أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محيي هادي - الاضطراب في القرآن: سورة الفاتحة في مقدمته.















المزيد.....



الاضطراب في القرآن: سورة الفاتحة في مقدمته.


محيي هادي

الحوار المتمدن-العدد: 2429 - 2008 / 10 / 9 - 00:08
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


كيف يمكننا التمييز بين آية قرآنية و حديث ينسب إلى النبي محمد؟
هذا السؤال كنت أطرحه دائما إذ أن كلاهما، الآية القرآنية و الحديث، انطلقا من لسان النبي محمد و نطق بهما، كما يقولون. و قد وجدت جوابا على هذا السؤال، عند قراءتي لبعض من الكتب الدينية الاسلامية إذ تذكر بأن الحديث هو ما كان ينطقه النبي و هو صاح يقظ، أما الآية فإنه كان ينطقها بعد أن يستيقظ من نومه. و في هذا يقول الكاتب المغربي محمد عابد الجابري.
إلا أن الرصافي كتب في (كتاب الشخصية المحمدية) بأن النبي كان يعتريه نوع من الإغماء و الغيبوبة أثناء نزول الوحي عليه، و عندما يعود إلى حالته الصحية المعتادة كان ينطق بالآيات التي سمعها من الملك جبريل الذي كان يزوره أثناء إغمائه و غيبوبته. و كتب الرصافي: أن محمدا كان ذا مواهب يستطيع بها أن يتجرد من وجوده الجزئي و يندمج في الوجود الكلي المطلق اللانهائي متلاشيا فيه متناسيا نفسه، فكلامه عند ذلك كلام الله و فعله فعل الله.

مما يلاحظ عند قارئ القرآن أن هذا الكتاب لم يُجمع و لم يُكتب بنظام مرتب زمنيا، فلم تتخذ كتابته نهجا معينا بل اتخذت نهجا اعتباطيا. فقد توجد سورة كتبت في بداية القرآن و أنها "نُزلت" في وقت متأخر، و قد توجد سورة تحتوي على آيات "نزلت" في مكة بجانب آيات "نزلت" في المدينة. و إذا سأل عن سبب ذلك قيل له إنها من معجزات القرآن. و ما أسهل هذا الجواب الذي لا يحل السؤال بل يزيده تعقيدا.

و أعتقد أنه من البساطة جدا القول: ان الأشخاص الذين كتبوا و جمعوا القرآن قد قرروا ذلك اعتقادا منهم بأن ذلك هو الأفضل، على الرغم من التساؤلات التي يمكن أن يواجهوها لاحقا. و لكن مثل هذا الجواب لايمكن أن يُقال أبدا، و كيف يمكن ذلك؟ و أصحاب العجز و الإعجاز يريدون أن تُعطى صفة إعجازية مصطنعة للقرآن، لا صفة واقعية له.

كما يلاحظ القارئ أيضا أنه يضيع عليه زمن "نزول" كثير من الآيات، فيجد أن البعض يقول عن آية ما: أنها "نزلت" في مكة ثم يرجع ليقول: لا أنها "نزلت" في المدينة ثم "يصلح" قوله بقول آخر: لا إنها نزلت في نصف الطريق أو في مكان آخر. و يأتي ثالث ليقول إن الآية "نزلت" في حق فلان، ليعارضه رابع و يقول: لا إنها "نزلت" في علان.
و هكذا يضيع توقيت الآيات و أسبابها. و ضياع التوقيت و الأسباب لا يعاني منه القاريء البسيط فحسب، بل و أيضا يعاني منه من نعتوهم بـ "الفقهاء" و "الغارقين في العلم". إذ أنه يضيع عليهم الكثير و يصبح "حالهم حال العبرية".

و "العبرية" هم العابرون و "حالهم حال العبرية" مثل نستعمله في العراق للتأكيد على أن الكل هم في نفس المستوى و المعاناة. و أرجو من القارئ غير العراقي ألا يخلط بين عبرية العبرانيين و عبرية العراقيين.

قيل أن القرآن "نزل" عربيا و بلغة أهل الحجاز لكي يفهمه العرب. و هناك آيات عديدة تدل على ذلك منها:
1) إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (يوسف-2).
ثم بدلت كلمة "انزلناه" من هذه الآية لتصبح "جعلناه" في آية أخرى.
2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (الزخرف-3)
3) وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا(طه-113).
4) قُرآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (الزمر-28)
5) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ. (فصلت-3).
6) وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ. (الشورى-9).

في هذه الآية نلاحظ أن القرآن قد أوحي به لكي ينذر أم القرى و من حولها.

7) وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ وَاقٍ. (الرعد-37).
8) وَهَذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَانًا عَرَبِيًّا لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ. (الأحقاف-12).

