أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جورج حداد - الهوان العربي















المزيد.....



الهوان العربي


جورج حداد

الحوار المتمدن-العدد: 2269 - 2008 / 5 / 2 - 11:58
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تحاول الآلة الدعائية الهائلة، الامبريالية الاميركية ـ الصهيونية واعوانها العرب، تمويه واخفاء الطابع او المحتوى الحقيقي للصراع العربي ـ الاسرائيلي/الاميركي. واهم اشكال التضليل هي:
1 ـ إضفاء طابع سياسي آني وضيق على الصراع، ومحاولة خلق الانطباع بأنه صراع مرحلي مرتبط بالظروف السياسية الراهنة، وببعض القوى السياسية والمسلحة لا غير:
أ ـ ففي العراق كانت الادارة الاميركية وآلتها الاعلامية تربط الصراع بوجود نظام صدام حسين، وهي تربطه حاليا بوجود "القاعدة" وما يسمى "التنظيمات الارهابية"، ويقوم المحتلون ومعهم الحكومة العراقية "الدمقراطية جدا!!!" بإلهاء الناس بما يسمى "الخطط الامنية" تارة في الانبار وطورا في الموصل واخرى في بغداد؛ وتحاول تلك الحكومة اليوم، ومعها الشيوعيون المتأمركون امثال فخري كريم وحميد مجيد موسى والاسلاميون "الماكدونالدز" امثال عبدالعزيز الحكيم والقيادات العشائرية الكردية امثال بارزاني وطالباني، ـ يحاولون جميعا اقناع الناس بأن "الوجود" العسكري الاجنبي، الاميركي وغير الاميركي، هو "ضروري" لامن العراق، وهم يعملون على تكريس الاحتلال الى اجل غير مسمى عبر ما يسمى "اتفاقات امنية" مع اميركا وواجهتها المسماة "الامم المتحدة"؛
ب ـ وفي لبنان اصبحت الخيانة الوطنية والقومية "وجهة نظر" "روحانية" و"فلسفية" و"وجودية"، يسمونها "فلسفة الحياة" (حسب تعبير وليد جنبلاط)، او يسمونها "دفاعا عن حقنا في الحياة" (حسب تعبير "الماركسي المزيف" كريم مروة ـ الحوار المتمدن - العدد: 1989 - 2007 / 7 / 27)، ـ وهي "وجهة نظر" يتوجب علينا "احترامها" والاخذ بها وتطبيقها، وتقديمها على منطق المقاومة التي يسمونها "فلسفة الموت"، ويجب ـ عملا بـ"فلسفة الحياة" هذه ـ نزع سلاح حزب الله او انتظار قيام اسرائيل، بدعم اميركا، بشن حرب تدميرية جديدة على لبنان للقضاء على المقاومة، وهو ما عجزت عنه في حرب تموز 2006، وحينذاك ستحل مشاكل لبنان، وسيعيش لبنان بشكل أفضل(!!)؛ وحتى اغتيال احد قادة حزب الله، وهو الشهيد عماد مغنية، يدخل ضمن اطار "فلسفة الحياة" هذه، وقد قال الناطق بلسان الادارة الاميركية "ان العالم اصبح افضل بالتخلص من هذا الرجل"؛
ج ـ وفي فلسطين المحتلة يحاولون الايحاء بأن فرض الاستسلام التام على الشعب الفلسطيني المظلوم هو الطريق الى تحقيق ما يسمى "السلام العادل والشامل" مع اسرائيل، وحينما قام عشرات الآلاف من سكان غزة المحاصرين بتحطيم جدار العزل والتدفق على مدينة رفح المصرية لشراء الدواء والغذاء والمحروقات المنزلية وحليب الاطفال صرح وزير الخارجية المصري (لا فض فوه!) بأن الفلسطيني الذي سيخترق الحدود سنكسر رجله، وبدأت السلطة المصرية ببناء جدار عازل مصري ضد اهالي غزة؛ وكل ذلك طبعا لعدم تشجيع "حماس" على "الانقلاب" المزعوم الذي تنفذه في غزة، ولدفع مسيرة الاستسلام الى الامام.
وينسى انصار "فلسفة الحياة" الجدد والقدماء ان يخبرونا: هل كانت المقاومة العراقية واللبنانية والفلسطينية موجودة، يوم احتل الانجليز العراق في الحرب العالمية الاولى، ويوم أعطى الانكليز ما يسمى "وعد بلفور"، ويوم وضع الجنرال غورو قدمه على قبر صلاح الدين الايوبي وطرق عليه بعصا الجنرالية صائحا "عدنا يا صلاح الدين"، ويوم غزا الصليبيون القدس وذبحوا الآلاف من اهلها في المسجد الاقصى لـ"تطهيره" بالدم من "رجس الكفار"، ويوم وقف رئيس العصابة "اليهودية" موسى (الذي علينا ان نسميه: نبيا!) على جبل الطور ودعا ـ باسم "اليهوه" ـ الى الاستيلاء على ما يسمى "ارض الميعاد" وابادة سكانها الاصليين نساء وشيوخا واطفالا، والاستيلاء على بيوتهم ومدنهم التي لم يبنها "شعب اسرائيل"، كما تقول التوراة ذاتها.
2 ـ اضفاء طابع ديني متبادل على الصراع، والادعاء ـ بالاخص ـ بأنه صراع ضد الاصولية الاسلامية، التي ترفض قبول العيش مع الآخر، ولا سيما ابناء "الديانة!" اليهودية التي هي ديانة "توحيدية!"، "الهية!" و"ابراهيمية" مثلها مثل المسيحية والاسلام (!!!). ويستند هذا التفسير على مقولات بعض "الاسلاميين!!" المزيفين، الاغبياء او العملاء، الذين هم ايضا يعطون الصراع طابعا دينيا، ويرفضون ـ استطرادا ـ العيش مع المسيحيين او النصارى، على مختلف طوائفهم ومذاهبهم، ولا مع الصابئة المندائيين، ولا مع اليزيديين، وحتى انهم يكفـّرون القسم الاكبر من المسلمين المعتدلين انفسهم. وبهذا التفسير الديني البحت للصراع، تنعكس الآية، ويصبح المعتدي (اليهودية والصهيونية والامبريالية الاميركية) معتدى عليه؛ وتصبح المشكلة ليس في الغزو الامبريالي الصهيوني، بل في التطرف الاسلامي؛ ويصبح الحل هو في تلاقي الاديان السماوية، على طريقة الصلاة المشتركة التي نظمها انور السادات في حينه بعد اتفاق كامب دايفيد الخياني، والتي جمعت شيخا وكاهنا وحاخاما فوق جبل الطور بسيناء، حيث تلقى في زمانه الشامان موسى "وعد الرب!" باستباحة "ارض الميعاد!" والاستيلاء عليها وابادة اهاليها الاصليين.
3 ـ اضفاء طابع قومي عنصري متبادل، عبري ـ عربي، على الصراع. والادعاء بأن اليهود ـ كل اليهود ـ هم عبرانيون. وبأن هؤلاء العبرانيين المزعومين هم الذين كانوا سكان فلسطين قبل 3000 سنة، اي قبل المسيحيين، وخصوصا قبل العرب ـ المسلمين، الذين ـ حسب هذا التفسير ـ هم دخلاء على فلسطين وقد جاؤوا اليها غزاة وفاتحين قبل اقل من 1500 سنة. وتقول هذه الحجة، او هذا التفسير العنصري للصراع، ان العبرانيين القدماء والعرب القدماء هم من ارومة واحدة، وان لغتيهما هما لغتان قريبتان، وان العنصرين كانا يعيشان بسلام ووئام قبل الاسلام، وان الاسلام والفتح الاسلامي هو الذي وضع الحواجز وذر الشقاق بين الاقوام القديمة التي كانت تعيش في فلسطين والمنطقة؛ وانه اذا كان بالامكان في الماضي طرد العبرانيين اليهود من فلسطين، على يد الرومان او المسلمين العرب او المسيحيين الصليبيين، فإن الزمن الراهن لا يسمح بمثل ذلك، وان الحل للصراع هو في العودة الى "السلام العادل والشامل" و"التآخي" بين العبرانيين والعرب المعتدلين. وهنا ايضا تنعكس الآية، وتقع المسؤولية على "العرب المتطرفين" (ويضاف اليهم اليوم المسلمون "الفرس المتطرفون") الذين يرفضون الاعتراف باسرائيل كدولة يهودية (= عبرانية) ويرفضون "حل الدولتين": الاسرائيلية والفلسطينية؛ وبناء على هذا التفسير للصراع، فإن مشكلة اللاجئين الفلسطينيين (وهنا بيت القصيد) تصبح "محلولة" تلقائيا، بزعم ان ما يسمون "اليهود العرب" او "اليهود الشرقيين" قد هجروا او هُجّروا من المغرب والعراق واليمن الخ، وعلى اسرائيل ان تتدبر امرهم في "بلدهم الاصلي"، وفي المقابل فإن العرب (= الفلسطينيين) الذين هجروا او هُجّروا من فلسطين، على البلدان العربية (اي بلدانهم الاصلية) ذات الاراضي الواسعة ان تتدبر امرهم، وان "المجتمع الدولي" والمتمولين الكبار اليهود والعرب عليهم ان يساعدوا ماليا على توطين اليهود (= العبرانيين) العائدين، في "وطنهم الاصلي" اسرائيل، وتوطين اللاجئين العرب (= الفلسطينيين) في البلدان العربية بين اخوتهم واشقائهم العرب؛ وبذلك تعود المياه الى مجاريها بالصلح والاعتراف المتبادل و"سلام الشجعان" و"السلام العادل والشامل" بين العبرانيين والعرب الذين جاؤوا جميعا من صلب جد واحد هو "سيدنا ابرهيم" (ادام الله عزه)، وان كان الاولون جاؤوا من رحم الست (ساراي او سارة) والاخرون جاؤوا من رحم الجارية (هاجر). (وين المشكل؟ ما فيه مشكل! انه مجرد "خلاف عائلي" بين ابناء "ضرتين" فاضلتين، تغمدهما الله بواسع رحمته!).
