أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - جورج حداد - الامن العالمي و؛؛الامن القومي الاميركي؛؛















المزيد.....


الامن العالمي و؛؛الامن القومي الاميركي؛؛


جورج حداد

الحوار المتمدن-العدد: 2382 - 2008 / 8 / 23 - 09:49
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


توجد حقيقة علمية مؤكدة هي ان كل العلوم يترابط بعضها ببعض، ويستند ويطل بعضها على بعض. ولكن النقل الميكانيكي للعلم من حقل وجودي الى حقل اخر، قد يقود الى الوقوع في مواقف معادية للعلم ومعادية للانسانية معا.
وللمثال، فإن نظرية داروين البيولوجية حول "النشوء والارتقاء واصل الانواع وصراع البقاء وبقاء الاقوى" شكلت نقلة نوعية في وعي الانسان للطبيعة ولوجوده كجزء لا يتجزأ منها. ولكن النقل الميكانيكي لهذه النظرية من الحقل الطبيعي ـ البيولوجي الى الحقل الانساني ـ الاجتماعي، وهو ما يسمى "الداروينية الاجتماعية"، يفضي الى التبرير "الاخلاقي" و"الديني" و"الفلسفي" و"الاجتماعي" ليس فقط للنظام الرأسمالي القائم على المزاحمة والاستغلال والحروب، بل ايضا وللنظرية اليهودية العنصرية حول "شعب الله المختار"، وللنظرية النازية الهتلرية حول "المانيا فوق الجميع"، وللنظرية الاميركية الهنتنغتونية ـ الفوكويامية حول "صراع الحضارات" و"نهاية التاريخ".
ولكن الاعتراف بهذه الحقيقة العلمية لم يمنع تكرار وقوع العالم في "خطأ" مماثل لـ"الداروينية الاجتماعية"، وهو النقل الميكانيكي لفيزياء الهندسة الكونية (قطبية الارض، الشمالية والجنوبية، والجاذبية، والجاذبية البوصلية) وتطبيقها على المجتمع السياسي الدولي. وقد وجدنا هذا النقل الفيزيائي الميكانيكي في عملية تقسيم العالم، بعد الحرب العالمية الثانية، وبالتحديد بعد القضاء على النازية، الى قطبين "شرقي" و"غربي". وهو التقسيم الذي كرسته "اتفاقية يالطا" بين المنتصرين. وقد استغلت الامبريالية العالمية، ولا سيما الاميركية ـ اليهودية، هذا التقسيم لتكريس النفوذ الامبريالي "الغربي"، بموافقة القيادة السوفياتية ـ قيادة المعسكر "الشرقي" السابق، في ما كان يسمى "العالم الحر"؛ ومن ثم عمدت الامبريالية الى تقويض المعسكر "الشرقي" ذاته لمصلحة الامبريالية والصهيونية العالمية.
وكانت نظرية "القطبين" خطوة على طريق الانتقال الى نظرية "القطب الاوحد" (طبعا الاميركي) التي تناقض علم الفيزياء البسيطة، وفيزياء الهندسة الكونية، ناهيك عن علم الاجتماع والعلوم السياسية والحقوقية، وعلى رأسها "حقوق الانسان" و"حق تقرير المصير للشعوب والامم"، وهو ما تتبجح به البروباغندا الاميركية زورا وبهتانا.
ونحن الان نعيش مرحلة "تطبيق" نظرية "القطب الاميركي الاوحد"، المنافية للعلوم الطبيعية والانسانية، والتي يراد فرضها بالقوة المسلحة الهائلة للامبريالية الاميركية والصهيونية العالمية، الى جانب قوة الرأسمال المالي والبروباغندا والمؤامرات المخابراتية الممولة جيدا.
ومن ابشع نتاجات هذه النظرية هي اسطورة "الامن القومي الاميركي".
