أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سامي البدري - الهوية الوطنية بين التهميش السياسي والتأصيل الثقافي















المزيد.....

الهوية الوطنية بين التهميش السياسي والتأصيل الثقافي


سامي البدري
روائي وكاتب

(Sami Al-badri)


الحوار المتمدن-العدد: 2401 - 2008 / 9 / 11 - 06:46
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أفرزت حالة الاحتلال الانكلو أمريكي للعراق صورة منفلتة الاطر لحالة الهوية الوطنية العراقية . وقد كانت حالة النكوص العشوائي الى الهويات الفرعية (دينية ، عرقية ، مذهبية ، مناطقية) شاهدا واضح المعالم على حالة غياب التأصيل المفهومي والثقافي في الوعي الجمعي لمفهوم الانتماء والهوية الوطنيين . ورغم عظم أثر العامل التأريخي في حالة التغييب او عدم التأصيل هذه ، الا ان العبء الاكبر تتحمله – عمليا – النخب السياسية والثقافية العراقية ، وخاصة في مرحلة ما بعد تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921 . فهذه النخب الكولونيالية ونتاج ثقافتها – عمليا وفكريا – لم توجه عنايتها الا الى ما يخدم مصالحها السياسية وتوجهها القيادي في مراكز الدولة ، ووفق الوضع الظرفي لتلك المصالح .
ورغم ان النخبتين لم ترث اسسا مرجعية او تقاليد وقيم ثقافية وطنية ، بعد انهيار الدولة العثمانية – لقيام فلسفة العثمانين الاستعمارية على مفهوم التجزئة الوطنية وتذويب الثقافات الوطنية في الثقافة الطورانية – الا انها لم تسع الى تأسيس المفهوم التأصيلي للوعي الوطني الذي يؤسس (لثقافة) الهوية الوطنية ، ولو من باب رد الفعل الذي خلفه النهج التجزيئي للثقافة السياسية الطورانية ، وما تبعه من تكريس له من قبل الاستعمار البريطاني الذي تبعه . وهذا ما انسحب اثره الى مرحلة المد القومي الذي جعل الهوية القومية بديلا عن الهوية الوطنية عند القوميين ، والهوية الاسلامية عند الاسلاميين والهوية الاممية عند الماركسيين ، وهي الاتجاهات الفكرية التي توزعت عليها النخب السياسية والثقافية على حد سواء الى مرحلة ما بعد انقلاب 14 تموز / يوليو عام 1958 .

غياب المشروع الثقافي العراقي :