وهذا التفسير المسطح يخلط عن عمد بين الدين الاسلامي والعروبة:
فأولا ـ ان "الكنعانيين" (احد اهم روافد الامة العربية) هم سكان فلسطين الاصليين، وهم الذين سكنوها وعمروها قبل ظهور "الديانة!" اليهودية، وقبل مجيء العبرانيين بألوف السنين. وحينما غزا العبرانيون المتهودون فلسطين، فإنهم لم يأتوا الى ارض قفراء مجهولة الاسم. بل اتوا ـ وكما تعترف التوراة ذاتها ـ الى "ارض فلسطين" "ارض الكنعانيين واليبوسيين الخ"، التي كانت عامرة وفيها مدن وكروم الخ.
وثانيا ـ بعد ظهور المسيحية، فإن المسيح وتلامذته وقسما كبيرا من اليهود انفسهم، بالاضافة الى الكنعانيين الخ، تحولوا الى المسيحية. وبعد ظهور الاسلام، فإن القسم الاكبر من سكان فلسطين تحولوا الى الديانة الاسلامية. فهل التحولات الدينية تلغي تلغي الانتماء الوطني والقومي، وبالتالي تلغي "فلسطينية" المسيحيين والمسلمين، وتلغي "عروبة" (كنعانية الخ.) الفلسطينيين؟!
XXX
حيال هذه المحاولات المشبوهة لربط الصراع الدائر بالاوضاع السياسية الراهنة فقط، او بالترهات والاكاذيب التي تلبس لبوس "الدين" و"القومية" حسب المفاهيم التي تنتجها مطابخ الكذب الاميركية ـ الصهيونية، والتي تهدف الى تضليل الجماهير وإذكاء الفتن من ضمن الخطة الاميركية لنشر "الفوضى البناءة" او "اللااستقرار البناء"؛ ـ حيال ذلك من الضروري جدا العودة الى اسس الصراع بين الامة العربية والصهيونية والامبريالية. فهذه الاسس تعود بجذورها الى نشأة "الديانة!" اليهودية ذاتها، بشكل خاص، والى نشأة ظاهرة الرأسمالية والعبودية والغزو والاستعمار والامبريالية بشكل عام. ومن ثم من الضروري ازالة الكثير من الاضاليل والمفاهيم الخاطئة حول طبيعة الصراع العربي ـ الاسرائيلي/الامبريالي؛ وفضح الدور التخريبي، التدميري، الاستغلالي والاستعماري الذي اضطلعت به "الديانة!" اليهودية منذ ظهورها الى اليوم.
ويأتي على رأس هذه الاضاليل، التي يتستر خلفها دعاة "السلام" مع اسرائيل، الادعاء بأن "الدين!" اليهودي هو "دين سماوي!"، "الهي!"، "توحيدي!". وان الصراع العربي ـ الاسرائيلي هو في اساسه صراع ديني: يهودي ـ اسلامي/مسيحي، كما اسلفنا. وان هذه الاديان الثلاثة هي في جوهرها لها منبع واحد؛ وان مسؤولية النزاع تقع على عاتق القادة الدينيين والسياسيين من كل الاطراف، وان الحل المنطقي هو في التآخي الديني مع اليهود واقامة "السلام" معهم.
ان هذا التفسير يقوم من الاساس على منطلق خاطئ، ذلك ان "الدين!" اليهودي هو "دين استثنائي ـ عنصري" أي "غير توحيدي"، باعتراف اصحابه انفسهم، الذين يسمون انفسهم "شعب الله المختار!"؛ ولو لم يكن الدين اليهودي دينا استثنائيا، مختلفا وشاذا عن مختلف الاديان الاخرى، وخصوصا الدينين التوحيديين المسيحية والاسلام، فلماذا ظل انتشاره محدودا جدا بالرغم من قدمه السحيق؟
اننا لا ندعي لانفسنا الاهلية (ولا نملك طبعا الرغبة) في المناقشة "اللاهوتية" و"الدينية الماورائية" البحت للدين اليهودي او اي دين آخر. بل كل ما يهمنا هو الطابع "الانساني" "البشري" "المجتمعي" للدين اليهودي. مثلا: ان الدين اليهودي يدعو الى ابادة العرب. ونحن لا يهمنا اذا كان الداعي ("الموسى" او "اليهوه" او كائنا من كان) هو "الله" ذاته الذي يؤمن به المسيحيون والمسلمون ايضا. وحينذاك كيف يقول السيد المسيح "مملكتي ليست من هذا العالم"؟ وكيف يقول القرآن الكريم عن العرب "خير أمة اخرجت للناس، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر"، في الوقت الذي يدعو فيه "الله" التوراة الى ابادة العرب (الكنعانيين الخ.). اي "الله" نصدق؟ او من هو "الله"؟ ان "الذات الالهية" هي "فوق البشر"، "اكبر واوسع وفوق الفكر البشري" وطبعا هي "فوق اي محاسبة بشرية"؛ ونترك لرجال الدين الاجلاء ان يحلوا لنا هذه الالغاز، اذا كان بامكانهم ان يحلوها، وخاصة ان يعطونا على الاقل "طرف خيط" يرشدنا الى "الحكمة الالهية" من الدعوة التوراتية لابادة العرب والاستيلاء على بلادهم واراضيهم وبيوتهم ومدنهم.
بين ظهور اليهودية وظهور المسيحية انتظرت الانسانية الف سنة، ثم انتظرت اكثر من ستماية سنة اخرى حتى ظهور الاسلام؛ ثم انتظرت اكثر من الف واربعماية سنة حتى ظهور اسرائيل، ولم تحل هذه المشكلة "الالهية!"، بل على العكس نجد ان اليهود يطبقون يوميا الدعوة التوراتية لابادة العرب رجالا ونساء واطفالا. ونجد ان العصا السحرية لموسى وسيف يشوع بن نون ومقلاع داود قد تحولت الى دبابات ميركافا وطائرات اشباح واباتشي وصواريخ ذكية وقنابل عنقودية؛ فهل هذه مشيئة "الله" ووصيته لـ"شعبه المختار!"؟! لنترك رجال الدين الاجلاء في عليائهم وسماواتهم، ولننظر الى الواقع البشري، الواقع الانساني الاليم الذي ينتج اليوم، ونتج عبر التاريخ، عن ممارسة "اليهودية!". ولنتساءل حينذاك، كبشر، هل اليهودية هي "ديانة!" ام عصابة اجرامية استعمارية تتستر بالدين؟!
ان الذي يهمنا ـ بشريا ـ هو: ان الاقوال "التوراتية"، والممارسة اليهودية المبنية عليها، هي "دعوة للقتل" و"تحريض على القتل" و"عمليات ابادة وقتل"؛ وبالمفهوم البشري الارضي البسيط فإن "الداعي او المحرض على القتل" و"المؤمن: ناقل او المبشر بهذه الدعوة" و"منفذ هذه الدعوة" هم شركاء في "جريمة التهديد بالقتل" ومن ثم في "جريمة القتل".
والتاريخ البشري، والتاريخ الديني بالاخص، هو مليء بالنزاعات والصراعات، التي استمر بعضها عشرات ومئات السنين. ولكن هذا لا يلغي "استثنائية" الحالة اليهودية. وهنا لا بد من ايراد الملاحظات التالية:
1 ـ في الغالب تلقى مسؤولية النزاعات او الصراعات الدينية والمذهبية على عاتق "البشر"، اي رجال الدين والسياسيين الذين يقودون تلك الاديان والمذاهب.
2 ـ حينما توجد نصوص دينية "نزاعية" او "عدائية" او "تحريضية"، فهي تكون موجهة ضد "اعداء الدين المعين": "الكفار"، "المشركين"، "اعداء الله" الخ. دون تسمية "شعب معين" او "امة معينة" او "قبيلة معينة"، بالمعنى العنصري او القومي. وبالتالي فإن التوجيه المعادي يكون له طابع "عقيدي"، "ديني"، "مذهبي"، "ايديولوجي" او "فكري"، وليس عنصريا او قوميا.