لم أجد آية تشير صراحة إلى أن القرآن كتب بلغة أهل الحجاز و على الرغم من هذا فإنني لا أعارض من يدافع عن الرأي القائل بأن القرآن كتب بلغة أهل الحجاز، فمكة و المدينة و الطريق بينهما، هي مواقع في الحجاز.
و لكنني أرى أن القرآن على الرغم من كونه عربيا فإن العرب يجدون صعوبة بالغة في فهمه، لا بل أن العرب الحجازيين، أنفسهم، يجدون فيه صعوبة بالغة أيضا. فهل العرب عقلوه و حققوا تمني الله، "منزّل القرآن"، في قوله "لعلكم"....؟

و ليساعد الله المسلمين غير العرب، و خاصة الأمي منهم!!
إن مشكلة عدم فهم القرآن يلاقيها العربي العارف بالقراءة و الكتابة، فكيف بالعربي الجاهل الأمي، و القرآن قد "نزل" على شعب أمي جاهل، فكيف بالإنسان غير العربي متعلما أو جاهلا؟

لقد أراد البعض الذين سموهم بـ"المفسرين" أن يشرحوا ما في القرآن من كلمات و آيات، و لكنهم كلهم اختلفوا في تفسيره، فلكل أصبح له اجتهاده. و نجد أيضا أن هناك من لا يستطيع التفسير لكلمة أو حرف قرآني فينفض يده منه، و هو تعب، ليقول "الله أعلم". و هاتان الكلمتان حاضرتان دائما على لسان المفسرين القرآنيين، و يتحول عجزهم إلى أن يستعملوا: "إنها معجزة من معجزات الله"، أو "إنها من معجزات القرآن"، لكي يزيدوا الطين بلة بهذه الكلمات التي بها يحاولون إخفاء عجزهم.
**

لو فتحنا كتاب القرآن لوجدنا أن ما يواجهنا في البداية هي سورة الفاتحة.
لقد ذكر القرطبي أن "في الفاتحة من الصفات ما ليس لغيرها، حتى قيل أن جميع القرآن منها. و هي خمس و عشرون كلمة تضمنت جميع علوم القرآن". أما عن "قل هو الله أحد" فإن القرطبي يعتبرها أنها "تعدل ثلث القرآن".
و يعطي ابن كثير، و غيره من المفسرين القرآنيين، عدة أسماء لهذه السورة فهي:

1) فاتحة الكتاب: لأنها تفتح بها القراءة و افتتحت الصحابة بها كتابة المُصحف.

2) أم الكتاب: عن البخاري: سميت هكذا لأنه يبدأ بكتابتها في المصاحف و يبدأ بقراءتها في الصلاة. و قيل إنما سميت بذلك لرجوع معاني القرآن كله إلى ما تضمنته. و في هذه التسمية خلاف جوّزه الجمهور، كما ذكر القرطبي، و كرهه أنس و الحسن و ابن سيرين. و قال الحسن (البصري) أن الآيات هن أم الكتاب.
و يدعم هذه التسمية يحيى بن يعمر فيقول، كما ذكر القرطبي: أم القرى مكة، و أم القرآن سورة الحمد.
و ينقل ابن كثير عن النبي أنه قال: "الحمد لله رب العالمين" أم القرآن و أم الكتاب و السبع المثاني و القرآن العظيم.

و بهذا فإننا نجد اسماء أخرى لهذه السورة. و هي أم القرآن و القرآن العظيم و السبع المثاني.

3) السبع المثاني. و السبب بتسميتها بهذا الاسم لأنها:
* تثنى في الصلاة، فتقرأ في كل ركعة.
* و قيل لأنها استثنيت لهذه الأمة فلم تنزل على أحد قبلها ذخرا لها.

و ذكر القرطبي أنه "لَيْسَ فِي تَسْمِيَتهَا بِالْمَثَانِي وَأُمّ الْكِتَاب مَا يَمْنَع مِنْ تَسْمِيَة غَيْرهَا بِذَلِكَ، قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: "كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ" [الزُّمَر: 23] فَأَطْلَقَ عَلَى كِتَابه: مَثَانِيَ. لِأَنَّ الْأَخْبَارَ تُثَنَّى فِيهِ. وَقَدْ سُمِّيَتْ السَّبْع الطُّوَل أَيْضًا مَثَانِيَ. لِأَنَّ الْفَرَائِضَ وَالْقَصَص تُثَنَّى فِيهَا. قَالَ اِبْن عَبَّاس: أُوتِيَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعًا مِنْ الْمَثَانِي. قَالَ: السَّبْع الطُّوَل. ذَكَرَهُ النَّسَائِيّ، وَهِيَ مِنْ " الْبَقَرَة " إِلَى " الْأَعْرَاف " سِتّ، وَاخْتَلَفُوا فِي السَّابِعَة، فَقِيلَ: يُونُس، وَقِيلَ: الْأَنْفَال وَالتَّوْبَة".

لاحظ: "و اختلفوا" !

و أعطى القرطبي معنى آخر للمثاني فقال: "الْمَثَانِي جَمْع مَثْنَى، وَهِيَ الَّتِي جَاءَتْ بَعْدَ الْأُولَى، وَالطُّوَل جَمْع أَطْوَل. وَقَدْ سُمِّيَتْ الْأَنْفَال مِنْ الْمَثَانِي لِأَنَّهَا تَتْلُو الطُّوَل فِي الْقَدْر. وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي تَزِيد آيَاتهَا عَلَى الْمُفَصَّل وَتَنْقُص عَنْ الْمِئِينَ. وَالْمِئُونَ: هِيَ السُّوَر الَّتِي تَزِيد كُلّ وَاحِدَة مِنْهَا عَلَى مِائَة آيَة"

و هنا نجد اضطرابا في تحديد المثاني!!

4) أم القرآن: و اختلف المسلمون في هذه التسمية أيضا فجوزه الجمهور و كرهه أنس و ابن سيرين.

5) القرآن العظيم: لتضمنها جميع علوم القرآن.

6) و يقال لها الصلاة لأنها شرط فيها.