رغم ان انقلاب تموز / 1958 يمثل حالة نكوص في الثقافة السياسية العراقية لعودته بالعراق الى نظام الحكم الكولونيالي (حكم العسكر) المباشر ، الا ان المسؤولية الاكبر تقع على كاهل النخب الثقافية لانها لم تعمل على تأسيس المشروع الثقافي العراقي المستقل والمتماسك ، بنيويا ومفهوميا ، ولم ترسخ قيما مفهومية ومعرفية للثقافة الوطنية ، كبديل للثقافة الاجتماعية القبلية والعشائرية التي كانت سائدة كنتاج للمرحلة الاقطاعية التي يزيد عمرها الزمني على خمسة قرون . لقد توزعت الاسس الثقافية للنخب على الطروحات والايديولوجيات الاوربية بقوالبها الغربية ، دون هضم معرفي او استيعاب مفهومي يؤسس للمشروع المستقل المتماسك بنويويا والمتناغم مع الاطر المعرفية لقوالب الثقافة الاجتماعية ومدى استيعابها او تقبلها لمشروع التحديث الذي كانت تقترحه تلك الانساق الناضجة ضمن اسسها الحضارية ، باعتبارها نتاج تطوري لمفاعيل تلك الحضارات وتطورها الزمني . وهذا ما اوضحته حالة النكوص التي رافقت (الطروحات السياسية ) التي روج لها مشروع الاحتلال الامريكي تحت مسمى الحرية السياسية والديمقراطية وتداول السلطة السلمي ، والذي قادته الاحزاب السياسية التي رافق تشكيلها عملية الغزو للعراق ، ليروج كل حزب لمشروعه وفق ما يناسب اهدافه من الهويات الفرعية التي تضمن له الوصول الى المراكز القيادية في الدولة باسهل الطرق . وهنا ظهر الفراغ الثقافي في اوضح صوره بقبول الشارع لتلك الطروحات وانسياقه خلفها (بكل سذاجة) لقلة او انعدام حصانته الثقافية ، سياسيا ، والمعرفية ايضا ، والتي لم تؤهله لفهم ان المشروع انما يستهدفه في الصميم لانه يستهدفه في وحدته وهويته الوطنية ، فجاء مشروع الحرية الذي نادى به الاحتلال بصيغة ديمقراطية الاقنان الذي يكرس لشكل الاقطاع الجديد ، بجلباب السياسة بدل جلباب الاقتصاد (الملكيات الزراعية) . وسرعان ما تفتت الهوية الوطنية الى مجموعة من الولاءات الفرعية والفئوية ، بقيادة احزاب ،لا تملك من رصيد يزيد على الدعم المالي والاعلامي الذي وفرته ادارة الاحتلال لزعاماتها الموالية لنهجه التقسيمي الذي يضمن لها التربع على مقاعد السلطة .
فأين المشروع الثقافي العراقي اذن ، ومن يتحمل مسؤولية ترديه ونكوصه ،بكل هذه البساطة ، التي اعادت المجتمع الى عهد الاقطاع العشائري والطائفي الذي يقوده اصحاب البدلات واربطة العنق المستوردة والعمائم المنسوجة من الحرير ، بدل اصحاب الكوفية وعقال القصب ؟
ولنكون منصفين ، علينا الا ننكر حالة التنوع العرقي والديني والثقافي التي يعيشها العراق في تكوينه الاجتماعي ؛ ذلك التنوع الذي فرض ويفرض ظلاله على الهوية الوطنية الجامعة لوحدته كشعب – داخل اطاره الجغرافي والتاريخي او وحدة كيانه السياسي (الدولة) . ورغم ان هذا التنوع يفرض على الاقليات العرقية والدينية نوعا من الانكفاء على هذه الهويات كنوع من الحماية للخصوصية (الثقافية) امام هيمنة (الثقافة الوطنية) التي مثلتها الدولة ، بتسييدها لخصوصية هوية المجموع العام ، بصفته القومية والدينية ، على حساب الهوية الوطنية الجامعة على اساس الروح الوطنية وبخصائص مفهومية غير تمييزية تصهر الجميع ضمن بوتقتها التي تزيل أي امتياز او فارق لمكون على حساب باقي المكونات ، وبشكل يبدد هواجس التهديد للخصصوصيات الثقافية للاقليات العرقية والدينية .
وكل هذا يأتي كنتيجة لغياب المشروع الثقافي المؤسس لسيادة الوطنية كهوية جامعة لعموم ابناء الوطن كافراد اومكونات تتنوع بخصوصيات عرقية او دينية او اثنية .