3 ـ اما الدين اليهودي فهو "في اساسه" وفي "صلب عقيدته"، اي في "عقده الاصلي" و"عقيدته الاصلية"، ينص على "الثقافة" العنصرية: الدعوة الى التفوق العرقي او القومي من جهة (الادعاء بأن بني اسرائيل هم "شعب الله المختار!")؛ والدعوة الى ابادة شعب معين (الدعوة الى القضاء على العرب، وابادتهم واغتصاب مدنهم وبيوتهم وحقولهم واراضيهم) من جهة ثانية؛ والى اذلال و"كسر" واستخدام واستغفال جميع الشعوب الاخرى (ممارسة الربا مع "الاجنبي"؛) ("وأرسل هيبتي امامك وأكسر جميع الامم الذين تصير اليهم واجعل جميع اعدائك بين يديك مدبرين" ـ سفر الخروج، الفصل 23، الرقم 27) من جهة ثالثة.
وكل ذلك يأتي لا في بعض الشروح والنصوص الدينية الثانوية، بل في النص الديني اليهودي الرئيسي، الذي هو في متناول كل من يريد، والمسمى "الكتاب المقدس!" جدا اي "التوراة".
وهناك فارق جوهري، مثلا، بين ان يدعو احد الاديان الى محاربة "الكفار" او "اعداء الله"، وبين الدعوة الى ابادة العرب (الكنعانيين وغيرهم) بالاسم. فالدعوة الاولى هي شكل من اشكال الصراع الديني؛ اما الدعوة الثانية فهي موقف عنصري مفضوح، لـ"شعب معين" ضد "شعب آخر"، وان كان باسم الدين.
وبهذا فإنه ـ اي الدين اليهودي ـ يختلف اختلافا جوهريا وجذريا عن اي دين آخر. ولا تنطبق عليه حتى مفهومة "التعصب الديني"، التي تعني عمليا "التعصب لموقف" او "التعصب لقناعة" ضد "موقف" آخر او "قناعة" اخرى؛ انما هو مبني على "التعصب الفطري" او "تعصب الدم" او "التعصب الدموي" ضد شعب معين او الشعوب الاخرى. وبهذا تنتفي عنه الصفة "الالوهية" او "الدينية" التي تتميز بها الاديان "السماوية" الاخرى، وحتى بعض غير "السماوية"، التي تدعو الى نشر "الايمان" و"العقيدة" لدى الجماعات والشعوب الاخرى، لا الى "الابادة" و"القتل" و"السلب" و"النهب" و"الاستغلال" و"الربا" كما هو ما يسمى مجازا "الدين!" اليهودي!
ولشرح هذه النقطة حول "شذوذ" "الدين!" اليهودي عن الاديان الاخرى، ليسمح لنا القارئ بأن نقدم مثال مقارنة عن الجمعيات او المنظمات في المجتمع المعاصر:
يتجه المجتمع المعاصر اكثر فأكثر نحو الانخراط في الاحزاب والجمعيات والمنظمات والنوادي على اختلافها: من الاحزاب السياسية الكبرى، الى الجمعيات والمنظمات والنوادي الخيرية والثقافية والرياضية والنقابية وحقوق الانسان والدفاع عن الحريات و"الرفق بالحيوان" والعناية بالبيئة وبالنظافة في المدن الخ الخ الخ. والانتساب الى الاحزاب والجمعيات هو امر طبيعي تماما ويدل على النضج الاجتماعي للانسان المعاصر ورقي المجتمع المدني. ونشوء الاحزاب والجمعيات والروابط والنوادي هو تعبير او انعكاس للنشاط "المفيد" في المجتمع الانساني المعاصر.
ولكن في المقابل يوجد في المجتمع المعاصر نشاط "مغاير" و"غير مفيد": تخريبي، ضار، فسادي وافسادي واجرامي. وهذا الجانب المظلم يعبر عن نفسه ايضا في نوع آخر من الجمعيات والمنظمات، التي تمثل الوجه السلبي للمجتمع المعاصر، ويدل وجودها على انحطاط المجتمع المدني وليس على رقيه، ونقصد بها: المافيات والعصابات وجماعات الجريمة المنظمة، التي اصبحت سمة ملازمة للمجتمع الرأسمالي الحديث.
وقلما يوجد انسان لم يسمع بتنظيم "المافيا": من وجهة النظر التقنية والآلية التنظيمية فإن "المافيا" هي جمعية بكل معنى الكلمة، بل ربما تكون "ارقى" و"اكثر تماسكا" و"اكثر انضباطا" و"اكثر فعالية" و"اكثر مردودية" من اي جمعية اخرى او تنظيم نقابي او حزبي او اهلي او حتى عسكري، آخر. ومع مرور الوقت، فإن الجريمة المنظمة تصبح اكثر فأكثر هي المهيمنة على الدورة الحياتية في النظام الرأسمالي المعاصر. ويصبح الرؤساء والملوك والامراء ورؤساء الوزارات والوزراء والنواب وقادة الاحزاب والنقابات والسينما والتلفزيون والصحافة والبنوك والبورصات والشركات الكبرى (وخصوصا الشركات متعددة الجنسية)، ـ يصبحون اكثر فأكثر واجهات وادوات للمافيا ولـ"منظمات" الجريمة المنظمة.
ومع ذلك فليس من الطبيعي ان ينظر احد الى "المافيا" او اي عصابة من عصابات الجريمة المنظمة على انها "جمعية طبيعية" وشرعية، كأي جمعية او ناد او حزب او منظمة اخرى. فـ"المافيا" ومنظمات الجريمة المنظمة هي "جمعية" من "طبيعة اخرى"، "طبيعة مخالفة للطبيعة" الاجتماعية. والمواطن، خصوصا اذا كان مواطنا صالحا، "لا يحق له" ان ينتسب الى المافيا، حتى لو كان عمله فيها "انسانيا"، اي يقوم فقط على دفن قتلى المافيا وتقديم المساعدة المالية وغيرها لايتامهم. فحرية الانتساب الى الاحزاب والجمعيات والتنظيمات لا تشمل طبعا حرية الانتساب الى المافيا، لان المافيا ليست "جمعية اجتماعية" وانسانية، بل هي "جمعية ضد المجتمع البشري" وضد الانسانية. طبعا ان القانون يعاقب على الجرائم الصغيرة والكبيرة التي ترتكبها المافيا. واكثر من ذلك: ان القانون "يمنع" المافيا، ويعتبر مجرد الانتساب اليها جريمة تخضع للعقاب. وان جميع افراد عائلات واقرباء رجال المافيا، حتى الاطفال والنساء والعجزة، وحتى لو لم يكونوا هم انفسهم اعضاء في المافيا، الا انهم دائما يكونون تحت الشبهات والمراقبة من قبل رجال الشرطة والقضاء والمواطنين العاديين.
وبالمقارنة بين "الديانة!" اليهودية وغيرها من الاديان"الطبيعية"، فإن "الديانة!" اليهودية بين الاديان، هي اشبه ما تكون بالمافيا بين غيرها من الجمعيات والمنظمات "الطبيعية". وبكلمات اخرى ان "الديانة!" اليهودية هي "ديانة!" مافياوية او مافيا دينية.
ولا بأس من اجراء المقارنة التالية بين المنتسب الى اي جمعية او تنظيم عادي، وبين المنتسب الى المافيا، ومن ثم المنتسب الى "الديانة!" اليهودية:
1 ـ ان اي منتسب الى حزب او تنظيم او ناد ما، يفتخر ويتباهى بانتسابه ويتظاهر علنا به ويضع شارة الحزب او النادي على صدره ويرفع علمه (اذا وجد) في بيته. وهو غير مضطر لان يكذب ويخفي انتماءه الا في حالات الاضطهاد والملاحقة، فيما يتعلق بالمنتسبين الى الاحزاب والتنظيمات المعارضة في الانظمة الدكتاتورية او المعادية لتلك التنظيمات.
2 ـ اما المنتسب للمافيا، فهو يحرص على التخفي وعلى عدم البوح بحقيقة انتسابه. ولاجل اخفاء حقيقته وحقيقة نشاطه، فهو يلجأ الى الكذب، والى تغطية نشاطه الحقيقي، بنشاط تمويهي كاذب، كأن يفتتح مكتبة او اي "محل" او مكان عمل مناسب قبالة، مثلا، البنك الذي يراقبه لمصلحة المافيا من اجل السطو عليه؛ او كأن يفتتح مطعما لتغطية عمله في استلام وتسليم شحنات المخدرات او القيام بتوزيعها على "الزبائن".