و لكن هل حقا يجب قراءة سورة الحمد في الصلاة؟
ذكر ابن كثير أن الشافعي و آخرين قد ذهبوا إلى: أنه تجب قراءة هذه السورة في كل ركعة و أن البصريين قالوا: إنما يجب قراءتها في ركعة واحدة من الصلوات آخذا بمطلق الحديث "لا صلاة لمن لا يقرأ بفاتحة الكتاب".
و ذكر ابن كثيرعن ابي حنيفة و الثوري و الأوزاعي انه: "لا تتعين قراءتها بل لو قُرأ بغيرها أجزأه اعتمادا على الآية القرآنية: "فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآن".
و لكي يخرج ابن كثير من حيرته قال: الله أعلم.

7) و يقال لها الشفاء، إذ نقل عن النبي: "فاتحة الكتاب شفاء من كل سم". و عن ابن عباس: "إذا اعتللت أو اشتكيت فعليك بالفاتحة تشفى".

8) و يقال لها الرقية.

9) و يقال لها أساس القرآن: عن ابن عباس:
- لكل شيء أساس و أساس الدنيا مكة، لأنها منها (أي الأرض) دُحيت.
- و أساس السموات تحريبا، و هي السماء السابعة.
- و أساس الأرض عجيبا، و هي الأرض السابعة السفلى.
- و أساس الجنان جنة عدن، و هي سرة الجنات عليها أسست الجنة.
- و أساس النار جهنم، و هي الدركة السابعة عليها أسست الدركات.
- و أساس الخلق آدم.
- و أساس الأنبياء نوح..
(و هناك من المسلمين من يقول أن ابراهيم هو أبو الأنبياء، أو أساسهم. و هذان القولان عن نوح و ابراهيم سوف لن يجدا مكانا لو اعتبرنا آدم هو نبي أيضا، فإنه بموجب اسطورة آدم سيكون هو أساس الأنبياء.)
- و أساس بني اسرائيل يعقوب.
- و أساس الكتب القرآن.
(في هذا الكلام نوع من المبالغة. فإذا كان المسلمون يعتقدون أن كتاب التوراة و غيره من الكتب، على الرغم من قولهم بنسخها، هي مقدسة و سماوية فإنها كتب أقدم بكثير من القرآن. و القرآن يعتمد في كثير من آياته على كتاب التوراة و غيره).
- أساس القرآن: الفاتحة.
- أساس الفاتحة: "بسم الله الرحمن الرحيم".

10) الواقية. و نقل ابن كثير عن النبي: عن سورة الفاتحة أنه قال: "إِذَا وَضَعْت جَنْبك عَلَى الْفِرَاش وَقَرَأْت فَاتِحَة الْكِتَاب وَقُلْت هُوَ اللَّه أَحَد فَقَدْ أَمِنْت مِنْ كُلّ شَيْء إِلَّا الْمَوْت".

و إذ أنا أقرا عن الفائدة العظمى التي يجدها المرء المسلم في قراءة "الحمد" و "قل هو"، أتساءل: لماذا يذهب المسلمون للتشافي إلى المستشفيات و خاصة إلى مستشفيات الدول الكافرة؟
و لا أعرف الجواب لحد الآن!
إن قاريء هاتين السورتين لن يتمرض أبدأ، و لكن يجب عليه، عند قرائته لسورة الفاتحة، أن يضطجع على جنبه و ليس على بطنه و لا على ظهره. و لم يحدد ابن كثير أي جنب يجب الاضطجاع عليه: الأيمن أم الأيسر!

11) و الكافية: لأنها تكفي سواها و لا يكفي سواها عنها.

12) الوافية: ذكر القرطبي أن سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ قال: لِأَنَّهَا لَا تَتَنَصَّف وَلَا تَحْتَمِل الِاخْتِزَال، وَلَوْ قَرَأَ مِنْ سَائِر السُّوَر نِصْفَهَا فِي رَكْعَة، وَنِصْفهَا الْآخَر فِي رَكْعَة لَأَجْزَأَ، وَلَوْ نُصِّفَتْ الْفَاتِحَة فِي رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُجْزِ.

13) و لهذه السورة أسماء أخرى كـ : سورة الصلاة و الكنز و سنام القرآن و سورة الشكر و سورة الثناء و المناجاة و التفويض و الدعاء و النور و سورة السؤال و تعليم المسألة و المنجية .

و قد سأل ابن مسعود: "لِمَ لََمْ تكتب الفاتحة في مُصحفك؟ فأجاب: "لو كتبتها لكتبتها في أول كل سورة".

و إذ أنا أعرض العدد الكبير لتسميات السورة الأولى من القرآن و تداخلاتها مع غيرها من السور أرى الاضطراب الكبير في القرآن. ابتداءا في تـسمية هذه السورة.
**

هل هذه السورة الأولى من القرآن مكية أو مدينية؟

ذكر ابن كثير:
* عن ابن عباس و قتادة و أبو العالية أنها مكية.
* و نقل عن أبي هريرة و مجاهد و عطاء بن يسار و الزهري أنها مدينية.

وَذَكَرَ القرطبي في تفسيره أن اِبْن الْأَنْبَارِيّ قال: إِنَّ إِبْلِيسَ رَنَّ أَرْبَع رَنَّات: الرنة الأولى حِين لُعِنَ، و الرنة الثانية حِين أُهْبِطَ مِنْ الْجَنَّة، و الرنة الثالثة حِين بُعِثَ النبي مُحَمَّد، أما الرنة الرابعة فكانت أُنْزِلَتْ فَاتِحَة الْكِتَاب. و قال: " وَأُنْزِلَتْ بِالْمَدِينَةِ."