وتحاول هذه النظرية الجوفاء ان توحي لنا، او تفرض علينا "الاقتناع"، بأن أمن العالم طرا هو لا شيء، وأن "الامن القومي" للولايات المتحدة الاميركية هو كل شيء. فاذا مات عشرات ملايين الافارقة من الجفاف والجوع والمرض، فهذا لا شيء، ولا قيمة له سوى التأكيد على عظمة "نمط الحياة الاميركي". واذا قتل الوف والوف المدنيين اللبنانيين والفلسطينيين والعراقيين الابرياء، اطفالا وبالغين وشيوخا، نساء ورجالا، ودكت بيوتهم فوق رؤوسهم، وعجنت احلامهم الانسانية ولحومهم البشرية بحجارة الابنية، المقصوفة بـ"أذكى" القنابل والصواريخ الاميركية، فهذا لا قيمة له سوى التأكيد على عظمة "الدمقراطية الاميركية". اما اذا اسر المقاومون الفلسطينيون واللبنانيون جنديا او اثنين (فقط جنديا او اثنين) من جنود الاحتلال الاسرائيلي، فهذه "جريمة حرب"، و"جريمة ضد الانسانية"، وجريمة لا تغتفر ضد "الامن القومي" لاميركا، وحليفتها الستراتيجية اسرائيل، الذي هو فوق كل البشر ايا كانوا، وفوق كل اعتبار انساني ايا كان!!
باختصار ان نظرية "القطب الاميركي الاوحد" هي نظرية الفاشية او النازية الجديدة، الابشع من النازية القديمة؛ اذ هي لا تكتفي بالادعاء ان اميركا (وحلفاءها الستراتيجيين: الكتلة المالية الاحتكارية اليهودية واسرائيل) هي "فوق العالم اجمع"، وان العالم ليس اكثر من "مدى حيوي" لها، بل وتريد من العالم ان "يقتنع" بوضعه الدوني تجاهها. وحتى لا نتهم "بالتجني" على زعيمة ما كان يسمى "العالم الحر" في عصر "القطبين"، نكتفي بإعطاء بعض "النماذج" السياسية من واقعنا العربي التي يراد لها ان تتحكم بمصائر دولنا وشعوبنا، انطلاقا من قاعدة التسليم المسبق بـ"القدر الاميركي":
1 ـ في لبنان لدينا دولة عضو مؤسس في هيئة الامم المتحدة، وفريق سياسي اساسي هو فريق "14 اذار"، الذي ينتمي اليه رئيس الوزراء، يرفع شعار: لبنان "سيد، حر، مستقل"! ومع ذلك فإن هذا الفريق لا يخجل من اعلان ولاءه لاميركا وتلقي "إرشاداته" منها، ليس في شؤون "الامن الوطني" للبنان خارجيا وحسب، بل وفي الشؤون الداخلية ذاتها، كتشكيل الوزارة او تعيين هذا الوزير او ذاك، او هذا المسؤول وذاك؛ وقد حاز رئيس الوزراء اللبناني الحالي لقبا "تشريفيا" هو انه "رجل اميركا الاول" في لبنان، الى درجة ان "رئيسه الحزبي"، اي رئيس ما يسمى "تيار المستقبل"، اذا تعذر عليه يوما ان يقابل سكرتيرة السفارة الاميركية في عوكر لصدفة وجودها في دورة المياه الصحية لقضاء حاجة طبيعية، فإنه يضطر لاخذ "ارشاداته" من "مرؤوسه الحزبي" بالذات، الذي هو الوالي الاول في لبنان لـ"الباب العالي" الاميركي. وهذا يسمى "حرية، سيادة، استقلال"، وطبعا "دمقراطية" تحت الجزمة الاميركية!