3 ـ اما "الديانة!" اليهودية فهي "تجمع الضدين" اي انها لا تستحي بطبيعتها المافياوية، بل هي تفتخر بذلك وتنادي به بأعلى صوتها وفي اقدس كتبها، او في كتابها المقدس الرئيسي، الذي هو التوراة، التي تدعو الى اغتصاب ارض العرب وسلبهم وتقتيلهم وابادتهم. ولكنها لا "تجرؤ" على البوح بذلك استنادا الى اي "قوة خارقة" لليهود كبشر، بل استنادا الى كذبة كبيرة مسبقة، وهي الادعاء بأن "جرائميتها" المافياوية هي ارادة "ربانية!"، "الهية!"، وان ما تقوم به من دعوة ابادة وجرائم ضد العرب انما هو تنفيذ لـ"وعد الهي!" و"عهد الهي!"، و ـ حسب منطوق هذا "الوعد الالهي!" و"العهد الالهي!" (!!!) ـ فإن العصابة الاجرامية اليهودية (وقبل 3000 سنة من "المانيا فوق الجميع" لهتلر) تعتبر نفسها هي "افضل البشر" طرا و"فوق البشر" جميعا، لأنها هي "شعب الله المختار!" المكرس نفسه لا لشيء آخر سوى لتنفيذ "عهد الله!" و"وعد الله!". وبكلمات اخرى فإن "الله" الهودي المزعوم يصبح هو "الغطاء السماوي" لجرائمية المافيا، وعلى البشر ان يسلموا بـ"شرعية" هذه الجرائمية، وخصوصا على العرب ان يسلموا رقابهم للذبح ونساءهم للفضح، لأن هذه هي "ارادة الله!" التوراتي.
ان اجهزة الشرطة الاميركية اذا داهمت منزل اي مواطن اميركي من اصل عربي او مسلم، ووجدت لديه اي منشورات او كتابات اسلامية ضد الصهيونية والامبريالية، او حتى اذا وجدت كتاب تعليم ديني مدرسي للاطفال او حتى نسخة من القرآن الكريم، فإنها تعتقله بتهمة حيازة هذه المواد الاعلامية "الارهابية" التي تعتبرها "معادية للسامية" (اي معادية لليهود)، وتلقي به في غوانتنامو او اي سجن سري او غير سري تابع للمخابرات الاميركية، ويتعرض للتعذيب "المشروع" و"المقونن" او "غير المشروع". ولا يخرج من السجن الا بعد سنوات، وبعد دفع كفالة مالية كبيرة، والتأكيد بأنه ليس مسؤولا عن هذه المنشورات، لا كتابة ولا توزيعا الخ. وانه تلقاها ببريده العادي كما يتلقى اي اعلان من اي شركة لتنظيف وكوي الملابس.
وان المفكر الليبيرالي الجديد، والماركسي المزيف القديم، العفيف الاخضر وبوقه الصغير السيد اشرف عبدالقادر، وفوقهما كل الآلة الاعلامية الاميركية ـ الصهيونية، يدعون الى تغيير الكتب الاسلامية وخصوصا مناهج التعليم الاسلامية، لانها تنتقد اليهود والنفاق اليهودي وما اشبه.
وهذا كله طبعا يدخل تحت عنوان "الدمقراطية" و"الحرية الفكرية" و"حرية الاديان" ومكافحة "معاداة السامية" (= اليهودية) التي تعتدي على حرية "المعتقد الديني" لليهود الاجلاء، عظم الله جلال قدرهم.
اما ان الكتابات اليهودية تكذب 2 ملياري مسيحي حول مجيء السيد المسيح وصلبه، ويدعي بعضها انه دجال وابن عاهرة اسمها مريم ضاجعت جنديا رومانيا اسمه يوسف بانتيرا، فهذه "حرية رأي" و"حرية معتقد" مصانة بالقوانين "الدمقراطية" الحريصة على "حقوق الانسان" و"حقوق الحيوان" جميعا؛
فهل هناك "كيل بمكيالين" و"ازدواجية معايير" اكثر واوقح واحط من ذلك؟!
ان التوراة اليهودية (ولم يثبت الى الان وجود توراة غير التوراة الموجودة بين ايدي اليهود، والمودودة في جميع البلدان العربية وجميع بلدان العالم طرا) تدعو علنا وعلى رؤوس الاشهاد الى اغتصاب ارض العرب من الفرات الى النيل، والى ابادة العرب نساء ورجالا واطفالا، ويعتبر هذا "كلاما ربانيا!" نقله او ادعاه رئيس عصابة ينبغي علينا ان نصدقه ونصدق انه "كليم الله!" يدعى موسى، هو ـ حسب رواية التوراة ذاتها ـ ليس سوى لقيط تحول الى قاتل وقاطع طريق ومدعي نبوة. ومثل اي مافيا في عصرنا، فإن "الدين!" اليهودي هو، ومنذ البداية، مفروض بالقوة، وتحت طائلة القتل، على ابناء العشيرة العبرانية ذاتها، وهذا ما تعترف به التوراة ذاتها؛ اذ حينما جرى اختلاف بين موسى وهارون على قيادة العصابة التي جوعت المصريين ونهبتهم وهربت من وجههم، قام هارون بنصب العجل الذهبي، وقام موسى بحفر الحجرين او اللوحين، وحينما رأى موسى ما فعل هارون عمد الى اجبار العبرانيين على ابتلاع الذهب الذي صنع منه هارون "العجل الذهبي" ثم اعمل السيف في رقابهم ("فلما دنا من المحلة رأى العجل والرقص فاتقد غضب موسى فرمى باللوحين من يديه وكسرهما في اسفل الجبل؛ ثم اخذ العجل الذي صنعوه فأحرقه بالنار وسحقه حتى صار ناعما وذرّاه على وجه الماء وأسقى بني اسرائيل"ـ "وقف موسى على باب المحلة وقال من هو للرب فليقبل الي. فاجتمع اليه جميع بني لاوي؛ فقال لهم كذا قال الرب اله اسرائيل ليتقلد كل واحد سيفه واذهبوا وارجعوا من باب الى باب في المحلة وليقتل كل واحد أخاه وصاحبه وقريبه؛ فصنع بنو لاوي كما امر موسى فسقط من الشعب في ذلك اليوم نحو ثلاثة الاف رجل" ـ سفر الخروج، الفصل 32، الرقم 19، 20، 26 ـ28). ونكتشف في هذا النص بوضوح:
1 ـ ان موسى لم يكن سوى رئيس عصابة نزق لم يتورع عن تكسير اللوحين اللذين يدعي انه حصل عليهما من "الله!".
2 ـ ان "الديانة!" اليهودية "الموسوية!" فرضت فرضا في البدء على العبرانيين انفسهم.
و 3 ـ ان مؤسس العصابة ورئيسها الاول ليس "كليم الله!"، اي ليس ناقلا لكلام الله، بل هو مدعي النطق باسم "الله" بدون الرجوع اليه، اي عمليا انه هو "الله" اليهوهي او اليهودي. ولعبة "كليم الله!" هي لعبة معروفة تماما في المافيات والعصابات الاجرامية، حيث ان رئيس العصابة ومرجعها الاخير ذاته، وكي يرعب اتباعه ويبقيهم في خضوع تام له، يدعي انه هو "منفذ"، وان هناك "زعيما!" اكبر منه واقوى واكثر بطشا، وانه هو يتلقى التعليمات منه، ولكن هذا "الزعيم" المزعوم يحاط بالسرية ويبقى مجهولا الى الابد! والافلام البوليسية المصرية ذاتها مليئة بهذه "اللعبة"، المأخوذة فكرتها الاولى من "لعبة موسى ويهوه" مع العبرانيين.
XXX
لا شك ان مسؤولية النزاع القائم تقع اساسا على التوجهات والنزعات السياسية، التي تغلف النزعة والمصالح الاستعمارية والامبريالية الاوروبية الغربية ـ الاميركية والصهيونية العالمية؛ والا فلماذا أيدت الدول الاستعمارية والامبريالية الغربية، ولا تزال الى الان تؤيد، وتدعم بكل قواها، الحركة الصهيونية واسرائيل، في حين ان مصالحها الاساسية (النفطية وغير النفطية) هي في البلدان العربية والاسلامية ومعها، وفي حين ان الحكام العرب والمسلمين كانوا، ولا زالوا في اكثريتهم الساحقة، حلفاء للغرب الاستعماري والامبريالي. فلماذا تضع الدول الاستعمارية والامبريالية اسرائيل الصغيرة في كفة، او الاصح في كفة راجحة، مقابل جميع الانظمة العربية والاسلامية الموالية للغرب ذاتها؟!.
ان سر هذه "الاحجية" يكمن في العلاقة المصلحية العضوية بين الطغمة المالية اليهودية الاحتكارية العليا وبين الامبريالية الاميركية والعالمية.
ومن اجل كشف الاضاليل والمفاهيم الخاطئة، ولإيقاف الحقائق التاريخية على قدميها، ينبغي اولا وقبل كل شيء ان نرفع المسؤولية عن الله عز وجل في ما يسمى "الوعد الالهي!" لليهود بما يسمى "ارض الميعاد!". وان نبين ان ما يسمى "الوعد الالهي!" ليس سوى اكذوبة بشرية ـ شيطانية، ليس لها من الصفة "الالوهية!" الا بمقدار ما لـ"وعد بلفور" من الصفة "الحقوقية" و"الانسانية".