* و ذكر ابن كثير قولا آخرا عن السورة بأنها مكية و مدينية في نفس الوقت، إذ أنها "نزلت" مرتين، مرة في مكة و مرة أخرى في المدينة.

* و عن أبي الليث السمرقندي أنه حكى أن نصفها "نزل" بمكة و نصفها الآخر "نزل" في المدينة.

و هنا نلاحظ اضطرابا آخرا عند تحديد مكان "نزول" هذه السورة.

و كتب ابن كثير اسطورة عن كيفية نزول هذه السورة فذكر أن اِبْن عَبَّاس قَالَ: بَيْنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْده جِبْرَائِيل إِذْ سَمِعَ نَقِيضًا فَوْقه فَرَفَعَ جِبْرِيل بَصَره إِلَى السَّمَاء فَقَالَ "هَذَا بَاب قَدْ فُتِحَ مِنْ السَّمَاء مَا فُتِحَ قَطُّ " قَالَ فَنَزَلَ مِنْهُ مَلَك فَأَتَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : "أَبْشِرْ بِنُورَيْنِ قَدْ أُوتِيتهمَا لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِيّ قَبْلَك فَاتِحَة الْكِتَاب وَخَوَاتِيم سُورَة الْبَقَرَة لَمْ تَقْرَأ حَرْفًا مِنْهَا إِلَّا أُوتِيته".
و ذكر ابن كثير أيضا عن النبي أنها: "سُورَة مَا أُنْزِلَ فِي التَّوْرَاة وَلَا فِي الْإِنْجِيل وَلَا فِي الْقُرْآن مِثْلهَا". و في مكان آخر من تفسيره ذكر عن النبي أنها "سُورَة لَمْ تَنْزِل لَا فِي التَّوْرَاة وَلَا فِي الْإِنْجِيل وَلَا فِي الزَّبُور وَلَا فِي الْفُرْقَان مِثْلهَا".
**

كم عدد آيات السورة الأولى؟

ذكر ابن كثير أن "هذه السورة هي "سبع آيات بلا خلاف". إلا أنه ذكر أيضا أن عمرو بن عبيد قال بأنها ثمان. و عن حسين الجعفي ذكر أنه قال هي ستة.

أما في (تفسير الجلالين) فإننا نجد أن سورة الفاتحة هي مكية بسبع آيات مع البسملة، إن جاءت البسـملة -أي بسم الله الرحمن الرحيم- منها و الآية السابعة هي صراط الذين إلى آخرها. أما إذا لم تكن البسملة منها فالآية السابعة هي غير المغضوب عليهم إلى آخره.

و هكذا نجد مطاطية و اضطراب في تفسير الجلالين عن عدد آيات هذه السورة.

و ذكر القرطبي أن عمرو بن عبيد جعل "إياك نعبد" أية. أي أن عمرو شطر الآية شطرين إلى "إياك نعبد" و "إياك نستعين".
**

أي سورة من القرآن هي أول سورة "نزلت"؟

ذكر ابن كثير في تفسيره أنه في حديث رواه البيهقي في (جلائل النبوة) أن الفاتحة هي أول شيء أنزل من القرآن. ثم عاد ابن كثير ليذكر: "و قيل يا أيها المدثر" كما في حديث جابر في الصحيح. و بعدها عاد ليذكر رأيه "الصحيح" بأن أول سورة هي "اقرأ باسم ربك الذي خلق".

اضطراب وحيرة!!!

و ذكر ابن كثير أنه َقَدْ رُوِيَ أَنَّ جِبْرِيل أَوَّل مَا نَزَلَ بِالْقُرْآنِ عَلَى رَسُول اللَّه أَمَرَهُ بِالِاسْتِعَاذَةِ. و روى عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس قَالَ: أَوَّل مَا نَزَلَ جِبْرِيل عَلَى مُحَمَّد قَالَ " يَا مُحَمَّد اِسْتَعِذْ " قَالَ "أَسْتَعِيذ بِاَللَّهِ السَّمِيع الْعَلِيم مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيم" ثُمَّ قَالَ "قُلْ بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم" ثُمَّ قَالَ "اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبّك الَّذِي خَلَقَ" قَالَ عَبْد اللَّه: وَهِيَ أَوَّل سُورَة أَنْزَلَهَا اللَّه عَلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلِسَانِ جِبْرِيل".

و الطبري في تفسيره عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس، يذكر أنه قَالَ: إِنَّ أَوَّل مَا نَزَلَ بِهِ جِبْرِيل عَلَى مُحَمَّد، قَالَ: يَا مُحَمَّد، قُلْ أَسْتَعِيذ بِالسَّمِيعِ الْعَلِيم مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيم! ثُمَّ قَالَ: قُلْ بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم! قَالَ: قَالَ لَهُ جِبْرِيل: قُلْ بِسْمِ اللَّه يَا مُحَمَّد. يَقُول: اقْرَأْ بِذِكْرِ اللَّه رَبّك، وَقُمْ وَاقْعُدْ بِذِكْرِ اللَّه.
أي أن أول ما نزل جبريل على محمد هو "قل إستعذ.." و لكن الذي يراه البعض أن هذا التنزيل لم يُعتبر قرآنا. فهل هناك تنزيلات أخرى لم يذكرها القرآن؟؟
**

عن "بسم الله الرحمن الرحيم".