2 ـ في ما يسمى اسرائيليا "الاراضي"، ويسمى اوسلويا "اراضي السلطة الوطنية الفلسطينية"، وكشرط "دمقراطي" من شروط "خارطة الطريق" الاميركية لحل "المشكلة الفلسطينية" بتكوين دولة فلسطينية ـ مسخ، الى جانب الدولة الاسرائيلية، جرت في 9 كانون الثاني 2005 انتخابات رئاسية مفصّلة على قياس "رجل اميركا" محمود عباس، الذي فضلته اميركا واسرائيل على ياسر عرفات ذاته قبل ان "يتوفـّوه" رحمه الله. وقد طبـّلت له طبول البروباغندا الاميركية ـ الاسرائيلية ايما تطبيل، على اعتبار ان ولادة "الدولة الفلسطينية" العتيدة ستكون على يديه. وبعد ان سكروا بالنصر الانتخابي العباسي، غامرت اميركا واسرائيل بالموافقة على استكمال "العملية الدمقراطية"، بإجراء انتخابات نيابية في 26 كانون الثاني 2006، التي جرت تحت ظل الاحتلال ذاته، وبحضور المراقبين الدوليين ومنهم الرئيس الاميركي الاسبق جيمي كارتر. ولكن الشعب الفلسطيني فاجأ القطب الاميركي الاوحد بأن منح ثقته الاكبر لحركة حماس، المعادية لمحمود عباس. وانتخب مجلس النواب الجديد حكومة حماسية برئاسة السيد اسماعيل هنية. وبالرغم من الدمقراطية التامة للعملية الانتخابية، باعتراف المراقبين الدوليين، ولتشكيل الوزارة الجديدة، رفضت الادارة الاميركية الاعتراف بالبرلمان والحكومة الشرعيين الجديدين، وتعطلت "عملية السلام" الاوسلوية، وبدأت موجة جديدة من الاعتداءات الوحشية الاسرائيلية على الشعب الفلسطيني المظلوم، المتهم بأنه "شعب ارهابي" بالكامل، صغاره قبل كباره، وهذا ما يفسر النسبة العالية من القتلى الفلسطينيين الاطفال، وحتى الرضع، الذين لا حول لهم ولا طول غير رحمة ربك.
ومن اجل السير قدما بـ"عملية السلام" الاوسلوية، ضربت اميركا وربيبتها اسرائيل عرض الحائط بارادة الشعب الفلسطيني، وقام محمود عباس بتكليف السيد سلام فياض (الخبير الاقتصادي خريج الولايات المتحدة الاميركية، وأحد موظفي البنك الدولي سابقا، وممثل صندوق النقد الدولي في القدس بين العامين 1995 و2001) بتشكيل ما سمي "حكومة طوارئ وطنية". وانقسمت اراضي "السلطة الوطنية الفلسطينية" الى قسمين متناحرين، وبدأ على الاثر تطبيق الوصفة الاميركية المعروفة (وصفة: "الفوضى البناءة") على الشعب الفلسطيني المظلوم؛ الذي اصبح مبتليا بالاحتلال الاسرائيلي وبالاقتتال الداخلي في آن واحد. كل ذلك من اجل تأمين "الامن الاسرائيلي كشرط من شروط "الامن القومي الاميركي"، وفرض الاعتراف بإرادة "القطب الاميركي الاوحد". واذا ظلت الامور تسير على هذا المنوال، فإن السيد محمود عباس ـ طوّل الله عمره ـ سيكون لا رئيس "دولة فلسطينية"، بل حارس سجن وناطور مقبرة لما يتبقى من الشعب الفلسطيني. وطبعا انه حينذاك سيتم استقباله بكل آيات التعظيم في "الباب العالي" الاميركي، بوصفه الصديق الوفي لـ"القطب الاميركي الاوحد".
3 ـ بحجة وحشية النظام الدكتاتوري الصدامي السابق، الذي سبق للاميركيين انفسهم ان جاؤوا به الى السلطة، وبالحجة الكاذبة حول وجود اسلحة الدمار الشامل في العراق، التي ـ والعياذ بالله! ـ تهدد "الامن القومي الاميركي" (وجزء لا يتجزأ منه "الامن الاسرائيلي") قام الجيش الاميركي الاعظم بحربه الوحشية ضد العراق، مستخدما كل اسلحة الدمار الشامل، باستثناء القنبلة الذرية، وألقيت على العراق مئات ملايين اطنان الصواريخ والقنابل المشبعة بما يسمى اليورانيوم المنضب، بحيث اصبحت ارض العراق، حسب العديد من الدراسات الايكولوجية، غير صالحة للسكن السليم لمئات