ولهذه الغاية علينا اولا ان نجيب على السؤال المركب التالي:
1 ـ لماذا "تهود" اليهود (= العبرانيون) اولا، اي قبل غيرهم؟ ولماذا "تهوّدوا" ضد العرب بالذات؟ وماذا يعني "التهوّد"؟
اننا نترك لجميع اللاهوتيين والفقهاء وجميع رجال الدين اللوذعيين، الموسويين والمسيحيين والمحمديين والبوذيين والكونفوشيين والزرادشتيين وغيرهم ممن نذكر او ننسى (الذين ـ ومثلما تحيطهم كل القوانين المدنية ـ نكن لهم كل احترام وتبجيل)، ـ نترك لهم ان يفسروا لنا الحكمة "الالهية!" من تمزيق اطفال فلسطين ولبنان باسم "نبوية!" موسى و"ألوهية!" الدين اليهودي و"الوهية!" "الوعد الالهي!" لبني اسرائيل، واخيرا لا آخر "الوهية!" الغول المجهول المسمى "يهوه"؛ ولكن بالمقابل ليسمحوا لنا هم ايضا بأن ننظر الى عملية "تهوّه" او "تهوّد" العبرانيين وعداء اليهود للعرب وجرائمهم وبشاعاتهم القديمة والجديدة، بالمنظار البشري البسيط، الذي لا يرقى الى "العلوية الفلكية" الورائية والماورائية للنظرة الدينية، والذي لا يرى في هذه العملية "التهوّدية" العنصرية ـ الاجرامية التاريخية اي ظل لأي "ألوهية!" علوية، بل يرى فيها أبشع وأحط ما في بعض النفوس البشرية من سفالة وحقارة وبشاعة وافتراسية حيوانية تؤكد تماما، بالمنحى السلوكي للمافيات بما فيها "المافيا اليهودية"، نظرية "اصل الانواع" او "الجذر" او "الاصل" الحيواني للانسان؛ وهذه حقيقة علمية يمكن ان يؤكدها اي عالم نفسي او عالم علم نفس اجتماعي.
XXX
انه يقع اليوم على الامة العربية منازلة الامبريالية الاميركية والصهيونية العالمية واسرائيل، منازلة الحياة او الموت. اي ان الصراع ليس صراعا نتيجته الاخيرة التسوية والتعايش بين الطرفين، او حتى غلبة نسبية وحسب لطرف على الطرف الآخر، بل هو صراع "نفي متبادل، كامل وشامل": فإما الحضارة والانسانية، وإما الهمجية والحيوانية! إما فلسطين ولبنان والعراق والامة العربية عموما، واما اسرائيل والصهيونية والامبريالية الاميركية والاطلسية. فالكرة الارضية، على اتساعها النسبي، لن تتسع لهذين الطرفين معا.
في لبنان الان، وبعد ان هزمت اسرائيل في حرب تموز 2006، تحاول حكومة السنيورة، بعد ان تلبس لبوس "الوطنية الضيعاوية اللبنانية!!" المزيفة، ان تختزل الصراع في استمرار احتلال مزارع شبعا، وانه اذا انسحبت اسرائيل من مزارع شبعا، فلا يبقى من "حجة" وحاجة لسلاح حزب الله، وما الى ذلك من المنطق اللاحضاري واللاتاريخي الاخرق. وطبعا لا يؤكد اصحاب هذا المنطق الاخرق انه اذا خرجت اسرائيل غدا بشكل مسرحي من مزارع شبعا، ان لا تدخل بعد غد من مزبلة النورماندي "الحريرية"، او من معراب الجعجعية، او من سهل السمقانية (حيث ترقد عظام المقاتلين اليهود الذين كانوا بقيادة المدعو باروخ يقاتلون في صفوف القوات العثمانية ضد بشير جنبلاط في معركة سهل السمقانية سنة 1825، وها هو وليد بك يريد ان يعيد لهم الاعتبار بل وينتقم لهم كما انتقم الاتراك من جده الاعلى بشير جنبلاط الذي علق على اسوار عكا).
XXX
ويرد انصار المقاومة بأن العدوان الاسرائيلي والخطر الاسرائيلي على لبنان قد وجد مع وجود اسرائيل في 1948.
ومع موافقتنا التامة على الطرح الواقعي للمقاومة، فإنه يبقى طرحا تكتيكيا وناقصا؛ فمن الخطأ الفادح الاعتقاد ان الصراع مع اليهودية قد بدأ مع بن غوريون، مؤسس اسرائيل، او مع هرتزل، مؤسس الصهيونية، بل هو صراع قديم جدا، بدأ مع ظهور اليهودية ذاتها على مسرح التاريخ.
ويقول انطون سعادة، مؤسس الحزب السوري القومي الاجتماعي، عن حق: "إن الصراع مع اليهود هو صراع وجود لا صراع حدود". وقد اعدم انطون سعادة بشكل غادر وظالم ومشين في 1949، اي بعد سنة فقط من قيام اسرائيل (وهذا لم يكن صدفة روزنامية)، بأمر من السفارات الغربية، وبالتواطؤ بين البرجوازية اللبنانية الطائفية والفاسدة والخائنة وبين الدكتاتورية السورية التي كانت ولا زالت تضطلع بدور "قاتل" كل توجه قومي وتحرري حقيقي في لبنان. وقد اثبتت كل المرحلة التاريخية التي اعقبت اعدام انطون سعادة صحة مقولته حول "صراع الوجود" مع اليهود واسرائيل.
واذا كنا نوافق على مقولة انطون سعادة علينا ان نحدد ما هي طبيعة، او محتوى هذا "الصراع الوجودي" مع اليهود:
أ ـ هل هو صراع وجودي ـ قومي وعنصري، من الجانبين؟ اي بين العرب والعبرانيين؟!
ب ـ ام هو صراع وجودي ـ ايماني وديني من الجانبين ايضا؟ اي بين المسيحية والاسلام وبين اليهودية؟!
أ ـ جوابا على السؤال الاول نقول: ان الاصول العنصرية للعرب والعبرانيين، هي اصول واحدة، هي القبائل العربية القديمة (التي منها: الفينيقيون والاراميون والحميريون والعبرانيون الخ الخ.) وهو ما يسمى بالتعبير "الاوروبي" المعاصر: "الساميين". وليس هناك في التاريخ القديم، السابق على اليهودية (لان اليهود كانوا عبرانيين، فتهودوا؛ ولم يكونوا يهودا فتعبرنوا) اي صراع "قومي" جذري بين العرب والعبرانيين ـ اي "الاصل القومي" لليهود القدماء. والصراع بين العرب والعبرانيين يبدأ لا مع وجود العبرانيين، بل مع ظهور اليهودية، اي يبدأ مع تهوّد العبرانيين. اي ان الصراع ليس مع عبرانية اليهود، بل هو مع يهودية العبرانيين، ولنقل ببساطة واختصارا مع اليهودية، وليس مع العبرانية، اي ليس مع "العنصر القومي" لليهود.
هذا في الاساس، او الخلفية التاريخية. وفيما بعد، وحتى قيام اسرائيل بالذات، بقي اليهود، او العبرانيون المتهودون، يعيشون الى جانب العرب، في كل ما مر على المنطقة من تقلبات وصراعات، وبالرغم من كونهم اقلية، وبالرغم من كل البشاعات التي ارتكبوها. ولم يستغل العرب وضعهم الاكثري، و"عقيدتهم" المغايرة (المسيحية والاسلام)، وحتى لم يستخدموا "حق الثأر" المشروع في عادات واخلاقيات الازمنة الماضية، لازاحة وطرد وتهجير اليهود (= العبرانيين)، حتى لما بعد قيام اسرائيل ذاتها. وهذا ما ازعج بشكل غير معقول الصهيونية العالمية. وعمليات التهجير لليهود او الهجرة اليهودية من البلدان العربية، التي تمت بعد قيام اسرائيل، انما تمت بتأثير عاملين:
الاول ـ تآمر السلطات "العربية" الموالية تماما للغرب الاستعماري، مع المنظمات السرية الصهيونية والمخابرات الاسرائيلية لافتعال تفجيرات وما اشبه معادية لليهود، من اجل تخويفهم واجبارهم على الهجرة الى اسرائيل. او القيام بصفقات سرية بين اسرائيل وبعض الانظمة العربية لتنظيم هجرة اليهود العرب (=العبرانيين) الى اسرائيل، وقبض او عدم قبض الثمن.
والثاني ـ امتثال اليهود العرب (=العبرانيين) انفسهم، لاوامر المنظمات الصهيونية بالهجرة الى فلسطين المحتلة، فرديا او جماعيا، تحت ضغط التهديدات من جهة، والاغراءات من جهة اخرى، وعدم الشعور بالانتماء الوطني والعربي لغالبية اليهود العاديين نظرا للثقافة العنصرية التي نشأوا عليها، والمصلحة البراغماتية والمافياوية التي كانت تربطهم بشكل نفعي وانتهازي لا غير بـ"اوطانهم!" = بلدانهم العربية السابقة. وطبعا هذا لا يشمل اقلية من "اليهود اللايهود": الشيوعيين الحقيقيين والامميين الحقيقيين، الذين لا زالوا يؤمنون بعروبتهم، والذين كانوا ضحية الموجة الصهيونية الكاسحة في صفوف اليهود واضطروا لاناخة الرأس للعاصفة (وهذا يذكرنا بواقعة تاريخية مشابهة، وهي اضطرار الحزب الشيوعي الالماني في حينه، لاتخاذ قرار بانتساب اعضائه الى الحزب النازي الهتلري، لتجنب الاضطهاد والاعتقال والتصفية الجسدية، لمجرد عدم الانتساب الى الحزب النازي).