ذكر ابن كثير حديثا ينسب إلى النبي محمد: "أنزلت علي آية لم تنزل على نَبِيّ غَيْر سُلَيْمَان بْن دَاوُدَ وَغَيْرِي وَهِيَ "بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم". و تابع ابن كثير لينقل عن جابر بن عبد الله عن النبي قَالَ: لَمَّا نَزَلَ "بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم" هَرَبَ الْغَيْم إِلَى الْمَشْرِق وَسَكَنَتْ الرِّيَاح وَهَاجَ الْبَحْر وَأَصْغَتْ الْبَهَائِم بِآذَانِهَا وَرُجِمَتْ الشَّيَاطِين مِنْ السَّمَاء وَحَلَفَ اللَّه تَعَالَى بِعِزَّتِهِ وَجَلَاله أَنْ لَا يُسَمَّى اِسْمه عَلَى شَيْء إِلَّا بَارَكَ فِيهِ".

و عن ابن مسعود قال أنه: مَنْ أَرَادَ أَنْ يُنْجِيَهُ اللَّه مِنْ الزَّبَانِيَة التِّسْعَة عَشَر فَلْيَقْرَأْ "بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم" فَيَجْعَل اللَّه لَهُ مِنْ كُلّ حَرْف مِنْهَا جُنَّة مِنْ كُلّ وَاحِد". و يلاحظ القاريء أن جملة "بسم الله الرحمن الرحيم" متكونة من 19 حرفا إذا تم حسابها و أهمل حرف الف "بسم" الذي يكتب في اللغة العربية و لا يقرأ، و أهمل أيضا حرف "ألف " الرحمان الذي يقرأ قرآنيا لكنه يهمل في الكتابة.

إن الزبانية التسعة عشرة هم كما يقول قاموس المحيط: "الشُرط: بعضُ الملائكة الّذين يدفعون أهل النار إليها". و هم كما يذكر قاموس الغني "مَلائِكَةُ التَّعْذِيبِ في جَهَنَّمَ لأَنَّهُمْ يَدْفَعونَ أَهْلَ النَّارِ إِلَيْها".

اعتمد القرطبي في تفسيره على الحديث المنسوب للامام جعفر الصادق، "البسملة تيجان السور"، ليقول: "وهذا يدل على أنها –البسملة- ليست بآية من الفاتحة و لا غيرها". و بهذا فإن القرطبي يناقض الحديث المنسوب إلى النبي محمد، و المذكور سابقا: "أنزلت علي آية لم تنزل على نَبِيّ غَيْر سُلَيْمَان بْن دَاوُدَ وَغَيْرِي وَهِيَ "بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم".
ثم ذكر الفرطبي ثلاثة أقوال:
الأول: ليست من الفاتحة و لا غيرها، و هو قول مالك.
الثاني: هي آية من كل سورة و هو قول عبد الله بن مبارك.
الثالث: هي آية في قول الشافعي. ثم استمر القرطبي ليزيد القارئ حيرة فذكر أن الشافعي تردد في قوله، فمرة قال: هي آية من كل السور، ومرة قال: ليست بآية إلاّ الفاتحة وحدها.

وقال القرطبي أن بعض العلماء قال: "بسم الله..." هي قسم من ربنا أنزله عند كل سورة. ثم روى عن الشعبي و الأعمش أن النبي كان يكتب "باسمك اللهم" حتى أمر أن يكتب "بسم الله" فكتبها. و يعين وقت هذا التحول إلى زمن "نزول" الآية (110) من سورة الإسراء "قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ ..." ، فبعد نزول هذه الآية كتب النبي "بسم الله الرحمن الرحيم".

و نلاحظ أن هناك اضطرابا في يقين القرطبي إذ يذكر في مكان آخر أن الشعبي و أبو مالك و قتادة و ثابت بن عمار قالوا: "إن النبي لم يكتب "بسم الله" حتى نزلت سورة النمل.

و كتب القرطبي:
* أن الامة -الاسلامية- اتفقت على جواز كتابتها –البسملة- في أول كل كتاب من كتب العلم و الرسائل، فإن كان الكتاب ديوان شعر فإنهم أجمعوا ألا يكتبوا أمام الشعر: "بسم الله الرحمن الرحيم"
* أن الشرع ندب إلى ذكر البسملة في أول كل فعل، كالأكل و الشرب و النحر و الجماع و الطهارة و ركوب الخيل، و إلى غير ذلك من الأفعال.
* و تكتب "بسم الله" بغير ألف، استغناء عنها بباء الإلصاق في اللفظ و الخط. و يعلل سبب ذلك "لكثرة الاستعمال"، بخلاف قول : "اقرأ باسم ربك الذي خلق.." فإنها لم تحذف لقلة الاستعمال.

و الحقيقة أن المسلمين قليلو الاستعمال لكل ما يُقرأ سواء كان باسم الله أو باسم غيره.
و يمكننا أن نرى أن "باسم" تكتب هكذا، بالألف، في آيات قرآنية أخرى كـ.
- فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ. الواقعة (74).
- فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ. الحاقة (52).
**

عن "الحمد لله رب العالمين"

ذكر ابن كثير:
* أن سفيان بن عيينة و رؤبة بن الحجاج قالا: "الحمدَ لله" بالنصب.
* و أن ابن أبي عبلة قرأها: "الحمدُ ُلله" ، بضم الدال من الحمد و لام الله الأولى.
* و أن الحسن و زيد بن علي قرآها: "الحمدِ لِلّه"، بكسر الدال و لام الله الأُولى.