الوف السنين القادمة. وتفاقمت وفيات الاطفال وانتشرت الامراض في العراق بشكل لا مثيل له في اسوأ ايام تاريخه. كما تهجر حوالى خمسة ملايين من ابنائه حتى الان. ويعني هذا ببساطة ان "القطب الاميركي الاوحد" لم تكن "مشكلته" مع نظام صدام حسين، بل المشكلة كانت، ولا زالت، مع الشعب العراقي. بدليل انه تم اعتقال صدام حسين واعوانه المقربين، وتم اعدامه واخفاء اسراره معه، وقبل ذلك تم قتل ولديه؛ ومع ذلك بقي الاحتلال الاميركي للعراق، وبقيت المجازر اليومية قائمة عملا بالوصفة الاميركية الشهيرة (الفوضى البناءة!). ومع انه جرت عدة عمليات انتخابية تحت اشراف المحتلين الاميركيين انفسهم، ووضع دستور جديد، وتداولت السلطة "دمقراطيا" عدة حكومات "شرعية" (اي تحظى برضا الاميركيين، اولا، و"منتخبة"، ثانيا)، كما اصبح رئيس الجمهورية العراقية "الجديدة" السيد جلال طالباني الصديق الوفي لاميركا، الذي سبق له ان استقبل اول "مفوض سام" اميركي في العراق معانقا اياه وقائلا له "البيت بيتك"؛ ـ ومع كل ذلك فإن الاحتلال لا يزال جاثما فوق صدر الشعب العراقي، ومفرمة القتل اليومي بموجب وصفة "الفوضى البناءة" لا تزال دائرة على اشدها. ويبدو من كل ذلك ان الهم الاول لـ"القطب الاميركي الاوحد" ليس اقامة "الدمقراطية" في العراق كما تطبل البروباغندا الاميركية، وكما يعتقد بعض البلهاء، وكما يريدنا ان نصدق بعض العملاء المتذاكين، بل ان اقصى هم اميركا هو القضاء، في اقصر وقت ممكن، على القسم الاكبر من الشعب العراقي المظلوم وتشريد القسم الباقي، والابقاء على شرذمة من المرتزقة والعملاء لتكريس احتلال اميركي دائم للعراق. وهذا كله من اجل تأمين "الامن القومي" لـ"القطب الاميركي الاوحد".
XXX
ولكن القيادة الاميركية تعلم حق العلم ان العالم لا يقتصر على الانذال واشباه الرجال من "انصار القطب الاميركي الاوحد" في لبنان وفلسطين والعراق وكوسوفو وكوريا الجنوبية وتايوان وغيرها؛ وانه ـ اي هذا العالم ـ هو اوسع بكثير واكبر بكثير وأعقد بكثير وأعصى بكثير من ان يستطيع "القطب الاميركي الاوحد" استيعابه او السيطرة عليه.
ويكفي ـ ايضا ـ ان نقدم بعض الامثلة:
1 ـ في الحرب الكورية (1950 ـ 1952) عجزت اميركا وعظمتها عن كسر شوكة دولة صغيرة وفقيرة ككوريا الشمالية. ويومها اقترح الجنرال الاميركي ماك ارثر استخدام القنبلة الذرية ضد كوريا الشمالية والصين الشعبية. ولكن البيت الابيض رفض ذلك، خشية تلقي ضربة من العيار نفسه واشد. وفي الامس القريب، وبنتيجة التهديدات المتواصلة، والحصار الاميركي الاقتصادي المطبق على كوريا الشمالية، وصل هذا البلد، الفقير اصلا، الى حد المجاعة. واعتقد "القطب الاميركي الاوحد" انه آن الاوان لـ"شراء" الشعب الكوري بكم كميون مساعدات غذائية وللقيام بـ"نزهة عسكرية" صغيرة الى بيونغ يانغ. ولكن كوريا الشمالية أستنفرت، وشرعت في تطبيق برنامج نووي لا ندري الحدود بين اهدافه السلمية والدفاعية. واضطر "العملاق!" الاميركي الى التخفيف من لهجته التهديدية ضد كوريا الشمالية، لانه ادرك ان اي عدوان محتمل سيفتح ابواب الجحيم على كل الوجود الاميركي في كوريا الجنوبية وتايوان واليابان وبحر الصين؛ وربما في قلب اميركا ذاتها. واميركا تعلم تماما وبتجربتها الخاصة ان الكوريين الشماليين الاباة، حتى وهم جائعون، لا يمزحون فيما يتعلق بأمنهم القومي وكرامتهم الانسانية، وانه لا يوجد في ستراتيجيتهم الدفاعية أسلحة "حريرية" شبيهة بـ"دموع السنيورة" اللبنانية.