سؤال الهوية : من انا ، من نحن ؟

يتمحور هذا السؤال او ينطلق من الذات في اطارها التأريخي : (عندما يتوقف الشعر يبدأ التاريخ او فعله ) ، ومن هنا تبدأ لحظة لملمة صورة الذات (الهوية) من مرآة العملية الاجتماعية ببعدها الاجتماعي اولا ، و التأريخي – السياسي ثانيا ،
كمحرض مرجعي على عملية التهميش او تغييب الهوية ، سواء لانعدام الوعي المعرفي بقيمتها او لاهداف سياسية صرف . ولكن ، وفي النهاية يلتقي العاملان في مصب عملية الاحساس بالانتماء والتفاعل معه على اساس من الوعي القيمي وشعور الاعتزاز الفعلي بقيمة الهوية والانتماء لها ، خارج مفاعيل العملية التاريخية وفروضها القهرية (بمعناها السياسي طبعا) .
وفي ظل غياب ثقافة الهوية الوطنية – تحت قهر الظروف السياسية – في حياة المواطن العراقي ، ظل سؤال الهوية يلح ، عبر عقود القهر السياسي : من انا ؟ كرد على عملية القهر والتمييز الطبقي ضد المواطن من قبل رجل السياسة والمتحكمين بمفاعيل وصياغة مفاصل العملية الحياتية وسيرورتها ، دون ان يكون شريكا في ذلك او ياخذ رايه فيه . من انا ومن نحن امام الفئة التي تستأثر بكل شيء وتتركنا لمواجهة مصيرنا ، كفئة دخيلة ، بل ومطالبة بتأدية كل اعباء الخدمة
التي توفر لتلك الفئة الصغيرة سبل الرفاه وبحبوحة العيش الرغيد والتسلط على رقاب المواطنين ؟
وبالمقابل ، هل تحملت نخبة المثقفين مسؤولياتها الاخلاقية والتاريخية تجاه كل هذا بالتأسيس لمشروع اعادة بناء الوعي الجمعي وفق متطلبات تلك الافرازات الاخطبوطية ؟ واين تمظهرت مفاصل ذلك التأسيس عبر مراحله التطورية ؟
الحقيقة هي ان ثمة تضافر غير معلن بين النخبة السياسية والثقافية على حصر الوعي بالهوية الوطنية بالشكل الشعاري والمرحلي (التكتيكي) الذي تفرضه طبيعة المرحلة وظرفها السياسي وبما يخدم المصالح السياسية لمن يتربع على سدة الحكم ، لا من اجل ترسيخها كوعي ثابت وحق وانتماء تترتب عليه حقوق صيانة وجود كيان الانسان وحقوقه الانسانية والمدنية .
من انا ومن نحن في دائرة الانتماء الوطني ؟ وما الذي تشكله الهوية من معاني الانتماء (التجريدي) ، خارج دائرة الحاجات والمصالح الذاتية ؟ وهل بالضرورة ان يرتبط شعور الانتماء الى الهوية الوطنية بدائرة الحاجات الاساسية التي تصون انسانية الانسان وكرامته ؟ والسؤال الاهم : ما الذي يتبقى من شعور الانتماء عندما تتحول الهوية الوطنية الى مجرد وسيلة اضطهاد بيد المؤسسة السياسية – العسكرية ، كما حدث في العراق في عهده الجمهوري ، وخاصة في فترة الجمهورية الرابعة التي تربع على سدتها البعثيون بقيادة طاغية العصر صدام ، وفترة الجمهورية الخامسة ، التي نعيشها الان ، والتي يقودها أذناب الاحتلال وادواته من احزاب الاسلام السياسي ؟ واخيرا : من المسؤول عن الاجابة على فاتورة هذه الاسئلة امام المواطن ، الذي تحولت هويته الى عبء يثقل كاهله وهم يطارده ؟ فبسببها يقتل ويشرد ويتحول الى لاجيء غير مرغوب فيه !
الجواب البديهي هو : النخب السياسية هي المسؤول الاول عن الاجابة طبعا ، باعتبارها المسؤول الاول عن كفر المواطن بهويته .. ولكن وقبلها ، أليست النخب الثقافية هي المسؤول (المرجعي) لانها لم تتحمل مسؤولياتها تجاه المجتمع ، بسبب عدم تأصيلها لوعي الهوية والانتماء الوطنيين وفق اسس مرجعية ، انسانية اولا ،وحضارية ثانيا ؟



#سامي_البدري (هاشتاغ)       Sami_Al-badri#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هي
- الوضع العراقي .. نظرة اخرى
- حوار ثقافي للتأسيس
- ارتهانات مؤجلة
- ألف رصيف للاختلاف
- درويش .. مداد الحرف والرصاصة
- كركوك وازمة انتخابات الحكومات المحلية
- اذ اوقظ مومياء انعتاقك
- تصور اوباما للانسحاب من العراق
- عروج الى فيوض الالهة ( ايمو )( رعشة من جذور المعنى )
- الحوار .. رؤية واقتراح
- ثقافة التسامح على الطريقة العربية
- استيلاد المستحيل من غدق النار : انهمار( قراءة في قصيدة -موجة ...
- تفاصيل زحام
- شاهد اثبات على جريمة قيد النظر
- المعاهدة الامريكية – المالكية( قراءة في الوجه الظاهر)
- لقاء افتراضي على هامش الرغبة( قراءة في قصيدة -اللقاء الافترا ...
- تسابيح مثول لحضرة ملكة الوصية الاولى في معبد النار
- شغب احلام
- اذ تؤجلين احتراقك ...


المزيد.....




- بايدن يرد على سؤال حول عزمه إجراء مناظرة مع ترامب قبل انتخاب ...
- نذر حرب ووعيد لأمريكا وإسرائيل.. شاهد ما رصده فريق CNN في شو ...
- ليتوانيا تدعو حلفاء أوكرانيا إلى الاستعداد: حزمة المساعدات ا ...
- الشرطة تفصل بين مظاهرة طلابية مؤيدة للفلسطينيين وأخرى لإسرائ ...
- أوكرانيا - دعم عسكري غربي جديد وروسيا تستهدف شبكة القطارات
- -لا استطيع التنفس-.. لقطات تظهر لحظة وفاة رجل من أصول إفريقي ...
- الشرطة تعتقل حاخامات إسرائيليين وأمريكيين طالبوا بوقف إطلاق ...
- وزير الدفاع الأمريكي يؤكد تخصيص ستة مليارات دولار لأسلحة جدي ...
- السفير الروسي يعتبر الاتهامات البريطانية بتورط روسيا في أعما ...
- وزير الدفاع الأمريكي: تحسن وضع قوات كييف يحتاج وقتا بعد المس ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سامي البدري - الهوية الوطنية بين التهميش السياسي والتأصيل الثقافي