و كتب الطبري في تفسيره أن الْعَالَمينَ جَمْع عَالَم، وَالْعَالَم جَمْع لا وَاحِد لَهُ مِنْ لَفْظه. و ذكر عن أبي العالية أنه قال: "الانْس عَالَم، وَالْجِنّ عَالَم، وَمَا سِوَى ذَلِكَ ثَمَانِيَة عَشَر أَلْف عَالَم، أَوْ أَرْبَعَة عَشَر أَلْف عَالَم - وَهُوَ يَشُكّ - مِنْ الْمَلائِكَة عَلَى الأَرْض، وَلِلأَرْضِ أَرْبَع زَوَايَا، فِي كُلّ زَاوِيَة ثَلَاثَة آلاف عَالَم وَخَمْسمِائَةِ عَالَم ، خَلَقَهُمْ لِعِبَادَتِهِ."

و ذكر القرطبي:
* "وَقَالَ وَهْب بْن مُنَبِّه: إِنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثَمَانِيَة عَشَر أَلْف عَالَم. الدُّنْيَا عَالَم مِنْهَا."
* "وَقَالَ أَبُو سَعِيد الْخُدْرِيّ: إِنَّ لِلَّهِ أَرْبَعِينَ أَلْف عَالَم. الدُّنْيَا مِنْ شَرْقهَا إِلَى غَرَبَهَا عَالَم وَاحِد" .
* "وَقَالَ مُقَاتِل: الْعَالَمُونَ ثَمَانُونَ أَلْف عَالَم، أَرْبَعُونَ أَلْف عَالَم فِي الْبَرّ، وَأَرْبَعُونَ أَلْف عَالَم فِي الْبَحْر."
**

عن "الرحمن الرحيم"

بعد ان ذكر ابن كثير عن أن كلمة "رب" في "رب العالمين" فيها ترهيب، كتب أن "الرحمن الرحيم" فيها ترغيب. و أكد هذا القول القرطبي إذ قال: "إنما وصف –الله- نفسه بـ "الرحمن الرحيم" من باب الترغيب بعد الترهيب. ثم ذكر الآية القرآنية "إن ربك لسريع العقاب و إنه لغفور رحيم". و في الوقت الذي ذكر القرطبي سرعة الله في العقاب لم يذكر فيما إذا كان الله سريع الرحمة، و لم يأتِ بآية تدعم سرعة الرحمة.

إن ابن كثير و القرطبي و غيرهما قدموا عصا الرب و إرهابه قبل أن يقدموا جزرته و رحمته. و لا أعرف لماذا يرهب الرب عباده؟ و يبدأ من أول كلامه في القرآن، في سورة الفاتحة، تقديم إرهابه. إننا نرى اليوم، كما قرأنا في كتب التاريخ الاسلامية، أن المجتمعات الاسلامية هي مجتمعات مرعوبة و أفرادها خائفون من أنفسهم و من الذين يتحكمون في رقابهم، و أن كل فرد من هذه المجتمعات يخاف من غدر الآخر. فهل حقا أن رب المسلمين يريد أن يرهبهم و يريد لهم ذلك الرعب؟

و كتب القرطبي و هو ينقل حديثا عن أبي هريرة عن النبي أنه قال: "لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع في جنته. و لو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من رحمته أحد".

أما الطبري فقد كتب أن قرب البسملة "بسم الله الرحمن الرحيم" من :الرحمن الرحيم" هو "حجة على خطأ مَن ادعى أن "بسم الله الرحمن الرحيم" مِنْ فَاتِحَة الْكِتَاب آيَة إذْ لَو كَانَ ذَلِك كَذِلِكَ لَكَانَ ذَلِك إعَادَة آيَة بِمَعْنًى وَاحِد وَلَفْظ وَاحِد مَرَّتَيْنِ مِنْ غَيْر فَصْل يَفْصِل بَيْنهمَا". و يعتمد الطبري في قوله هذا على أنه "َغَيْر مَوْجُود فِي شَيْء مِنْ كِتَاب اللَّه آيَتَانِ مُتَجَاوِرَتَانِ مُكَرَّرَتَانِ بِلَفْظٍ وَاحِد وَمَعْنًى وَاحِد".
**

عن "مالك يوم الدين"

ذكر ابن كثير أن:
- بعض القراء قرأ: "ملِك يوم الدين".
- و قرأ آخرون: "مالك يوم الدين".
و أعطى ابن كثير رأيه بأن كلا القراءتين صحيحيتين.
- و أنه حكي عن أبي حنيفة أنه قرأ: "مَلَكَ يوم الدين" على أنه فعل "مَلَك" و فاعل –هو الرب- و مفعول "يومَ".