2 ـ حتى سنة 1979، كان "القطب الاميركي" يعتمد على نظام الشاهنشاه الايراني، بوصفه (الى جانب اسرائيل الصهيونية وتركيا الطورانية) ثالثة الاثافي في مخطط الهيمنة الاميركية على منطقة "الشرق الاوسط الكبير"، الممتدة من باكستان حتى اقاصي افريقيا. ولكن الشعب الايراني العريق ذاق الامرين من "الصداقة الاميركية"، وبلغ متوسط عمر الايرانيين في عهد الشاه 37 سنة، وتحولت طهران عاصمة "عرش الطاووس" الى مدينة تعج بالمتسولين، ولا زلت اذكر قصة (لكاتب ايراني يغيب عني اسمه الان) عن اب يقود ابنه الصغير الى مغارة حيث يريد ان يفقأ له عينيه كي يشحذ عليه، والطفل يبكي، والاب يبكي معه، وهو يتوسل الى ابيه ان لا يفعل. وكان من الطبيعي ان تقوم "الثورة الاسلامية" في وادي الدموع هذا، الذي أغرقت فيه "الصداقة الاميركية" الشعب الايراني الابي. وبعد انتصار الثورة الايرانية، دفع اميركا و"عربها" صدام حسين ضدها. ولكن صدام حسين فشل في القضاء على الثورة الايرانية، وبفشله كتب نهايته بيده. الا ان اميركا عجزت عن ايجاد بديل لصدام حسين، فنزلت هي بقضها وقضيضها في العراق. وبدأت التهديدات الاميركية ـ الاسرائيلية لايران تتكثف. ولكن الشعب الايراني "لم يقتنع" بأن عليه تسليم مصيره لعملاء اميركا، والتضحية بنفسه وببلاده من اجل امن اميركا واسرائيل. وعبرت القيادة الايرانية عن عزمها على مواجهة اي عدوان بكل ما تستطيع من قوة. وفي حين كان "عرب اميركا" يفركون اياديهم فرحين، بأن اميركا ستريحهم من "الخطر الايراني"، اذا بالقطب الاميركي الاوحد يبدأ في اعادة النظر في حساباته، ويبلع بالتدريج تهديداته لايران، لانه ادرك ان اي عدوان عليها سيجعل مصير اسرائيل والوجود الاميركي برمته في المنطقة على كف عفريت.
3 ـ تتشدق الادارة الاميركية بأنها "راعية السلام بين اسرائيل والدول العربية". الا انها في الواقع تغمض العين تماما عن ممارسات الاحتلال الاسرائيلي ضد الفلسطينيين والعرب، وعن برنامج التسلح النووي الاسرائيلي. ولكن بعد فشل العدوان الاسرائيلي في حرب تموز 2006، اصبح ما يقض مضاجع الادارة الاميركية هو تقوية الدفاعات الاسرائيلية بحجة مواجهة "الخطر الايراني". وجاء في الموقع الالكتروني "ميدل ايست اونلاين" ان اميركا تقوم الان بربط اسرائيل بمنظومة متقدمة لرصد الصواريخ. وقال وزير الدفاع الاسرائيلي ايهود باراك في زيارته الاخيرة الى واشنطن ان الولايات المتحدة ستربط قريبا اسرائيل بنظامين متقدمين لرصد الصواريخ وذلك على سبيل الحيطة في مواجهة اي هجوم مستقبلي "من جانب ايران". وقال باراك بعد لقائه وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس ان البلدين المتحالفين يجريان أيضا مباحثات متقدمة بشأن تحديث الدرع الاسرائيلية للصواريخ الذاتية الدفع ارو-2 لكنهما يختلفان بشأن ما اذا كان ينبغي ان يتضمن صاروخا اعتراضيا أميركيا. واشار باراك الى استعداده للتركيز على الاجراءات الدفاعية وقال انه حصل على موافقة البنتاغون على نشر رادار قوي يعرف باسم "اكس باند" في اسرائيل "قبل وصول الحكومة الأميركية الجديدة" في يناير/كانون الثاني. واعلن مسؤولون اسرائيليون وأميركيون تقييمات مختلفة بشأن متى قد تحصل ايران على نظم اس-300 المتقدمة المضادة للطائرات من روسيا. ومن شأن هذه النظم تعقيد أي ضربة جوية استباقية لمواقع نووية ايرانية.