ب ـ وجوابا على السؤال الثاني نقول: ان الصفة "العقائدية" و"الدينية" المميزة للعرب، هي انهم أمة تسامحية. فليس من الصدفة ان اليهودية والمسيحية والاسلام ولدت كلها في المنطقة العربية بالذات. والسيد المسيح ("الناصري"، اي ابن الناصرة، اي انه كان اراميا وليس عبريا، قوميا، ولكنه كان يهوديا كمعتقد)، الذي اصر اليهود على قتله بمشاركة الرومان، قال "ما جئت لانقض" (أي لينقض اليهودية)، "بل لأكمّـل" (اي ليبرئ الدين اليهودي من وضاعته، ويجعل الدين منزها و"الهيا" فعلا، و"امميا" (لكل الامم)، و"كماليا" اي "اكثر كمالية"، وليس "اكثر يهودية")؛ وحتى وهو ينازع على الصليب قال مسامحا ومتسامحا "اغفر لهم يا ابتاه، لانهم لا يدرون ماذا يفعلون". والقرآن الكريم حاول ـ لحكمة لا يدريها الا الله! ـ ان يخفف من جريمة صلب السيد المسيح فقال "شبّه لهم". الا ان الانجيل المقدس يقول انه حينما غسل بيلاطس البنطي يديه قائلا "انا بريء من دم هذا الصديق"، أصرت طغمة اليهود وطغامهم على صلبه وصرخوا قائلين "ليكن دمه علينا وعلى ذريتنا من بعدنا"؛ واننا نجد في القرآن الكريم ردا ضمنيا على هذه "الادانة الذايتة" للاجيال اليهودية القدمة، ردا تسامحيا يبرر ويبرئ الاجيال اليهودية الجديدة من جريمة صلب المسيح، وهو القول "ولا تزر وازرة وزر اخرى". وتأتي هذه التبرئة الضمنية في سياق القرآن الكريم قبل قرون طويلة من قيام بابا الفاتيكان بولس السادس سنة 1965 بتبرئة اليهود باسم الكنيسة الكاثوليكية من المسؤولية الجماعية عن جريمة صلب السيد المسيح، بعد نحو ألفي عام. والقرآن الكريم حينما ينتقد اليهود، ينتقد النفاق اليهودي والمنافقين من اليهود، ولا ينتقد اليهود ككل، وكبشر، كما تدعو التوراة الى ابادة العرب ككل، وكبشر، وتحديدا كعرب (الكنعانيين الخ). وفي الوقت ذاته يعتبر القرآن الكريم اليهود "اهل كتاب" و"اهل ذمة".
وهذا التسامح يدخل في صلب التعاليم والعقائد والكتب المقدسة المسيحية والاسلامية. هذا على المستوى "الديني" و"الروحي" و"الالهي"، ونترك لرجال الدين المسيحيين والمسلمين الاجلاء الخوض في غياهبه "السماوية"، التي ترتقي فوق مستوى فهم خلق الله من البشر الترابيين البسطاء امثالنا.
اما على المستوى البشري، وبالمفاهيم البشرية، فقد اثبتت التجربة التاريخية ان هذا التسامح المسيحي والاسلامي تجاه اليهود واليهودية لم يكن في محله، بل اعطى نتائج معكوسة. فقبل ظهور هذه الديانات، المسماة "سماوية" (اي بما فيها "الديانة!" اليهودية) وحتى ظهور وانتصار الاسلام، كانت شتى القبائل والجماعات العربية تتقبل مختلف الديانات والعقائد والمذاهب والملل والنحل. وكانت تماثيل الازلام (الآلهة الوثنية) تباع بحرية للراغبين، كما تباع الان الايقونات او العبارات والآيات الدينية المخطوطة في الكنائس والجوامع والمكتبات الدينية. وفي مكة المكرمة، قبل الاسلام، كان يوجد اكثر من 350 "الها" كانت تحج اليها شتى القبائل، وكان كل يصلي لـ"الهه". وتتأكد الطبيعة التعددية ـ التسامحية للامة العربية في وضعها الراهن بالذات. حيث ان المجتمع العربي، ورغم كل الصراعات والنزاعات الدينية ـ العقائدية، والطائفية ـ السياسية، يتميز بكونه تركيبة فسيفسائية من جميع الاديان والمذاهب والطوائف، الكبيرة والصغيرة، المتسلطة والمعارضة، الظاهرية والباطنية، بما فيها طبعا اليهودية. بل اكثر من ذلك، وبالرغم من الصراع مع اليهودية، منذ تجويع واستعباد المصريين، ثم مهاجمة وغزو فلسطين، فإن الدين اليهودي وُجد في العراق وفينيقيا وشبه الجزيرة العربية ومصر وشمال افريقيا، قبل ظهور المسيحية (وقد رافق اليهود الفينيقيين حينما ذهبوا الى شمال افريقيا وبنوا قرطاجة)، وبعد ظهور الاسلام (رافق اليهود المسلمين العرب والامازيغ الى الاندلس). بل ان عصر الخلافة (او الامبراطورية العربية ـ الاسلامية) يعتبر، بكل اسف، ويعتبره اليهود انفسهم "العصر الذهبي" لليهودية، الذي لولاه ـ اي لولا هذا "العصر الذهبي" اليهودي في ظلال دولة الاسلام وغفلتها وخيراتها ـ لما كانت دولة الخزر اليهودية (التي هي من صنع اليهود العرب (= العبرانيين) )، ولما كان الغنى الفاحش الذي نقله معهم اليهود "الاندلسيون" الى اوروبا الغربية بعد سقوط الاندلس معززا ـ اي ذلك الغنى الفاحش ـ برصيد هائل من الخبرة والعلاقات التجارية العالمية الواسعة، ولما كانت دولة بني عثمان التي داست سنابك خيلها كل الرؤوس العربية، ولما كانت اسرائيل اليوم. وهذه كلها قضايا تحتاج الى وقفات خاصة. واليوم بالذات، فإن الحكام العرب يزحفون على بطونهم للصلح والاعتراف والتطبيع مع اسرائيل باسم "السلام العادل والشامل". اما اسرائيل فتتدلع وتتلوى كالافعى صالومي (التي قدمتها امها هيروديا الى هيرودوس فطلبت منه، مقابل مضاجعتها، ان يقدم لها رأس يوحنا المعمدان. ولا ندري اليوم مع اي رأس فلسطيني ستشبع اسرائيل من اكل لحوم العرب وشرب دمائهم)، وهي تتابع القتل اليومي للفلسطينيين، ويصح فيها تماما، وفي مقابلها جميع عرب التطبيع، القول المأثور "يرضى القتيل، وليس يرضى القاتل".
ومع كل ذلك لا يمكن لاي عاقل ان ينفي الجانب "الديني" للصراع. ولكنه يبقى صراعا "دينيا" ليس من الجانب العربي كما رأينا ونرى، بل من الجانب "اليهودي" فقط. اي ان "اليهود" ـ وفي نشأتهم الدينية بالذات ـ هم الذين يعادون العرب ويدعون الى قتلهم وابادتهم واغتصاب ارضهم وعرضهم. وهذا ما دعا اليه موسى من جبل الطور، في "العهد القديم" (= التوراة اليهودية) من "الكتاب المقدس". وهو ما يمكن لاي باحث منصف، بل ولأي امي وجاهل ان يعود اليه، ويقرأ كيف ان "رب الجند" او "اله اسرائيل" او "يهوه" اعطى ما يسمى "ارض الميعاد" الى بني اسرائيل، ودعاهم الى ابادة اصحابها العرب (الكنعانيين، اليبوسيين، العموريين، الخ) عن بكرة ابيهم والاستيلاء على بيوتهم واملاكهم ومدنهم وقراهم. اي ان العداء "الديني" هو عداء من طرف واحد: يهودي ضد عربي. وليس بأي شكل من الاشكال لا عربي ضد يهودي، ولا مسيحي ضد يهودي، ولا اسلامي ضد يهودي.
وتوضيح هذه النقطة هو ضروري جدا قبل الانتقال للاجابة عن الاسئلة التالية:
أ ـ لماذا تهود العبرانيون؟
ب ـ ولماذا يعادي اليهود العرب؟ او لماذا تخصيص العرب بالعداء اليهودي؟
ج ـ وبالتالي: لماذا "ارض الميعاد" هي عربية؟ وليس اي "ارض ميعاد" اخرى؟
XXX
بالنظر للممارسة "اليهودية" ضد الجماهير العربية، فإننا ننطلق من نقطة انطلاق اساسية هي:
اولا ـ ان الديانة اليهودية هي اشبه شيء بالمافيا، او هي "ديانة مافياوية".