أما الطبري فقد كتب عن أبي جعفر بأن: "الْقُرَّاء مُخْتَلِفُونَ فِي تِلَاوَة "مَلِك يَوْم الدِّين"، فَبَعْضهمْ يَتْلُوهُ: "مَلِكِ يَوْم الدِّين "، وَبَعْضهمْ يَتْلُوهُ: {مَالِكِ يَوْم الدِّين} –بكسر الكاف-، وَبَعْضهمْ يَتْلُوه: { مَالِكَ يَوْم الدِّين } بِنَصْبِ الْكَاف".
و أما القرطبي فقد ذكر: بأن هناك "أَرْبَع لُغَات: مَالِك وَمَلِك وَمَلْك - مُخَفَّفَة مِنْ مَلِك – وَمَلِيك". و أنه "اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء أَيّمَا أَبْلَغُ: مَلِك أَوْ مَالِك ؟ و أن َالْقِرَاءَتَينِ مَرْوِيَّتَينِ عَنْ النَّبِيّ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْر وَعُمَر. و أنه َقِيلَ: "مَلِك" أَعَمّ وَأَبْلَغ مِنْ "مَالِك" إِذْ كُلّ مَلِك مَالِك، وَلَيْسَ كُلّ مَالِك مَلِكًا.
و نقل القرطبي عن أبي حاتم قولا مضادا وهو: "إِنَّ مَالِكًا أَبْلَغَ فِي مَدْح الْخَالِق مِنْ " مَلِك "، و" مَلِك " أَبْلَغ فِي مَدْح الْمَخْلُوقِينَ مِنْ مَالِك. وَالْفَرْق بَيْنهمَا أَنَّ الْمَالِك مِنْ الْمَخْلُوقِينَ قَدْ يَكُون غَيْر مَلِك وَإِذَا كَانَ اللَّه تَعَالَى مَالِكًا كَانَ مَلِكًا. وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْل الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ".

ثم كتب القرطبي حديثا للنبي عن طريق أبي هريرة: "يَقْبِض اللَّه الْأَرْض يَوْم الْقِيَامَة وَيَطْوِي السَّمَاء بِيَمِينِهِ ثُمَّ يَقُول أَنَا الْمَلِك أَيْنَ مُلُوك الْأَرْض". و كتب حديثا آخرا عن طريق أحمد بن حنبل: "أَغْيَظ رَجُل عَلَى اللَّه يَوْم الْقِيَامَة وَأَخْبَثه رَجُل [كَانَ] يُسَمَّى مَلِك الْأَمْلَاك لَا مَلِك إِلَّا اللَّه سُبْحَانه".

و لم أجد بعد واحد من المفسرين المذكورين يقول هنا بأن القرآن قد ذكر: " إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ۖ وَكَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ".

و الغريب في الأمر أنه على الرغم من ذكر القرآن بأن الملوك هم مفسدين في الأرض و على الرغم من قول أبي هريرة عن النبي بأنه لا ملك إلا الله فإننا نجد أن "حامي الحرمين" و غيره من ملوك المسلمين يطلقون على أنفسهم كلمة: ملك. فهنيئا للمسلمين، بكل طوائفهم، الذين يحجون إلى الكعبة و يحتمون بظل حامي الحرمين.
**

عن "إياك نعبد و إياك نستعين"

ذكر ابن كثير: أن "إيّاك" قُرِأت بتشديد الياء. أما عمرو بن فايد فقد قرأتها بتخفيف الياء مع الكسر. و قرأ بعضهم "أيّاك" بفتح الهمزة. و قرأ آخرون "هَيّاك" بالهاء بدل الهمزة. و ذكر القرطبي أن أبا السوار الغنوي قرأها "هِِيّاك"، بكسر الهاء.

و عن الطبري و هو يشرح هذه الآية "أن العبودية عند جميع العرب أصلها الذلة".

و هنا أجد نفسي أمام السؤال: لماذا أراد الله لخلقه أن يكونوا مذلولين، و أن يصبحوا بسببه في ذلة تحت إذلال مندوبيه؟

و ذكر القرطبي أن يحيى بن وتّاب و الأعمش قرءا "نِستعين" بكسر النون، و هي لغة تميم و أسد و قيس و ربيعة.
و كسر أحرف المضارعة موجود أيضا عند العراقيين فنسمعهم يقولون: "نِلعب"، نِكتب" ، "نِستعين"..الخ.

و هنا أود أن أذكر طريفة كتبها الدميري في (حياة الحيوان الكبرى) عن ليلى الأخيلية التي كانت تتكلم بلغة بهراء، و ذلك أن قومها كانوا يكسرون حروف المضارعة، و أنها استأذنت يوما على الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان و بحضرته الشعبي، فقال له: أتأذن لي يا أمير المؤمنين في أن أضحكك منها؟ فقال: افعل. فلما استقر بها المجلس قال لها الشعبي: يا ليلى، ما بال قومك لا يكتنون؟ فقالت له: و يحك أما نِكتني؟ بكسر حرف المضارعة. فقال لها: لا و الله، لو فعلت لاغتسلت! فخجلت من ذلك، و استغرق عبد الملك في الضحك.
**

عن "إهدنا الصراط المستقيم"

ذكر ابن كثير أن الجمهور قرأ "الصراط" بالصاد و قريء بالسين و كذلك قريء بالزاي .
و عن أبي العالية أنه قال أن "الصراط المستقيم" هو النبي و صاحباه، اي أبو بكر و عمر.
إلا أن الطبري ذكر و هو يفسر هذه الآية أن "الصراط المستقيم" هو اتباع منهج محمد و منهاج أبي بكر و عمر و عثمان و علي و كل عبد لله صالح. و روى عن علي بن أبي طالب أنه قال: أن القرآن هو "الصراط المستقيم". و نقل عن ابن مسعود: أنه الإسلام.
**

عن "صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم و لا الضالين"

ذكر ابن كثير: أن الربيع بن أنس قال أن "الذين أنعمت عليهم" هم النبيون. أما ابن عباس و كذلك مجاهد فقد قالا: هم المؤمنون. و أما وكيع فقال: هم المسلمون. و أما عبد الرحمن بن زيد بن أسلم فقد قال: هم النبي محمد و من معه.
و ذكر ابن كثير أيضا في تفسيره لـ "غير المغضوب" أن الجمهور قرأ "غير" بالجر. أما الزمخشري فقالها : بالنصب و هي قراءة النبي و عمر.
و ذكر أن عمر بن الخطاب كان يقرأ: "غير المغضوب عليهم و غير الضالين".