4 ـ بعد انهيار الاتحاد السوفياتي السابق، اخذت اميركا تعمل بشكل محموم لتطويق روسيا بسلسلة من القواعد العسكرية الستراتيجية، لتهديد الامن القومي لروسيا واخضاعها نهائيا لارادة "القطب الاميركي الاوحد".
وقد قام مؤخرا السكرتير العام لحلف الناتو ياب دي هوب سهيفير بزيارة الى اوكرانيا، في محاولة لضمها الى حلف الناتو. واذاعت (و ص ف) انه قد بدأت في بروكسل مباحثات لضم كرواتيا الى الناتو. ويتم التخطيط كي تصبح البلاد عضوا في الناتو سنة 2009.
واعلن السكرتير العام للناتو عن امله في ان تستطيع مكدونيا حل خلافها مع اليونان في الوقت المناسب، من اجل ضمها الى الحلف جنبا الى جنب البانيا وكرواتيا. ويذكر ان الناتو وجه دعوة رسمية لكرواتيا والبانيا لحضور اجتماع على مستوى عال في بوخارست.
وقد فضحت التصريحات الاخيرة للمرشح الرئاسي الجمهوري الاميركي جون ماكاين حقيقة الموقف الاميركي من روسيا. وجاء في هذه التصريحات انه سيقترح فصل روسيا من نادي "الثمانية الكبار"، الذي ادخلت فيه روسيا سنة 1997 على طريقة "القريب الفقير" من اجل احتوائها وتطويعها. ولكن هذه الخطة فشلت تماما. ووجه ماكاين انتقادات حادة للسياسة الخارجية والداخلية الروسية، متهما اياها انها تخالف "المبادئ الدمقراطية" الاميركية. وهو يتابع قائلا "انظروا تصرفات روسيا في الاسابيع الاخيرة ـ لقد خفضوا تزويد تشيخيا بالنفط، بسبب اتفاقها معنا. ثم اجبروا British Petroleum على مغادرة روسيا، ومثل هذه التصرفات يمكن ان تتواصل". واضاف ان الروس يتابعون ممارسة الضغط على جيورجيا بمختلف الوسائل، وكذلك على اوكرانيا، كما انهم يجمدون تدابير مجلس الامن التابع للامم المتحدة فيما يخص مشكلة ايران.
ولكن، كيف يواجه العملاق الروسي هذه السياسة الاميركية المعادية؟
لقد اظهرت روسيا، في عهد بوتين، المزيد من العداء لحلف الناتو وغيره من المنظمات العسكرية الغربية التي تكونت بعد الحرب العالمية الثانية. وقدمت اقتراحات جديدة تهدف الى ادخال هذه المنظمات في حلف تعاون عالمي واسع النطاق يكون مفتوحا لمختلف البلدان ومنها الصين والهند. وتقول جريدة "نيويورك تايمس" ان روسيا تقدمت بهذا الاقتراح الى حلف الناتو. وصرح السفير الروسي الى الناتو، دميتري روغوزين "ان روسيا لا تأمل في ان يوافق الحلف فورا على الاقتراح، ولكننا نأمل في الابتداء بالحوار. ونحن ننتظر بدء العمل كفريق للتوصل العملي الى طريقة بناءة".
وتقول جريدة "نيو اوبزرفر" ان روسيا تزمع الدعوة الى عقد مؤتمر عالمي يبحث في انشاء حلف عالمي يضم الدول الاعضاء حاليا في الناتو والاتحاد الاوروبي واتحاد الامن والتعاون الاوروبي، بالاضافة الى الدول الاخرى كالبرازيل، الهند، بلدان اسيا الوسطى وغيرها، ويكون هدفه البحث في "مشاكل" مثل توسيع حلف الناتو، اللجوء اللاشرعي، تهريب المخدرات والجريمة المنظمة.
وبكلمات اخرى، فإن روسيا في معاداتها لحلف الناتو العدواني، تربط امنها القومي بأمن جميع دول العالم.
وطبعا ان روسيا لا توجه دعوتها للدفاع المشترك عن الامن الدولي، من موقع ضعف، بل ان الصواريخ TOPOL – M متعددة الرؤوس النووية والاسرع من الصوت عدة مرات، عابرة الفضاء الكوني وعابرة القارات، والغواصات النووية ـ المزودة بالصواريخ، عابرة جميع المحيطات، ولا سيما المحيط المتجمد الشمالي القريب تماما من اميركا؛ ـ هذه وتلك الاسلحة الستراتيجية تقف على اتم الاستعداد لتحطيم العنجهية الاميركية في عقر دارها.