وثانيا ـ ان اليهود القدماء "تهودوا" (بمعنى "تمفيأوا" او اصبحوا "مافيا") ضد العرب بوجه الخصوص.
وبذلك فـ"اليهودي" له "خاصيتان جوهريتان" او "وجوديتان":
اولا ـ انه "مافياوي" او ابن مافياوي.
وثانيا ـ ان اليهودي "المافياوي"، بطبعه وطبيعته و"دينه!" ودنياه، فإن "مافياويته" هي موجهة اولا ضد العرب، وانه بالتالي معاد للعرب عداء وجوديا. انطلاقا من ذلك، ولكي نفهم "اليهودي" ونحاول استكشاف طريقة "التعامل معه" و"معالجته"، علينا ان نكتشف اولا: كيف ولماذا "تهوّد" العبرانيون؟
طبعا ان العبرانيين لم يولدوا يهودا (اي لم يولدوا مافيا)، ولا يملكون "جينات خلقية" تجعل العبراني بالضرورة يهوديا، مثلما هي الجينات العنصرية التي تجعل الابيض ابيض والاسود اسود الخ. فلو اخذنا مليون طفل يهودي عبراني حديثي الولادة، ووضعناهم في معزل وربيناهم حتى يبلغوا سن الرشد، دون ان يدروا انهم من اصل عبراني ـ يهودي. فبعد ان يكبروا سنجد فيهم كل الخصائص الجسدية والنفسية للعبرانيين كعنصر او قوم، ولكننا لن نجد في اي واحد من المليون اي ظل اثر "يهودي" ـ دينيا.
فالدين اليهودي اذن هو (كانتساب الايطالي ـ الصقلي الى "المافيا") لا يكون بالولادة والفطرة بل هو "مكتسب" اجتماعيا. ولا عجب طبعا ان "يكتسب" العبرانيون دينا ما، مثلهم مثل غيرهم من البشر، ولكن السؤال المثير للعجب هو: لماذا "اكتسب" العبرانيون تحديدا الدين "اليهودي"، اي "دين" الاثرة والتعالي والاستغلال والربا والحقد الخاص على العرب، الذين نشأوا بينهم وعاشوا في ظهرانيهم حتى نشوء اسرائيل؟
وكيف حدث هذا "التهوّد" للعبرانيين، وليس لغيرهم من القبائل والاقوام العربية وغير العربية؟
بعض التحليلات تعطي تفسيرا دينيا "الهيا"، نحن نراه مغلوطا، لظهور اليهودية، تقول ان الشامان موسى هو "كليم الله"، اي ان "الله" (سبحانه تعالى) ظهر على موسى في جبل الطور، وان موسى "كلم" الله، الذي سماه موسى "يهوه". وان هذا "اليهوه" اطلق على العبرانيين تسمية "شعب اسرائيل" واعطاهم منزلة "شعب الله المختار"، وانه ـ اي هذا "اليهوه" ـ دعا موسى و"شعبه المختار" لغزو ارض الميعاد وابادة اهلها العرب و"كسرجميع الامم".
وبقبول هذين الدعوة والوعد من قبل العبرانيين، اصبحوا ـ دينيا ـ "يهودا"، اي اصبحوا "شعب الله المختار"، الذي يجوز له القتل والفتك والسلب والنهب وانتهاك العرض واغتصاب الارض. ولكن بتفسير بسيط يقوم على المفهوم البشري المنطقي العادي، فهذا يعني ان اساس او محتوى ما يسمى "العهد الالهي" بين يهوه و"شعبه المختار" لا يعدو كونه "صفقة" بين رئيس عصابة وعصابته لغزو وسلب ونهب جماعة او جماعات اخرى من الناس وقتلهم وابادتهم والاستيلاء على املاكهم وارزاقهم واراضيهم وبيوتهم.
ولا يغير في الطبيعة العملية لهذه الصفقة اللصوصية ان تعطى صفة دينية والهية منتحلة.
وعلى مستوى مسلكي بسيط: لنفترض ان قاتلا محتالا، انتحل هوية شخص ما بأي طريقة كانت، وادعى انه يملك عقارا معينا، وابرز صكوكا مزورة يثبت فيها ادعاءه، ونشب خلاف بينه وبين اصحاب العقار، وقام بقتل بعضهم او كلهم. كيف نفسر هذا المسلك؟ ـ أليس اجراما وقرصنة ولصوصية، وان الصكوك التي ابرزها هي جزء من جريمته المدبرة والمبيتة؟!
وبالمثل: لنفترض اليوم، او الامس، او ما قبل الامس، او غدا، او بعد غد، ان رئيسا دينيا ما، مسيحيا او مسلما او بوذيا او هندوسيا الخ، جمع عددا من مريديه من ابناء دينه، وقال لهم ان "الها" مزعوما ("الهه = الههم" الذي "يهواه" و"يهواهم") "تكلم معه" وقال له بأن يقيم معهم "عهدا"، بأن يهاجموا شعبا آمنا في دولة مجاورة وان يبيدوه ويستولوا على املاكه واراضيه، وبذلك سيحظون برضى هذا "الاله" (الذي "يهواه" و"يهواهم") وسيصبحون "شعبه المختار". ماذا سيقول القضاء في "الدين!" الذي ينتحله هذا الغازي وقاطع الطريق؟ وفي الدولة التي يتبع لها هذا الرجل الدين المزيف وجماعته؟ وماذا ستقول المؤسسات الدولية كالامم المتحدة وغيرها؟ وماذا ستقول الدول المجاورة جميعا؟ هل ستسمح لهذا "الشعب المختار" المزعوم ان يرتكب جرائمه دون عقاب؟ واذا تـُرك بدون عقاب، ما هي الضمانات ان لا يشجعه ذلك على اقتراف الجريمة ذاتها، لاحقا، ضد شعوب اخرى؟
بأي منطق قانوني او اخلاقي، وبأي عرف مسلكي لاكثر الجماعات الانسانية تخلفا وجهلا وأمية، يجوز لشخص وجماعته ان يستبيح جماعة اخرى او شعب آخر بكامله، قتلا ونهبا واغتصابا، لمجرد الادعاء بأن "الها" مزعوما هو "الهه!" اباح له ذلك؟. وهل ان المنطق الديني الصحيح يبيح ارتكاب الجرائم ضد الانسانية، على الطريقة التوراتية. لقد كان هتلر يعتقد نفسه "مسيح عصره"، فلماذا يلومه اليهود على ابادتهم؟ وكان السلطان عبدالحميد وسفاحو بني عثمان القدماء وسفاحو "تركيا الفتاة" العصريون يعتقدون انهم يطهرون "دار الاسلام" و"الوطن التركي" من المشركين والكفار والفجار و"الخونة"، فلماذا يلومهم الارمن واليونانيون والاشوريون واللبنانيون والعرب والاكراد على المجازر التي ارتكبت ضدهم؟
ان مثل هذا التحليل او التفسير هو تفسير سطحي ولااخلاقي وعنصري:
ـ فكيف يجوز (دينيا واخلاقيا) ان يكون "اليهوه" هو "الله"، وان يدعو الى ابادة العرب؟
فـ"الله" (سبحانه تعالى) في المفهوم الديني، يمثل "الخير المطلق"، وينظر الى كل الناس بأنهم "ابناء الرب تدعون" و"الخلق كلهم عيال الله". وبالتالي فإن "اليهوه"، الذي يدعو الى ابادة العرب، او اي شعب آخر، لا يمكن ان يكون "الله"، بل هو عدو "الله"، ولنسم هذا "اليهوه" الشرير والسفاح، لنسمه مجازا "الشيطان"، طالما ان كل الاديان تتفق على انه، اي الشيطان، يمثل "الشر المطلق". اذن "اليهوه"، في تفسيرنا الاجتماعي الساذج او البسيط، هو "الشيطان" (بالتعبير الديني. وليسمح لنا رجال الدين بهذه الاستعارة "البيانية" من القاموس الديني، ولهم علينا بالمقابل، ان نسمح لهم بكل رحابة صدر أن يستعيروا ما شاؤوا من مفردات علم الاجتماع البشري). وموسى اذن، ليس "كليم الله" بل هو "كليم الشيطان"، اي انه ليس نبيا، بل هو شامان وساحر كان يضحك على عقول الناس ويضللهم كما تفعل اليوم آلة الاعلام الامبريالية ـ الصهيونية العالمية. وحينما تقوم بعض التحاليل الدينية وغير الدينية بتسمية الدين اليهودي (اليهوهي ـ الشيطاني) دينا "الهيا!" (على طريقة تسمية فلسطين ـ "اسرائيل")، فهي ترتكب خطأ مبينا ومميتا، لانها تسمي الشيء بضده تماما.
فاذا لم يكن العبرانيون قد "تهودوا" بسبب عنصري ـ قومي، او بسبب "ديني" الهي، فلا بد ان يكون هناك سبب آخر جوهري، دفعهم الى التهود.
