز و العافية و الإقبال إلى آخر الدوران ""14"
و ليتأمل القارئ التعظيم و التشريف و المديح الذي يصف به أبو الهدى الصيادي نفسه
و سأورد حرفيا ً منقول من غلاف ثلاث كتب مطبوعة له "
---1---
كتابُ الذخيرة, في ذكر ِ السادة ِ بني الصيادْ
تأليف السيد الجليلْ, و العَلم الطويلْ, مفخر السلفْ
و بهجة الخلفْ, تاج العلماءْ, قدوة الفضلاءْ
العلامة النسابة , حضرة صاحب السيادة
و السماحة السيد محمد أبي الهدى
الصيادي الرفاعي كان الله له
وليا ً في جميع المساعي
آمين
*بمطبعة محمد أفندي مصطفى

---2---
كتاب تنوير الأبصارْ
في طبقات السادة الرفاعية الأخيارْ
تأليف النحرير العلامة و الإمام الفهامة مفخرْ
السلفْ, و حجة الخلفْ, صاحب السيادة و السماحة
مولانا السيد محمد أبو الهدى أفندي الصيادي
الرفاعي ,لا زال في الدنيا و الآخرة
مشكور المساعي
آمين
*بمطبعة محمد أفندي مصطفى

---3---
كتاب
الروض البسام
في
أشهر البطون القرشية بالشام
تأليف
حضرة الحسيب النسيب الكامل فرع الشجرة الرفاعية العالم العلامة الفاضل
السيد محمد أبو الهدى الصيادي الرفاعي
حفظه الله تعالى و نفعنا بعلمه
*طبع بمطبعة الأهرام بالإسكندرية سنة 1892 مسيحية
و لنقارنه بكتاب معاصرة عبد الرحمن الكواكبي" طبائع الاستبداد و مصارع الاستعباد"
الذي اضطر الكوكبي إلى إخفاء اسمه الحقيقي, خوفا ً من بطش السلطان و زبانيته
و كتب على خلافها محرره هو الرحالة ك .عام 1902

و إذا كان المجد " هو إحراز المرء مقام حبٍّ و احترام في القلوبْ , و هو مطلب طبيعي شريف لكل إنسان"
فإن "التمجُّيد خاص بالإدارات المستبدة , و هو أن ينال المرء جذوة نار من جهنم المستبدْ, ليحرق بها شرف المساواة في الإنسانية " و بعبارة أوضح " هو أن يصير الإنسانُ مستبدا ً صغيرا ً في كنف المستبد ِ الأعظم"

...............
1- أبو الهدى في عيون معاصريه- حسن السماحي سويدان- دار البشائر – دمشق – ص139
2- ذخيرة المعاد في ذكر السادة بني الصياد – محمد أبي الهدى الصيادي – مطبعة محمد أفندي مصطفى
مغفل من التاريخ – ص 9
3- إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء- محمد راغب الطباخ - ج7 ص330- 331
4- زعماء الإصلاح في العصر الحديث – أحمد أمين –ص101
5- المرجع نفسه ص109
6- أبو الهدى في عيون معاصريه –ص166
7- ذخيرة المعاد في ذكر السادة بني الصياد – محمد أبي الهدى الصيادي – مطبعة محمد أفندي مصطفى
مغفل من التاريخ- ص69-70
8 -أبو الهدى في عيون معاصريه ص169
9- المرجع نفسه ص69
10- المرجع نفسه ص15
11- المرجع نفسه ص247-248
12- المرجع نفسه ص89-90
13- المرجع نفسه ص104-105
14- الروض البسام في أشهر البطون القرشية بالشام – أبو الهدى الصيادي – مطبعة الأهرام بالإسكندرية- سنة 1892 مسيحية – ص133
15- راجع كتاب طبائع الاستبداد و مصارع الاستعباد – عبد الرحمن الكواكبي – دراسة و تحقيق :د محمد جمال طحان- الأوائل دمشق ط 1 عام 2003- فصل : الاستبداد و المجد ص95



#حمزة_رستناوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زوجتي و السياسة
- خمسة كيلومترات و تصل الجنة؟
- لماذا لا يتكلم الشيطان الانكليزية؟
- المنظومة المعرفية للمعتزلة
- إلى فرفوريوس : المكسو بالأرجوان
- لقد تحول نهر الفرات إلى شرطي
- أنتظر الحلم
- موقف الفلق
- بغل الطاحون و تمظهرات عقدة الخصاء
- زنزانة الحواس و قناع لنبي بلا نبوة
- ديمقراطية كان يا ما كان
- هواجس منتصف الليل
- المهدي قراطية
- عيد العطالة العالمي
- مستقبل الشعر بين السوق و التكنلوجيا
- من هم أعداء التجربة الديمقراطية في كفر بطيخ؟
- مسلمين... يا عيب الشوم ؟
- على هامش الاسلام هو الحل
- مقدمة للحوار بين الأديان و الطوائف
- جيل التسعينيات الشعري و الرومانسية الجديدة


المزيد.....




- كوريا الشمالية تدين تزويد أوكرانيا بصواريخ ATACMS الأمريكية ...
- عالم آثار شهير يكشف ألاعيب إسرائيل لسرقة تاريخ الحضارة المصر ...
- البرلمان الليبي يكشف عن جاهزيته لإجراء انتخابات رئاسية قبل ن ...
- -القيادة المركزية- تعلن إسقاط 5 مسيرات فوق البحر الأحمر
- البهاق يحول كلبة من اللون الأسود إلى الأبيض
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /29.04.2024/ ...
- هل تنجح جامعات الضفة في تعويض طلاب غزة عن بُعد؟
- بريكس منصة لتشكيل عالم متعدد الأقطاب
- رئيس الأركان الأوكراني يقر بأن الوضع على الجبهة -تدهور- مع ت ...
- ?? مباشر: وفد حركة حماس يزور القاهرة الاثنين لمحادثات -وقف ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حمزة رستناوي - شخصية أبو الهدى الصيادي