XXX
فهل ستستطيع اميركا والصهيونية العالمية فرض نظرية "القطب الاميركي الاوحد" و"الامن القومي الاميركي"، على حساب امن وحياة جميع دول وشعوب العالم، وعلى حساب استمرار الحياة البشرية على الكرة الارضية؟
لقد ولى الى لارجعة الزمن الذي استطاع فيه الغزاة الانغلو ـ ساكسون واليهود ان يبيدوا فيه 112 مليون هندي احمر (راجع كتاب: اميركا والابادات الجماعية، لمنير العكش)، ويغتصبوا ارضهم ويقيموا عليها ما يسمى "الولايات المتحدة الاميركية"، ويجلبوا اليها "العبيد" من افريقيا، الذين وصل منهم 1/10 فقط احياء الى "العالم الجديد".
والمنطق التاريخي، العلمي والانساني يقول: لو قدر للقرصان الاستعماري كريستوفر كولومبوس ان يعود الى الحياة، لتوجب عليه الاعتذار الى العالم اجمع على "اكتشاف" اميركا، التي اصبحت العدو الاساسي والرئيسي للبشرية جمعاء، والتي اصبح وجودها كدولة مناقضا على خط مستقيم للوجود الانساني برمته.
وكما انهارت بالامس نظرية "القطبين"، فإن العالم اليوم هو قاب قوسين او ادنى من الانهيار التام لنظرية وممارسة "القطب الاميركي الاوحد".
وغدا... سيكون "يوم آخر"!
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
* كاتب لبناني مستقل



#جورج_حداد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جورجيا: قبضة الخنجر الاميركي الصهيوني التركي في خاصرة روسي ...
- وروسيا تخرق -اتفاقية يالطا- وتمد -حدودها- الى حدود اميركا
- -عملية باربروسا- الاميركية: وهذه المرة سينقلب السحر على السا ...
- -حزب ولاية الفقيه- والمسألة الشرقية
- فخامة الجنرال
- مطب السنيورة، و-الارصاد الجوية- الاميركية!؛
- -حلف بغداد- يطل برأسه مجددا: من انقره -الاسلامية!-؛
- كوميديا الدوحة وأيتام دجوغاشفيلي
- حزب الله و-فخ الانتصار-!
- المشكلة السودانية
- لبنان في الساعة ال25
- -نبوءة- نجيب العزوري
- -نبوءة-نجيب العازوري
- الهوان العربي
- ازمة الكتاب العربي
- ستراتيجية المقاومة وتحديد الاعداء، الاصدقاء والحلفاء
- الكيانية اللبنانية ...الى أين؟!
- هل يكون لبنان الضحية الثانية بعد فلسطين؟!!
- جورج حبش: مأساة الامة العربية والعالم المعاصر في مأساة رجل
- بين زيارتين رئاسيتين: بوتين يحقق نقلة نوعية كبرى في الجيوبول ...


المزيد.....




- سعودي يوثق مشهد التهام -عصابة- من الأسماك لقنديل بحر -غير مح ...
- الجيش الإسرائيلي يواصل ضرباته ضد أهداف تابعة لحماس في غزة
- نشطاء: -الكنوز- التي تملأ منازلنا في تزايد
- برلين تدعو إسرائيل للتخلي عن السيطرة على غزة بعد الحرب
- مصر تعلن عن هزة أرضية قوية في البلاد
- روسيا تحضر لإطلاق أحدث أقمارها لاستشعار الأرض عن بعد (صور)
- -حزب الله- يعلن استهداف ثكنة إسرائيلية في مزارع شبعا
- كييف: مستعدون لبحث مقترح ترامب تقديم المساعدات لأوكرانيا على ...
- وسائل إعلام: صواريخ -تسيركون- قد تظهر على منظومات -باستيون- ...
- رئيس الوزراء البولندي: أوروبا تمر بمرحلة ما قبل الحرب وجميع ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - جورج حداد - الامن العالمي و؛؛الامن القومي الاميركي؛؛