و عن الطبري في تفسيره أن النبي قال: إن المغضوب عليهم هم اليهود، و أن الضالين هم النصارى. و أيده في هذا المعنى صاحب تفسير الجلالين إلا أنه لم يتأكد من كلامه و وجد فيه نوعا من الإجحاف فقال "و الله أعلم".

و من تفسير الطبري و تفسير الجلالين يظهر أن النبي محمد كان يعادي اليهود و النصارى خلال وجوده في مكة. هذا إذا اعتبرنا أن سورة الفاتحة كانت قد "نزلت" في مكة!

وكتب القرطبي عن جعفر بن محمد: أن "صراط" َمَعْنَاهُ الْعِلْم بِاَللَّهِ وَالْفَهْم عَنْهُ.
و كتب: وَلُغَة الْقُرْآن "الَّذِينَ" فِي الرَّفْع وَالنَّصْب وَالْجَرّ، وَهُذَيْل تَقُول: اللَّذُونَ فِي الرَّفْع، وَمِنْ الْعَرَب مَنْ يَقُول: اللَّذُو، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُول الَّذِي وَسَيَأْتِي.
وَفِي "عَلَيْهِمْ" كتب القرطبي أن فيها عَشْر لُغَات. قُرِئَ بِعَامَّتِهَا: "عَلَيْهُمْ" بِضَمِّ الْهَاء وَإِسْكَان الْمِيم. "وَعَلَيْهِمْ" بِكَسْرِ الْهَاء وَإِسْكَان الْمِيم. وَ "عَلَيْهِمِي" بِكَسْرِ الْهَاء وَالْمِيم وَإِلْحَاق يَاء بَعْد الْكَسْرَة. وَ "عَلَيْهِمُو" بِكَسْرِ الْهَاء وَضَمّ الْمِيم وَزِيَادَة وَاو بَعْدَ الضَّمَّة. وَ "عَلَيْهُمُو" بِضَمِّ الْهَاء وَالْمِيم كِلْتَيْهِمَا وَإِدْخَال وَاو بَعْدَ الْمِيم وَ "عَلَيْهُمُ " بِضَمِّ الْهَاء وَالْمِيم مِنْ غَيْر زِيَادَة وَاو.
وَ ذكر أن هَناك ْأَوْجُه سِّتَّة مَأْثُورَة عَنْ الْأَئِمَّة مِنْ الْقُرَّاء. وَأَوْجُه أَرْبَعَة مَنْقُولَة عَنْ الْعَرَب غَيْر مَحْكِيَّة عَنْ الْقُرَّاء: "عَلَيْهُمِي" بِضَمِّ الْهَاء وَكَسْر الْمِيم وَإِدْخَال يَاء بَعْد الْمِيم. حَكَاهَا الْحَسَن الْبَصْرِيّ عَنْ الْعَرَب. وَ "عَلَيْهُمِ" بِضَمِّ الْهَاء وَكَسْر الْمِيم مِنْ غَيْر زِيَادَة يَاء. وَ "عَلَيْهِمُ " بِكَسْرِ الْهَاء وَضَمّ الْمِيم مِنْ غَيْر إِلْحَاق وَاو . وَ "عَلَيْهِمِ" بِكَسْرِ الْهَاء وَالْمِيم وَلَا يَاءَ بَعْدَ الْمِيم . وَ أكد القرطبي ما قَالَهُ اِبْن الْأَنْبَارِيّ أنها كلها صواب.
و ذكر أيضا أن عُمَر بْن الْخَطَّاب وَابْن الزُّبَيْر قَرَءا: "صِرَاط مَنْ أَنْعَمْت عَلَيْهِمْ "
**

من خلال قراءة هذا المقال يمكن للقارئ ملاحظة الكثير من الاضطرب الذي حصل في كتابة و قراءة و تفسير القرآن، هذا الاضطراب الذي يبدأ من بداية القرآن و لا ينتهي. و مثلما كتبت في بداية المقال أنه يصعب على العربي "الفاهم" للقرآن فكيف لا يصعب على غير العربي؟



#محيي_هادي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا تلتقي في الحب فتوى
- عن الآلوسي و منافقي البرلمان
- فكلوه هنيئا مريئا
- اسطورة المهدي 6
- المهدي و الأئمة الأحد عشر
- دگ عَلَ ربابة مصايبنه
- اسطورة المهدي (4)
- الحياة مع دجّالي الدين
- اسطورة المهدي (3)
- اسطورة المهدي (2)
- اسطورة المهدي (1)
- قال إمامٌ عن إمامٍ عن إمام
- ارقد في سلام أيها المبدع حسني أبو المعالي
- هل القرآن صالح لكل زمان و مكان؟
- إلى المرأة المسلمة 3
- إلى المرأة المسلمة (2)
- إلى المرأةِ المُسلمة
- العلم العراقي و -المودة- الاسلامية
- التطبير و الأيدز
- في انتظار بكائية العام الجديد


المزيد.....




- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...
- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...
- ما جدية واشنطن في معاقبة كتيبة -نيتسح يهودا- الإسرائيلية؟
- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محيي هادي - الاضطراب في القرآن: سورة الفاتحة في مقدمته.