واذا لم يكن هذا السبب موجودا في غياهب الميتافيزيقا "الالهية" "الماورائية"، او في مجاهل "الغابة المخلوقاتية" الداروينية، فلا يبقى امامنا الا ان نبحث عنه في مجاهل "الغابة الاجتماعية"، اي في قوانين المجتمع البشري ذاته.
اي لا يبقى الا ان ننظر في السبب التاريخي ـ الاقتصادي ـ الاجتماعي ـ السياسي، الذي دفع العبرانيين الى "التهود". وهذا يحتاج الى وقفة خاصة.
XXX
ولكن قبل البحث في السبب الاجتماعي ـ التاريخي لتهود العبرانيين، هناك مسألة اجتماعية ـ اعلامية قائمة لا بد من بحثها واخذ الموقف منها ، على مختلف المستويات: الدينية والسياسية والقانونية، وهي مسألة: تشريع واباحة الدعوة والدعاية "اليهودية!" لابادة العرب.
عشية وخلال الحرب العالمية الثانية فإن جميع القوى التقدمية والوطنية والدمقراطية في العالم وقفت بوجه النزعة الفاشستية والنازية وقامت شعوب بأسرها بمحاربة المحور الهتلري وانتصرت عليه. وبالرغم من ظهور حينذاك بعض الاتجاهات والاصوات العربية المؤيدة لهتلر (على اساس انه ضد المستعمرين الانكليز والفرنسيين والصهاينة)، الا ان هذه الاتجاهات والاصوات ظلت معزولة، ولم تصل ابدا الى مستوى موقف شعبي عربي عام ضد اليهود والى جانب قوات رومل التي نزلت في الاراضي العربية في شمال افريقيا. ولو وقفت الشعوب العربية موقفا عنصريا ضد اليهود ومؤيدا للنازية، لما بقي يهودي واحد على الارض العربية، ولربما كان مجرى الحرب كله تغير. وقد تكبدت الشعوب السوفياتية خاصة، وشعوب العالم عامة، عشرات ملايين القتلى والجرحى والمعاقين، لاجل القضاء على الوحش النازي.
ومع ان النازية والفاشية لا تنتحل صفة "الالوهية"، فمن وجهة نظر انسانية وحقوقية وسياسية، تمنع اليوم، بموجب القوانين والقرارات الصادرة عن الامم المتحدة وغيرها، جميع التنظيمات النازية والفاشية والعنصرية، وتمنع كتبها وموادها الاعلامية، التي تعتبر تحريضا على التمييز العنصري والحقد القومي وعلى القتل والابادة.
والدول العربية هي جميعا اعضاء في هيئة الامم المتحدة، وبعضها من الاعضاء المؤسسين، بل ان لبنان ساهم (بشخص مندوبه حينذاك الدكتور شارل مالك) في صياغة "شرعة حقوق الانسان" التي صدقت عليها الجمعية العامة للامم المتحدة في كانون الاول / ديسمبر 1948، وكان شارل مالك العضو المقرر في لجنة الصياغة.
ـ فكيف يجوز ان ترضى الدول العربية، وجميع دول العالم الموقعة على شرعة حقوق الانسان، وان ترضى المراجع الدينية المسيحية والاسلامية، وعلى رأسها الفاتيكان، بالسماح بالدعاية اليهودية العنصرية المعادية للعرب، والداعية الى قتلهم وابادتهم، باسم "الدين" وباسم "الله"؟! وهو ما نجده في التوراة اليهودية المنتشرة في كافة ارجاء العالم؟؟!!
ـ وكيف يجوز السماح بوجود "تنظيم" عنصري يحمل زورا وانتحالا اسم "ديانة!" يدعو ويربي اعضاءه على قتل العرب وابادتهم؟؟!!
ان كل دين يثقف رعيته بأنه هو الاصوب، وهو الدين الحق. ولكن الفارق بين "اليهودي" من جهة، والمسيحي والمسلم من جهة اخرى، ان كلا من المسيحي والمسلم ينظر الى الطرفين الآخرين، وفي اسوأ الاحتمالات، بأنهم خراف "ضالة" ويجب "تبشيرها" و"ارشادها" الى الطريق القويم والصراط المستقيم. اما اليهودي (وبحسب "الثقافة" التوراتية)، فهو ينظر الى العرب، المسيحيين او المسلمين، بأنهم قطيع ماشية ينبغي ذبحه حين يمكنه ذلك.
ـ فلماذا تمنع المواد الاعلامية والاحزاب والتنظيمات النازية، التي تدعو الى ابادة اليهود؟
ـ ولماذا يسمح بطباعة ونشر المواد الاعلامية (التوراة خصوصا) والتنظيمات "الدينية!" اليهودية، التي تدعو علنا الى ابادة العرب!
ـ كيف يطلب من المسيحيين ان يتسامحوا في جريمة صلب السيد المسيح، وان يعلنوا عدم مسؤولية الاجيال اليهودية عن تلك الجريمة الكبرى؟ ولا يطلب من اليهود ان يعترفوا بأن بعض جدودهم قد اسهموا بجريمة صلب السيد المسيح، حتى لو لم يعترفوا (وبالناقص ان اعترفوا او لم يعترفوا) ان ذلك المسيح هو "مسيحهم" (وهو طبعا ليس مسيحهم)؟
ـ ان منع الدعاية والتنظيمات المعادية لليهودية، وفي الوقت ذاته السماح باليهودية والتوراة المعاديتين للعرب، يدفع اليهود فعلا للنظر الى انفسهم بتكبر وعجرفة وتعال على العالم اجمع، وخصوصا على العرب، الذين يرضون بمثل هذا الذل والهوان!
ـ ان الصهيونية هي نتاج واداة سياسية لليهودية؛ ولكن الاساس العنصري المعادي للعرب يكمن في ما يسمى "الديانة!" اليهودية وما يسمى "الكتاب المقدس ـ العهد القديم" اي "التوراة". فاستمرار اعتراف العرب، المسيحيين والمسلمين، باليهودية كـ"دين!" وبالتوراة كـ"كتاب مقدس!" (اللذين يدعوان الى ابادة العرب) هو اعتراف ضمني بصدقهما، وبأن العرب هم "مخلوقات" غير واجبة الوجود، وان ابادتهم هي "ارادة الهية!".
فإلام هذا "الاحتقار الذاتي العربي"؟
وإلام هذا "الهوان العربي"؟!
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
*كاتب لبناني مستقل




#جورج_حداد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ازمة الكتاب العربي
- ستراتيجية المقاومة وتحديد الاعداء، الاصدقاء والحلفاء
- الكيانية اللبنانية ...الى أين؟!
- هل يكون لبنان الضحية الثانية بعد فلسطين؟!!
- جورج حبش: مأساة الامة العربية والعالم المعاصر في مأساة رجل
- بين زيارتين رئاسيتين: بوتين يحقق نقلة نوعية كبرى في الجيوبول ...
- من كاتون الكبير الى بوش الصغير: -قرطاجة يجب ان تدمر!-
- -3 الاعلام الامبريالي الاميركي الصهيوني وامكانيات الرد الث ...
- 2 الاعلام الامبريالي الاميركي الصهيوني وامكانيات الرد الثو ...
- 1 الاعلام الامبريالي الاميركي الصهيوني وامكانيات الرد الثور ...
- عقدة كيانية سايكس بيكوية، حلها في الميدان لا في البرلمان
- حوار الطرشان ... حقا طرشان!!!؛
- العداء الاستعماري الغربي للشرق العربي، و-الوعد الشيطاني-؛
- الشهيد ياسر عرفات... ضحية وهم -السلام- مع اسرائيل
- وأي رئيس جمهورية يريد حزب الله؟!
- وثيقة شيوعية بلغارية تفضح التواطؤ الستاليني الصهيوني
- العرب والبلغار على المسرح الحضاري العالمي
- حرب تموز 2006، والخطة -السلمية- الاميركية لاحتواء حزب الله
- الفتنة ليست طريق الخلاص لسوريا
- اغتيال الشيخ رفيق الحريري وصراع الكتل المالية الدولية للسيطر ...


المزيد.....




- -باسم يوسف- يهاجم -إيلون ماسك- بشراسة ..ما السبب؟
- إسرائيل تغتال قياديا بارزا في -الجماعة الإسلامية- بلبنان
- -بعد استعمال الإسلام انكشف قناع جديد-.. مقتدى الصدر يعلق على ...
- ماما جابت بيبي.. تردد قناة طيور الجنة الجديد الحديث على القم ...
- معظم الفلسطينيين واليهود يريدون السلام، أما النرجسيون فيعرقل ...
- معركة اليرموك.. فاتحة الإسلام في الشام وكبرى هزائم الروم
- مصر.. شهادة -صادمة- لجيران قاتل -طفل شبرا-: متدين يؤدي الصلو ...
- السعودية.. عائض القرني يثر ضجة بتعداد 10 -أخطاء قاتلة غير مع ...
- كاهن الأبرشية الكاثوليكية الوحيد في قطاع غزة يدعو إلى وقف إط ...
- العراق.. المقاومة الإسلامية تستهدف هدفاً حيوياً في حيفا


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جورج حداد - الهوان العربي